خلال شهر يناير الماضي منعت السلطات المصرية الأكاديمي عاطف بطرس والأكاديمية آمال قرامي من دخول مصر لأسباب وصفتها المصادر الأمنية بمطار القاهرة أنها “تشكل خطورة على الأمن القومي”. وهناك عدد من الأسئلة تثار بشأن هذه الإجراءات، منها ما يتعلق بحرية التنقل، ومنها ما هو أبعد من ذلك عن مناخ حرية التعبير في مصر، وموقف السلطات المصرية من آراء الأكاديميين والباحثين ممن يحملون جنسيات أجنبية.
ظهر هذا المقال أولاً على موقع مؤسسة حرية الفكر والتعبير في تاريخ 7 فبراير 2016.
إعداد: محمد عبد السلام
مسئول ملف الحرية الأكاديمية
خلال شهر يناير الماضي منعت السلطات المصرية الأكاديمي عاطف بطرس والأكاديمية آمال قرامي من دخول مصر لأسباب وصفتها المصادر الأمنية بمطار القاهرة أنها “تشكل خطورة على الأمن القومي”. وهناك عدد من الأسئلة تثار بشأن هذه الإجراءات، منها ما يتعلق بحرية التنقل وحق المواطنين الذين يحملون جنسية أخرى ولكنهم من أصل مصري في دخول مصر، ومنها ما هو أبعد من ذلك عن مناخ حرية التعبير في مصر، وموقف السلطات المصرية من آراء الأكاديميين والباحثين ممن يحملون جنسيات أجنبية. تحاول هذه الورقة تناول أبرز الحالات التي تم فيها منع الباحثين والأكاديميين من دخول مصر، وإلقاء الضوء على السمات المشتركة بين هذه الحالات، وإيضاح جوانب انتهاك المواثيق الدولية ذات الصلة، وتوجه مؤسسة حرية الفكر والتعبير توصيات للحكومة المصرية وخطوات لازمة للعمل على توفير مناخ ملائم لحرية التعبير في مصر، يضمن مشاركة الباحثين والأكاديميين المتخصصين، وتبادل الآراء والمعرفة، بما يفيد المجتمع المصري.
أولا: حالات المنع من دخول مصر
منع الأكاديمي عاطف بطرس العطار من دخول مصر
تعرض عاطف بطرس العطار، وهو أكاديمي مصري يحمل الجنسية الألمانية، إلى الاحتجاز في مطار القاهرة، أثناء قدومه إلى مصر، في 29 يناير 2016. وقد أبلغ اﻷمن الوطني مسئولي السفارة الألمانية أن عاطف بطرس ممنوع من دخول مصر مدى الحياة، على أن يتم ترحيله إلى المانيا صبيحة اليوم التالي..
وقد نقلت صحيفة المصري اليوم عن مصدر أمني بمطار القاهرة قوله أن ” مطار القاهرة جهة تنفيذية، لا يملك منع أي أحد من دخول البلاد إلا بناء على حكم قضائي أو بناء على طلب إحدى الجهات الأمنية، أو الجهات القضائية، وقد أصدرت جهات أمنية بالدولة تقريرا بمنع الدكتور عاطف بطرس من دخول البلاد”.1
وقال العطار في اتصال مع مؤسسة حرية الفكر والتعبير، أنه تعرض للاحتجاز في مطار القاهرة ﻷكثر من 24 ساعة وتم التحقيق معه من قبل جهاز الأمن الوطني، حيث تم التحفظ عليه و إجباره لأول مرة في حياته على شراء فيزا ثم ختمها بختم الدخول. ليتم بعدها التحقيق مع العطار لمدة سبع ساعات وممارسة ضغوط نفسية عليه للحصول على أسماء بعض أصدقاءه وأقاربه وبياناتهم، ونشاطاته في مؤسسة ميادين التحرير التي يعد واحدا من مؤسسيها في المانيا. وبعد الانتهاء من الحصول على المعلومات، أخبرته السلطات الأمنية أنه ممنوع من دخول مصر وبدأوا المساومة على إعادته إلى المانيا.
وكشف العطار كذلك عن تعرضه للاحتجاز غير القانوني من قبل في الإسكندرية في شهر مارس ٢٠١٥ لمدة ١٥ ساعة والتحقيق معه في مبنى سري لإحدى الجهات الأمنية وبعدها في قسم باب شرق بغرض إبعاده عن المعارضة.
