لم يكن “حسام بهجت”، غير مدرك، لما يمكن أن يواجهه من عواقب اختياره العمل في مجال الكتابة الاستقصائية، في ظل سياق تشريعي وسياسي واجتماعي متوجس ومرتبك، يجنحُ لسياسات العسف وتضييق الخناق ونشر توهمات المؤامرة وسوء النوايا تجاه كل من يختلف مع توجهاته، أو يطرح تساؤلات مشروعة مسكوت عنها.”بهجت” كان يعلم تمامًا ما سوف يواجهه واختار المواجهة، ربما لتكون حجرًا يُحرِّك بِركة راكدة من أقوال يجب طرحها، وأوضاع يجب نقدها ونقضها.
ظهر هذا المقال أولاً على موقع مؤسسة حرية الفكر والتعبير في تاريخ 11 نوفمبر 2015.
إعداد: رؤى غريب
“في أوقات الطوارئ والأزمات والحروب سيكون من الطبيعي دائمًا أن تلجأ السلطات الحاكمة إلى اتخاذ إجراءات تراها ضرورية في وقتها من أجل الاستجابة للخطر الماثل أثناء الأزمة، وفي أغلب هذه الأوقات تحظى السلطات بتأييد شعبي لتلك الإجراءات دافعه الأساسي هو الخوف من الأزمة. لكن تجارب الدول الديمقراطية والسلطوية على حد سواء تبرهن لنا على أن أوقات الأزمات والطوارئ هي الأوقات التي يتوجب فيها أكثر من أي ظرف آخر على وسائل الإعلام وأصحاب الرأي أن يكشفوا ما لديهم من حقائق وأن يصدحوا بآراء قد لا ترغب أغلبية المواطنين والسلطات الحاكمة والنخب الموالية لها في سماعها أو تصديقها”.
من مقال: دفاعـًا عن الثورة.. دفاعـًا عن(الخطوط الحمراء)
لحسام بهجت، جريدة الشروق
الأحد 5 يونيو 2011
لم يكن “حسام بهجت”، غير مدرك، لما يمكن أن يواجهه من عواقب اختياره العمل في مجال الكتابة الاستقصائية، في ظل سياق تشريعي وسياسي واجتماعي متوجس ومرتبك، يجنحُ لسياسات العسف وتضييق الخناق ونشر توهمات المؤامرة وسوء النوايا تجاه كل من يختلف مع توجهاته، أو يطرح تساؤلات مشروعة مسكوت عنها.”بهجت” كان يعلم تمامًا ما سوف يواجهه واختار المواجهة، ربما لتكون حجرًا يُحرِّك بِركة راكدة من أقوال يجب طرحها، وأوضاع يجب نقدها ونقضها.
وبالرغم من ارتياح فريق عمل مؤسسة حرية الفكر والتعبير بعد إخلاء سبيل الزميل “حسام بهجت”ظهيرة الأمس، والاطمئنان على سلامته، إلا أن برنامج الحق في المعرفة وحرية تداول المعلومات يرى أهمية التمسك بالإدلاء بأقوال أخرى على هامش واقعة التحقيق مع”بهجت”في محاولة لتفنيد الأسباب والدوافع، وتأكيدًا على أهمية فهم ومناقشة ما حدث، ليس من أجل “بهجت”، وإنما من أجل ما دافع عنه وقرر أن يخوض تلك المواجهة من أجله.
لم يقرر”بهجت” المواجهة فحسب، وإنما جعل من مواجهته (حالة مفتاح) تجمع كل مكونات أزمة الحقوق والحريات بشكل عام، وحريات الإعلام والمعلومات بشكل خاص في مصر، لنجد في كل تفصيلة من وقائع المواجهة عنوان وسؤال حول قضية تُمثِّل همّا عامًا، بدايةً من طبيعة جهة التحقيق الموجِّهة للاتهام، والتي أعادت للأذهان مآسي المحاكمات العسكرية للمدنيين، مرورًا بوقائع التحقيق ومواد الاتهام التي تعكس أزمة النظم القمعية المنغلقة مع أشكال العمل الإعلامي غير المؤطرة وغير المحكومة بتشريعاتها البالية، نهاية بصدور قرار بحبسه ثم إخلاء سبيله من مبنى المخابرات الحربية في سياق غامض ومفاجئ، بعد إملاءه إقراًرا كتابيًا “بالتزامه بالإجراءات القانونية والأمنية في نشر أي معلومات تتعلق بالقوات المسلحة” من قبل ضابطين برتبة لواء ومقدم بالمخابرات الحربية، والذيّن قد أعلموه أيضًا بأن المخابرات الحربية قد أخلت سبيله بالرغم من قرار النيابة العسكرية بحبسه!، و الذي يؤكد الإدراك العام لدى المدافعين عن الحقوق والحريات بشكل عام وأوساط الإعلاميين ونُشطاء الرأي بشكل خاص؛ أن السياق التشريعي، السياسي، والاجتماعي للمجال العام في مصر أصبح خطرًا محدقًا بالأفكار والأجساد والمصائر دون أية ضمانات، ضوابط، ومعايير يمكن فهمها والوثوق بموضوعيتها وعقلانيتها، و بأنها تتحكم في سياسات وممارسات السلطة الحالية ومؤسساتها المختلفة!
