على 22 ديسمبر 2013 أصدرت محكمة عابدين في مصر حكما ضد ثلاثة من النشطاء الذين كانوا جزءا لا يتجزأ من ثورة 25 يناير لمدة ثلاث سنوات في السجن و غرامة 50،000 جنيه مصري [US $ 7180].
أدانت المنظمات الموقعة أدناه، الحكم الصادر عن محكمة عابدين، الأحد، 22 ديسمبر 2013، في القضية رقم 9593 لسنة 2013 جنح عابدين، على كل من أحمد ماهر، المنسق السابق لحركة شباب 6 إبريل، ومحمد عادل المتحدث الإعلامي باسم الحركة، والمتطوع بالوحدة الإعلامية للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وأحمد دومة الناشط السياسي والعضو السابق بالمجلس اﻷعلى للثقافة، بالحبس ثلاثة سنوات وتغريم كل منهم مبلغا قدره 50 ألف جنيه، وذلك بعد إدانتها لهم بتهم شملت تنظيم مظاهرة بدون إخطار الجهات اﻷمنية والتعدي على رجال اﻷمن المركزي الموكلين بحراسة مقر مجمع محاكم عابدين. ويأتي ذلك على خلفية اشتباكات نشبت أمام مجمع محاكم عابدين، يوم السبت 30 نوفمبر 2013، أثناء توجه أحمد ماهر لتسليم نفسه والمثول أمام نيابة عابدين التي كانت قد أصدرت أمرا بضبطه وإحضاره للتحقيق معه في اتهامه بالدعوة إلى التظاهر دون إخطار الجهات اﻷمنية أمام مجلس الشورى رفضا لعدم حظر محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية في مشروع تعديل دستور 2012، وهي المظاهرة التي قام الأمن بفضها يوم 26 نوفمبر الماضي وأعتقل على إثر ذلك عشرات من المشاركين فيها، وتم إحالة 25 منهم إلى محكمة الجنايات ومن بينهم الناشط السياسي علاء عبد الفتاح.
ترى المنظمات الموقعة أن هناك خلل جسيم في مرفق العدالة في مصر خصوصاً بعد هذا الحكم الذي صدر بسرعة تدعوا للتشكك حول صحة الإجراءات المتبعة، بحق ثلاثة من شباب ثورة 25 يناير بسبب ممارستهم للحقهم في التعبير عن طريق التظاهر السلمي بينما من ارتكبوا جرائم قتل المتظاهرين لا زالوا طلقاء لم تمسهم يد العدالة بعد، بل ما يدعوا إلى الاستياء أن هناك العديد من المذابح التي لم يجرى فيها تحقيقات – ولو حتى صورية-من الأساس بحق مرتكبيها.
ومجددا تستخدم السلطة القضاء وأحكامه ليكونا امتدادا لعصاها الأمنية الغليظة وتابعين لتوجهات هذه العصا وإشاراتها التي يبدو واضحا مؤخرا أنها تقود بأهوائها وحساباتها الخاصة مجمل تعامل السلطة مع ملفات العمل السياسي والعام التي عادت كما كان العهد بها سابقا مسؤولية خالصة للجهاز اﻷمني. وحيث أن المؤسسة اﻷمنية قد قررت توسيع مجال قمعها ليشمل النشطاء السياسيين المستقلين أو المنتمين لحركات ثورية مختلفة، فإنها قد استغلت في سبيل ذلك تمتع الحكومة الانتقالية الحالية بالحق في التشريع بصفة استثنائية مؤقتة لتمرر قانونا أعدته بنفسها تحت دعوى تنظيم الحق في الاجتماع العام والتظاهر، في حين كشف نصه وتطبيقه عن أن الغرض الأساسي منه هو تجريم التظاهر السلمي والحق في التجمع بكافة أشكالهما وفتح المجال لتعقب النشطاء السياسيين من خلال إلصاق الاتهام بالدعوة للتظاهر دون تصريح من اﻷمن بهم في كل مناسبة يلوح فيها أن ﻷي منهم أي صلة بمظاهرة أو تجمع في أي مكان.
في السلسلة المترابطة من الوقائع المحيطة بالحكم اﻷخير، يظهر جليا تعمد الجهات اﻷمنية اصطياد النشطاء السياسيين بذريعة تطبيق قانون التظاهر واستهدافها ﻷسماء معينة بينهم. ففي واقعة مظاهرة مجلس الشورى لم يكن علاء عبد الفتاح أو أحمد ماهر بين منظمي المظاهرة أو المقبوض عليهم من مكانها، ومع ذلك تم توجيه الاتهام إليهما وإصدار أوامر الضبط والإحضار في حقيهما، وفي حين أعلن كلاهما عن نيته تسليم نفسه والمثول أمام النيابة، فإن الشرطة استبقت ذلك بمداهمة منزل علاء عبد الفتاح والقبض عليه بعد الاعتداء عليه وعلى زوجته، وفي حين أمرت النيابة بإطلاق سراح أحمد ماهر بعد مثوله أمامها تم احتجازه من قبل اﻷمن الوطني إلى أن تم تلفيق اتهامات جديدة له متعلقة بوقائع الاشتباكات المفتعلة التي صاحبت تسليمه لنفسه، ولم يشمل الاتهام هذه المرة أحدا سواه هو والناشطين المعروفين محمد عادل وأحمد دومة، وذلك بالرغم من اشتراك العشرات في هذه الاشتباكات وعدم إمكان إثبات أن أيًا من الثلاثة قد شارك فيها فعليا.
