(آيفكس/ هيومن رايتس ووتش) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إنه يجب على النيابة العامة فتح تحقيق مستقل في الادعاءات الخطيرة باستخدام القوة المُفرطة من جانب قوات الأمن خلال احتجاجات 25 مارس/آذار2010، في عمّان. وينبغي أن يتضمّن التحقيق النظر في فشل قوات الأمن في منع عنف أنصار الحكومة الذي مارسوه ضد المحتجين المطالبين بالإصلاح. وقالت […]
(آيفكس/ هيومن رايتس ووتش) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إنه يجب على النيابة العامة فتح تحقيق مستقل في الادعاءات الخطيرة باستخدام القوة المُفرطة من جانب قوات الأمن خلال احتجاجات 25 مارس/آذار2010، في عمّان. وينبغي أن يتضمّن التحقيق النظر في فشل قوات الأمن في منع عنف أنصار الحكومة الذي مارسوه ضد المحتجين المطالبين بالإصلاح.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن الأردنية لديها سِجل بائس في المحاسَبة القانونية وقد أظهرت أنها عاجزة عن إجراء تحقيق موثوق به في تصرفات قوات الأمن. وحتى عندما لا تنطوي الاحتجاجات على أي بعدٍ سياسي، مثل مباراة لكرة القدم في ديسمبر/كانون الأول التي ضربت فيها الشرطة المشجعين؛ فلم تُحاسَب قوات الأمن.
وقال كريستوف ويلكى، باحث أول لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “إذا كان الأردن جاداً في متابعة دعوة الملك عبد الله للإصلاح، فإن بإمكانه أن يبدأ عن طريق مُحاسبة أجهزته الأمنية. إن وعود الإصلاح السياسي تصبح جوفاء حينما تقوم الشرطة بضرب المُتظاهرين، أو تقف موقف المتفرج على الفصائل الموالية للحكومة وهي تشنّ هجمات عنيفة على المتظاهرين”.
وقد تحدّثت هيومن رايتس ووتش مع ستة شهود، وكانوا قد حضروا المظاهرات في 25 مارس/آذار، بميدان جمال عبد الناصر، والذي يُسمى أيضاً بدوار الداخلية، في عمّان. اعتدى المئات من أنصار للحكومة، والذين يُطلِقون على أنفسهم (نداء الوطن)، على عددٍ أكبر من المتظاهرين المُنادين بالإصلاح والمُجتمِعين تحت راية ما يُسمى بـ “حركة 24 آذار”. وكانت مجموعة الإصلاح قد تجمّعت عند دوار الداخلية في 24 مارس/آذار عازمةً على البقاء هناك للضغط من أجل الإصلاح.
قدّم الشهود، الذين تحدثوا بشرط عدم ذكر أسمائهم خوفا من انتقام الحكومة، روايات متسقة لا اختلافات فيما بينها، تصف فشل الشرطة في وقف العنف ضد المتظاهرين المؤيدين للإصلاح في كل من 24 و25 مارس/آذار، عندما انضم الدَرَك إلى أنصار الحكومة، وهاجَموا الداعين إلى الإصلاح بالحجارة والعصي وخراطيم المياه لتفريقهم.
فشل إجراءات الحِماية
وقال الشهود أنه بحلول مساء يوم 24 مارس/آذار، كوّن عدد صغير من ضباط الأمن صفاً للفصل بين بضع مئات من المتظاهرين المؤيدين للإصلاح وعشرات من المتظاهرين المؤيدين للحكومة. وقد بقي الوضع سِلمياً حتى حوالي الساعة 10:30 مساء، عندما بدأ أفراد من الجمع الموالي للحكومة في رشق المتظاهرين المؤيدين للإصلاح بالحجارة من على جسر الدوّار، مما أسفر عن إصابة ما لا يقل عن رجل واحد. وقال عدة شهود أن قوات الأمن لم تتدخل.
وفي 25 مارس/آذار، اجتمعت حشود أكبر مؤيدة للإصلاح في الدوار، بينما نظّم المُتظاهرون الموالون للحكومة فعالية في مكان آخر في عمّان. ابتداء من وقت صلاة الظهر، اقتربت مجموعة موالية للحكومة من الدوار، على حسب شهود عيان، وبدأت في ترديد: “الشعب يُريد إسقاط الأحزاب [السياسية]”، في إشارة إلى محاولات الحكومة لإصلاح قانون تنظيم الأحزاب السياسية، و”بالروح بالدم نفديك يا أبو حسين”، في إشارة إلى الملك عبد الله، و”الله، عبد الله، الله، عبد الله”.
