يتم تجنيد رجال الدين الدينيين للتعامل مع أولئك الذين يشجبون انتهاكات حقوق الإنسان أو يدعون إلى الإصلاح باعتبارهم “أعداء الإسلام”
تم نشر هذا التقرير أولاً على موقع منظمة الأصوات العالمية بتاريخ 28 شباط 2019
ألقت حادثة قتل الصحفي السعودي والكاتب الصحفي في واشنطن بوست جمال خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي في القنصلية السعودية في اسطنبول، بظلالها على ممارسة حرية التعبير للصحفيين في المملكة العربية السعودية والمنطقة العربية.
كما هزت العواقب السياسية الناجمة عنها بعض أقوى المؤسسات والأصوات الإسلامية.
بعد تكشف ظروف اختفاء خاشقجي وموته، اتهم العديد من زعماء العالم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بشكل علني بإصدار الأمر بقتل الصحفي. في ما بدا أنه رد على هذه الاتهامات، ألقى إمام المسجد الكبير في مكة خطبة الجمعة في 19 أكتوبر/تشرين الأول، قام فيها بتجليل بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة.
وأشاد الشيخ عبد الرحمن السديس “بإصلاحات” بن سلمان وندد بالهجمات ضد “هذه الأراضي المباركة” في خطبته التي وافقت عليها السلطات السعودية. وخلص أن “من واجب المسلمين كافة أن يدعموا ويطيعوا الملك وولي العهد الأمين، وحماة وأوصياء الأماكن المقدسة والإسلام”.
يقول خالد محمد أبو الفضل، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة كاليفورنيا في مقال رأي لصحيفة نيويورك تايمز إن الخطبة “دنست وأهانت” المنبر.
“باستخدام المسجد الحرام لمحو أعمال الاستبداد والقمع” كتب أبو الفضل: “وضع الأمير محمد الشرعية ذاتها للسيطرة السعودية والوصاية على الأماكن المقدسة في مكة والمدينة المعنية”.
تاريخ المملكة العربية السعودية الطويل من إقحام السياسة في الدين
مع نظام حكم ثيوقراطي (الحكم الديني)، هذا ليس من غير المألوف في المملكة المتشددة. في الواقع، استخدم القادة السعوديون الدين منذ فترة طويلة كأداة للسلطة السياسية منذ بداية المملكة.
عندما تأسست الدولة السعودية الأولى في عام 1744، أقام محمد بن سعود، أمير واحة مدينة الدرعية الصغيرة، اتفاقاً مع الزعيم الديني محمد بن عبد الوهاب. بدأ عبد الوهاب حركة دينية متشددة محافظة (تعرف اليوم بالوهابية) مبنية على التفسير المتشدد للقرآن والتقاليد النبوية.
يوضح موقع فاناك، وهو موقع مستقل للإعلام والتحليل يركز على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن هدف الاتحاد كان “خلق عالم إسلامي يحكمه تفسير متشدد للإسلام”.
انهارت هذه الدولة السعودية الأولى بعد عقود، وأقيمت دولة ثانية في عام 1824 لتنهار مرة أخرى عام 1891. بين عامي 1924 و1925، غزت عائلة ابن سعود مكة المكرمة والمدينة (المدينتين الإسلاميتين الأقدس) على التوالي، بمساعدة المقاتلين الوهابيين. في عام 1932، تم تأسيس المملكة العربية السعودية. منذ ذلك الحين، استمر الحكام السعوديون في استخدام الدين لخدمة مصالحهم السياسية.
إسكات الأصوات المتحدية للخطاب الديني الرسمي
اليوم، يبرز تاريخ المملكة للعديد من السعوديين وهم يواجهون مستويات القمع المتزايدة تحت قيادة محمد بن سلمان. يتم تجنيد رجال الدين الدينيين للتعامل مع أولئك الذين يشجبون انتهاكات حقوق الإنسان أو يدعون إلى الإصلاح باعتبارهم “أعداء الإسلام”، وتواصل سلطات الدولة نشر الخطاب الديني لخدمة المصالح السياسية للحكام.
