دليل جديد يستكشف المخاطر والتحديات الجسيمة التي تواجه عائلات المختفين، والمخطوفين والمعتقلين تعسفياً في سوريا.
تم نشر هذا الدليل أولاً على موقع المركز السوري للإعلام وحرية التعبير بتاريخ 28 شباط 2022
“لا يمكن تحقيق السلام في سوريا قبل استعادة حقوق المعتقلين والمخفيّين قسراً وعائلاتهم بالكامل”. يرد هذا التحذير في دليل جديد صدر اليوم عن “جسور الحقيقة”، وهو مشروع تعاوني بين ثماني منظمات مجتمع مدني سورية والمركز الدولي للعدالة الانتقالية، تحت عنوان دليل في ظلام لا يعرف النور: واقع المعتقلين والمخفيّين قسراً في سوريا وعائلاتهم. يشكّل هذا الدليل أحدث منشورات مشروع “جسور الحقيقة”، الذي لم يتوانَ طوال السنوات الأربع الماضية عن التوعية بمآسي الضحايا السوريّين ومناصرة حقوقهم والمطالبة بإحقاق العدالة للجرائم التي تعرّضوا لها.
أراد فريق مشروع “جسور الحقيقة” بادئ الأمر إعداد دليل مخصّص لعائلات المخفيّين والمختطفين والمعتقلين في سوريا، لمساعدتهم في البحث عن أحبّائهم وفي حياتهم بشكل عام. ولكن بحسب نوشا كباوات، مديرة برنامج المركز الدولي للعدالة الانتقالية في سوريا، “كلّما تعمّق الفريق في تحليل المشاكل التي لا تُعدّ ولا تُحصى وتحدّث إلى الأشخاص المتضرّرين، اتّضح له أنّ وضع العائلات مأساوي إلى حدّ لا يوصَف ولا تتوفّر لديها سُبُل آمنة، فتضطرّ إلى ممارسة أنشطة خطرة، مثل رشوة المسؤولين أو دفع مبالغ من المال إلى جهات مشبوهة قد تعرّضهم لخطر الاستغلال أو ما هو أسوأ من ذلك بكثير”.
لذا، أُعِدّ الدليل بطريقة تُشعِر القارئ وكأنه يسير جنبًا إلى جنب مع العدد الكبير من السوريّين الذين باتوا يعيشون هذا الواقع، من لحظة اختفاء أحبّائهم – ومرحلة البحث المحموم عن إجابات – إلى الألم الذي يرافق عملية تسوية شؤون الشخص المفقود. وبناءً على المقابلات ونقاشات مجموعات التركيز مع ٢٨ ضحيّة (وشهادات سابقة لـ١٣ آخرين)، يتناول كلّ قسم من الدليل جانبًا مختلفًا من منظور الضحايا وعائلاتهم، ويُختَتَم بتوصيات إلى النظام السوري، بالرغم من أنّ مُعدّي التقرير يعرفون خير معرفة أنّ النظام غير معني بحماية شعبه، أو بصون حقوق الإنسان، أو باحترام التزاماته بموجب القانون الدولي. ويقدِّم الدليل أيضًا توصيات إلى جهات أخرى حول كيفية مساعدة الضحايا وعائلاتهم في بحثهم عن الحقيقة والعدالة والانتصاف.
لا يزال عشرات آلاف الأشخاص في عزلة تامّة اليوم وهم يقبعون في سجون عدّة في سوريا ومنشآت مرتجلة يديرها حلفاء النظام أو جماعات مسلّحة غير تابعة للدولة. وتشدّد نور البجاني نور الدين، مديرة برنامج المركز الدولي للعدالة الانتقالية في لبنان والخبيرة في الشؤون السورية، على أنّه “يجب الإقرار بالطبيعة الواسعة النطاق والمنهجيّة لتلك الانتهاكات، التي تعكس استخفاف النظام السوري الكامل والسافر بشعبه وحقوقه الأساسية، بما في ذلك الحقّ في الحياة، وفي محاكمة عادلة، وفي حظر التعذيب”.
ويرد في ختام الدليل: “إذا أردنا إعطاء عائلات المخفيّين والمختطفين والمعتقلين فرصة في عيش حياة طبيعيّة، ولو ظاهريَّا، ينبغي إجراء تغييرات في الأُطُر القانونية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لتذليل العقبات الكثيرة التي تواجهها هذه العائلات، لا في سوريا فحسب، بل في الخارج أيضًا.”
فلا يمكن لمنظمات المجتمع المدني وغيرها من الجهات التي تساعد العائلات دومًا في إعادة بناء حياتها تحمّل هذه المسؤولية بمفردها، ولا يجوز أساسًا تركها من دون مساعدة. فينبغي على صانعي السياسات والقادة في الهيئات الدولية والسلطات التشريعية والمؤسسات الحكومية والدينية أداء دورهم، وخصوصًا أولئك المسؤولين عن وضع الأنظمة المتعلّقة بإصدار شهادات الوفاة ونقل صكوك الملكية وغيرها من المعاملات القانونية والبيروقراطية التي غالبًا ما تعاني العائلات الأمرَّيْن لاجتيازها.
ويقول عبّاس موسى من منظمة “اليوم التالي”، أحد شركاء مشروع “جسور الحقيقة”، إنّ “الدليل يقدِّم وصفًا دقيقًا للتحديات الكثيرة التي تواجهها عائلات المخفيّين والمعتقلين قسراً، والتي تبدو عصيّة عن المعالجة. وفي الوقت نفسه، يحتوي الدليل على نصائح مفيدة وتوصيات عمليّة إلى أصحاب المصلحة السوريّين والدوليّين”.