(آيفكس مراسلون بلا حدود) – ما الذي يجري اليوم في سوريا على مستوى حرية الصحافة؟ من الصعب الإجابة على هذا السؤال لأن العديد من الصحافيين يرفضون الإدلاء بشهادتهم في السر أو في العلن خوفاً من أن تكتشف عناصر الاستخبارات هوياتهم. وتُظهر الشهادات القليلة المتوفرة أن السلطات السورية تمارس انتهاكات ممنهجة لحرية الصحافة. ومن أحدث الأمثلة […]
(آيفكس مراسلون بلا حدود) – ما الذي يجري اليوم في سوريا على مستوى حرية الصحافة؟ من الصعب الإجابة على هذا السؤال لأن العديد من الصحافيين يرفضون الإدلاء بشهادتهم في السر أو في العلن خوفاً من أن تكتشف عناصر الاستخبارات هوياتهم. وتُظهر الشهادات القليلة المتوفرة أن السلطات السورية تمارس انتهاكات ممنهجة لحرية الصحافة. ومن أحدث الأمثلة عن السياسة المتبعة هي إدانة المدوّن كريم عربجي بالسجن لمدة ثلاث سنوات وإقفال مكتب الصحافي مازن درويش في 13 أيلول / سبتمبر.
وفي هذا الإطار، نددت مراسلون بلا حدود بما يحصل: “لقد اشتدت قبضة السلطات منذ أوائل الصيف، إذ نفذت وزارة الإعلام موجة من الاستدعاءات والتوقيفات طالت المدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين والصحافيين. وخضع بعض الصحافيين للاستجواب حول محتوى مقالاتهم التي “تمس بالأمة” أو تهدد “أمن الدولة”. كما تضاعفت عمليات إقفال المكاتب والاستدعاءات، مما أثار استغراب الصحافيين الذين باتوا يشعرون بمزيد من الاضطهاد يوماً بعد يوم.”
وفي 13 أيلول/سبتمبر 2009، أقدمت عناصر من الاستخبارات والشرطة على ختم مكتب الصحافي المستقل ورئيس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، مازن درويش، بالشمع الأحمر. وأعلن درويش :”لم أتلق أي إنذار أو تنبيه من قبل السلطات”. لقد تمت مصادرة كل محتويات المكتب. وفي هذا الخصوص، كتب درويش في إحدى البيانات الصحفية:” تؤكد هذه التدابير القمعية محاولة خنق حرية الصحافة والتعبير (…) في إطار سياسة ممنهجة قائمة على انتهاك الدستور وحريات المواطن السوري الأساسية.”
ويعتبر المركز السوري للإعلام وحرية التعبير المنظمة السورية الوحيدة التي تعنى بمراقبة وسائل الإعلام، والوصول إلى شبكة الإنترنت ورصد وسائل الإعلام السورية خلال الانتخابات. ويتابع المركز، من دون استحصاله على أي إذن، مراقبته للانتهاكات التي تمارس ضد الإعلاميين، وقد لعب دوراً ريادياً في التنديد بقرارات وزير الإعلام، محسن بلال، بعد منعه إصدار عدد كبير من الصحف والمجلات في سوريا.
كذلك في 13 أيلول/سبتمبر، أصدرت محكمة أمن الدولة العليا في دمشق حكماً بالسجن لمدة ثلاث سنوات على المدوّن كريم عربجي “لنشره معلومات كاذبة من شأنها أن تضعف الروح القومية”، وفقاً لما تنصّ عليه المادة 286 من القانون الجزائي. ولا يزال رئيس هذه المحكمة، القاضي فايز النور، يبت في القضايا ويصدر الأحكام على الرغم من أنه تقاعد منذ العام 2000. وقد أوقفت الاستخبارات العسكرية كريم عربجي في 6 تموز/يوليو 2007، فمكث سنتين في السجن الاحتياطي. وكان عربجي يشارك في إدارة منتدى “أخوية” على شبكة الإنترنت وهو منتدى تتداول فيه مواضيع مختلفة. وأشارت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان إلى أن الكتابات الواردة في المنتدى هي السبب في توقيف عربجي وإدانته.
