يدعو مركز الخليج لحقوق الإنسان إلى دعم حماية الصحفيين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والمساءلة على جرائم قتلهم.
نشر البيان أولًا على مركز الخليج لحقوق الإنسان
تقرير نشره مركز الخليج لحقوق الإنسان بمناسبة اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب
مقدمة
استمرار جرائم القتل وغيرها من الانتهاكات الخطيرة ضد الصحفيين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
ما زال الصحفيون في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا معرضين لانتهاكات جسيمة لحقوقهم المدنية والإنسانية، بما في ذلك القتل من قبل الحكومات أو الجماعات المسلحة، عادة مع الإفلات التام من العقاب. لا تزال دول مثل سوريا والعراق وليبيا وفلسطين واليمن تصنف ضمن أكثر الأماكن خطورة للصحفيين.
قد يمر القتل المروع للصحفية الأمريكية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة في 11 مايو/أيار 2022 على يد قوات الدفاع الإسرائيلية دون عقاب، ما لم يكن هناك ضغط كافٍ من مختلف الآليات الدولية. في غضون أسابيع، قُتلت صحفية فلسطينية أخرى، وهي غفران وراسنة، أثناء التغطية أمام الكاميرا في 1 يونيو/حزيران 2022.
وتتعرض النساء للمزيد من المخاطر بسبب التهديدات القائمة على أساس النوع الاجتماعي بالعنف والتشهير والشتائم، ومحاولات إذلالهن وترهيبهن عبر الإنترنت بهدف منعهن من العمل، مما ينتج عنه إسكات الصحفيات في أرجاء المنطقة، حيث تم مراقبة النساء في انتهاك صارخ لخصوصيتهن أو تم تداول صورهن بعد التلاعب فيها (التزييف العميق) على الإنترنت، بما في ذلك لصحفيات بارزات بقناة الجزيرة.
بمناسبة الذكرى العاشرة لخطة عمل الأمم المتحدة بشأن سلامة الصحفيين ومسألة الإفلات من العقاب، يدعو مركز الخليج لحقوق الإنسان إلى زيادة حماية الصحفيين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والمساءلة عن جرائم قتلهم في إطار مشروع مركز الخليج لحقوق الإنسان مع صندوق الدفاع العالمي للإعلام التابع لليونسكو حول “التحقيق في الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين في الدول العربية، مع توفير الحماية”، أجرى مركز الخليج لحقوق الإنسان استبيانًا حول احتياجات حماية الصحفيين والوعي بآليات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، مما يدل على أن هناك حاجة ماسة إلى دعمنا. من بين 55 صحفيًا شملهم الاستبيان من 10 دول على الأقل، يشعر 82٪ من الصحفيين بمستوى “مرتفع” أو “مرتفع جدًا” من المخاطر في عملهم.
في مارس/آذار 2022، أطلق مركز الخليج لحقوق الإنسان استبيانًا حول احتياجات حماية الصحفيين ووعيهم بآليات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وتلقى 55 ردًا، من بينها 27٪ من النساء. جاءت الردود من صحفيين من البحرين وسوريا ولبنان والعراق والكويت وعمان واليمن وتونس والمغرب والجزائر. من بينهم بعض من الصحفيين البارزين الذين سُجنوا أو نُفوا. سأل الاستبيان عن مجموعات حماية الصحفيين التي يعرفونها وأشكال المساعدة التي يحتاجون إليها.
جزءً من التعليقات في الاستبيان التي أبرزت احتياجات الصحفيين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا جاءت على لسان العديد من الصحفيين السوريين. “بالنسبة لنا كصحفيين سوريين، ليس لدينا أي هيئة متخصصة في حمايتنا، خاصة وأن معظمنا مستهدف وحياتنا مهددة من عدة جهات، وهو ما يتضح عبر النظر إلى عدد الصحفيين الذين قتلوا في سوريا أثناء تغطيتهم لأحداث الحرب، نرجو دعم الصحفيين بشكل أكبر حتى يتمكنوا من تغطية الأخبار وتغطية الأحداث بأمان.”