في يناير/كانون الثاني 2019، أدان وزير الشؤون الإسلامية السعودي عبد اللطيف بن عبد العزيز آل الشيخ الانتفاضات العربية بين 2011-2012 واصفًا إياها بأنها “سامة ومدمرة للإنسان العربي والإسلامي”.
وفي إشارة ضمنية إلى الانتقادات الموجهة إلى المملكة بعد مقتل خاشقجي، استنكر الوزير ما وصفه “الهجمات غير العادلة من أعداء الإسلام” واتهم المسلمين الذين ينتقدون المملكة وسياساتها “بنشر وإثارة الفتنة والتحريض ضد حكامهم وقادتهم”.
نظرًا للصلة بين الوهابية والقمع السياسي، قام الناشط السعودي في مجال حقوق الإنسان يحيى عسيري، الذي يعيش في المنفى في لندن، بالتغريد في 13 يناير/كانون الثاني.
الاستبداد منظومة متكاملة..وتمكن عندنا باستخدام الدين، عندما تحالف ابن عبدالوهاب مع ابن سعود، فنشأت #السعودية و #الوهابية كتوأم خبيث، لن تنجو بلادنا إلا بالخلاص من الاستبداد السعودي الوهابي… وكلما قلنا ذلك قال البعض بحسن نية أن الوهابية حركة دينية! بينما هي سياسية صرفة!يتبع
— Yahya Assiri يحيى عسيري #المقسطون (@abo1fares) January 13, 2019
لكن أصوات أشخاص مثل عسيري يتم إسكاتها في المملكة العربية السعودية.
صوت آخر هو عبد الله الحامد، أحد مؤسسي الرابطة السعودية للحقوق المدنية والسياسية (ACPRA) الموجود الآن وراء القضبان.
الحامد يقضي أحد عشر عامًا في السجن بسبب أنشطته في مجال حقوق الإنسان، تهم تشمل “الإخلال بالولاء وعصيان الولي” ، و”التحريض على الفوضى من خلال الدعوة إلى التظاهرات”. أُدين في عام 2013 من قبل المحكمة الجنائية المتخصصة سيئة السمعة أنشئت لمحاكمة القضايا المتعلقة بالإرهاب ولكنها غالبًا ما تستخدم لملاحقة نشطاء حقوق الإنسان.
وأفادت جماعات حقوق الإنسان بأن الحميد بدأ إضرابًا عن الطعام في 17 فبراير/شباط. في بيان منسوب إليه ونشرته منصة حقوق الإنسان MBS MeToo، أعلن الحامد أنه يطالب بالإفراج عن نشطاء حقوقيين وسجناء سياسيين.
بالإضافة إلى نشاطه في مجال حقوق الإنسان، فإن الحميد هو شاعر وأكاديمي. من خلال كتاباته، استخدم نصوص وتقاليد إسلامية للدعوة إلى إصلاحات ديمقراطية، والدفاع عن حقوق الإنسان، وانتقاد المؤسسات الدينية التي تمكّن القمع في المملكة العربية السعودية مثل مجلس كبار العلماء، وهو أعلى هيئة دينية في المملكة تقدم النصح الملك في الأمور الدينية.
فقد اتهم المجلس ذات مرة بالعمل على دعم “أولئك الذين يسرقون أموال الناس وكرامتهم وحريتهم” ولعب دور في “الإضرار بالمواطنة والتعددية والتسامح” و”إنتاج العنف والتطرف”.
كما دافع عن “خطاب ديني حديث يحتضن قاعدة استشارية”، وعارض ما وصفه “الخطاب الديني المشترك” في المملكة “الذي يدعو إلى الصلاة وراء إمام غير عادل … حتى وإن انتهك حرية [المرء] والعدالة والمساواة”.
