يفحص تقرير جديد صادر عن مؤسسة حرية الفكر والتعبير أبرز الانتهاكات التي تمارسها السلطات المصرية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية المستقلة.
تم نشر هذا التقرير أولاً على موقع مؤسسة حرية الفكر والتعبير بتاريخ 14 ايلول 2021
تحت الهجوم .. تقرير عن الحملات الأمنية والقضائية التي تستهدف المدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية المستقلة في مصر
اعتمد التقرير على ما قامت به وحدة الرصد والتوثيق بمؤسسة حرية الفكر والتعبير من رصدٍ وتوثيقٍ لأبرز الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها المدافعون عن حقوق الإنسان، وكذلك أبرز المحطات التي تعرض فيها المدافعون والمنظمات الحقوقية المستقلة لهجمات أمنية تستهدف التضييق على حقهم في العمل بحرية في بيئة خالية من الترصد والاستهداف.
اعتمد التقرير على قواعد البيانات الخاصة بضحايا الانتهاكات والتي تقوم وحدة المساعدة القانونية بمؤسسة حرية الفكر والتعبير بتقديم الدعم القانوني إليهم.
كما اعتمد التقرير على توثيق ثماني شهادات لأهالي ومحامي الضحايا، بالإضافة إلى الأخبار القانونية المنشورة على منصات ومواقع المنظمات الحقوقية المصرية المستقلة.
لا يعبر التقرير عن كل الانتهاكات التي يتعرض لها المدافعون عن حقوق الإنسان ولا عن أعداد المدافعين المستهدفين جراء الحملات الأمنية، بقدر ما يعبر عن أبرز الانتهاكات التي يتعرضون لها.
مقدمة
لم تتوقف الملاحقات الأمنية والقضائية بحق منظمات حقوق الإنسان المستقلة في مصر، والعاملين بها، وكذلك الأفراد من النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، منذ اندلاع ثورة يناير ٢٠١١ وحتى اليوم. تنوعت أشكال الملاحقة وتدرجت وسائل تصفية الحركة الحقوقية بالشكل الذي نتج عنه إضعاف كبير لحركة حقوق الإنسان في مصر، في ظل خنقٍ تامٍّ للمجال العام وإغلاق كافة منافذ التعبير السلمية داخله.
تصاعدت عملية تصفية الحركة الحقوقية عبر مجموعة من الهجمات، اشتملت كل منها على حزمة من الإجراءات الأمنية والتشريعية والقضائية بحق المدافعين عن حقوق الإنسان. كان أبرزها: تحريك القضية ١٧٣ لسنة ٢٠١١ والمعروفة إعلاميًّا بقضية “التمويل الأجنبي” وما ترتب عليها من إجراءات وملاحقات طوال عقد كامل، من بينها: القبض على المدافعين واحتجازهم، قرارات بالإغلاق بحق منظمات حقوقية، الإدراج على قوائم الإرهاب بما يشمله من قرارات المنع من السفر وتجميد الأموال. إضافة إلى ذلك قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بتعديل المادة ٧٨ من قانون العقوبات في٢٠١٤ بما يسمح بتغليظ العقوبات ضد متلقي التمويلات والتبرعات من أية جهة وتحت أي شكل لتصل إلى السجن المؤبد، وفي بعض الحالات إلى الإعدام. وأخيرًا في ٢٠١٩ أقر البرلمان المصري قانونًا جديدًا لتنظيم العمل الأهلي تلاه بعامين إصدار مجلس الوزراء اللائحة التنفيذية للقانون.
لم يحظَ القانون ولا اللائحة التنفيذية بأي نقاش أو حوار مجتمعي جاد مع المنظمات المعنية والعاملين بها والمجتمع الحقوقي بشكل عام. ما جعلهما يخرجان بعيدين عن طموحات المعنيين بحقوق الإنسان.
ذلك، بينما تشهد الحركة الحقوقية انقسامًا حول آليات التفاعل مع قضية توفيق الأوضاع، هل يقبلون العمل تحت مظلة قانون لم يشاركوا في وضعه، ولديهم عديد من التحفظات عليه؟! أم أن توفيق الأوضاع أصبح النافذة الوحيدة للبقاء والعمل؟
في ظل ارتباك المؤسسات الحقوقية حول موقفها من مسألة توفيق الأوضاع، ومع استمرار الهجمات والملاحقات الأمنية والقضائية، وتصاعد الضغوط الدولية الناقدة لأوضاع حقوق الإنسان في مصر، يبدو أن هناك خطوات جادة للتفاعل مع ملفيِ المدافعين المحبوسين وقضية التمويل الأجنبي ١٧٣ لسنة ٢٠١١.
خلال الشهرين الماضيين أخلَتْ نيابة أمن الدولة العليا سبيل خمسة مدافعين عن حقوق الإنسان: الناشطة الحقوقية إسراء عبد الفتاح، الباحثة شيماء سامي، والمحاميين ماهينور المصري وسيد البنا ومحمد حلمى حمدون. حيث كانوا جميعًا قيد الحبس الاحتياطي لفترات زمنية متفاوتة على ذمة قضايا مختلفة، وواجه جميعهم نفس لائحة الاتهامات المتكررة، وأبرزها: الانضمام إلى جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، نشر أخبار وبيانات كاذبة وإساءة استخدام إحدى وسائل التواصل لتنفيذ جريمته.
