غياب الإطار القانوني الخاص بالمنظمات المستقلة يجعل النشطاء عرضة إلى الملاحقة في السعودية
المسؤولين السعوديين يرفضون تسجيل المنظمات الحقوقية، وهو ما يجعل المنتمين إليها عرضة إلى المحاكمة الجنائية بتهمة “الاشتراك في إنشاء جمعية غير مرخصة”. ويتعين على السلطات السعودية الكف عن تعطيل تسجيل المنظمات الحقوقية وغيرها من المنظمات المستقلة، وتبني قانون خاص بتكوين الجمعيات يعطي للمنظمات الحق في العمل دون تدخل لا مبرر له من طرف الحكومة.
في 28 أغسطس/آب 2013، تلقى مؤسسو مركز العدالة لحقوق الإنسان قرارا من إحدى محاكم الاستئناف يؤكد رفض وزارة الشؤون الاجتماعية تسجيل المركز. وقالت الوزارة إنها تستطيع تسجيل المنظمات الخيرية دون سواها، وإن أنشطة مركز العدالة لا يشملها تعريف الوزارة لمفهوم “الخيرية”. وكان هذا الرفض أحدث حلقة في سلسلة من قرارات رفض تسجيل منظمات حقوقية أخرى.
قال جو ستورك، القائم بأعمال المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “بلغ عدد الحالات التي رفضتها السعودية 22 حالة، وهي تستغل هذا الوضع لمضايقة نشطاء حقوق الإنسان ومحاكمتهم. ويتعين على السلطات أن تتبنى على الفور قانونًا للجمعيات يستجيب للمعايير الدولية، وأن تسمح لنشطاء حقوق الإنسان وغيرهم من النشطاء المستقلين بالعمل دون مضايقة”.
تحدث مسؤولون سعوديون عن تبني قانون خاص بالجمعيات سيسمح بإنشاء منظمات غير خيرية. وفي 2006، قدمت وزارة الشؤون الاجتماعية مسودة أولى من القانون إلى مجلس الشورى، وهى أعلى هيئة استشارية للملك. واستنادًا إلى المركز الدولي للقانون غير الربحي، وافق مجلس الشورى على نسخة معدلة من مشروع القانون وعرضها على مجلس الوزراء للموافقة النهائية في 2008، ولكن الوزراء لم يتخذوا أي خطوات بشأنه منذ فرغوا من دراسته في 2009. وتسمح آخر نسخة من مشروع القانون للمنظمات بالعمل، ولكن فقط بعد الاستجابة إلى شروط تقييدية جدا.
يوجد مركز العدالة لحقوق الإنسان في المنطقة الشرقية، وهو يسعى، بحسب ما جاء في موقعه الالكتروني، إلى “نشر الثقافة الحقوقية وبناء القدرات”، و”وتعزيز العلاقة مع الجهات الحقوقية والإعلامية”، و”رصد وتوثيق قضايا حقوق الإنسان”، و”ودعم ومساندة ضحايا الانتهاكات”. وكان النشطاء الذين أنشؤوا المركز قد تقدموا إلى وزارة الشؤون الاجتماعية بطلب تسجيل منذ ديسمبر/كانون الأول 2011.
وفي غياب قانون خاص بالجمعيات، تُشرف الوزارة على المنظمات غير الحكومية بحسب ما تنص عليه لائحة الجمعيات والمؤسسات الخيرية (قرار مجلس الوزراء رقم 107 للعام 1990). وتسمح المادة 2 من هذه اللائحة للوزارة بتسجيل الجمعيات التربوية والثقافية والصحية التي “لها علاقة بالخدمات الإنسانية دون أن يكون هدفها الربح المادي”.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2011، أعلمت الوزارة مركز العدالة أنها رفضت مطلبه لأن أهدافه “لا تتوافق مع لائحة الجمعيات والمؤسسات الخيرية”.
وفي أبريل/نيسان 2012، رفع أعضاء من المركز دعوى ضدّ الوزارة في إحدى المحاكم الإدارية، وأوضحوا أن “نشر ثقافة حقوق الإنسان” و”تعليم المواطنين بحقوقهم وواجباتهم” لا تتعارض مع أحكام المادة 2. كما لاحظ محامي مركز العدالة أن إنشاء المركز يتماشى مع الهدف الأول للمخطط التاسع للملك عبد الله، الصادر في 2009، والذي يسعى إلى “ضمان حقوق الإنسان”، وغيره من الأهداف الأخرى.
وبعد معركة قضائية دامت 13 شهرًا، رفضت لجنة من ثلاث قضاة في المحكمة الإدارية بالإجماع مطلب مركز العدالة في 27 مايو/أيار 2013، وساندت موقف الوزارة. وعارض نصّ الحكم، الذي اطلعت هيومن رايتس ووتش على نسخة منه، اعتماد المركز على المبادئ الدولية لقانون حقوق الإنسان، ونصّ على “أنه من المعلوم يقينًا أن كثيرًا من القوانين الوضعية غير موافقة للشريعة الإسلامية، وأن المملكة العربية السعودية دولة إسلامية دستورها هو كتاب الله وسنة رسوله…”.
