ظهر هذا المقال أولاً على موقع rsf.org في يوم 14 أكتوبر 2014: على الرغم من المبادرة التي ترعاها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا منذ 29 سبتمبرأيلول في غدامس، بهدف التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار والشروع في مفاوضات بين الأطراف السياسية والفصائل المسلحة، فإن ليبيا مازالت تئن تحت وطأة الاشتباكات العنيفة. وفي هذا المناخ […]
ظهر هذا المقال أولاً على موقع rsf.org في يوم 14 أكتوبر 2014:
على الرغم من المبادرة التي ترعاها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا منذ 29 سبتمبرأيلول في غدامس، بهدف التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار والشروع في مفاوضات بين الأطراف السياسية والفصائل المسلحة، فإن ليبيا مازالت تئن تحت وطأة الاشتباكات العنيفة. وفي هذا المناخ المشوب بالفوضى السياسية والانفلات الأمني، يُعد الصحفيون الليبيون من بين الضحايا الرئيسيين وسط هذا الواقع المرير الذي مازال يقض مضجع البلاد منذ نهاية الثورة وسقوط نظام القذافي.
وفي هذا الصدد، تدين مراسلون بلا حدود إدانة قاطعة اغتيال الطيب العيسى، أحد مؤسسي القناة الفضائية الخاصة طوارق توماست، يوم 5 أكتوبرتشرين الأول في جنوب البلاد، وكذلك مقتل الصحفي معتصم الورفلي بعد ذلك بثلاثة أيام في مدينة بنغازي.
فقد تم العثور على جثة الطيب العيسى ممزقة بوابل من الرصاص على الطريق الفاصل بين مسقط رأسه، أوباري، وبلدة الغاط الصحراوية الواقعة في الجنوب الغربي الليبي، بينما تم إحراق سيارته. وأفاد أحد زملائه أن الطيب، الذي كان يشغل أيضاً منصب المدير المالي للقناة، كان يحظى باحترام كبير ويتميز بحس رزين، علماً أنه لم يتلق أي تهديد من قبل.
يُذكر أن بلدة أوباري كانت منذ منتصف سبتمبرأيلول مسرحاً لاشتباكات مسلحة بين الطوارق والتبو، حيث اندلعت المعارك بين القبيلتين بعد محاولة مجموعة من مسلحي الطوارق، الآتين مبدئياً من منطقة أخرى لدعم عملية فجر ليبيا، الاستيلاء على محطة الغاز الرئيسية في أوباري والتي كانت تحميها إحدى قوات التبو المحلية في بادئ الأمر.
من جهته، اغتيل معتصم الورفلي، مذيع راديو ليبيا الوطن، في شرق البلاد، وبالضبط في مدينة بنغازي، عندما أطلق عليه مسلحون النار من سيارة كانوا يستقلونها قبل أن يلوذوا بالفرار. يُذكر أن هذا الصحفي الشاب كان معروفاً بتأييده لجماعة أنصار الشريعة، التي تعتبرها الحكومة الليبية والولايات المتحدة منظمة إرهابية.
وبينما لا تزال أسباب هاتين الجريمتين مجهولة حتى يومنا هذا، فإن مراسلون بلا حدود لا تستبعد أن يكون ارتباط الطيب العيسى ومعتصم الورفلي بالعمل الإعلامي دافعاً أساسياً وراء اغتيالهما، مطالبة السلطات الليبية بفتح تحقيق في أقرب وقت ممكن دون إغفال إمكانية السبب المهني.
وكما ذكَّر مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في قراره الصادر بتاريخ 22 سبتمبرأيلول بشأن “سلامة الصحفيين” فإن ليبيا مطالبة بـ”كفالة المساءلة عن طريق إجراء تحقيقات محايدة وسريعة وفعَّالة في جميع ما يُدعى وقوعه في نطاق ولايتها القضائية من أعمـال عنـف ضـد الـصحفيين والإعلاميين، ومحاكمة الجناة، بما في ذلك الأشخاص الذين أصدروا الأوامر لارتكاب هـذه الجرائم أو تآمروا أو ساعدوا وحرضوا على ارتكاهبا أو قدموا الغطاء لها، وضمان وصـول الضحايا وأسرهم إلى سبل انتصاف مناسبة”.