وسوف نتناول خلال السطور التالية عدد من التفاصيل والتساؤلات التي كوَّنت عناصر الاتهام البائس الموجه لـ”بهجت”، و التي تُكوِّن فيما بينها -أيضًا- صورة عامة عن توجهات وأفكار السلطة السياسية ومؤسساتها بشأن حرية الإعلام، وحريات الوصول ونشر وتداول المعلومات في مصر.
هل تناول “حسام بهجت” موضوعًا لا يجب تناوله؟
الواقع في تحديد ما “لا يجب” تناوله فيما يتعلق بتغطية أخبار و وقائع مرحلة التحقيقات ومرحلة المحاكمات لأية قضية؛ هو ما نظَّمه قانون الإجراءات الجنائية وقانون العقوبات في أحوال حظر النشر.
فهناك حظر للنشر بقوة القانون؛ و يكون ذلك في حالات قضائية بعينها يُحددها القانون. وهناك قرارات بحظر النشر تصدُر عن جهة التحقيق، وهذه القرارات ينتهي سريانها بمجرد انتهاء مرحلة التحقيق سواء بالحفظ أو الإحالة لمحكمة الموضوع.
وأخيرًا؛ هناك قرارات بحظر النشر تصدُر عن هيئة المحكمة، هي وشأنها أن تُصدِر قرارًا بحظر نشر وقائع جلسة معينة من جلسات المحاكمة أو جلسات المحاكمة جميعها، وينتهي سريان حظرها بمجرد صدور حكمها في الدعوى.
:فيما عدا ذلك، فإن الأصل في المحاكمات العلنية حتى وإن كانت محاكمات عسكرية، وذلك وفق المادة (71) من قانون القضاء العسكري، رقم 25 – لسنة 1966، والتي نصَّت على
” تكون الجلسة علنية. ومع ذلك يجوز للمحكمة مراعاة للنظام العام أو محافظة على الأسرار الحربية أو على الآداب أن تأمر بسماع الدعوى كلها أو بعضها في جلسة سرية، أو أن تمنع أفرادًا معينين من الحضور فيها، أو تمنع نشر أي أخبار عنها”.
و هو الاستثناء الذي لا ينطبق على القضية المتهم بسببها بهجت.
أما “بهجت” فقد حرص على تجاوز الوقوع في شرك تلك المتاريس والمتاهات من البداية، حيث نُشِر الموضوع محل التحقيق والاتهام بعد صدور الحكم بفترة قاربت الشهرين، وتحديدًا في 13 أكتوبر 2015م، تحت عنوان “تفاصيل المحاكمة العسكرية لضباط بالجيش بتهمة التخطيط لانقلاب”، بينما صدر الحكم في 16 أغسطس 2015م. كذلك جاء نشر التحقيق بعد تناول العديد من مواقع وقنوات فضائية موالية لجماعة الإخوان -تُبَث من خارج البلاد- للحكم، و نشرها لتفاصيل ووثائق خاصة بواقعة محاكمة الضباط، بالإضافة إلى موقع “بي بي سي” عربي، الذي نشر خبر الحكم نقلًا عن مصادر عسكرية. وذلك حسبما ذكر “بهجت” في بداية موضوعه محل التحقيق، وأشار إلى أن دافعه في الكتابة عن وقائع وملابسات تلك المحاكمة هو أنها لم تحظ – على أهميتها- بأي تغطية إعلامية في وسائل الإعلام المصرية.
وبحاسة الكاتب الاستقصائي، وجد في تلك الواقعة أهمية لطرح العديد من التساؤلات حولها ، فمن جانب لم يقنع “بهجت” بإجابات محتوى المنصات الإعلامية المحسوبة على جماعة الإخوان، حيث اهتمت في تغطيتها بالنبرة السياسية المعادية للسلطة المصرية الحاكمة، بشكل يُشكِّك في موضوعية تأويلها وتحليلها لحقيقة ما حدث بحق المحكوم عليهم، ومن جانب ثان اكتفت المصادر الأجنبية مُمثَّلة في الـ”بي بي سي” عربي بنقل ما صرَّحت به المصادر العسكرية وحسب، أما على جانب ثالث فإن تصريح المصادر العسكرية لمنصة إعلامية يؤكد أن المؤسسة العسكرية تريد لذلك الخبر أن يُنشر ويُعلم وحسب. ومن جانب أخير صمتت وسائل الإعلام المصرية وحسب.