كما أحيل عدد آخر من المدافعين إلى المحاكمة، أثناء كتابة التقرير، بعضهم كان قيد الاحتجاز التعسفي بعد أن قضى عامين من الحبس الاحتياطي، وهي الحد الأقصى المسموح للحبس الاحتياطي وفقًا لقانون الإجراءات الجنائية.
بينما قرر المستشار علي مختار، قاضي التحقيق المنتدَب فى قضية التمويل الأجنبى، بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بحق عدد من منظمات و كيانات وجمعيات المجتمع المدنى، وذلك “لعدم كفاية الأدلة”. بعد قرابة عقد كامل على بدء التحقيقات في القضية. وتضمن القرار رفع أسماء الأشخاص المرتبطين بالاتهام من قوائم الممنوعين من السفر وترقب الوصول وقوائم المنع من التصرف في أموالهم سائلة كانت أو منقولة.
حيث تم رفع الحظر عن كلٍّ من الحقوقيين: إسراء عبد الفتاح، ونجاد البرعي، وعزة سليمان، وحسام الدين علي، مجدي عبد الحميد، وهم ممثلون عن جمعيات: “المجموعة المتحدة محامون مستشارون قانونيون واقتصاديون، ومحامون من أجل العدالة والسلام، والجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، والمعهد المصري الديمقراطي. بينما ذكر قاضي التحقيق المنتدب في بيان له عن القضية أن: “عدد المنظمات والجمعيات والكيانات التي صدر أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بشأنها يزيد على ١٨٠ جمعية”.
إن مؤسسة حرية الفكر والتعبير ترى، ودون الخوض في دوافع تلك الخطوات، أن اختبار جدية تعامل السلطات المصرية مع ملف حقوق الإنسان يمكن قياسها عبر مراقبة التطور الحاصل تحديدًا في القضايا الشائكة المتمثلة في: قضية المدافعين المحبوسين وأزمة توفيق أوضاع المؤسسات القائمة وفق القانون واللائحة الأخيرين، إضافة إلى استكمال إجراءات غلق قضية التمويل الأجنبي رقم ١٧٣ لسنة ٢٠١١ وكافة الإجراءات التي ترتبت عليها من تجميد الأموال والمنع من السفر.
ومن هنا، يحاول هذا التقرير أولًا، رصد عدد المدافعين عن حقوق الإنسان من المحبوسين احتياطيًّا على ذمة التحقيقات في قضايا عدة، وثانيًا التعرض لأبرز أنماط الانتهاكات سواء المرتكبة بحق المدافعين المحبوسين أثناء عمليات القبض والاحتجاز، أو التي يتعرض لها المدافعون بشكل عام (مؤسسات وأفراد). آملين أن يساهم هذا الصوت في مزيد من تسليط الضوء على قضايا المدافعين عن حقوق الإنسان بهدف استكمال ما بدأ من خطوات.
القسم الأول: انتهاكات جسيمة بحق المدافعين المحبوسين
من بين ١٩ مدافعًا حقوقيًّا محبوسًا، على الأقل، رصدتهم مؤسسة حرية الفكر والتعبير، يقبع مدافعان اثنان قيد الاحتجاز التعسفي بالمخالفة للقانون، بعد أن تجاوزا الحد الأقصى لمدة الحبس الاحتياطي المقررة بعامين وفقًا للمادة ١٤٣ من قانون الإجراءات الجنائية. بينما تحتجز السلطات ١٧ مدافعًا آخر قيد الحبس الاحتياطي على ذمة قضايا متعددة، لم يحل أغلبيتها إلى المحاكمة حتى كتابة هذه السطور، بينهم سيدة واحدة وثمانية عشر رجلًا.
كانت الفئة الأكثر عرضة للتنكيل بين صفوف المدافعين هي المحامين الحقوقيين، حيث ضمت قائمة المدافعين المحبوسين ١١ محاميًا. ولم يتوقف استهداف المحامين على العاملين بالمؤسسات الحقوقية، ولكنه امتد ليشمل كل من يقدم خدمات الدعم القانوني إلى المتهمين على خلفية قضايا سياسية أو قضايا حرية التعبير، حيث تشير القائمة إلى استهداف ٦ من أصحاب مكاتب المحاماة الخاصة أو عاملين بها، فضلًا عن استهداف محامٍ حر.
تعرض جميع المدافعين الذين شملهم التقرير لأنماط متعددة من الانتهاكات، بعضها يمكن وصفه بالجسيمة. توزعت بين مراحل: القبض مرورًا بالتحقيقات ووصولًا إلى مرحلة الاحتجاز. ويستعرض هذا القسم من التقرير أبرز تلك الأنماط، مع التدليل عليها من خلال وقائع حية تعرَّض لها المدافعون عن حقوق الإنسان ممن شملهم التقرير.