هذا وتعرب مراسلون بلا حدود من جديد عن قلقها العميق إزاء مصير الإعلاميين في ليبيا اليوم، حيث تتزايد الصعوبات التي تعترض سبيلهم وتعيق قيامهم بعملهم في ظروف طبيعية دون خوف من التعرض للاضطهاد أو الاعتداء أو القتل.
تواصل استهداف وسائل الإعلام
في ليلة 9 أكتوبرتشرين الأول، تعرض مقر إذاعة الميدان إف إم، الواقع في مدينة الزاوية غرب طرابلس، لهجوم مسلح، حيث قام المعتدون بنهب المحتويات والمعدات، بما في ذلك جهاز البث، كما دمروا جزءاً من مرافق المحطة الإذاعية الخاصة، التي كانت قد تلقت تهديدات من قبل ولكنها قررت مواصلة بث برامجها الاجتماعية والسياسية. وفي بيان نُشر بموقع الفيسبوكعلى الصفحة الخاصة بالراديو، وصف مدير الإذاعة ذلك الهجوم بأنه “إرهابي وجبان”، مضيفاً أن “الذين قاموا بمثل هذا الفعل إنما يتوهمون أنهم قادرون على إسكات صوت الإعلام الحر أو وضع اليد عليه”. هذا ولم تعلن حتى الآن أية جهة مسؤوليتها عن هذا الحادث.
وفي سياق متصل، تم اختطاف معاد التليب، مذيع فضائية العاصمة الخاصة، حوالي الساعة السابعة من مساء الجمعة 10 أكتوبرتشرين الأول في حي صلاح الدين وسط العاصمة الليبية. وبحسب شهادة أحد أفراد أسرته، قام مسلحون باقتياد معاد إلى مخيم اليرموك الخاضع لسيطرة غرفة العمليات التابعة لثوار طرابلس وأعضاء “عملية فجر ليبيا”. وبعد يومين قيد الاحتجاز، أُطلق سراح الصحفي، الذي يواصل أيضاً دراسته الجامعية في شعبة العلوم الإنسانية، علماً أنه كان قد تلقى في السابق عدة تهديدات تتعلق بعمله الإعلامي.
هذا وقد شهدت الأشهر الأخيرة توقف بث بعض البرامج السياسية في عدة إذاعات ليبية، بينما قررت بعض المحطات وضع حد لإرسالها بشكل نهائي. وينطبق ذلك أيضاً على العديد من الصحف، مثل الميادين في طرابلس والأحوال في بنغازي، خوفاً من تعرضها لهجمات بعض الجماعات المسلحة. يُذكر أن هذه التوقفات الاحترازية في التغطية الإعلامية للساحة الليبية إنما تأتي لتعزز الشعور بانعدام الأمن الذي يسود في البلاد بشكل عام، وفي صفوف الإعلاميين على وجه التحديد. ذلك أن تزايد أعداد الصحفيين الفارين من ليبيا – إما بسبب التهديدات أو التعرض لهجمات أو محاولات الاغتيال – يُبرز بجلاء المخاطر التي ينطوي عليها العمل الميداني في ليبيا، حيث يخاطر الصحفيون بحياتهم من أجل تأدية مهمتهم الإخبارية.
وفي هذا الصدد، تجدد مراسلون بلا حدود تأكيدها على الأهمية الأساسية التي تنطوي عليها حرية الإعلام في مجتمع ديمقراطي، وخاصة في الفترات الانتقالية، كما هو حال ليبيا في الوقت الراهن. فرغم عدم الاستقرار السياسي والأمني المستشري في البلاد، من الأهمية بمكان احترام هذه الحرية من قبل جميع الأطراف السياسية والعسكرية، طبقاً لما هو منصوص عليه في المادة 14 من الإعلان الدستوري الليبي ومختلف المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تُعد ليبيا طرفا فيها، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وفي المقابل، تحث المنظمة الصحفيين على احترام أخلاقيات المهنة، من خلال التسلح بأكبر قدر ممكن من الحيادية والمهنية في تغطية الأحداث، مؤكدة على ضرورة تحلي كل صحفي ليبي بالاستقلالية والشفافية والموضوعية، التي تشكل أساسيات العمل الإعلامي.