وهنا يأتي دور الاستقصائي الذي اختار “بهجت” أن يقوم به، أن يحاول الإجابة على التساؤلات الخاصة بتفاصيل وحقائق الواقعة، بالوقوف على مسافات متساوية من كافة أطراف الواقعة، والبحث من خلال المصادر الحيَّة من أقارب المحكوم عليهم من الدرجتين الأولى والثانية، ووثائق المحاكمة المتاحة، وعلى جانب آخر محاولة الوصول للمؤسسة العسكرية مُمثَّلة في المتحدث باسم القوات المسلحة، والذي فشل في محاولات الوصول إليه، بعدما انتظر أي بيانات رسمية صادرة عن وزارة الدفاع أو هيئة القضاء العسكري، حسبما ذكر “بهجت” أيضًا.
و بمبدأ المدافع عن حقوق الإنسان، وجد في المزاعم حول تعرُّض المحكوم عليهم لانتهاكات جسيمة أثناء فترة التحقيق (تعذيب بدني شديد لانتزاع اعترافات) دافعًا أهم للتقصي حول الوقائع، ذلك أن “بهجت” يعلم جيدًا الدور المنوط بالمدافعين و الناشطين في مجال حقوق الإنسان في الضغط من أجل وفاء السلطات المصرية بالتزاماتها الدولية التي أقرّتها المعاهدات والاتفاقيات الدولية؛ وأهمها اتفاقية مناهضة التعذيب المنضمة إليها الدولة المصرية منذ 1986، والتي نصَّت في الفقرة الثانية من المادة (2 ) على أنه :
” لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أيًا كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديدًا بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب”.
ومن ثم فإن البحث والتقصي ونشر المعلومات المتعلقة بذلك الأمر، هو أحد التزامات المدافع عن حقوق الإنسان دون النظر لأية محظورات أو عواقب تضعها السلطة المزعوم ارتكابها لجريمة التعذيب لدواعي الأمن القومي أو المصلحة العامة، وهذا ما أكدته أيضًا وثيقة المبادئ العالمية للأمن القومي والحق في المعلومات (مبادئ تشواني) في البند (1) بالفقرة (أ) من المبدأ (10) حيث أدرجت انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني، “هناك مصلحة عامة طاغية في الكشف عن المعلومات المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أو انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك الجرائم بموجب القانون الدولي، والانتهاكات المنهجية أو الواسعة النطاق للحق في الحرية الشخصية والأمن. فلا يجوز حجب مثل هذه المعلومات لأسباب تتعلق بالأمن الوطني في أي ظرف من الظروف”. وجدير بالذكر أن تلك الوثيقة قد شاركت في تطويرها وإصدارها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في يونيو 2013 ، أثناء تولِي “حسام بهجت” إدارتها.
إذن، فواقع الأمر الذي نستطيع استنتاجه هو أن المؤسسة العسكرية لم ترض عن الكيفية والمنهجية التي تناول بها “بهجت” الواقعة، وليس تناول الواقعة في حد ذاته، لم ترض عن دوافع واستنتاجات التناول الذي رفض أن يقنع بالتصريحات “العسكرية الإعلامية” التي تتعامل مع التصريح الإعلامي والرأي العام بمنطق وفلسفة الأوامر العسكرية غير القابلة للنقاش أو الجدل أو التساؤل عن التفاصيل، والتي يمكن أن تضعها موضع مساءلة أو حتى استفسار.
ذات الجهة التي استدعت”بهجت”وقررت حبسه، هي نفسها التي لم تُحرِّك ساكنًا تجاه تغطيات مواقع ومنصات إعلامية، محسوبة على جماعة الإخوان، للواقعة بالنشر والتأويل أثناء المحاكمة وبعد صدور الحكم، ولم يصدُر عنها أي بيانات رسمية تُوضِح حقائق الواقعة من جانبها، ذات الجهة -أيضًا- لم تُدرِك أن عدم الإفصاح عن المعلومات التي تملُكها بشأن القضية في تلك الحالة، للرد على كافة المزاعم التي أُثيرت، سواء ما يتعلق بما تناولته المنصات الإعلامية الأخرى، أو ما كتبه وجمعه “بهجت” في موضوعه محل التحقيق، وكذلك رفضها محاولاته للتواصل معهم أثناء كتابته للموضوع. إنما ينتهك حق المواطن في معرفة حقائق ما يجري، ويجعله فريسة لتصديق أي أخبار تُنشر عبر أي وسيلةٍ كانت، طالما لم تُكذِّبها أو توضِّحها الجهات المعنية.
