طرحت 39 منظمة حقوقية وتنموية مشروعًا مشتركًا بقانون جديد للجمعيات والمؤسسات الأهلية وأرسلت نسخة منه إلى رئيس مجلس الوزراء عصام شرف. يوفر القانون المقترح استقلالية منظمات المجتمع المدني المصرية عن الدولة وأجهزتها الإدارية، وفي الوقت ذاته يؤكد على شفافية أعمال تلك المنظمات من حيث الأنشطة ومصادر التمويل. وبمقتضى القانون المقترح يصير تسجيل الجمعيات والمؤسسات الأهلية بالإخطار فقط، ولدى المحاكم الابتدائية، على أن تصبح وزارة العدل هى الجهة الإدارية المسئولة، كما يتيح أيضًا حرية الانضمام وتكوين الشبكات والتحالفات المحلية والدولية.
(مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان / آيفكس) – طرحت 39 منظمة حقوقية وتنموية مشروعًا مشتركًا بقانون جديد للجمعيات والمؤسسات الأهلية وأرسلت نسخة منه إلى رئيس مجلس الوزراء عصام شرف. يوفر القانون المقترح استقلالية منظمات المجتمع المدني المصرية عن الدولة وأجهزتها الإدارية، وفي الوقت ذاته يؤكد على شفافية أعمال تلك المنظمات من حيث الأنشطة ومصادر التمويل. وبمقتضى القانون المقترح يصير تسجيل الجمعيات والمؤسسات الأهلية بالإخطار فقط، ولدى المحاكم الابتدائية، على أن تصبح وزارة العدل هى الجهة الإدارية المسئولة، كما يتيح أيضًا حرية الانضمام وتكوين الشبكات والتحالفات المحلية والدولية.
كان لمنظمات حقوق الانسان منذ نشأتها أفضلية المبادرة في تقديم مقترحات بقوانين لتحرير العمل الأهلي، وهذا المشروع هو واحد من العديد من المقترحات التي تم تقديمها منذ عام 1985، فقد تم طرحه من قبل في 2009 أي في عهد مبارك، بمبادرة من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان والمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، إلا أنه لم يلتفت إليه من قِبل نظامه في ذاك الوقت. وقد قررت المنظمات الموقعة إعادة طرحه بعد انضمام عدد أكبر من المنظمات، ونظرًا لاستمرار نفس سياسة نظام مبارك تجاه منظمات المجتمع المدني، وخاصة تدخل الجهات الإدارية والأمنية في عملها، بالإضافة إلى شن حملة إعلامية تستهدف تشويه منظمات المجتمع المدني عامة ومنظمات حقوق الانسان على وجه الخصوص، للانتقاص من مصداقية تقاريرها وانتقاداتها لأداء المجلس العسكري وحكومته في مجال حقوق الإنسان. وقد بلغت هذه الحملة مؤخرًا درجة من الانحطاط لم ينحدر إليها نظام مبارك.
وتطرح المنظمات الموقعة هذا القانون كبديل ديمقراطي للقانون الحالي رقم 84 لسنة 2002، الذي يعطي صلاحيات تعسفية لوزارة التضامن والعدالة الاجتماعية، فضلاً عن التدخلات اليومية لأجهزة الأمن في عمل الجمعيات والمؤسسات الأهلية. وقد روعي عند صياغة هذا القانون أن يكون متسقًا مع المعايير الدولية، وذلك لتناقض القانون الحالي مع تلك المعايير، وهو ما كان موضع انتقاد دائم للحكومة المصرية، وخاصة خلال جلسة الاستعراض الدوري الشامل لأوضاع حقوق الانسان بمصر، التي عقدها مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عام 2010، حيث كانت إحدى التوصيات التي قدمتها الأمم المتحدة للحكومة المصرية “الموافقة على تشريع يسمح للمنظمات غير الحكومية بقبول تمويل أجنبي دون موافقة حكومية مسبقة، وعلى تشريع يسمح بزيادة حرية تكوين الجمعيات وحرية التجمع، وتشريع يسمح لنقابات العمال بالعمل دون الانضمام إلى الاتحاد العام لنقابات عمال مصر”.
لقد كان لدى المنظمات الموقعة أمل بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير في أن يتم تحرير المجتمع المدني من قبضة بيروقراطية الدولة وأجهزتها الأمنية، وإتاحة الفرصة له ليمارس دوره الوطني في إرساء قواعد العملية الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية في مصر بعد الثورة، لكن سرعان ما تراجع هذا الأمل، نظرًا لعدم تغير عقلية النظام الحاكم، وفشله في إدارة المرحلة الانتقالية. بل إن جهات التحقيق التي تحقق في نشاط منظمات حقوق الإنسان تستند إلى تقارير قد قام بإعدادها جهاز مباحث أمن الدولة المنحل في عهد مبارك، الذي كانت ممارساته سببًا رئيسيًا من الأسباب التي دفعت المصريين إلى الانتفاض من أجل إسقاط نظامه.
ومن المفارقات المدهشة أن حكومة تسيير الأعمال والمجلس الأعلى للقوات المسلحة تسوق نفس المبررات التي تسوقها الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو لتمرير تعديلات قانونية، من شأنها الحد من حرية عمل منظمات حقوق الانسان في إسرائيل بدعوى حماية الأمن القومي الإسرائيلي، وهو ذات المبرر الذي يسوقه النظام المصري عند هجمته الجارية على منظمات حقوق الإنسان “حماية الأمن القومي المصري”، للتضييق القانوني والإداري والأمني على عمل المنظمات الحقوقية في مصر، بهدف التعتيم على الجرائم التي يرتكبها النظامين. فإسرائيل تستهدف إسكات أصوات المدافعين عن حقوق عرب 48 والفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، والنظام المصري يستهدف إسكات أصوات المنددين بممارسات النظام الجديد، مثل استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين العزل، والإفراط في إحالة المدنيين إلى محاكمات عسكرية، والتعذيب بواسطة الشرطة العسكرية، ومذبحة الأقباط في “ماسبيرو”، وغيرها من الجرائم.
إن المنظمات الموقعة تتمسك بمبدأ حرية التنظيم –وفقًا للمعايير الدولية- كمبدأ لا يقبل التفريط أو التجزئة، وهي إذ تعيد طرح هذا القانون من جديد فهي تستهدف من ورائه التأكيد على مبدأين متلازمين، هما حرية العمل الأهلي بعيدًا عن بيروقراطية الدولة وأجهزتها الأمنية، والالتزام بمبدأ الشفافية في جميع أعمالها.