إن الحكم الصادر من إحدى محاكم الجنايات في ليبيا على رئيس تحرير صحيفة الأمة، عمارة الخطابي، بالسجن لمدة 5 سنوات لمزاعم بتشهيره بمسؤولين عموم، هو ضربة خطيرة لحرية التعبير لا ينبغي السماح باستمرارها.
هذا المقال تم نشره أولاً على موقع هيومن ريتس وتش في يوم 21 نوفمبر 2014.
إن الحكم الصادر من إحدى محاكم الجنايات في ليبيا على رئيس تحرير صحيفة الأمة، عمارة الخطابي، بالسجن لمدة 5 سنوات لمزاعم بتشهيره بمسؤولين عموم، هو ضربة خطيرة لحرية التعبير لا ينبغي السماح باستمرارها.
أدانت المحكمة الخطابي بسبب مقالة كان قد نشرها في عدد 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2012 من الأمة. وقد وردت في مقالة “القائمة السوداء في القضاء” أسماء 87 من القضاة وأفراد النيابة، وكلهم من أعضاء سلك القضاء، اتهمتهم بقبول الرشاوى وغير ذلك من أوجه الكسب غير المشروع، وبالولاء للزعيم الليبي السابق معمر القذافي. قالت الأمة إنها حصلت على القائمة من مصدر لم تسمه.
قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “إن الزج بأي شخص في السجن لمزاعم بالتشهير، وخاصة حينما يكون رئيس تحرير إحدى الصحف، هو انتهاك لحرية التعبير وله تأثير خانق على الإعلام. ومن الصاعق أن تمنح النيابة الأولوية لمثل هذه القضية، في وقت تتعرض فيه سيادة القانون في ليبيا لتهديد هائل من أفعال الجماعات المسلحة غير الخاضعة لأية محاسبة”.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن النيابة ما كان ينبغي لها أن تتهم الخطابي بالتشهير الجنائي من البداية، وعلى السلطات الليبية أن تسحب هذه التهمة، وتلغي القوانين التي تجرم التشهير وتسمح للمحاكم بمنع أشخاص من ممارسة الصحافة.
في مكالمة هاتفية مع هيومن رايتس ووتش في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، قال الخطابي إنه صدم حين تلقى مذكرة من المحكمة في 17 نوفمبر/تشرين الثاني تبلغه بإدانته والحكم عليه في 17 أغسطس/آب. وقال إن محاميه سيطلب إعادة المحاكمة نظراً لتوصل المحكمة إلى قرارها في غياب المتهم وفريقه القانوني.
كما أن قاضي المحاكمة ألزم الخطابي بدفع تعويضات ضخمة لكل من الشاكين الخمسة الذين رفعوا الدعوى، وأمر بتجريده من حقوقه المدنية أثناء فترة السجن ولمدة سنة بعد الإفراج عنه، ومنعه من ممارسة الصحافة طوال فترة السجن. ويبدو الحكم الأخير وكأنه ينشئ نظاماً يتيح لسلطات الدولة أن تقرر من يستطيع ممارسة الصحافة ومن لا يستطيع، مما ينتهك معايير حرية التعبير بحسب هيومن رايتس ووتش.
ومنذ مايو/أيار، اشتدت الاشتباكات العنيفة بين الجماعات المسلحة المتصارعة وتطورت إلى نزاعات مسلحة في أرجاء ليبيا. وقد ارتكبت الجماعات المسلحة ما يرقى إلى مصاف جرائم الحرب من خلال الاعتداء على مدنيين وممتلكات مدنية. وفي عام 2014 وحده قتل معتدون مجهولي الهوية ما لا يقل عن 250 شخصاً، في ما قد يرقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية. ولم تبد السلطات الليبية استعداداً أو قدرة على التحقيق في تلك الجرائم وملاحقتها.
قامت السلطات باعتقال الخطابي في 19 ديسمبر/كانون الأول 2012، فقضى ما يقرب من 6 أشهر رهن الحبس الاحتياطي. وفي 1 يناير/كانون الثاني 2013 وجهت إليه الدائرة الخامسة بمحكمة الجنايات تهمة “التشهير” بأفراد القضاء. وتم الحكم عليه في 17 أغسطس/آب إلا أنه لم يحضر جلسة الحكم، لا هو ولا محاميه، لأن محاميه الذي كان بمجمع المحاكم في ذلك اليوم أبلغه بأن المحكمة لن تنعقد بسبب الاشتباكات المسلحة الجارية آنذاك في طرابلس. قال الخطابي لـ هيومن رايتس ووتش إنه لم يعلم بإجراء المحاكمة وصدور الحكم عليه إلا عند تلقي نسخة من محضر الجلسة، تم توصيلها إلى منزله في 17 نوفمبر/تشرين الثاني لإبلاغه بالحكم.
وقد لاحقت السلطات الخطابي بموجب المادة 195 من قانون العقوبات الموروث من عهد القذافي ضمن قوانين أخرى، والتي تنص على أن “[…] يعاقب بالسجن كل من صدر عنه ما يشكل مساساً بثورة الفاتح العظيم أو قائدها… ويعاقب بذات العقوبة كل من أهـان السلطة الشعبية أو إحدى الهيئات القضائية أو الدفاعية أو الأمنية وما في حكمها من الهيئات النظامية الأخرى […]”.
وكان مجلس ليبيا التشريعي السابق، المؤتمر الوطني العام، تبنى في 5 فبراير/شباط القانون 5/2014 الذي يجرم “المساس” بثورة 17 فبراير. ويعد القانون الجديد مجرد إعادة صياغة للمادة 195 من قانون العقوبات.
وليبيا طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وكذلك الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وكلاهما يحمي حرية التعبير. كما أن الاعلان الدستوري الليبي المؤقت يضمن حرية الرأي والتعبير، وحرية الصحافة والإعلام والنشر والتوزيع، طالما لم “تخالف النظام العام”.
ورغم تمتع كل شخص بالحق في التعويض إذا تعرضت سمعته للتشويه إلا أن سبل التعويض يجب أن تقتصر على القضايا المدنية بعقوبات غير سالبة للحرية، بحسب هيومن رايتس ووتش. علاوة على هذا فإن على المحاكم، صوناً للمصلحة العامة المتمثلة في الناقش الحر في مسائل الحكم،السماح بسقف أعلى من الحريات قبل فرض عقوبات على الأشخاص المدانين بالتشهير بشخصيات عامة. . وفي سبيل حماية حرية التعبير، يتعين على ليبيا أن تلغي جميع القوانين التي تنص على عقوبات لـ”إهانة” المسؤولين والمؤسسات العامة، وأن تلغي القوانين المجرمة للتشهير. وعليها أيضاً أن تبطل الصلاحيات التي تخول السلطات منع الأشخاص من ممارسة الصحافة.
قالت سارة ليا ويتسن: “سواء أصاب الخطابي أو أخطأ بنشر المقالة موضوع النزاع، فإنه لا يجوز أن يدخل السجن بسببها”.