وما يؤكد ذلك الاستنتاج هو ما نقله محامو “حسام بهجت” عن طبيعة الأسئلة التي وُجِّهت له أثناء التحقيق، والتي كان من ضمنها عدد من الأسئلة حول، ماهية مصادر معلوماته؟ لماذا تضمن موضوعه محل التحقيق تفاصيل شخصية واجتماعية عن أشخاص المحكوم عليهم؟ لماذا لم يستقي معلوماته من القوات المسلحة ؟ما هي مصادر معلوماته عن وقائع التعذيب بحق المحكوم عليهم؟ ولماذا لم يقم بكتابة الموضوع بعد صدور الحكم مباشرة؟!!
ليجيب تفصيلًا وبداهة على كل الأسئلة، مؤكدًا على أن كتابته لذلك الموضوع كانت بهدف وقف البلبلة حول وقائع الأمر، مضيفًا أنه “على أتم استعداد لكتابة أي شيء لتصويب الخطأ، إن كان هناك خطأ!”. لتُوجه له جهة التحقيق في نهاية الأمر تهمة نشر أخبار كاذبة من شأنها تكدير السلم العام وإثارة الفزع بين الناس وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة .
ما الفارق إذا ما كان “حسام بهجت”مواطنًا/باحثًا/صحفيًا حصل على ونشر معلومات عن وقائع تتعلق بالمؤسسة العسكرية؟
كان التساؤل المطروح منذ الاستدعاء والتحقيق، هو ماذا لو كان”بهجت” صحفي مُقيَّد بنقابة الصحفيين، هل كان ذلك الأمر سيُشكل فارقًا إيجابيًا لصالح موقفه القانوني أمام جهة التحقيق أم لا؟
بالرغم من تأكيدنا الكامل على أهمية أن تعمل نقابة الصحفيين على مد مظلة حمايتها ودعمها لكافة ممارسي المهنة دون تمييز، إلا أن مؤسسة حرية الفكر والتعبير تعتقد بأنه لا يجب أن يكون هناك فارق، حتى وإن كان الواقع أن القانون يُعطي امتيازات حمائية للصحفي المُقيَّد بالنقابة أثناء تعرضه لملاحقات قضائية متعلقة بما ينشره؛ سواء كان حماية حقه في عدم الإفشاء عن مصادره، أو حقه في عدم المساس بأمنه بسبب ما ينشره من آراء ومعلومات وفق نص المادة (7) من قانون تنظيم الصحافة – رقم 96 – لسنة 1996، إلى جانب تَمتُعُه بالتزام نقابة الصحفيين بتوفير مظلة الدفاع والحماية اللازمة له، بالإضافة إلى النص على حق الصحفي -تحديدًا- في الحصول على المعلومات ونشرها وفق المواد (10،9،8) من القانون السابق ذكره ، بالرغم من أنها مُقيَّدة -أيضًا- بإحالات غامضة؛ كتعبيرات”..طبقًا للقانون..” في المادة (10،8)، أو باستثناءات فضفاضة كـ”..وذلك كله دون إخلال بمقتضيات الأمن القومي والدفاع عن الوطن ومصالحه العليا.” في المادة(9).
فحتى وإن كان قانون تنظيم الصحافة وعمل الصحفيين في ظاهره يحمل امتيازات حمائية أو تسهيلات خاصة بتعامل الصحفي مع المعلومات والمصادر، إلا أن الواقع الفعلي يُثبِت أنه يمكن الالتفاف وإعادة التكييف، سواء بالإحالات الغامضة أو المصطلحات الفضفاضة والتشريعات المرتبطة الأخرى؛ منها على سبيل المثال قانون العقوبات، قانون إنشاء دار الوثائق، قانون المحافظة على الوثائق الرسمية للدولة وتنظيم أسلوب نشرها، قانون حظر نشر أي أخبار عن القوات المسلحة، قانون المخابرات العامة، ويمكن الرجوع لمزيد من القراءة القانونية المتخصصة في ذلك الأمر في الدراسة القانونية المقارنة عن “حرية تداول المعلومات” التي أصدرها برنامج الحق في المعرفة في 2014.
(القسم الثالث: المعلومات في التشريعات المصرية، صـ30)
حقيقة الأمر؛ أن ما يَهُم جهة التحقيق حقًا، ليس صفة “بهجت” وإنما نوعية ما قام به من فعل، فالمنظومة القائمة على “الأوامر” كفلسفة، في الغالب لن تهتم بالسياق، الدافع، الصفة، المهنة، أو حتى درجة الفعل، وإنما فقط الفعل.