في 14 أيلول/سبتمبر، ووفقاً لعدد من مستخدمي الانترنت في سوريا، تعذّر استخدام موقع سكايز المعني بالدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية.
وفي هذا الإطار، أعلن المركز السوري للإعلام وحرية التعبير أن عدد المواقع الإخبارية المحجوبة في سوريا بلغ 241. وتعتبر الشركة العامة للاتصالات السلكية واللاسلكية والجمعية العلمية السورية مسؤولة عن هذا الحجب. ومن بين هذه المواقع 49 موقعا” كردياً، و35 معارضا”، و 22 لبنانيا” ، و15 حول حقوق الإنسان، و9 معني بالثقافة.
وما هذاه الحوادث سوى الفصول الأخيرة من سلسلة الانتهاكات التي طالت مؤخراً حقوق الإنسان في سوريا.
ففي 29 تموز/يوليو، أغلقت السلطات الأمنية بشكل تعسفي مكتب القناة الفضائية الخاصة، “المشرق”، في دمشق، لتعود وتغلق مكتب القناة في حلب بعد أيام قليلة. وكانت هذه القناة الخاصة تحتل المرتبة الثالثة في سوريا بعد قناتي “الشام” و”الدنيا” من حيث نسبة المشاهدة. ولم يعد بإمكان الصحافيين بعد اليوم العمل داخل البلاد إلا أن القناة قد واصلت بثها.
وفي هذا الإطار، أعلن رئيس تحرير القناة، محمد عبد الرحيم، لمراسلون بلا حدود: “إنه لوضع غريب ومحزن. ما من سبب لهذا الإقفال، لكن ما يحصل لا يفاجئنا”. وقد غادر عبد الرحيم دمشق في 7 أيلول/سبتمبر 2009 بعد مفاوضات غير مثمرة مع السلطات بهدف إعادة فتح المكتبين.
واستدعت السلطات السورية معظم موظفي “المشرق” وطلبت منهم التوقيع على عقد “عدم عمل” مع المساهم الأساسي في القناة أي شركة “لايف بوينت” (Live Point). وقد اشتهرت هذه القناة ببرامجها العصرية التي تتناول الهموم اليومية للشعب السوري.
وفي 13 آب/أغسطس، عمم وزير الإعلام، محسن بلال، قراره بمنع الصحافي المستقل إبراهيم الجبن عن ممارسة مهنته في القناة الفضائية الرسمية، “السورية”، وتصوير حلقات جديدة من برنامج “العلامة الفارقة”، من دون أن يعطي أي تبريرات.
ولفت برنامج “العلامة الفارقة” الأنظار لجرأة أسئلة المقدم، وقد ألغي أو أخرّ بث العديد من حلقاته. وفي 7 آب/أغسطس الماضي، تضمنت الحلقة مقابلة مع رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشعب، سليمان الحداد، وهو أحد الأصدقاء القدماء لمحسن بلال. وقد تكلم الضيف، وهو عضو في حزب البعث، عن تاريخ الحزب قبل العام 1970 حين وصل حافظ الأسد إلى الحكم، وتوقف بشكل خاص عند الخلافات التي نشبت بين الرئيس السابق وأعضاء آخرين من إدارة الحزب مثل صلاح جديد الذي سجن منذ توقيفه عام 1970 حتى وفاته عام 1994، ولم يتمكن يوماً من الوصول إلى وسائل الإعلام السورية. لقد صدر قرار منع بث البرنامج عن الوزير نفسه. وقال إبراهيم الجبن في هذا الإطار: :”أجهل السبب الذي دفع الوزير إلى اتخاذ قرار منع بث العلامة الفارقة”.
وتذكّر مراسلون بلا حدود بأن سوريا تحتل المرتبة 159 من أصل 173 دولة في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي أعدته المنظمة في العام 2008.