حوالي الساعة الواحدة ظهراً، بدأ الفصيل الموالي للحكومة برمي الحجارة، بينما شكّلت قوات الأمن خط حماية بين المجموعتين. وقال أحد الشهود أن ضباط الأمن اصطفوا أيضا أمام متظاهري الإصلاح، وذلك باستخدام سجادات الصلاة لحمايتهم. وقال شهود عيان لـ هيومن رايتس ووتش أن بعض رجال الشرطة قد أصيبوا. وقالوا أن بعض المطالبين الإصلاح ألقوا الحجارة رداً على الجانب المؤيد للحكومة. وكانت مقاطع الفيديو التي صُورّت أثناء المظاهرة قد وضحّت هذه الواقعة.
على الرغم من ذلك، لم تبذل الشرطة جهداً أكبر لوقف الاعتداءات. وقالت إحدى الشاهدات أن أحد ضباط الشرطة قال لها أنهم “لا يُريدون تصعيد” الأمور، ولهذا لم يتحرّكوا ضد المعتدين المواليين للحكومة. كما أن الشرطة لم تمنع الوصول إلى الجسر، أو إلى مبنى مجاور فارغ، وكان المهاجمين يُلقون منه الحجارة.
سدّت الشرطة الطرق المؤدية إلى الدوار خلال الساعات التالية، ولكن، وبناءً على الفيديو الذي بثه موقع أخبار عمون المعروف، يظهر ضباط الشرطة وهم في موقف المتفرج، لا يتدخلون، فيما كان مؤيدو الحكومة يتوجّهون إلى اليسار، رامِين الجنود بالحجارة والهراوات. وقال أحد الشهود أيضا أن الشرطة لم تُبدِ مقاومة تذكر ضد مجموعة من عدة مئات من الأشخاص حاملين للعصي يقتربون من اليسار حوالي الساعة الرابعة مساء. وقال شاهد آخر أن بعضاً من مؤيدي الحكومة وصلوا في سيارات، وتمكنوا من اختراق الطوق الأمني.
وقال شاهدُ ثالث أنه وصل قبل الخامسة والنصف عصراً بقليل، من اتجاه فندق ماريوت، غرب الدوار، حيث رأى “مجموعة من نحو 10 بلطجية يرتدون ثياباً مدنية، ويحملون عصي وهراوات، ويخرجون من سيارات “فان” رسمية تابعة للدَرَك، مُتحركّين نحو المتظاهرين الذين يهربون من الدوار”. عند الزاوية التالية رأى “مجموعة من المتظاهرين الموالين للحكومة يحملون العصي، وكان ضباط الشرطة يقفون بجانبهم … [كان] محتج قد تعرّض للضرب بالعصا من قبل بلطجي، وعلى بُعد خمسين مِتراً كانت تُوجد دورية للشرطة ولكنها لم تتدخل”.
تطل مديرية عمان على الدوار مباشرة، وهي مقر أمني وإداري. ويقع مبنى وزارة الداخلية المركزي على بُعد بضع مئات من الأمتار، إلى الشمال الغربي من الدوار.
وقال كريستوف ويلكى: “حاولت الحكومات في مصر واليمن هذا التكتيك القديم المُتعِب لجعل ما يسمى بالمتظاهرين الموالين للحكومة يقومون بعملهم القذر بالنيابة عنهم”. وأضاف: “من المؤسف أن الحكومة الأردنية تحاول الاختباء وراء البلطجية بدورها.”
تفريق عنيف للمتظاهرين
وَصَفَ الشهود من جانبهم كيف أنه بعد أن اخترق البلطجية الموالين للحكومة خطوط الأمن بوقت قصير، دخلت اثنتان أو ثلاث من سيارات الدَرَك، واحدة منها مزودة بخرطوم مياه، ووجهّت الماء لعدة دقائق تجاه المتظاهرين المطالبين الإصلاح، الذين تجمّعوا تحت الجسر في أحد أركانه. وقال الشهود أن ضباط الدرك دخلوا سيرا على الأقدام وهدموا خيام المحتجين وضربوا المتظاهرين بدون تمييز.