يؤكد على هذا الاستنتاج؛ المواد القانونية التي استندت عليها جهة التحقيق في توجيه الاتهام لـ “بهجت” بنشر أخبار كاذبة، والتي جاءت من الباب الرابع عشر من قانون العقوبات رقم 58 – لسنة 1937، والمُعنوَّن بـ”الجرائم التي تقع بواسطة الصحف وغيرها”، حيث استندت على الفقرة الأولى من المادة (102 مكرر)، والتي تنص على:
” يُعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسين جنيهًا ولا تجاوز مائتي جنيه كل من أذاع عمدًا أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة”
وعلى المادة(188) من نفس القانون والتي تنص على:
“يُعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من نشر بسوء قصد بإحدى الطرق المتقدم ذكرها أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو أوراقًا مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبًا إلى الغير، إذا كان من شأن ذلك تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة”.
وقد يتراءى لغير المتخصص بالقراءة الأولية لنصوص المواد السابقة، أنه لا فرق في توصيف الجريمة بينهما غير استخدام “مترادفات” مختلفة، إلا أن المادة (102 مكرر) تربط ارتكاب الجريمة بفعل النشر، أما المادة (188) فهي تشترط وجود غرض تكدير السلم العام لوقوع الجريمة، إذن فهناك مادة تعاقب على فعل نشر الأخبار الكاذبة في حين ثبوت قصد الناشر لتكدير السلم العام من وراء النشر، ومادة تعاقب على فعل نشر الأخبار الكاذبة في حد ذاته.
ونستطيع الاستنتاج أنه بتوجيه تهمة نشر الأخبار الكاذبة لـ “بهجت” بالاستناد على المادتين، أن جهة التحقيق مقتنعة بداية بدافع “بهجت” في تكدير السلم العام من وراء نشر الموضوع محل التحقيق، وإن لم يثبت سوء القصد، فإن الجريمة ستكون في نشر الأخبار، والتي تراها كاذبة وحسب!
إذن فهو الفعل -بدايةً و كفاية- ما دعا لأن يكون “بهجت” قيد الاستدعاء والتحقيق والعقاب، وإن ثبت إلى جانب ذلك سوء القصد بتكدير السلم فلا ضير من ذلك لجهة التحقيق.
إذن فدعونا لا نعوِّل كثيرًا على أنه؛ لو كان صحفيًا مُقيَّدًا بالنقابة تعرَّض لِما تعرَّض له “بهجت” فسوف يُشكِّل ذلك ضمانة أكبر سواء على مستوى تمتُّعُه بحق الوصول والنشر والتداول للمعلومات، أو على مستوى الموقف القانوني العملي في حال تعرُّضُه لملاحقة قضائية من النيابة العسكرية أو النيابة العامة.
وحتى إن كان الصحفي المقيد مميزًا ومحميًا، فماذا عن كاتب الرأي، أو الباحث في أي من المجالات الإنسانية والعلمية -مثلاً- الذين غالبًا ما يستخدمون القوالب والمنصات الصحفية والإعلامية وكافة أشكال النشر والعلانية في ممارسة عملهم، ونشر وتداول ما يكتبونه ويتحصلون عليه وينتجونه من معلومات وبيانات؟ ولا يملكون أي ظهير قانوني يستهدف حمايتهم وتنظيم عملهم ؟
وماذا عن المواطن العادي دون أي صفة مهنية؟! والذي قام بتداول مقطع فيديو من خلال حسابه الشخصي على موقع “فيس بوك” عن واقعة استهداف زورق تابع للقوات البحرية المصرية على سواحل دمياط، كما فعل “محمد أحمد العربي” (18 سنة)، لتتم إحالته للمحاكمة العسكرية بنفس الاتهام الذي تم توجيهه لـ”بهجت” استنادًا للمادة (102 مكرر) من قانون العقوبات، حيث جاء نصًا بقرار اتهام نيابة شرق القاهرة العسكرية “الإذاعة عمدًا لأخبار وبيانات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة، بأن قاما بإذاعة ونشر مقاطع فيديو تضر بالأمن العام والقوات المسلحة على شبكة التواصل الاجتماعي (فيس بوك) من حواسيبهما.. بالمادة 102 مكرر فقرة أولى من قانون العقوبات”. وقد حكمت محكمة جنح شرق العسكرية عليه بالحبس ثلاثة سنوات وغرامة قدرها مئتين جنيه.
مع الوضع في الاعتبار أن فِعل نشر فيديو مُتداوَل هو فعل أبسط كثيرًا من فِعل “بهجت”، لكن درجة وسياق الفِعل لا تهم كثيرًا جهة التحقيق والمحكمة العسكرية، ولا يهم إن كان مضمون ما نُشِر ثَبَت صِدق وقوعه وأكدت عليه المؤسسة العسكرية ذاتها كما في تلك الواقعة!