استأنف مركز العدالة الحكم في 9 يوليو/تموز، لكن محكمة استئناف سعودية أيدت حكم المحكمة الإدارية الصادر في 28 أغسطس/آب،. قال نشطاء محليون لـ هيومن رايتس ووتش إن مركز العدالة ربما يغلق أبوابه في ظل عدم تمرير قانون للجميعات يسمح للمركز باكتساب وضع قانوني.
قال جو ستورك: “في الوقت الذي تخوض فيه السعودية حملة للفوز بمقعد في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة السنة المقبلة، يتعين على الدول الأطراف أن تلاحظ أن محكمة سعودية قضت بأن بعض معايير حقوق الإنسان غير قابلة للتطبيق في المملكة. تُعتبر حرية تكوين الجمعيات مبدأً أساسيًا في حقوق الإنسان، إلا أنه مازال من المستحيل ممارسة هذا الحق في السعودية”.
حالات أخرى
جمعية الاتحاد لحقوق الإنسان
في أواخر أبريل/نيسان، حاولت مجموعة من النشطاء المقيمين في الرياض إنشاء منظمة حقوقية جديد أطلقوا عليها اسم جمعية الاتحاد لحقوق الإنسان، وقدموا مطلبًا لتسجيلها، ولكن الوزارة رفضت المطلب في مايو/أيار. وفي رسالة الرفض، التي اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش، قال مشوح بن عبد الرحمن الحوشان، المدير العام للمنظمات الخيرية، إنه “بدراسة الطلب اتضح أنه لا يتماشى مع لائحة الجمعيات والمؤسسات الخيرية… ويرى التريث لحين صدور نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية الذي يتيح تأسيس جمعيات أهلية في مجال حقوق الإنسان”.
وقال أحد مؤسسي المنظمة لـ هيومن رايتس ووتش إنه تلقى مع ثلاثة أعضاء آخرين في المنظمة استدعاءً من محققين في وزارة الداخلية للتحقيق معهم في مايو/أيار ويونيو/حزيران، وهددوهم بتوجيه تهمة إنشاء منظمة غير مرخص فيها لهم إذا لم يكفوا عن نشاطاتهم. كما قال العضو المؤسس إن المنظمة قررت تعليق أعمالها إلى حين تُصدر السلطات قانونًا للجمعيات.
مرصد حقوق الإنسان في السعودية
قال وليد أبو الخير لـ هيومن رايتس ووتش، وهو ناشط حقوقي ومحامي مستقر في جدة، إنه حاول سنة 2009 تسجيل مرصد حقوق الإنسان في السعودية، ولكن وزارة الشؤون الاجتماعية رفضت طلبه وأغلقت صفحة المنظمة على موقع فيسبوك. كما قال أبو الخير إنه قام بتسجيل المنظمة في كندا في 2012 ثم بعث برسالة إلى الملك يطلبه فيها بالاعتراف بالمنظمة في السعودية، فردّ الديوان الملكي على ذلك بإحالة الطلب إلى وزارة الداخلية التي فتحت تحقيقًا حول المنظمة.
ويواجه أبو الخير في الوقت الحالي محاكمة في المحكمة الجنائية في جدة بتهم منفصلة من بينها “الاعتداء على الجهاز القضائي” و”ومحاولة تشويه سمعة المملكة”.
جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية
قال نشطاء من الرياض لـ هيومن رايتس ووتش إن مؤسسي جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية لم يحاولوا تسجيل المنظمة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية خشية أن يؤدي رفض التسجيل إلى اعتبار المنظمة غير قانونية بشكل رسمي ويعرض أعضاءها إلى الملاحقة الجنائية. وفي أكتوبر/تشرين الأول، قدم أعضاء المنظمة مطلبًا مباشرًا للملك للاعتراف بهم، ولكن الديوان الملكي لم يرد على طلبهم.
وفي مارس/آذار 2013، أدانت محكمة في الرياض محمد القحطاني وعبد الله الحميد، وهما عضوان في المنظمة بتهم من بينها “الاشتراك في إنشاء جمعية غير مرخصة”. كما أمر نص الحكم بـ “حلّ الجمعية المسماة جمعية الحقوق المدنية والسياسية وحسم وإغلاق جميع مناشطها… لعدم حصولها على إذن بمواصلة أعمالها”. كما قضت محكمة جنائية مختصة على محمد البجادي، وهو ناشط آخر في المنظمة، بالسجن لمدة أربع سنوات بلائحة تهم تظم “الاشتراك في تأسيس جمعية غير مرخصة”.