وقال صحفيٌ لـ هيومن رايتس ووتش، أنه في طريقه قاماً من منطقة جبل حسين جنوبيّ الدوار: “بدأ البلطجية ومئات من ضباط الدرك والأمن في تكسير سيارة تابعة للمظاهرة وسماعات كانت تعلوها، ونزعوا الملصقات واللافتات. وكان المئات من البلطجية… يرمون الحجارة والصخور على المتظاهرين المُحاصرين ويضربونهم بالعصي. ولجأ الدَرَك إلى استخدام الهراوات لضرب المتظاهرين، وضُرِبت أنا مِن قِبَل الدَرَك وضابط شرطة على وجهي ويديّ مرة أخرى”.
كما رأى هذا الشاهد أيضاً ضابط الدرك يستخدم هراوة من البلاستيك لضرب متظاهرٍ على الأرض، كان قد سقط أرضاً فيما كان يحاول الفرار. وقال الشاهد أن أحد ضباط الدرك قام بتحطيم الإمدادات الطبية داخل الخيمة الطبية التي نصبها المتظاهرون المطالبون بالإصلاح.
وقال شاهد آخر أن ثلاث سيارات فان تابعة للدرك طوّقت متظاهري الإصلاح قبل توجيه خراطيم المياه إليهم، متبوعة بضباط تقدموا على أقدامهم سائرين يكسرون خِيام المحتجين، و”يضربون المُتظاهرين بالعصي وبالأيدي”، قبل أن ينضم إليهم “المتظاهرون الموالون للحكومة في ضرب ورمي الحجارة. وسُمِح للمتظاهرين المؤيدين للحكومة، أو البلطجية، بمهاجمة مُتظاهري الإصلاح ولم يوقفهم أحدٌ”.
وأكد شاهد ثالث أن سيارات الفان التابعة للدَرَك رشّت عليه وعلى المُتظاهرين الآخرين الماء، قبل أن يبدأ الضباط في: “ضربنا بالعصي، إلى جانب المحتجين [الموالين للحكومة]”. وقال أن ضابطاً من الدرك، وضابط أمنٍ آخر، وبلطجيّ “ضربوني حتى فقدتُ الوعي”.
سِجل بائس في المُحاسَبة
تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى ثلاثة ناطقين باسم الحكومة في 28 مارس/آذار حول ما إذا كانت الحكومة قد أعلنت عن أي تحقيق في أحداث 25 مارس/آذار. وقال كل مِن د.طاهر العدوان، المتحدث باسم الحكومة، ومحمد علي، من مكتب الناطق باسم وزارة الداخلية، ود. رافع البطانية، وهو مسؤول حقوق الإنسان في وزارة الداخلية، أنه لم يتم الإعلان عن أي تحقيق. ورفض محمد الخطيب، المتحدث باسم الأمن العام، أن يُعلق على الأسئلة.
وقالت هيومن رايتس ووتش أنه خلال موجة الانتفاضات العربية في عام 2011، كان الأردن حتى الآن هو البلد الوحيد الذي عُرف عنه القيام بملاحقة المتظاهرين الموالين للحكومة قضائياً، عن أعمال العنف ضد المتظاهرين من أجل الإصلاح، رغم أن التحقيقات في مصر وتونس لا تزال جارية، بحسب تقارير إخبارية. وأُجريَت عشرات المظاهرات السلمية في الأردن منذ يناير/كانون الثاني، واعتدى البلطجية على المتظاهرين مرة واحدة فقط؛ في 18 فبراير/شباط. وقال العدوان أن بعد الضغوط الإعلامية، قام أعضاء النيابة العامة بفتح تحقيق وجرى اتهام أكثر من 10 أشخاص في المحكمة.
إلا أن السلطات الأردنية لم تُحقق في سلوك قوات الأمن، أو هي أعلنت على الملأ عن أية تحقيقات في سلوكهم. ورداً على سؤال حول سلوك قوات الأمن أثناء الهجوم على المحتجين يوم 18 فبراير/شباط؛ كتب الخطيب لـ هيومن رايتس ووتش أنه لم يكن هناك أي تحقيق وأن “عمل وواجب قوات الأمن هو حماية المتظاهرين فقط”. ونقلت نيويورك تايمز عن شهود قولهم: “قوات الشرطة التي كانت في مكان الحادث لم تتدخّل” ضد المهاجمين، وعن شاهد آخر قوله: “على الرغم من طلبنا للمساعدة، إلا أنها [الشرطة] رحلت”.