وأخيرًا، فإن الداعي للتأمل أن تلك هي القضية التي يتفق فيها منطق المؤسسة العسكرية خاصة، السلطة المنغلقة عامة، مع منطق المدافع عن الحق في الوصول ونشر وتداول المعلومات في التركيز على فعل الوصول، نشر وتداول المعلومات، بينما اختلفا خلافًا بيّنًا لا وسط فيه حول منطق التعامل مع الفعل. فالمؤسسة العسكرية أو السلطة اهتمت بالفعل في مطلقه (نشر وتداول المعلومات) دون النظر لصفة الفاعل، سياق الفعل، ومدى مشروعية وسيلة ممارسة الفعل، أما الخلاف البيّن في منطق التفاعل، فهو أنها دأبت أن يكون جُرمًا بتوسيع ومط استثناءاته ومحظوراته بحيث يستحيل إلا أن يكون جرمًا، وتستطيع تكييف درجة الجُرم وعقوبته بعشرات من المواد القانونية في العديد من التشريعات التي تُشكِّل متاريس وفزّاعات هي وحدها تملُك تعريفها وتأويلها وتستخدمها وقت الحاجة، أما المدافع عن حرية الوصول ونشر المعلومات فيهتم بأن يكون ذلك الفعل حقًا منظمًا بالتحديد الدقيق والواضح لظروف استثناءاته وتقاطعاته مع أفعال أخرى يمكن أن تُمثِّل انتهاكًا لحقوق واعتبارات أخرى متعلقة، كالحق في الخصوصية، واعتبارات حماية الأمن القومي للبلاد.
ويدعو لتحقيق ذلك بأهمية وجود تشريع موحَّد لتنظيم الحق في الحصول على المعلومات ونشرها وتداولها، تُراجَع من خلاله كافة التشريعات الحالية المتعارضة، إلى جانب وجود هيئة مستقلة متخصصة للفصل في نزاعات الحجب والإتاحة بين الأطراف المعنية، كما تكون معنية -أيضًا- بالمراجعة الدائمة والدورية لمعايير الاستثناءات وفترات فرض السرية والحجب التي تفرضها مؤسسات الدولة بكافة أنواعها بما فيها مؤسسات قطاع الدفاع والأمن، وأيضًا مؤسسات القطاع الخاص.
من، وما الذي يحدد بأن ما نشره “حسام بهجت” كاذبًا؟
“المُدّعِى هو المُكلَّف بإثبات دعواه وتقديم الأدلة التي تؤيد ما يدعيه فيها”
نقض مدني في الطعن رقم 59 لسنة 36 قضائية – جلسة 7/4/1970
مجموعة المكتب الفني – السنة 21 – صـ 581 – فقرة 1.
قاعدة قانونية -ومنطقية أيضًا- شهيرة ومعلومة للعامة والمتخصصين، وتصبح شديدة البديهية في مجال تنظيم ممارسات نشر وتداول المعلومات، بل أن قضاء محكمة النقض المصرية أكد ما هو أهم من ذلك في مجال النشر تحديدًا، عندما اتهمت النيابة العامة رئيس تحرير جريدة “صوت الأمة” بنشر، بسوء قصد، أخبارٍ كاذبة من شأنها تكدير السلم العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة وذلك بأن نشر بالعدد رقم 469 من جريدة صوت الأمة خبرًا تحت عنوان “مسدسات وكرابيج حكومية في الجامعة” -يتضمن أن الجهات الحكومية ولعلها القسم السياسي المشهور قد قامت بتوزيع مسدسات وكرابيج على بعض العناصر الحكومية بين شباب الجامعة لكي يتسلحوا ضد زملائهم، وصدر ضده حكم بغرامة قدرها خمسون جنيهًا وأمرت بوقف التنفيذ. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض، وجاء في نص حكم محكمة النقض:
“أن الحكم المطعون فيه جاء قاصرًا مخطئًا في القانون -إذ لم يبين الأدلة على علم الطاعن بكذب الخبر، بل أخذ من عجزه عن إثبات صحة ما نشر ما يقوم مقام علمه بكذبه، وألقى بذلك عبء الإثبات عليه.“
حكم نقض جنائي – الطعن رقم 451 – لسنة 22 قضائية – تاريخ الجلسة 20-5-1952 – مكتب فني 3 – رقم الجزء 3 – رقم الصفحة 982.
ونستطيع أن نستنتج بقراءة ذلك الحكم أن القاضي أدرك ما هو أبعد من حدود مواد الاتهام الضيقة، خاصة في خبر من الممكن أن تعتريه الكثير من الملابسات، ويشوب تحريك الدعوى شبهة إجراء انتقامي من الجهات الحكومية -آنذاك- نتيجة نشر خبر عن تورطها في جريمة، فجنح إلى أن يؤمِّن دور الصحافة، و غلّ يد السلطات عن التوسع في(القسم الثالث: الحظر المطلق لتداول المعلومات المتعلقة بأنشطة الجهات العسكرية والأمنية لأنشطة، صـ41). استخدام نشر أخبار كاذبة بسوء قصد، فإلى جانب التأكيد على أن عبء الإثبات يقع على عاتق المُدَّعى، فقام بتضييق معايير التدليل على سوء القصد والعلم بالكذب.