ومعروف عن عاطف بطرس العطار تنوع نشاطاته بين مصر والمانيا سواء على مستوى عمله الأكاديمي في جامعة ماربورج أو مشاركته في تأسيس مؤسسة ميادين التحرير التي تقيم عدد من الفعاليات الثقافية والفكرية للمصريين في المانيا، كما أن له مواقف مناهضة لانتهاكات حقوق الإنسان التي يتكرر حدوثها في مصر.
منع الأكاديمية التونسية آمال قرامي من دخول مصر
منعت السلطات المصرية الأكاديمية التونسية آمال قرامي من دخول مصر، في 3 يناير 2015، بعد احتجازها في مطار القاهرة لمدة 16 ساعة، والتحقيق معها بشأن أسباب زيارتها لمصر. وتم ترحيل قرامي إلى تونس صباح اليوم التالي 4 يناير 2015 من مطار القاهرة، بعد أن أخبرتها السلطات الأمنية بالمطار أن سبب منعها من دخول مصر هو “تهديد اﻷمن القومي ولن يسمح لها بالدخول مرة أخرى”، بحسب ما أعلنته قرامي في مقابلة تلفزيونية.
وقد تلقت قرامي، وهي أكاديمية بجامعة منوبة التونسية، دعوة من مكتبة الاسكندرية للمشاركة في مؤتمر حول التطرف والإرهاب، وقد حاول أحد المسئولين بمكتبة الاسكندرية إقناع السلطات الأمنية بالسماح للكاتبة آمال قرامي بدخول مصر، إضافة إلى محاولات قامت بها الخارجية التونسية والسفارة التونسية بالقاهرة، ولكن رغم ذلك تمسكت السلطات الأمنية بترحيل قرامي إلى تونس، بعد أن تم احتجازها في المطار والتحقيق معها بشأن سبب زيارتها لمصر وعنوان المداخلة التي ستلقيها في مؤتمر مكافحة الإرهاب والتطرف.
وعلى إثر هذه الواقعة اعتبر اتحاد الكتاب التونسيين أن احتجاز قرامي ومنعها من دخول مصر بمثابة “معاملة مهينة”، منددا بهذه المواقف التي تصدر عن النظام المصري تجاه الكتاب والمفكرين العرب. وتعد قرامي من أبرز كتاب جريدة الشروق المصرية، حيث تكتب للجريدة منذ نهاية عام 2012، وتغطي في مقالاتها القضايا السياسية والاجتماعية في تونس.
منع الباحثة الأمريكية ميشيل دن من دخول مصر
تعرضت الباحثة الأمريكية ميشيل دن إلى المنع من دخول مصر وتم ترحيلها إلى جهة القدوم “المانيا”، في 13 ديسمبر 2014، وأخبرت السلطات الأمنية في المطار دن أنها “ممنوعة من دخول مصر”، بحسب ما روته دن في مقابلة تلفزيونية، وكان لدى ميشيل دن، وهي باحثة بمركز كارنيجي للسلام الدولي، دعوة من المجلس المصري للشئون الخارجية لحضور مؤتمر ينظمه المجلس عن علاقة مصر بالعالم في ضوء التطورات السياسية التي تمر بالعالم العربي.
نقلت بوابة الأهرام عن أحد المصادر الأمنية أن الباحثة ميشيل دن على “قوائم الممنوعين من دخول مصر التي أعدها جهاز الأمن الوطني”.كما أرجع نائب رئيس مجلس إدارة المجلس المصري للشئون الخارجية محمد ابراهيم شاكر سبب منع دن من دخول مصر إلى قرار من الأجهزة الأمنية التي تقدر خطورة مثل هذه المواقف.
توجه ميشيل دن من خلال كتاباتها انتقادات وملاحظات على أداء النظام المصري القائم في عدد من الملفات مثل مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان والإصلاح السياسي.
منع الباحثين كينث روث وسارة ليا ويتسن من دخول مصر
منع أمن مطار القاهرة المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش، كينث روث والمديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمنظمة سارة ليا ويتسن، من دخول مصر في 10 أغسطس 2014، بعد احتجازهما في مطار القاهرة لمدة 12 ساعة. ونقلت مدى مصر عن مصادر أن روث وويتسن “خضعا في المطار لتحقيق استمر عدة ساعات قبل ترحيلهما”.
