يبحث مدافعو حقوق الإنسان المصريون وخبراء الأمم المتحدة في كيفية قيام السلطات في مصر بتسليح قوانين مكافحة الإرهاب لاستهداف النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، والتدابير التي يمكن أن يتخذها المجتمع الدولي للتحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في البلاد.
تم نشر هذا البيان أولاً على موقع مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بتاريخ 25 حزيران 2021
نظم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان مساء الأربعاء 23 يونيو 2021 ندوة إلكترونية على هامش فعاليات الجلسة الـ 47 لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة حول الأعمال الانتقامية من المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر. الندوة التي جاءت تحت عنوان (قوانين مكافحة الإرهاب سلاح الدولة المصرية لإسكات المدافعين عن حقوق الإنسان)، استضافت كل من مقرّرة الأمم المتحدة الخاصة بحماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب (فيونوالا ني أولين)، ومستشار مقررة الأمم المتحدة المعنية بالمدافعين عن حقوق الإنسان (برايان دولي)، ومدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في لجنة الحقوقيين الدولية (سعيد بن عربية)، والحقوقية البارزة زوجة الحقوقي رامي شعث (سيلين ليبرون شعث). وأدرا النقاش مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان (بهي الدين حسن).
بدأ حسن اللقاء بالإشارة إلى أن توظيف تهم الإرهاب في الأعمال الانتقامية لا يقتصر فقط على المدافعين عن حقوق الإنسان، وإنما تمارسه الحكومة المصرية على كل من ينتقدها، سواء كان علمانيا أو إسلاميا أو مسيحيا. وتشمل قائمة الضحايا المستهدفين صحفيين ومحاميين وأكاديميين ورجال أعمال وبرلمانيين سابقين وأطباء انتقدوا تخبط الإجراءات الحكومية في مكافحة كوفيد-١٩وحتى دبلوماسيين، وشملت أيضا أشهر لاعب كرة قدم وروابط الالتراس. وأضاف حسن أن هذه الممارسة لم تعد قاصرة على مصر فقط، فمن المؤسف أن دول أخرى بالمنطقة مثل الجزائر بدأت تتبع النهج نفسه، محملاً المجتمع الدولي جزء كبير من المسئولية عن ذلك، لأن “التقاعس الدولي عن ردع النموذج المصري في توظيف تهم الإرهاب في الأعمال الانتقامية يشجع آخرين بشكل غير مباشر.” الأمر الذي أيدته مقرّرة الأمم المتحدة الخاصة بحماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب (فيونوالا ني أولين)، مشيرة إلى أن هذه الممارسة المرفوضة أصبحت من الأزمات العالمية الراهنة، وأن توظيف مكافحة الإرهاب لانتهاك حقوق الإنسان في معظم أنحاء العالم تسبب في حملة قمع كبيرة للمجتمع المدني، ما يتطلب جهودًا دولية ووطنية متضافرة.
أما عن الوضع في مصر على وجه التحديد، فقد صرحت الخبيرة الأممية (أولين) أن قانون الكيانات الإرهابية وبعض القوانين الأخرى في مصر، بما في ذلك قانون الجمعيات، تتسم بالغموض وتنطوي على مصطلحات فضفاضة تتسبب في انتهاكات غير قانونية بحق المواطنين العاديين. وأضافت أن بعض هذه القوانين يشرعن لانتهاكات جسيمة، فمثلاً “قانون مكافحة الإرهاب يقنن فعليًا ممارسة الإخفاء القسري ويسمح بالاعتقال التعسفي للأفراد” الأمر الذي يثير القلق والتحفظ الشديد على هذه القوانين على حد وصف الخبيرة الأممية.
من جانبه دلل مستشار مقررة الأمم المتحدة المعنية بالمدافعين عن حقوق الإنسان (برايان دولي) على هذا النهج، بأن العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر متهمين بالإرهاب ويعانون فعلاً من التعذيب والإخفاء القسري، مشيرًا إلى أن مصر تتوسع في استخدام قوانين مكافحة الإرهاب، رغم علمها أن العديد من المتهمين بالإرهاب ليسوا إرهابيين فعلاً. المستشار الأممي دولي أكد بدوره على أن ثمة تحدي أمام المجتمع الدولي بشكل عام وولايته بشكل خاص لمواجهة هذا الوضع، مؤكدًا ومدللاً بأمثلة؛ أنه إذا منح المجتمع الدولي الاهتمام الكافي لحالات معينة شهدت توظيف انتقامي لمثل هذه القوانين، فمن الممكن أن يحدث ذلك فرقًا ويساعد في تخفيف بعض العقوبات أو إطلاق سراح بعض المحتجزين.
