تجدد الجماعات الحقوقية دعواتها لقادة الاتحاد الأوروبي لإجراء مراجعة شاملة لعلاقاتها مع مصر نظراً إلى سجلها في انتهاكات حقوق الإنسان
تم نشر هذا البيان أولاً على موقع مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بتاريخ 15 شباط/ فبراير 2022
نكتب إليكم قبل المناقشة المرتقبة لمجلس الشئون الخارجية حول مصر، والمجدولة في 25 يناير الجاري، لإثارة مخاوفنا الجادة والمستمرة، بشأن أزمة حقوق الإنسان التي تتكشف في البلاد، وحثَّا للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء على اتخاذ الخطوات، التي طال انتظارها، الخاصة بإعلان عدم التسامح مع تجاهل مصر لحقوق الإنسان.
نقترب اليوم من الذكرى العاشرة لثورة 2011 في مصر، سنوات من القمع الوحشي والمستمر ضد كل أشكال المعارضة حطمت الآمال في الحرية والإصلاح الموجه نحو حقوق الإنسان في مصر. تلك الآمال التي دفعت المصريين إلى الخروج للشوارع منذ عقد من الزمان.
في رسالة أُرسلت إليكم منذ ما يقرب من عام، حثت المنظمات الدولية غير الحكومية المدافعة عن حقوق الإنسان الاتحاد الأوروبي على أن يجري مراجعة شاملة لعلاقاته مع مصر، بالنظر إلى الحملة المستمرة وغير المسبوقة على حقوق الإنسان. جاء ذلك الطلب استكمالاً لدعوات مشابهة سابقة من البرلمان الأوروبي، والتي تم التأكيد عليها مؤخرًا في القرار العاجل بتاريخ ديسمبر 2020، ردًا على مستويات القمع المتصاعدة في مصر واعتقالات نشطاء حقوقيين بارزين. هذه الدعوات المتكررة، وتجاهل السلطات الفج والمتزايد لمخاوف الاتحاد الأوروبي بشأن حقوق الإنسان، يؤكد على الحاجة الملحة لمراجعة شاملة للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومصر.
شهد عام 2020 تحديات غير مسبوقة مرتبطة بوباء كوفيد-19 والتداعيات الاقتصادية والسياسية الناتجة عنه. ومع ذلك، لم يتغير الكثير في سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه مصر منذ عام 2019، ولا تزال التوصيات الصادرة عن جماعات حقوق الإنسان والبرلمان الأوروبي تلقى القليل من الاهتمام.
على مدار العام الماضي، استخدمت السلطات المصرية جائحة كوفيد-19 كذريعة لـمنح مزيد من السلطات التعسفية للرئيس، وتعميق القيود المفروضة على الحقوق والحريات. كما استمرت السلطات في سياسة الاعتقال التعسفي للمدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السلميين والسياسيين والصحفيين- واعتقلت بعضهم انتقامًا من لقائهم بدبلوماسيين غربيين- وأضافت بعضهم لـ قوائم الإرهابيين؛ وبكل وحشية، سحقت السلطات المظاهرات السلمية في سبتمبر 2019 وسبتمبر 2020؛ واحتجزت الأطباء، والعاملين في القطاع الصحي، والمدونين والصحفيين لانتقادهم طريقة التعامل مع الوباء. كما احتجزت السلطات المصرية وحاكمت نساء بتهم تتعلق بالأخلاق، وكان بعضهن شهود وضحايا اغتصاب. كما أخضعت المعتقلين والسجناء لظروف احتجاز غير إنسانية، وإهمال طبي، وحرمان متعمد من الرعاية الصحية، ما يؤدي أو يساهم في موت العشرات، إن لم يكن المئات منهم في أماكن الاحتجاز. واستمرت السلطات المصرية في اعتقال أعضاء مجتمع الميم بسبب ميولهم الجنسية وأخضعتهم قسراً للتعذيب والمعاملة المهينة بما في ذلك “الاختبارات الشرجية” و”اختبارات تحديد الجنس”؛ بالإضافة إلى اعتقال ومحاكمة أعضاء الأقليات الدينية بتهم التجديف.
شهد عام 2020 ارتفاعًا غير مسبوق في صدور الأحكام القضائية بالإعدام، إذ واصلت المحاكم إصدار هذه الأحكام في محاكمات لم تفي بالمعايير الدولية الأساسية للمحاكمة العادلة، بما في ذلك المحاكمات الجماعية. وبسبب ثغرة في قانون الطفل المصري، يسمح القانون بمحاكمة الأطفال أمام محاكم البالغين، ويُحاكم الأطفال أحيانًا في هذه المحاكمات الجماعية ويُحكم عليهم بالإعدام.