فما يمكن أن تتخذه أي مؤسسة أو جهة نُشر عنها معلومات تدَّعي بأنها كاذبة، هو أن تقوم هي بنشر ما تملُكُه من معلومات صحيحة عن الواقعة، وتلتزم جهة النشر أو الناشر وفقًا لأخلاقيات النشر أولًا، وبقوة القانون ثانيًا؛ بنشر تلك المعلومات المُقابلة وفقًا لنص الفقرة الأولى من المادة (24) من قانون تنظيم الصحافة
“يجب على رئيس التحرير أو المُحرِّر المسئول أن ينشر بناء على طلب ذي الشأن تصحيح ما ورد ذكره من الوقائع أو سبق نشره من تصريحات في الصحف في غضون الثلاثة الأيام التالية لاستلامه التصحيح أو في أول عدد يظهر من الصحيفة بجميع طبعاتها أيهما يقع أولًا وبما يتفق مع مواعيد طبع الصحيفة ويجب أن يكون النشر في نفس المكان وبنفس الحروف التي نشر بها المقال أو الخبر أو المادة الصحفية المطلوب تصحيحها.”
كما يُنظِّم القانون من المادة(24) وحتى المادة (29) كيفية النشر وإجراءات وعقوبات الامتناع .
كما نود أن نُنوِّه بأن التشريع في حاجة إلى مراجعة أوجه الخطأ والقصور التي من الممكن أن تعتري ممارسات نشر وتداول المعلومات، فليس بالضرورة أن يكون القصد من وراء النشر هو تعمُّد “الكذب”، وإنما من الممكن أن يكون هناك ما هو مغلوط أو منقوص أو ملتبس..إلخ. وكلها أمور واردة الحدوث، وكلها يمكن أن تُنظَّم وتُراجَع وِفق مدونات سلوك النشر الصحفي والإعلامي، وتُضبط بضمانات حقوق الرد والتصحيح والتوضيح للجهات المعنية، ومن خلال الجزاءات الإدارية والغرامة المالية.
من جانب آخر، فقد بلورت منظمة المادة 19 عدد من المبادئ المتعلقة بحرية تداول المعلومات كمعايير يمكن الاسترشاد بها في صياغة التشريعات المُنظِّمة لحرية تداول المعلومات، من أهمها مبدأي وجوبية النشر، والإفصاح التلقائي لما تحوزه مؤسسات الدولة من معلومات، وهو ما يساهم إلى حد كبير في إثراء وضبط ممارسات النشر والتداول لتلك المعلومات، وسيصعب ذلك من الممارسات العمدية لنشر الأكاذيب والمغالطات- إن وجدت- في تلك الحالة، فالامتناع عن الإفصاح بالضرورة سيفتح مساحات التأويلات والتكهنات والإشاعات التي من الممكن أن تضر-حقًا- بالصالح العام، فالحكومات التي ما زالت على قناعة بأنها تستطيع أن تَصمُت وتُجبِر محكوميها على الصمت واهمة إلى حد بعيد، وسيكلفها ذلك الوهم الكثير.
كيف يفهم “حسام بهجت”، وجهة التحقيق مفهوم (الأمن القومي) في تناول المعلومات المتعلقة بالمؤسسة العسكرية؟
راجَع ونقَدَ برنامج الحق في المعرفة وحرية تداول المعلومات العديد من التشريعات في إطار دراسات وأوراق اهتمت ببحث إشكاليات وإمكانيات ملائمة البيئة التشريعية وسياسات وممارسات إدارة مؤسسات الدولة المصرية، لمعايير الإتاحة وضمانات التدفق الحر للمعلومات بين مؤسسات الدولة والمجتمع، وبين مؤسسات الدولة بعضها البعض. ومن خلال ذلك الجهد نستطيع أن نجمع هنا عددًا من الانطباعات والتحليلات العامة حول كيف ترى الدولة المصرية بتعاقب نُظُمِها السياسية المختلفة منذ يوليو 1952 حتى الآن مفاهيم منها -سردًا لا ترادفًا- المصلحة العامة، السلم العام، الأمن العام، والأمن القومي. والأخير هو أبرزهم وأكثرهم تداولًا على مستوى خطابات الدولة والتناول الإعلامي.