فشل الحكومة في التحقيق، أو الإعلان عن نتائج التحقيق، في ادعاءات الاستخدام المفرط للقوة من جانب قوات الأمن؛ هو نمط مستمر. وقد فشلوا أيضا في اتخاذ إجراءات ضد قوات الدرك التي ضربت مشجعي نادي الوحدات الأردني لكرة القدم بعد مباراة شهدها استاد القويسمة ضد الفريق المنافس الفيصلي، بتاريخ 10 ديسمبر/كانون الأول 2010. وأصيب في ذلك اليوم أكثر من 150 شخصا، وهناك صور ومقاطع فيديو اطلعت عليها هيومن رايتس ووتشة تُظهِر مهاجمة قوات الدَرَك لمُشجعي الوَحدَات العزّل بالهراوات على دَرَج الاستاد.
في ذلك الحين، أعلنت وزارة الداخلية عن تحقيق، لكن لم تعلن عن أي نتائج. ورَفَض عادل روسان، رئيس قسم حقوق الإنسان في وزارة الداخلية وعضو لجنة التحقيق، التعليق على نتيجة التحقيق لـ هيومن رايتس ووتش. وقال رئيس نادي كرة القدم الوَحدَات، طارق خوري، لـ هيومن رايتس ووتش في مارس/آذار، أن التحقيق قد انتهى، ولكن نتائجه لم تُعلَن على الملأ. وأكدّ د.محي الدين طوق، المفوض العام للمركز الوطني لحقوق الإنسان، وهي هيئة مُنشئة بموجب قانون خاص، أنه لم يتم الإعلان عن أي نتائج على الملأ ولم يُتخّذ أي إجراء ضد ضباط الدرك.
وكان الدَرَك قد قدّم تقريراً عن الأحداث التي شهدها استاد القويسمة للبرلمان بتاريخ 15 ديسمبر/كانون الأول، والتي أُعلِنَ عنها في وسائل الإعلام. وقيل أن مُشجعيّ الوَحدَات ألقوا الزجاجات الفارغة على مشجعي الفيصلي الذين غادروا أولاً بعد المباراة. وردّت جماهير الفيصلي برمي الحجارة، مما أدى بمُشجعيّ الوَحدَات إلى اللجوء إلى الدَرجَات الدُنيا الأبعد في الاستاد. ومع ضغط مُشجعيّ الوَحدَات، انهار السياج الذي يفصل بين المشجعين في الملعب، مما تسببّ في وقوع إصابات.
تقرير الدرك لم يذكر استخدام القوة من جانب ضباط شرطة الدرك، ولم يذكر التقرير ضمن توصياته الدعوة إلى إجراء تحقيق. لكن أحد الشهود قال لـ هيومن رايتس ووتش في يناير/كانون الثاني 2011، أن ضباط الدرك “راحوا يضربون مُشجعيّ الوَحدَات الذين كانوا في الجانب الأمامي من الملعب بعِصيّهم. ثم وصل 30 آخرين من أعوان الدرك في غضون دقائق إلى الملعب، وراحوا يضربون بقية المشجعين الذين راحوا يركضون في أنحاء الملعب”.
وثقّت هيومن رايتس ووتش أيضا عدم قيام مديرية الأمن العام بنشر تحقيقاتها في حادثة حريق سجن الموقر في أبريل/نيسان 2008. وكانت هيومن رايتس ووتش والمركز الوطني لحقوق الإنسان قد وثقا ادعاءات خطيرة بخصوص تعذيب السجناء قبل اندلاع الحريق، ولكن لم تتم إحالة أي من مسؤولي السجن للتحقيق.
وفي 2010، غيّرت الحكومة الأردنية تشكيل القضاة في محكمة الشرطة، وهي المسؤولة عن الفصل في أية اتهامات جنائية موجهة ضد عناصر قوات الأمن، بحيث أصبحت المحكمة تضم قاضياً مدنياً. أدعاء المحكمة والقاضيين الآخرين هم من ضباط الشرطة، ويقوم بتعيينهم مدير مديرية الأمن العام.
وقال كريستوف ويلكى: “من الواضح تمام الوضوح أن قوات الأمن الأردنية لا يمكن أن تستجوب نفسها، أو أن يُترك لها أمر محاسبة منتهكي حقوق الإنسان داخل صفوفها”. وأضاف: “الحكومة بحاجة إلى أن تُرخّص للادعاء العام والقضاة المدنيين بإجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة في تجاوزات ضباط الشرطة”.