وقد قدم المسئولين في هيومن رايتس ووتش إلى القاهرة من أجل استعراض تقرير للمنظمة عن “عمليات القتل الجماعي في مصر خلال يوليو وأغسطس 2013″، ومناقشة التقرير مع جمع من الدبلوماسيين والصحفيين في القاهرة.
وتعد هذه المرة الأولى التي تقوم فيها السلطات المصرية بمنع أعضاء في هيومن رايتس ووتش من دخول مصر، بما في ذلك أثناء عهد الرئيس الأسبق مبارك.
ثانيا: سمات مشتركة بين حالات منع الأكاديميين والباحثين من دخول مصر
تعد هذه الحالات أمثلة بارزة عن التعامل اﻷمن المصري مع الباحثين والأكاديميين الذين يحملون جنسية أخرى، ويمكن استخلاص بعض الملاحظات العامة حول هذه الوقائع، لتحديد سمات مشتركة تجمع بين هذه الحالات، وهي:
(1) العلم مسبقا بنشاط وآراء الباحثين: إذ تظهر التصريحات الأمنية في حالات مختلفة وجود ما يعرف “بالقوائم اﻷمنية للممنوعين من دخول مصر”، وفي حالة الباحثة ميشيل دن ألمح محمد ابراهيم شاكر نائب رئيس مجلس إدارة المجلس المصري للشئون الخارجية أن دعوة دن لحضور مؤتمر المجلس كانت محاولة لتغيير “مواقفها وآرائها السلبية تجاه السلطة الحالية”. وفي حالة عاطف بطرس العطار كانت أجهزة اﻷمن قد أوقفته في مارس 2015 واستجوبته عن نشاطه وآراءه وموقفه من النظام الحالى في مصر.
(2) وجود دعوات من مؤسسات مصرية: في حالتي الباحثة ميشيل دن والأكاديمية آمال قرامي، وجهت مؤسسات مصرية دعوات لهما للمشاركة في مؤمرات، وهي مؤسسات غير محسوبة بأي حال كجهات معارضة، فمكتبة الاسكندرية تابعة قانونيا لرئاسة الجمهورية، وقد وجهت دعوة لقرامي لحضور مؤتمر عن مكافحة الإرهاب والتطرف، والمجلس المصري للشئون الخارجية منظمة مجتمع مدني مستقلة تعمل على تطوير ومناقشة السياسة الخارجية المصرية، وقد وجهت دعوة رسمية لميشيل دن.
(3) الحصول على تأشيرة أو وجود إمكانية للحصول عليها في المطار: فقد كان لدى آمال قرامي تأسيرة لدخول مصر استخدمتها من قبل، ويمكن للمواطنين الأجانب الحصول على تأشيرة من مطار القاهرة لزيارة مصر، وهو ما يتم التعامل به مع المواطنين الأمريكيين كما في حالات دن وروث وويتسن، وكذلك يحق للعطار الدخول بتأشيرة من المطار، إضافة إلى كونه من “أصل مصري”، ويتضح التمييز تجاه الباحثين ممن يحملون آراء لا تتفق وتوجهات السلطات المصرية، بالنظر إلى الحالات المماثلة التي يسمح لهم بدخول مصر بشكل طبيعي، فقد كان هناك عددا من الباحثين الأجانب تمكنوا من المشاركة في مؤتمر مكتبة الاسكندرية وكان الاستثناء حالة آمال قرامي، بينما اعتاد عاطف بطرس العطار زيارة مصر دون توقيف أو طلب الحصول على تأشيرة من المطار قبل واقعة ترحيله، ويتمتع المواطنون اﻷمريكيون بحرية الدخول إلى مصر بتأسيرة من مطار القاهرة.
