تشعرت الحركة الدولية لحقوق الإنسان بخيبة أمل كبيرة لاستعادة المملكة العربية السعودية مقعدها في مجلس حقوق الإنسان.
نُشر هذا المقال أولاً على موقع مركز الخليج لحقوق الإنسان بتاريخ 1 آذار 2018
يتألف مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من 47 دولة عضواً تنتخبها أغلبية أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة بالاقتراع المباشر والسري. أن هذا المجلس هو أعلى هيئة أممية تختص بقضايا حقوق الإنسان في أرجاء المعمورة. فهي ليست كحلم ٍعابر بل هدف حاسم يسعى له محبو الحرية والسلام دولاً وجمعيات و افراد ويتمثل في أن يصبح مرجعية فعالة لها كلمتها المسموعة القادرة على إيقاف إنتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة التي مابرحت تحصل في بلدانٍ كثيرة بأرجاء المعمورة ومن ضمنها بلا شك السعودية.
أن من المفترض أن تراعي الجمعية العامة للأمم المتحدة إسهام الدول المرشحة لعضويتها في تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، وكذلك تعهداتها والتزاماتها الطوعية في هذا الصدد. ولكن كل هذا لم يحصل عندما تم انتخاب السعودية مرتين لعضوية هذا المجلس. والحقيقة أنه عند انتخابها في أكتوبر/تشرين الأول 2016 للمرة الثانية لم تجري انتخابات أو اقتراع سري ولاحتى تقييم لسجل السعودية المخزي في مجال حقوق الإنسان لأن المقاعد هي موزعة على اساس جغرافي والمجموعة الأسيوية وضعت أربعة مرشحين من بينهم السعودية لأربعة مقاعد شاغرة مخصصة لها وهكذا ضمنت السعودية مقعدها وحتى نهاية سنة 2019 بلا عناء ولاحساب يذكر.
لقد اصيبت حركة حقوق الإنسان بخيبة أمل شديدة وهي ترى السعودية تستعيد مقعدها في مجلس حقوق الإنسان فهي الدولة التي تقود تحالفاً قام بشن حربْ على اليمن منذ مارس/آذار 2015 ولحد الآن لتتسبب بمقتل الآلاف من المدنيين من بينهم العديد من الأطفال وبذلك تم في سنة 2017 ضم السعودية وتحالفها إلى “قائمة العار” الأممية بسبب الإنتهاكات ضد الأطفال بعد أن افلتت بضغوطها الكبيرة ورفعت اسمها من القائمة نفسها في سنة 2016.
أن السعودية وهي العضو في مجلس حقوق الإنسان كانت تمنع النساء من قيادة السيارة لوقتٍ قريب حتى صدور مرسوم ملكي في سبتمبر/ايلول 2017 يسمح لهن بالقيام بذلك اعتباراً من يونيو/حزيران القادم، ولكن لاتزال هناك قواعد في المملكة تنص على أن تظهر المرأة بوجود ولي الأمر الذكر في جميع الأوقات.
وعندما نتحدث عن حركة حقوق الإنسان فأننا نرى بوضوح أن السلطات السعودية قد غرزت سكينها الحادة في جسد هذه الحركة مقطعةً أوصالها فمنعت ابتداءً تكوين منظمات حقوق الإنسان وسجنت وعذبت وحاكمت الكثيرين من مدافعي حقوق الإنسان والمدافعات على تُهم باطلة وليواجهوا المحكمة الجنائية المتخصصة والتي تم إنشائها في يناير/كانون الثاني 2008 لتنظر في القضايا التي ترتبط بالإرهاب وأمن الدولة ولكنها سرعان ما تم تسخيرها لإستهداف مدافعي حقوق الإنسان في المملكة.
حقاً ان مدافعي حقوق الإنسان والمدافعات قد تمت معاملتهم كما الإرهابيين و بأسوأِ من المجرمين فأن تقدموا بطلب ترخيص لمنظماتهم لكي يعملوا ضمن إطار القانون تم رفض طلبهم بالمطلق وإن استمروا بالعمل في مجال حقوق الإنسان اعتقلوا واحداً تلو الآخر بتهمة عضوية منظمة غير مرخصة.
لعل من الفضائح التي لاتستطيع السعودية ان تنبس ببنت شفة عنها هو استهدافها الصريح لمنظمات حقوق الإنسان وفي مقدمتها جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية (حسم) حيث اعتقلت جميع أعضائها المؤسسين وحاكمتهم بتهم باطلة وملفقة أمام محكمة الإرهاب وأودعتهم السجون. والمضحك المبكي ان السعودية وهي الدولة العضو في الأمم المتحدة والمنتخبة في مجلسها لحقوق الإنسان حكمت في مارس/آذار 2013 على الأكاديمي الرصين ومدافع حقوق الإنسان الشجاع الدكتور محمد القحطاني بالسجن لمدة عشر سنوات تليها عشر سنوات أخرى من المنع من السفر وكانت من بين التهم التي أدين بموجبها هي عضويته لجمعية حسم لحقوق الإنسان بالرغم من رفض السطات لإعطاء الترخيص لها ولمثيلاتها وكذلك التعاون مع أليات مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة كما ورد في لائحة الإتهام.
بتاريخ 25 يناير/كانون الثاني 2018، اصدرت المحكمة الجنائية المتخصصة نفسها، حكمها بالسجن لمدة 14 سنة ضد محمد عبد الله العتيبي، وحكماً آخراً بالحبس لمدة 7 سنوات ضد عبد الله مضحي العطاوي.