قمع رجال الدين المستقلين
في الوقت الذي يتم فيه إسكات أولئك الذين يتحدون الخطاب الرسمي للحكومة، اتخذت المملكة العربية السعودية أيضًا خطًا صارمًا ضد رجال الدين الذين لا يدعمون سياسات وأفعال ولي العهد بما فيه الكفاية.
واعتُقل كل من رجال الدين السعودي الشيخ سلمان العودة، وعلي العمري والشيخ عوض القرني في سبتمبر/أيلول 2017 بتهم مختلفة شملت علاقاتهم المزعومة مع جماعة الإخوان المسلمين. وتقول جماعات حقوق الانسان أن توجيه الاتهامات لرجال الدين لأنهم لم يدعموا وبشكل واضح قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع قطر مع السعودية وحلفائها. وقد يواجه الثلاثة عقوبة الإعدام.
في سن 62، يعتبر الشيخ سلمان العودة رجل دين بارز مع عدد متابعين متزايد على شبكات وسائل الإعلام الاجتماعية، ليس فقط في المملكة العربية السعودية ولكن في جميع أنحاء المنطقة العربية. يبلغ عدد متابعيه على إنستغرام وفيسبوك وتويتر ويوتيوب أكثر من 22 مليون متابع. وقد أعرب سابقًا عن دعمه للثورات العربية في عام 2011 ودعا إلى إجراء إصلاحات ديمقراطية في المملكة والمنطقة.
وقد ربطت منظمة العفو الدولية وغيرها من جماعات حقوق الإنسان اعتقاله بتغريدة نُشرت في 8 سبتمبر/أيلول، رد فيها على التقارير الإخبارية عن مصالحة محتملة بين الأمم. كتب في الجزء الثاني من تغريدته: “اللهم ألف بين قلوبهم لمافيه خير شعوبهم”.
علي العمري هو باحث ديني ورئيس قناة 4Shbab، وهي قناة تلفزيونية إسلامية تركز على الشباب. على النقيض من الآخرين، لم يعلق على القضايا السياسية في المملكة. حتى أنه قام بالتغريد في وقت واحد لدعم زعماء المملكة، ونشر رسالة على تويتر يتمنى نجاح بن سلمان عندما تم تعيينه ولي العهد مرة أخرى في يونيو/حزيران 2017.
يواجه الشيخ عوض القرني عدد من الاتهامات تشمل دعم جماعة الإخوان المسلمين، المحظورة في المملكة العربية السعودية، وتشهير المملكة وسياساتها وأنظمتها.
العديد من رجال الدين الآخرين هم الآن وراء القضبان في المملكة العربية السعودية. ودعا البعض إلى إجراء إصلاحات ديمقراطية في المملكة، مثل الشيخ العودة، بينما أعرب آخرون عن معارضتهم لسياسات بن سلمان أو الإصلاحات الاجتماعية. وكان آخرون مثل العمري قد عبروا في السابق عن دعمهم للحكام السعوديين وولي العهد.
ما تؤكده هذه الحالات هو أن الصمت لم يعد كافيًا في ظل حكم بن سلمان الفعلي. إلى جانب التفويض بإزالة الأصوات “المستقلة” – كلمات أي شخص لا تخدم قيادة المملكة أو جدول أعماله السياسي – يجب على رجال الدين أن يخطوا إلى الأمام ويثنون على ولي العهد والقيادة السعودية.
قد تختلف آراء وأيديولوجيات سجناء الرأي الموجودين حاليًا وراء القضبان في المملكة العربية السعودية، بمن فيهم المدافعون عن حقوق المرأة والمدافعون عن حقوق الإنسان والمحتجون الشيعة ورجال الدين. لكن في ظل حكم بن سلمان الفعلي، يخضع هؤلاء الأفراد لمظالم على أيدي السلطات السعودية، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والسجن الانفرادي والتعذيب والاختفاء القسري. لإضفاء الشرعية على أعمال القمع هذه، فإن الحكام السعوديين لا يترددون أبدًا في استخدام الدين كغطاء.