(4) الاحتجاز والتحقيق والترهيب النفسي: يجمع بين الحالات الخمس التعرض للاحتجاز والاستجواب من قبل السلطات الأمنية في مطار القاهرة، وربما تعد حالة عاطف بطرس العطار اﻷكثر خطورة ﻷنه من أصل مصري، وتم استجوابه بشأن معلومات تتعلق بأقاربه وأصدقاءه في رسالة تهديد واضحة حول سلامتهم، وكذلك في حالة الكاتبة آمال قرامي تم سؤالها عن عنوان المداخلة التي ستلقيها في مؤتمر مكتبة الاسكندرية، باﻹضافة إلى تعمد السلطات اﻷمنية عدم تقديم معلومة عن القرارات بالمنع أو الترحيل إلا بعد مرور ساعات على الاحتجاز والتحقيق. وتعد هذه التحقيقات خارج البيانات الأساسية المتعارف عليها مثل إبراز الهوية والدعوة وبيان الغرض من الزيارة.
ويمكن القول أن السلطات الأمنية قيدت دخول الباحثين واﻷكاديميين بناءا على تقييم مواقفهم وآرائهم، ومحاولة منها لتقييد حرية التعبير باﻷساس، إذ كانت قرامي ودن ستشاركان بمؤتمرات داخل مصر، وعزم روث وويتسن التحدث في مؤتمر إلى صحفيين ودبلوماسين، بينما تم منع العطار من الدخول بسبب الآراء التي يعبر عنها تجاه سياسات السلطة الحالية.
ثالثا: المنع من دخول مصر بين حرية التنقل والتأثير على مناخ حرية التعبير
في حالة الباحث عاطف بطرس العطار، تنص المادة (12) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في فقرتها الرابعة على “لا يجوز حرمان أحد، تعسفا، من حق الدخول إلى بلده”. وفد فسرت اللجنة المعنية بالحقوق المدنية والسياسية باﻷمم المتحدة هذه الفقرة في التعليق العام رقم (27)، أن نطاق لفظ “بلده” أوسع من مفهوم “بلد جنسيته” وهو ليس مقصورا على الجنسية بالمعنى الشكلي – أي الجنسية المكتسبة بالميلاد أو بالتجنس -، ولكنه يشمل على اﻷقل الشخص الذي لا يمكن اعتباره مجرد أجنبي، وذلك بحكم روابطه الخاصة ببلد معين أو استحقاقاته فيه.
وقد أشارت اللجنة إلى “التعسف” للتأكيد على ضرورة أن يكون أي تدخل حتى لو بحكم القانون، متفقا مع أحكام العهد وغاياته وأهداف. وترى اللجنة أنه قلما تكون هناك ظروف – إذا وجدت أصلا – يمكن أن تعتبر معقولة لحرمان شخص ما من الدخول إلى بلده، ويجب على الدولة الطرف ألا تقدم على منعه تعسفا من العودة إلى بلده – سواء بتجريد شخص ما من الجنسية أو بطرده إلى بلد آخر -.
لذلك يعد منع عاطف بطرس العطار من دخول بلده مصر انتهاكا للمواثيق الدولية التي صدقت عليها مصر، خاصة أنه يحمل ختم على جواز سفره بعبارة “من أصل مصري”، لتمكينه من دخول مصر دون الحصول على تأشيرة مسبقا.
رابعا: توصيات مؤسسة حرية الفكر والتعبير بشأن حماية حق الباحثين والأكاديميين الأجانب في التعبير عن الرأي
تقدم مؤسسة حرية الفكر والتعبير التوصيات التالية إلى الحكومة المصرية:
1 – على الحكومة المصرية أن تلتزم بحق كافة الباحثين والأكاديميين من أصل مصري في الدخول إلى مصر وزيارتها، والتعبير عن الرأي بها بحرية تامة، التزاما بالمواثيق الدولية التي صدقت عليها مصر.
2- على الحكومة المصرية ألا تقيد استضافة المؤسسات المصرية لباحثين وأكاديميين، وألا تقوم بممارسة الضغوط على هذه المؤسسات لمنعها من دعوة بعض المفكرين والأكاديميين ممن يحملون آراء تنتقد سياسات النظام الحالي.
3- على الحكومة المصرية أن تلتزم بالإجراءات القانونية التي تمنح من خلالها تأشيرات الدخول لمصر، وأن تتوقف عن تجاوز هذه الإجراءات تجاه بعض المواطنين الأجانب، لمنعهم من التعبير عن الرأي داخل مصر.
4- على الحكومة المصرية أن تعلن بشكل واضح الأسس القانونية لمنع الباحثين والأكاديمين من دخول مصر، ومعايير تقييم الخطورة على “الأمن القومي”.