وقال نشطاء محليون لـ هيومن رايتس ووتش إن أعضاء مركز العدالة يخشون أن يجعلهم الحكم القضائي الجديد عرضة إلى المحاكمة الجنائية بسبب المشاركة في منظمة غير مرخصة. ويواجه فاضل المناسف، أحد أعضاء مركز العدالة، محاكمة في إحدى المحاكم الجنائية المختصة بتهم تضمنت “الخروج على ولي الأمر”، بسبب مزاعم تتعلق بالتخطيط لتنظيم احتجاجات والمشاركة فيها. كما اتهمته السلطات بانتهاك أحكام قانون مكافحة جرائم الانترنت و”التواصل مع جهات إعلامية خارجية تسعى إلى تضخيم الأخبار والإساءة إلى حكومة المملكة العربية السعودية وشعبها”. وتم تحديد الجلسة الثانية لقضية فاضل المناسف لـ 22 أغسطس/آب.
مشروع قانون الجمعيات
يوجد في المملكة السعودية هيئتان حقوقيتان تعملان يشكل قانوني. ففي 2005، أنشأ القرار رقم 207 لمجلس الوزراء لجنة لحقوق الإنسان تابعة للحكومة تتمثل مهمتها في ضمان امتثال الحكومة للاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان والعهود التي انضمت إليها المملكة، ومنها الميثاق العربي لحقوق الإنسان، واتفاقية مناهضة التعذيب، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة.
ولمراقبة حقوق الإنسان، أنشئت في 2004 الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بموجب مرسوم ملكي لرصد الانتهاكات ونشر تقارير دورية حول وضعية حقوق الإنسان في البلاد. واستنادًا إلى التقرير الأمريكي لحقوق الإنسان في السعودية لسنة 2012، تتلقى الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان دعمًا ماليًا من صندوق خاص بحوزة للملك الراحل فهد. ولأن المنظمتين تتمتعان بموافقة تنفيذية مباشرة للعمل، فهما لا تخضعان إلى لائحة المؤسسات والمنظمات الخيرية.
وكانت وزارة الشؤون الاجتماعية قد تقدمت بمشروع قانون خاص بالجمعيات والمؤسسات الأهلية، وعرضته على الحكومة للموافقة عليه منذ 2006. وسوف يسمح هذا القانون بالترخيص للمؤسسات والجمعيات الأهلية والعلمية.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2007، قام مجلس الشورى، وهو أعلى هيئة استشارية في السعودية، بمراجعة مشروع القانون، وأصدر نسخة معدلة منه. وفي يناير/كانون الثاني 2008، نشرت جريدة الوطن نسخة من مشروع القانون مع تعديلات أخرى. ويبقى هذا المشروع أحدث نسخة نُشرت للعموم.
وإضافة إلى أن هذا القانون سينشئ الهيئة الوطنية للجمعيات والمؤسسات الأهلية التي لها صلاحية تنظيم المنظمات غير الحكومي، فهو أيضا سيمنح السلطات حرية كبيرة للتدخل غير المبرر في عمل المنظمات. وستتمتع الحكومة بسلطة حلّ مجلس أي منظمة، أو تعويضه، من جانب واحد، في بعض الظروف، مثل العمل ضدّ النظام العام أو عدم احترام الشريعة الإسلامية. ولن يسمح القانون للمنظمات غير الحكومية بالحصول على تمويل أجنبي إلا بموافقة الهيئة. وقالت هيومن رايتس ووتش إن هذه الأحكام القانونية سوف تحدّ بشكل كبير من قدرة المنظمات غير الحكومية على العمل بشكل مستقل.
واستنادًا إلى الموقع الالكتروني لهيئة الخبراء لمجلس الوزراء، التي تقوم بمراجعة ودراسة واقتراح التعديلات التي يأخذها مجلس الوزراء بعين الاعتبار، فإن الهيئة راجعت القانون في 2009، ولكن النتيجة لم تُنشر للعموم.
وفي إطار ما تمكنت هيومن رايتس ووتش من التأكد منه، لم تتخذ السلطات أي خطوات أخرى بشأن مشروع القانون منذ 2009، رغم أن أعضاء من هيئة حقوق الإنسان قالوا لأحد باحثي هيومن رايتس ووتش في الرياض في يوليو/تموز إن القانون مازال قيد الدرس وربما يصدر في وقت قريب.
قالت هيومن رايتس ووتش إن عدم وجود قانون سعودي خاص بالجمعيات يعرض نشطاء حقوق الإنسان إلى العمل دون قاعدة قانونية، بينما تسمح لهم آخر نسخة من مشروع قانون الجمعيات بالعمل فقط في ظروف مقيدة للغاية. ويتعين على السلطات مراجعة وتبني قانون خاص بالجمعيات يسمح للمنظمات الحقوقية وغيرها من المنظمات الأهلية بالعمل بحرية في المملكة.