أنتم على دراية كاملة بخطورة أزمة حقوق الإنسان في مصر، كما يتضح من بيان البند 4 في الجلسة الـ 45 لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة. ومع ذلك، فشل الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في اتخاذ أية إجراءات هادفة ومستدامة وجماعية لمعالجة الوضع، مفضلا بدلاً من ذلك تجزئة الجوانب المختلفة لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر، مع تضييق نطاق السياسات قصيرة الأجل الموجهة لوقف الهجرة وتعزيز التعاون الأمني. وقد ظهر ذلك في بيانات قليلة عارضة ومخجلة في كثير من الأحيان من الاتحاد الأوروبي بشأن حقوق الإنسان في مصر، في حين يواصل قادة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي دعم الحكومة المصرية القمعية من خلال بيع الأسلحة، وتعزيز التعاون، وحتى منح الجوائز المرموقة للرئيس عبد الفتاح السيسي.
هذا النقص في تماسك السياسة الأوروبية يسمح بالإفلات من العقاب على نطاق واسع ويقوض مصداقية الاتحاد الأوروبي، ويحول دون الوقوف على الدوافع الأساسية لعدم الاستقرار في المنطقة ومعالجتها، هذه الدوافع التي نتجت من بين أمور أخرى عن القمع الوحشي لمساحة التعبير والمعارضة. كما يرسل لمصر رسالة مفادها أن انتهاكات حقوق الإنسان لن تكلفها إلا الحد الأدنى من العواقب، على نحو يزيد من جرأة السلطات المصرية لارتكاب مزيد من الانتهاكات بضمان الإفلات من العقاب. ولعل هذه الثقة في غياب العقاب كانت واضحة في نوفمبر 2020، حين قررت السلطات المصرية قمع المدافعين عن حقوق الإنسان المعروفين، بمن فيهم قادة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وكذلك جهودها المستمرة لعرقلة التحقيقات في اختطاف وتعذيب ومقتل جوليو ريجيني.
وعليه، نحثكم على إجراء مناقشة شاملة حول هذه القضايا وإعطائها الاهتمام الكامل الذي تستحقه، بداية من اجتماع 25 يناير. إذ لا يمكن أن يستمر الأمر على هذا النحو طالما استمرت السلطات المصرية في قمعها الوحشي لحقوق الإنسان.
لقد جدد الاتحاد الأوروبي مؤخرًا التزامه بتعزيز حقوق الإنسان في سياسته الخارجية، وفقًا لخطة عمل الاتحاد الأوروبي الجديدة لحقوق الإنسان والديمقراطية واعتماد نظام عقوبات عالمي جديد ضد انتهاكات حقوق الإنسان. وتنفيذًا لهذه الالتزامات تجاه حقوق الإنسان، يجب على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه وضع سياسة موحدة ومتماسكة واستراتيجية تجاه التعامل مع مصر، تستخدم جميع الأدوات المتاحة لمعالجة أزمة حقوق الإنسان في البلاد. سيأتي هذا تماشيًا مع مطالبة البرلمان الأوروبي لـ”نائب الرئيس لحقوق الإنسان والدول الأعضاء” بأن “يردوا بطريقة موحدة وحازمة، بالتنسيق أيضًا مع شركاء آخرين لهم الأولويات نفسها، على القمع وانتهاكات حقوق الإنسان في مصر، وأن يستخدموا جميع الأدوات المتاحة لضمان إحراز تقدم ملموس في سجل مصر في مجال حقوق الإنسان”. وبشكل أكثر تحديدًا، ينبغي على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه:
1/ الإدانة الصارمة والقاطعة لقمع أي شكل من أشكال المعارضة، إذ تبقى البيانات العامة التي تثير القلق بشأن الانتهاكات في مصر نادرة ومتواضعة للغاية ومقتصرة على مستوى المتحدثين الرسميين، بينما تستمر الشراكة مع مصر في جهود مكافحة الإرهاب وإدارة الهجرة ومبيعات الأسلحة ضمن أولويات الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء- فضلاً عن معاملة الرئيس السيسي بحفاوة وترحيب- مع تجاهل صريح في بعض الأحيان لانتهاكات حقوق الإنسان الموثقة في هذا السياق.
2/ وضع معايير واضحة للتفاوض بشأن أولويات الشراكة الجديدة مع مصر، ووضع التقدم القابل للقياس في مجال حقوق الإنسان وسيادة القانون شرطًا لتعاون الاتحاد الأوروبي مع مصر، والإصرار على التزامات ملموسة من السلطات المصرية تجاه:
- الإفراج السلمي والفوري ودون قيد أو شرط عن النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان والسياسيين، بمن فيهم باتريك زكي، ومحمد إبراهيم، ومحمد رمضان، وعبد الرحمن طارق، وعزت غنيم، وهيثم محمدين، وعلاء عبد الفتاح، وإبراهيم متولي حجازي، وماهينور المصري، ومحمد الباقر، وهدى عبد المنعم، وأحمد عماشة، وإسلام الكلحي، وعبد المنعم أبو الفتوح، وإسراء عبد الفتاح، ورامي كامل، وإبراهيم عز الدين، وزياد العليمي، وحسن بربري، ورامي شعث، وسناء سيف، وسلافة مجدي، وحسام الصياد، ومحمود حسين، وكمال البلشي.