ويظهر جليا تعمد استخدام النيابة العامة وسلطاتها للتنكيل بالنشطاء من خلال إصدارها أوامر ضبط واعتقال لكل من أحمد دومة ومحمد عادل دون مبرر ورغم أنه لم يتم استدعائهما للتحقيق وامتنعا عن المثول أمام النيابة. وفي حين تم القبض على أحمد دومة بمنزله، لم يتم القبض على محمد عادل حتى ما بعد إحالة القضية إلى المحكمة وانتهاء ولاية النيابة العامة عليها وهو ما يعني سقوط أمر الضبط واﻹحضار الصادر عنها في حق محمد عادل خاصة وأن القاضي لم يصدر أمرا بالقبض عليه في الجلسة اﻷولى للمحاكمة في حضور محام عنه، ومع ذلك استخدم اﻷمن أمر الضبط والإحضار الملغي ذاته للإقدام على اقتحام مقر المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بدعوى القبض على محمد عادل الذي يعمل متطوعا بالوحدة الإعلامية بالمركز، وذلك بالرغم من اعتراف رجال اﻷمن بتعقبهم لعادل طوال تنقله بين أماكن مختلفة كان يمكن لهم القبض عليه في أي منها، مما يكشف تعمد استغلال واقعة القبض غير القانوني في حد ذاته على محمد عادل لتبرير اقتحام مقر المركز المصري، خاصة وأن ضباط اﻷمن الوطني الذين قاموا بعملية اعتقال عادل لم يكتفوا به وإنما اعتقلوا 5 من العاملين بالمركز والمتطوعين به تم التعدي عليهم بالضرب وتعريضهم للتعذيب باحتجازهم ﻷكثر من 9 ساعات في مكان مجهول أجبروا فيه على الوقوف طوال هذه الفترة بينما عصبت أعينهم وقيدت أيديهم خلف ظهورهم وتناوب أفراد اﻷمن التعدي عليهم بالضرب. ولا يمكن تفسير ذلك إلا بالرغبة في توجيه رسالة عملية هي اﻷولي من نوعها في ظل النظام الحالي إلى منظمات المجتمع المدني الحقوقية وذلك تصعيدا لحملة من التشويه والتحريض التي ظلت لفظية في مجملها حتى ذلك الحين.
لا مجال للشك في تسييس الحكم القضائي الصادر ضد النشطاء الثلاثة وكونه امتدادًا طبيعيًا للملاحقة اﻷمنية لهم ولغيرهم من النشطاء في تعمد وتصيد واضح وانتقائية مفضوحة في توجيه الاتهام واﻹدانة خارج مقتضيات النصوص القانونية وتطبيقها الصحيح. ولا مجال للشك في أن هذا الحكم، وهو اﻷول الصادر على خلفية قانون التظاهر، هو فقط بداية لحملة موسعة ضد النشطاء المحسوبين على الثورة المصرية وأغلب الظن أن النية متجهة ﻷن تطال أيضا المنظمات الحقوقية وهو ما ظهرت بوادره في اقتحام قوات اﻷمن لمقر المركز المصري. وفي حين تخرق اﻷجهزة اﻷمنية قوانين الإجراءات وغيرها في إطار حملتها هذه لا تجد النيابة العامة غضاضة في تمرير ما تقترفه هذه اﻷجهزة من انتهاكات متكررة ومنهجية للقانون، ولا تتردد في التواطؤ معها بل والعمل في تناغم كامل استجابة لتوجهاتها بإصدار أوامر الضبط والإحضار وتوجيه الاتهامات التي لا تقوم إلا على ادعاءات مأموري الضبط وغيرهم من ضباط الشرطة وتحريات المباحث العامة واﻷمن الوطني. وينضم القضاء إلى فريق العمل ذاته بإصدار أحكام إدانة بناءً على مصادر الاتهام ذاتها ودون التفات إلى العوار البادي بها وأدنى مظاهره شيوع الاتهام وعدم توافر أي أدلة مادية تدعمه أو شهادات موثوق بها تثبته.
إن المنظمات الموقعة أدناه إذ تدين هذا الحكم الصادر اليوم، تكرر تحذيرها من الزج بالقضاء في تصفية الأصوات المعارضة والنقدية مما ينذر بهدم ما تبقى من دولة القانون والتي ستؤدي إلى تقوض ركنا أساسيا لشرعية الدولة في أعين مواطنيها. مثل تلك الممارسات والأحكام تجعلنا نتسائل حول جدية مزاعم بناء دولة أساسها العدل والقانون وتجعل الحديث حول بناء منظومة عدالة انتقالية شاملة وحقيقية أمر مشكوك في صدقه ويبرهن زيفه البطش بالأصوات المعارضة واستخدام القضاء في ذلك. فمثل تلك الممارسات والسياسات هي أبعد ما تكون عن بناء دولة القانون بل على العكس فهي ممارسات تعيد إنتاج الدولة البوليسية بشكل أكثر فجاجه من ذي قبل.