عشر منظمات دولية لحقوق الإنسان تطالب بوقف إنفاذ قانون الجمعيات لسنة 2002 على الفور، بما في ذلك سحب أية ملاحقات أو أوامر المنع من السفر بحق أي عامل في منظمة غير حكومية لمجرد عمله أو انتمائه إلى منظمة كهذه.
قالت 10 منظمات حقوقية دولية اليوم إن السلطات المصرية تصعد من ضغوطها على المنظمات المستقلة العاملة في مصر والتي تتلقى تمويلاً أجنبياً أو تقوم بانتقاد سياسات الحكومة. وقد خضعت المنظمات المستقلة بالفعل لعمليات تضييق مستمرة، وصدرت إليها أوامر بالامتثال لقانون تقييدي للجمعيات، يرجع إلى عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك.
وفي 9 يونيو/حزيران 2015 قام محققون حكوميون، يعملون بأمر من القاضي المشرف على قضية عمرها 4 سنوات بحق منظمات غير حكومية مصرية ودولية، بزيارة المقر الرئيسي لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وطلبوا من العاملين تقديم الوثائق المتعلقة بتسجيل المركز، وعقد تأسيسه، ولائحته، إضافة إلى موازنته وحساباته المالية، وعقود تمويله عن الأعوام الأربعة الماضية.
وكان قد سبق للمحققين زيارة المعهد المصري الديمقراطي ومراجعة أنشطته ومصادر تمويله، وما إذا كانت ممتثلة لقانون الجمعيات المعمول به حالياً، كما تم منع أربعة من العاملين في المعهد من السفر خارج مصر.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “إن إعادة إحياء قضية عمرها 4 سنوات بحق منظمات المجتمع المدني المصرية المستقلة هو مؤشر مثير للانزعاج على اعتقاد الحكومة أن بوسعها أن تسكت واحداً من آخر معاقل الانتقاد دون عواقب. وعلى حلفاء مصر مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يوضحوا أن هذا غير مقبول”.
وقد قام قاضي التحقيق بتعيين مجموعة من موظفي وزارة التضامن الاجتماعي كـ”لجنة خبراء” للتحقيق في ما إذا كانت المنظمات المصرية ممتثلة لقانون الجمعيات المصري الحالي (القانون رقم 84 لسنة 2002). وخلال زيارة 9 يونيو/حزيران رفضت اللجنة طلبات موظفي المركز المصري لدراسات حقوق الإنسان بتقديم نسخة رسمية من تصريحها، وعرضت عليهم بدلاً منه تصريحاً غير رسمي يخلو من أية أختام حكومية. وقال أحد المحامين بالمركز للمحققين إنهم لا يستطيعون تفتيش المقر أو الاطلاع على ملفاته بدون تقديم تصريح رسمي، فرحل المحققون.
وقد انقسم التحقيق في قضية التمويل الأجنبي إلى قضيتين، إحداهما تضم المنظمات غير الحكومية الأجنبية، والأخرى تضم المنظمات المصرية. وفي القضية الأولى، حكمت إحدى محاكم الجنايات بالقاهرة على 43 من موظفي المنظمات غير الحكومية الأجنبية، المصريين والأجانب، بالسجن لمدد تتراوح بين عام واحد وخمسة أعوام في يونيو/حزيران 2013.
ورغم أن أياً من المتهمين لم يقض عقوبته فقد أدى الحكم إلى إغلاق المعهد الجمهوري الدولي، والمعهد الديمقراطي الوطني، وفريدم هاوس، والمركز الدولي للصحفيين، ومؤسسة كونراد أديناور. وقد عاودت الحكومة حالياً إحياء التحقيق مع المنظمات غير الحكومية المصرية، مما قد يؤدي إلى ملاحقات جنائية بموجب أحكام قانون العقوبات.
فبموجب تعديل قانون العقوبات الذي أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسي بمرسوم رئاسي في سبتمبر/أيلول 2014، يجوز للنيابة التماس عقوبة السجن المؤبد (لمدة 25 عاماً من الناحية الفعلية) بمقتضى عبارات فضفاضة تشمل تلقي الأموال من الخارج “بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية أو المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو الإخلال بالأمن والسلم العام”.
وقد قال العاملون بمركز القاهرة الذين قرأوا تصريح المحققين إن مركز هشام مبارك للقانون والمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية كانا بدورهما على قائمة المستهدفين. وقد قامت المنظمتان بعمل أساسي في مجال الانتهاكات الحقوقية في مصر.
وكانت السلطات قد داهمت مركز هشام مبارك للقانون في فبراير/شباط 2011 واعتقلت بعض العاملين فيه والعاملين في منظمات أخرى ممن كانوا متواجدين في المقر، ومنها هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية آمنستي. وداهمت السلطات المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في 2013 ومرة أخرى في 2014، مع مصادرة بعض الملفات والحواسب واحتجاز بعض العاملين لمدة ساعات قليلة.
ومنذ ذلك الحين استهدفت السلطات أيضاً بعض العاملين المحليين في منظمات غير حكومية مصرية وذلك بالاعتقال والتهديد والمنع من السفر.
فتم منع محمد لطفي، المدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، من السفر إلى ألمانيا بتاريخ 2 يونيو/حزيران 2015، لحضور مائدة مستديرة نظمها حزب الخضر في البرلمان الألماني. وقام ضابط بثياب مدنية يتبع أحد الأجهزة الأمنية المصرية بمصادرة جواز سفره في المطار قبل إعادته إلى مصر.