فعلى مستوى البيئة التشريعية نستطيع أن نتناول -على سبيل المثال- المادة (85) من قانون العقوبات، والتي خُصِّصَت لسرد كل الأمور التي تعتبر سرًا من أسرار الدفاع، لمحاولة فهم فلسفة الُمشرِّع المصري في التعريف والتحديد، فنجد
أن صياغة البند (1) هي مثال واضح على منهجية التعريف لدى المُشرِّع، والتي تميل إلى أقصى درجات العمومية “المعلومات الحربية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والصناعية…”، وتعتمد في تحديدها على الإحالة إلى مجهول
“..التي بحكم طبيعتها لا يعلمها إلا الأشخاص الذين لهم صفة..” فمن الذي يُحدِّد طبيعتها؟ وما هي معايير تحديده لطبيعتها؟، “ويجب…أن تبقى سرًا..” من الذي يحدد تلك الوجوبية؟ وإلى أي مدى زمني يجب أن تبقى سرية؟ ، ليستطيع أي شخص بما فيهم كاتب هذه السطور أن يُدلِّل بأن هذه المعلومة أو تلك هي سرٌ من أسرار الدفاع!. وللمزيد من القراءة النقدية للتشريعات في هذا الأمر يمكن الرجوع إلى الدراسة القانونية المقارنة ع(القسم الثالث: الحظر المطلق لتداول المعلومات المتعلقة بأنشطة الجهات العسكرية والأمنية لأنشطة، صـ41).ن “حرية تداول المعلومات” (القسم الثالث: الحظر المطلق لتداول المعلومات المتعلقة بأنشطة الجهات العسكرية والأمنية لأنشطة، صـ41).
من جانب آخر فإن افتقار التشريع المصري لقانون يُنظِّم حرية الوصول للمعلومات وفق المعايير والمبادئ الفضلى المتعارف عليها دوليًا، لتُراجع من خلاله كافة التشريعات الحالية أصبح أمرًا لازمًا، لتُشكَّل من خلاله مفوضية للمعلومات تساهم في تطوير تعريفات وطنية للمفاهيم ووضع معايير ومحددات دقيقة وعملية للاستثناءات، وهو الأمر الضروري لتعزيز الممارسات المنفتحة والمنضبط للوصول للمعلومات وتداولها ونشرها.
أما على مستوى سياسات وممارسات مؤسسات الدولة، فنستطيع أن نوجِزُه من خلال تناول وثيقة المبادئ العالمية للأمن القومي والحق في المعلومات لتعريف “المصلحة المشروعة للأمن القومي”، حيث أشارت إلى أنه:
” لا تعتبر مصلحة الأمن القومي شرعية إذا كان الغرض الحقيقي والأساسي منها هو حماية مصلحة لا علاقة لها بالأمن القومي، مثل حماية الحكومة أو المسئولين من الإحراج أو التعرض لتصرفات خاطئة حول إخفاء معلومات، وانتهاكات لحقوق الإنسان، أو أي مخالفات أخرى ضد القانون أو أداء المؤسسات العامة أو محاولة تعزيز أو تكريس فائدة سياسية معينة، أو حزب، أو أيديولوجية، أو قمع احتجاجات مشروعة”.
هنا يَكمُن جذر الأزمة! لنجد أن الأصل هو الحجب لا الإتاحة، أن الهدف هو الهيبة القمعية لا الثقة المبنية على سيادة القانون والديمقراطية، و أن أمن النظام السياسي لا يختلف عن الأمن القومي.
أما المصلحة المشروعة للأمن القومي كما أوضحتها الوثيقة فهي “الاهتمام الحقيقي بالتأثير الرئيسي والأساسي على حماية الأمن القومي بما يتفق مع القانون الدولي والوطني”، وحددتها سردًا في القسم الثاني من الوثيقة المُعنوَّن بـ”المعلومات التي يجوز حجبها على أسس تتعلق بالأمن القومي، والمعلومات التي يجب الإفصاح عنها”، المبدأ (10،9).
ما سبق يوضح ويحدد وجه الخلاف بين ما يفهمه”بهجت” ومن تضامنوا معه عن مفهوم الأمن القومي، وما تفهمه المؤسسة العسكرية خاصة والسلطة المنغلقة عامة.
نستطيع أن نستنتج هنا أن إرادة السلطة السياسية في مراجعة أفكارها وتوجهاتها هو عامل مهم إن لم يكن الأهم في ذلك المجال تحديدًا، ولكن هل يمكن التعويل عليه؟ فالإرادة فعل ذاتي مصدره ما يحدث من تفاعلات وتطورات داخل كيان السلطة، وبما أنها سلطة؛ فإن ما يتم من ضغوط ومطالبات مجتمعية يجب أن يكون ذا سلطة أو قوة موازية لكي يُمكِّنها التأثير على تلك الإرادة. وإلى أن تتوازن تلك الفرضية وتتحقق فعليًا، فإن المتاح والواجب على المدافعين والمعنيين بتعزيز الحق في المعرفة وحرية الوصول إلى وتداول المعلومات، هو إلقاء تلك الحجارة وتحريك الراكد الساكن، كما فعل “حسام بهجت”.