لقد وجهت ضدهم عدة تهم ٍ تعكس رغبة السطات الأكيدة في الانتقام منهم بسبب عملهم في مجال حقوق الإنسان. أن من بين هذه التهم، المشاركة في تاسيس منظمة حقوق إنسان -جمعية الإتحاد لحقوق الإنسان- وإعلانها قبل الحصول على ترخيص رسمي لها، إعداد وتوقيع ونشر البيانات التي تشوه سمعة المملكة وجهازيها القضائي والأمني، ممارسة النشاط في مجال حقوق الإنسان، نشر معلومات عن استجوابهم بالرغم من توقيع تعهدات بعدم القيام بذلك، نشر الفوضى وتحريض الراي العام، إعادة نشر تغريدة على توتير بعد نشرها من قبل أحد أعضاء جمعية حسم و مدافع حقوق الإنسان المسجون حالياً عيسى الحامد.
وهكذا يمكن القول أنه قد تدهورت حالة حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية بشكلٍ ملحوظ مؤخراً وحدثت حملة جديدة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان منذ تولي محمد بن سلمان ولاية العهد في يونيو/حزيران ٢٠١٧. وأصبحت أوضاع المدافعين عن حقوق الإنسان خطيرة على نحوٍ متزايد حيث يتم استهدافهم بكشلٍ ممنهج من قبل السلطات وبشكل يومي.
لقد طالت حملات الإعتقال كتاب وأكاديميين وناشطين على الإنترنت ورجال دين. وفي أسبوع واحد فقط في شهرسبتمبر/أيلول، احتجز أكثر من ٢٠ شخصاً من المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان في أعقاب موجة من الغارات والمداهمات للمنازل.
كما تعرضت المدافعات عن حقوق الإنسان للإسكات بعد استدعائهن للاستجواب حيث طلب منهن التوقيع على تعهدات بالامتناع عن المشاركة في الحملات والدفاع عن قضاياهن على الإنترنت. وفي يوم إعلان المرسوم الملكي بإلغاء الحظر المفروض على قيادة المرأة، اتصل البلاط الملكي بالعديد من المدافعات البارزات عن حقوق المرأة اللواتي دعين إلى قيادة النساء للسيارة وحذرتهن من التعليق على القرار الملكي أو أنهن سيواجهن إجراءات قانونية.
ولايستقيم الأمر دون الحديث عن نهى البلوي، الناشطة على الإنترنت في دعم الحقوق المدنية والسياسية للمرأة في المملكة العربية السعودية، حيث اعتقلت هذه المدافعة عن حقوق الإنسان في الاسبوع الأخير من شهر يناير/كانون الثاني 2018. وهي طالبة جامعية من مدينة تبوك. بتاريخ ٥ ٠ شباط / فبراير، مُدد احتجازها لمدة شهر آخر.
في فيديو يوتيوب بتاريخ ٠٧ نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٧، دعمت نهى البلوي حملة قيادة السيارة للنساء في المملكة العربية السعودية. انظر وباللغة العربية:
وذكرت بعض التقارير ان سبب اعتقالها هو فيديو يوتيوب نشرته وانتقدت فيها تطبيع العلاقات مع اسرائيل. انظر وباللغة العربية ايضاً:
https://www.youtube.com/watch?v=9PrrvqNiKrs
وقال مصدر من داخل البلد لمركز الخليج لحقوق الإنسان إن “نشطاء يعتقدون أننا بحاجة إلى إعلان قضيتها حيث تم تمديد اعتقالها لمدة شهرٍ آخر، مشيراً إلى أن القضية قد تأخذ مساراً جدياً، وهو أمر متوقع بسبب طبيعة آراءها المنتقدة وحساسية الدولة المفرطة لأي رأي معارض .” أن من الصعب الحصول على معلومات عن ظروف احتجازها نظراً لعدم وجود تمثيل قانوني لها وكون السعودية من البلدان المغلقة التي يصعب فيها الوصول إلى المعلومة الصحيحة.
بتاريخ 22 فبراير/شباط 2018، أكدت مصادر موثوقة لمركز الخليج لحقوق الإنسان أنه تم الإفراج عنها بعد 29 يوماً من الاعتقال التعسفي.
وفي وسط هذه التطورات المحزنة فأن هناك دائماً شيء ما يستدعي الاحتفال والفرح فقد فازت المدافعة البارزة حقوق الإنسان و عضوة المجلس الاستشاري لمركز الخليج لحقوق الإنسان الدكتورة هالة الدوسري من المملكة العربية السعودية، بجائزة أليسون ديس فورج للنشاط الإستثنائي لسنة ٢٠١٨ والمقدمة من قبل هيومن رايتس ووتش.
يدعو مركز الخليج لحقوق الإنسان السلطات السعودية إلى:
- إلغاء الأحكام فوراً الصادرة ضد جميع مدافعي حقوق الإنسان وإلغاء جميع التهم الموجهة إليهم؛
- الإفراج الفوري عن جميع المدافعين عن حقوق الإنسان وسجناء الرأي في المملكة العربية السعودية الذين لا يتعلق اعتقالهم إلا بالعمل السلمي والمشروع في تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها؛
- الإفراج فوراً عن جميع النساء المسجونات في إنتهاكٍ لحقهن بحرية التعبير؛
- السماح لجميع المواطنين بالتعبير عن أنفسهم بحرية فيما يتعلق بحقوق النساء؛
- السماح للمناقشة العامة لحملة التحرر من نظام الوصاية؛ ومناقشة الحقوق المدنية والسياسية المشروعة للشعب؛ و
- ضمان وفي جميع الظروف قدرة المدافعين عن حقوق الإنسان وناشطي الإنترنت في السعودية على القيام بعملهم المشروع في مجال حقوق الإنسان دون خوف من الانتقام وبلا قيود تذكر وبما في ذلك المضايقة القضائية.