بعد أن تم الاستيلاء على وسائل الإعلام التقليدية والإجهاز التام على المنابر الإعلامية المستقلة التي أصبح من المستحيل الوصول إلى مواقعها عبر الإنترنت، اصبحت مصر بلد يكاد يكتنفه الصمت المطبق.
نُشر هذا المقال أولاً على موقع منظمة مراسلون بلا حدود بتاريخ 11 أيار 2018
في غضون شهر واحد فقط، شهدت مصر اعتقال ثلاثة مدونين معروفين بتحديهم للنظام الحاكم والخطوط الحمراء التي تفرضها التقاليد. ومع استمرار تقليص هامش حرية التعبير، تدعو منظمة مراسلون بلا حدود السلطات المصرية إلى عدم الخلط بين الأفعال الفاحشة والأعمال الإرهابية.
تحظى الفيديوهات الساخرة التي يبدعها المدون شادي أبو زيد بشعبية كبيرة، حيث يشاهدها الآلاف على شبكات التواصل الاجتماعي، علماً أنه كان أيضاً ضمن فريق البرنامج التلفزيوني الفكاهي “أبلة فاهيتا”، الذي حظرته السلطات مؤخرًا، مُعتبرة أنه ينطوي على إيحاءات مفرطة في الجرأة. وفي يوم الأحد 6 مايو/أيار، اعتقل أمن الدولة صاحب مزحة فاحشة ضد الشرطة المصرية في مطلع 2016. وبعد زهاء يومين من القلق، علمت عائلته أنه سيظل قيد الحبس الاحتياطي لمدة لا تقل عن 15 يوماً، حيث يُتهم المدون بـ”نشر معلومات كاذبة” و”الانتماء إلى جماعة محظورة”، وهي التهمة التي تُستخدم في الغالب ضد أشخاص يُعتبرون مقربين من جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يدعو للاستغراب في هذه الحالة بالنظر إلى طبيعة شخصية شادي أبو زيد.
وفي 2 مايو/أيار، جاء الدور على شريف جابر، الذي كان قد أطلق مؤخراً مدونة شخصية بعدما كان يقتصر على مشاركة تعليقاته وتدويناته عبر شبكات التواصل الاجتماعي، حيث أُلقي عليه القبض في مطار القاهرة بينما كان يستعد لمغادرة البلاد. ويُتهم شريف بالدعوة إلى الإلحاد، وهي نفس التهمة التي تسببت في اعتقاله عام 2013، علماً أن القانون المصري يعاقب على إهانة أي من الديانات التوحيدية الثلاث أو الازدراء بها.
وقبل هاتين الحالتين، شهد الشهر الماضي اعتقال المدون “محمد أوكسجين” (واسمه الحقيقي محمد رضوان محمد) بتاريخ 6 أبريل/نيسان، وهو الذي اشتهر بحواراته مع المواطنين في الشارع ومقابلاته مع شخصيات معروفة، حيث يتناول القضايا الاجتماعية والسياسية دون قيود، علماً أنه صفحته على فيسبوك وقناته على يوتيوب تحظيان بمئات الآلاف من المشتركين. وفي هذا الصدد، أوضح الكاتب المصري علاء الأسواني في مقال رأي نشره على موقع دويتشه فيله أن “محمد كان يهوى الصحافة ولأنه لا يعرف أحداً من الكبار ليتوسط له كان من المستحيل أن يجد عملاً في الصحف والفضائيات”، مضيفاً أنه “لم يستسلم لليأس فقرر أن يكون صحفياً مستقلاً، حيث أنشأ مدونة”.
وفي السياق ذاته، تؤكد مراسلون بلا حدود أن “المدونات والمقابلات العفوية مع المواطنين في الشارع العام والفكاهة والإيحاءات الفاحشة ليست أعمالاً إرهابية”، متسائلة “كيف لمصر أن تبرر اعتقال هؤلاء المدونين اللهم إذا لم تكن السلطات تسعى من وراء ذلك إلى السيطرة على المعلومات والآراء في البلاد؟”
موجة قمع جارفة
في بلد يكاد يكتنفه الصمت المطبق، بعد أن تم الاستيلاء على وسائل الإعلام التقليدية مقابل الإجهاز التام على المنابر الإعلامية المستقلة التي أصبح من المستحيل الوصول إلى مواقعها عبر الإنترنت، باتت شبكات التواصل الاجتماعي المتنفس الوحيد الذي لم تطله بعد آلة الحظر التي تستخدمها السلطات المصرية، وإن كانت هذه الأخيرة لا تدخر جهداً في البحث عن طرق جديدة للتحكم في عملية تدفق المعلومات عبر الإنترنت.
وعندما لا يكون الاعتقال هو مصير المدونين، كما هو الحال بالنسبة لعلاء عبد الفتاح، الذي يقبع وراء القضبان منذ 2015 حيث يقضي حكماً بالسجن لمدة 5 سنوات، فإن الصحفيين ومستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي غالباً ما يجدون أنفسهم عُرضة للمضايقات والترهيب إذا كانت تدويناتهم أو تعليقاتهم مُزعة في نظر النظام، حيث تنهال عليهم حملات التشهير والتشويه، مما يزيد من المخاوف بشأن احتمال القبض عليهم في أي وقت، بل ويصل الأمر حد الهجمات الإلكترونية، كما هو حال وائل حسين، الذي انهال عليه وابل من الإهانات والشتائم خلال حملة عدائية عبر الإنترنت مما أدى إلى إغلاق حسابه الشخصي.
يُذكر أن مصر تقبع حالياً في المركز 161 (من أصل 180 دولة) على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي نشرته مراسلون بلا حدود هذا العام، علماً أن ما لا يقل عن 35 صحفياً وصحفياً-مواطناً ومدوناً مازالوا قيد الاعتقال، ومعظمهم يوجدون رهن الحبس الاحتياطي في انتظار محاكمتهم.