وفي 21 يونيو/حزيران 2014 اعتقلت الشرطة يارا سلام، وهي باحثة لدى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وسط مظاهرة تم تنظيمها للاحتجاج على قانون تقييدي من سنة 2013 يعمل فعلياً على حظر تلك المظاهرات. وبحسب منظمة يارا فقد تم اعتقالها مع ابن خالتها أثناء شراء زجاجة مياه. وقد أفرجت السلطات عن ابن الخالة فيما بعد لكنها احتجزت يارا وأحالتها إلى النيابة بعد أن اكتشفت الشرطة عملها مع منظمة حقوقية. وفي النهاية حكم أحد القضاة على يارا وآخرين بالسجن لمدة عامين.
وتلقى آخرون من أبرز العاملين في الميدان الحقوقي تهديدات غير مباشرة بالملاحقة أو العنف، كما تلقى بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، إضافة إلى شخص آخر من أعضاء مجلس الإدارة، تهديدات بالقتل.
وفي أغسطس/آب 2014 قدمت الحكومة المصرية للمنظمات غير الحكومية موعداً نهائياً يوافق 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 للتسجيل بموجب قانون الجمعيات، الذي يخول الحكومة سلطة رفض طلب التسجيل دون إبداء أسباب، وإغلاق أية منظمة بإرادتها المنفردة تقريباً، وتجميد أصولها ومصادرة ممتلكاتها ورفض المرشحين لمجالس إداراتها، وحجب التمويل عنها ورفض طلبات الانتساب إلى منظمات دولية. ولم يحل أي قانون جديد محل قانون سنة 2002 رغم تعهد الحكومة بصياغة قانون جديد للجمعيات يتقيد بالمعايير الدولية، إلا أن الحكومة لم تكن تداوم على إنفاذه.
وينص القانون على عقوبات جنائية تصل إلى السجن لمدة عام واحد للأنشطة غير المصرح بها من جانب المنظمات المستقلة، لكنه يقرر أن أية عقوبات أقسى ترد في قوانين أخرى، بما فيها قانون العقوبات، ستظل منطبقة على تلك الأنشطة. وقد دأبت السلطات في عهد حكومة حسني مبارك، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، والرئيس المعزول محمد مرسي، والرئيس السابق عدلي منصور، على التضييق على النشطاء والتعسف في إغلاق المنظمات غير الحكومية في بعض الحالات.
لم تتمسك الحكومة بموعد نوفمبر/تشرين الثاني 2014 النهائي، لكن إعادة إحياء قضية التمويل الأجنبي في الوقت الحالي، وهي القضية التي بدأت في عهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 2011، توحي بأن السلطات تحاول منع المنظمات من العمل. وإذا نجحت في مسعاها فإن المجتمع المدني المستقل في مصر معرض لخطر المحو التام.
وقد امتثلت قلة من المنظمات غير الحكومية المستقلة ـ التي تم تسجيل معظمها كمكاتب محاماة أو شركات مدنية ـ لإنذار نوفمبر/تشرين الثاني 2014. وقامت منظمات أخرى، اختارت عدم الامتثال، بإغلاق بعض أقسامها أو تقليص أنشطتها أو نقل برامجها والعاملين بها إلى الخارج. وكان المعهد المصري الديمقراطي، على عكس أغلبية المنظمات غير الحكومية المستقلة، قد نجح في التسجيل بموجب قانون الجمعيات لسنة 2002 وهذا في سبتمبر/أيلول 2014. ومع ذلك فقد كان أول الخاضعين للتحقيق.
وقالت حسيبة الحاج صحراوي، نائبة مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في آمنستي: “إن المنظمات الحقوقية في مصر اليوم تخوض معركتها الأخيرة دفاعاً عن استقلالها. وعلى المجتمع الدولي ألا يسمح للسلطات بإسكات المعارضة السلمية. لقد آن لأعضاء مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن يكسروا صمتهم المخجل بشأن مصر، وأن يدافعوا عن المجتمع المدني المستقل، بمن في ذلك المدافعون عن حقوق الإنسان الذين أشادوا بعملهم بعد انتفاضة 2011”.
وتتناقض تحركات حكومة السيسي مع تعهدات مصر في استعراضها الدوري الشامل في مارس/آذار 2015 أمام مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فقد وافق الوفد المصري هناك على التوصيات بإصدار قانون جديد للمنظمات غير الحكومية “بحيث يضمن للمجتمع المدني على نحو تام مجموعة الحقوق المتفقة مع المعايير الدولية” و”العمل على التنفيذ التام لالتزاماته الدولية لضمان حماية المدافعين عن حقوق الإنسان وغيرهم من الأطراف الفاعلة في المجتمع المدني”.
ويتعين على السلطات المصرية وقف إنفاذ قانون الجمعيات لسنة 2002 على الفور، بما في ذلك سحب أية ملاحقات أو أوامر المنع من السفر بحق أي عامل في منظمة غير حكومية لمجرد عمله أو انتمائه إلى منظمة كهذه. وعلى السلطات المصرية أن تتبنى قانوناً جديداً للجمعيات، والأوفق أن يكون هذا بعد انتخاب برلمان جديد، بحيث يتفق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان ويضمن التشاور الجاد مع منظمات المجتمع المدني المستقلة في عملية الصياغة.
الموقعون:
هيومن رايتس ووتش
ايفكس – الشبكة العالمية لحرية التعبير
منظمة العفو الدولية آمنستي
وقف كارنيغي للسلام الدولي
كلوفيك ف. تيزني أو بي إس/بيبول إن نيد
الشبكة الأورو-متوسطية لحقوق الإنسان
الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان تحت مظلة مرصد حماية المدافعين عن حقوق الإنسان
فرونت لاين ديفندرز
هيومن رايتس فيرست/حقوق الإنسان أولاً
المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب تحت مظلة مرصد حماية المدافعين عن حقوق الإنسان