الحقوقي (سعيد بن عربية) مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في لجنة الحقوقيين الدولية، اهتم باستعراض بعض الأمثلة التي تعكس هذا النهج الانتقامي من الحقوقيين المتبع في مصر مثل؛ علاء عبد الفتاح، محمد الباقر، عزت غنيم، إبراهيم عز الدين، إبراهيم متولي وغيرهم المئات ممن لم تذكر مصر أو تقدم أي دليل إدانة يثبت الاتهامات الموجهة لهم بالإرهاب. وأضاف بن عربية: ”لدينا سجلات موثقة تؤكد إساءة استخدام قوانين الإرهاب في مصر واستهداف العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان وقمع الآلاف من الأفراد.” وفي هذا السياق، رفض بن عربية أن دولة مثل مصر، تستخدم مكافحة الإرهاب لسحق الحريات الأساسية والانتقام من المدافعين عن حقوق الإنسان وتحويلها “لسجن مفتوح”، يكون لها دور في تحديد المعايير الدولية بشأن مكافحة الإرهاب، مطالبًا المجتمع الدولي بالحيلولة دون ذلك.
الحقوقية (سيلين ليبرون) زوجة الحقوقي المحتجز رامي شعث ومديرة حملة إطلاق سراحه قدمت خلال اللقاء شهادة تفصيلية عن الانتهاكات التي تعرض لها زوجها منذ لحظة القبض عليه قبل 24 شهرًا وإخفائه القسري لمدة 36 ساعة قبل ظهوره أمام نيابة أمن الدولة العليا. وبحسب (سيلين) تم استجواب شعث عن أنشطته الشرعية كحقوقي، هل شارك في مظاهرات 2011؟ ما هي المنظمات التي يتعاون معها في عمله؟ وغيرها من الأسئلة التي لا تمت للقضية التي أنضم إليها بصلة، ولا بالتهمة الموجه له بالانضمام بجماعة إرهابية. وأضافت سيلين: ” حتى الآن وبعد 14جلسة تجديد حبس، لم يتم إخبارنا أو تقديم أي دليل حول سبب اعتقال رامي شعث بتهم تتعلق بالإرهاب.. وبدون مبرر أُضيف في أبريل 2020 لقوائم الإرهاب.” سيلين طالبت المجتمع الدولي وخبراء الأمم المتحدة بمواصلة الضغط على الحكومة المصرية لوقف توظيف هذه القوانين بشكل انتقامي، وإطلاق سراح زوجها وغيره من الحقوقيين المحتجزين دون وجه حق.
هذه الممارسات الانتقامية عكست عوارًا مخزيًا في النظام القضائي المصري، الذي وصفه المستشار (دولي) بأنه “أصبح آداه لاستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان.. يعتمد بشكل أساسي على ما يتلقاه من تعليمات من الحكومة المصرية.” وقال عنه الحقوقي سعيد بن عربية أنه “لا يتمتع بالاستقلال، وقد أصبح منذ 7 سنوات تحديدًا أداة للضغط السياسي، تابع تمامًا للسلطة السياسية ويتم استخدامه لقمع المعارضين وضمان إفلات مسئولي الدولة المصرية من العقاب.” وعلق بهي الدين حسن أنه “لم يعد في مصر لا نظام قضائي ولا برلمان يمكنه مساءلة الأجهزة التنفيذية والأمنية. وبالتالي فإن ذلك يضاعف مسئوليات المجتمع الدولي.”
جدير بالذكر أن مركز القاهرة عقد هذه الندوة بالتعاون مع 5 منظمات دولية هي؛ منظمة العفو الدولية، الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، هيومان رايتس واتش، منظمة الخدمة الدولية، ولجنة الحقوقيين الدولية.
لمشاهدة فيديو الندوة باللغة العربية هنا