- إغلاق القضية 173 لسنة 2011 والتي تستهدف مديري المنظمات الحقوقية غير الحكومية وبعض موظفيها بسبب عملهم المشروع.
- إلغاء حظر السفر التعسفي وقرارات تجميد الأصول الصادرة ضد المدافعين المصريين عن حقوق الإنسان.
- إنهاء استخدام الاحتجاز المطول السابق للمحاكمة (الحبس الاحتياطي) بناء على اتهامات بالإرهاب لا أساس لها، والإفراج عن جميع المعتقلين بسبب ممارستهم السلمية لحقوقهم.
- ضمان بيئة آمنة ومواتية لمنظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك تعديل قانون العمل الأهلي رقم 149لسنة 2019 بما يضمن اتساقه مع القانون الدولي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
- السماح بدخول مراقبين دوليين مستقلين لتفقد أوضاع أماكن الاحتجاز.
- التعاون الكامل مع السلطات القضائية الإيطالية في التحقيقات المستمرة بشأن اختطاف وتعذيب وقتل جوليو ريجيني، بما في ذلك الملاحقة القضائية ذات المصداقية أو تسليم المسئولين الأمنيين المشتبه بهم وإعفائهم من الخدمة.
- وضع حد ينهي “مراقبة الأخلاق” المفروضة على النساء والمثليين، وكذا إنهاء الحملة القمعية المناهضة لحقوق المرأة ومجتمع المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية.
- تعليق تنفيذ أحكام الإعدام بشكل رسمي، تمهيدا إلغاء عقوبة الإعدام.
- الالتزام بتعديل قانون الطفل لسد الثغرة في المادة 122 لضمان عدم محاكمة أي طفل دون سن 18 باعتباره شخص بالغ، ومنح الأطفال الحماية الكاملة المكفولة بموجب الأحكام الخاصة بقضاء الأحداث، وتحديد جميع الأحداث الذين حوكموا أمام محاكم البالغين ونقض الأحكام الصادرة بحقهم.
3/ التأكد من إدراج احترام حقوق الإنسان وإشراك المجتمع المدني المستقل ضمن المكونات الرئيسية في جميع مجالات تعاون الاتحاد الأوروبي مع مصر: بما يشمل المفاوضات التجارية واستراتيجيات الإقراض للبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير وبنك الاستثمار الأوروبي، فضلاً عن المؤسسات المالية الدولية التي يكون للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء صوت فيها. كما يجب حث هذه المؤسسات على تشجيع مصر لتبني سياسات تحمي حقوق الإنسان وتعززها.
4/ ضمان المزيد من الشفافية والتقييمات المسبقة لجميع أشكال الدعم المالي أو التدريب الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي لمصر وبيان آثارها على حقوق الإنسان، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، من أجل ضمان ألا يسهل أو يساهم دعم الاتحاد الأوروبي بأي شكل من الأشكال انتهاكات حقوق الإنسان في مصر. ويشمل ذلك التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومصر في مجال الهجرة، والذي يجب أن يمتثل بدقة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
5/ تكثيف التفاعل بشأن مصر في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، بما في ذلك من خلال دعم إنشاء آلية أممية للرصد والإبلاغ بشأن مصر، ومواجهة محاولات مصر تقويض فاعلية واستقلال آليات حقوق الإنسان بالأمم المتحدة.
6/ إرسال إشعار للمسئولين المصريين رفيعي المستوى بأن الاتحاد الأوروبي على استعداد للنظر في جميع الأدوات المتاحة له لتعزيز المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة والمنهجية لحقوق الإنسان.
7/ تعليق تراخيص التصدير لأي معدات يمكن استخدامها للقمع الداخلي، بما يتماشى مع الموقف المشترك 2008/944/CFSP، ووقف جميع صادرات الأسلحة وتكنولوجيا المراقبة وغيرها من المعدات الأمنية إلى مصر، والتي يمكن أن تسهل القمع والهجمات على المدافعين عن حقوق الإنسان وغيرهم.
8/ الضغط على السلطات المصرية للسماح بوصول الصحفيين إلى شمال سيناء دون عوائق لتغطية الوضع هناك، وتعويض جميع السكان الذين هُدمت منازلهم منذ 2013.
9/ الضغط بشكل استباقي، سرًا وعلنًا، للإفراج عن المدافعين عن حقوق الإنسان المحتجزين، وتحسين ظروف الاحتجاز بما في ذلك منح المحتجزين حق التواصل مع أهاليهم، ومع محاميهم الذين يختارونهم بأنفسهم، وحق الحصول على الرعاية الصحية المناسبة والظروف الصحية اللائقة، بالإضافة إلى طلب مراقبة المحاكمات وزيارات السجون، بما يتماشى مع إرشادات الاتحاد الأوروبي بشأن المدافعين عن حقوق الإنسان وخطة عمل الاتحاد الأوروبي الجديدة بشأن حقوق الإنسان والديمقراطية.