وعلق صحفي سوري آخر قائلًا، “يجب أن تكون حماية الصحفيين جزءً من دستور أي دولة ويجب تضمين ذلك في البرامج الانتخابية لأي حزب يترشح للوصول للسلطة.”
هذا سؤال في غاية الأهمية بالنسبة لمركز الخليج لحقوق الإنسان حيث يحاول مساعدة الصحفيين داخل بلدانهم وكذلك أولئك الموجودين في المنفى الذين فروا للنجاة بحياتهم. ماذا يمكننا أن نفعل أكثر من ذلك لمساعدتهم؟
ورد صحفي جزائري قائلًا، “باستثناء نقل الصحفيين من البيئة التي تعيق قيامهم بممارسة عملهم بشكل مهني، لا أرى أي طريقة أخرى لمساعدتهم. وحتى في هذه الحالة، فإن الابتعاد عن البيئة سيؤدي حتمًا إلى فقدان الإحساس بما يحدث على أرض الواقع. في النهاية، أعتقد أنها حلقة مفرغة. إنها لمعضلة حقيقية.”
قال صحفي آخر، “إن وصول الصحفي إلى الحماية يمكّنه من الوصول إلى القضايا الأكثر صلة بالواقع وكشف الحقائق والأسباب الكامنة وراء المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية.” وعلق صحفي عراقي بقوله: “من الضروري مناقشة أوضاع عائلات الصحفيين الذين تم نقلهم والذين بقوا داخل البلاد، وكذلك إحصاء عدد الصحفيين الذين أرادوا مغادرة المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات، ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك لأن عائلاتهم ستصبح رهائن.”
ولعل أكثر ما يلفت الانتباه هو ما ذكره صحفي عراقي: “آمل حقًا ألا تظل مسألة حماية الصحفيين مجرد حبر على ورق ونظريات على أجهزة الكمبيوتر. يحتاج الموضوع إلى حل ذكي على أرض الواقع.”
في كل عام، ينشر مركز الخليج لحقوق الإنسان تقريرًا بالتزامن مع اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب وينظم فعالية لرفع الوعي في محاولة للمساعدة في تسليط الضوء على الصحفيين الذين قُتلوا في العام المنصرم. يتضمن هذا التقرير حالات جديدة لصحفيين قُتلوا مع إفلات الجناة من العقاب في إيران واليمن وفلسطين.
تتضمن هذه الحالات الجديدة، الصحفية الأمريكية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، التي كانت تعمل في قناة الجزيرة لمدة 25 عامًا، والتي قُتلت في 11 مايو / أيار 2022، أثناء تغطيتها لمداهمة على يد قوات الاحتلال في مخيم جنين بالضفة الغربية، أصيبت أبو عاقلة برصاصة رغم أنها كانت ترتدي سترة زرقاء مكتوب عليها “صحافة”. كما قُتلت الصحفية الفلسطينية غفران هارون وراسنة برصاص القوات الإسرائيلية في 01 يونيو / حزيران 2022 عند نقطة تفتيش إسرائيلية بالقرب من مخيم العروب للاجئين في الضفة الغربية المحتلة. قُتلت وراسنة أثناء ذهابها إلى وظيفتها الجديدة في إذاعة دريم في مدينة الخليل.
وفي اليمن، لقي عدد من الصحفيين مصرعهم جراء انفجار عبوات ناسفة تم تفخيخ سياراتهم بها. في 15 يونيو / حزيران 2022، لقي الصحفي صابر نعمان الحيدري، مراسل قناة (أن أج كي) اليابانية، 42 عامًا، مصرعه في مدينة المنصورة بمحافظة عدن إثر انفجار عبوة ناسفة كانت مزروعة في سيارته. في مساء يوم 9 نوفمبر / تشرين الثاني 2021 قُتلت الصحفية رشا عبد الله الحرازي، والتي كانت تبلغ من العمر 27 عامًا وكانت حاملًا في شهرها التاسع، حيث انفجرت السيارة التي كان يقودها زوجها أثناء توجهها إلى المستشفى للولادة عقب تفخيخ السيارة التي كان يقودها زوجها بعبوة ناسفة.
لقي الصحفيون في إيران حتفهم بسبب الإهمال الطبي. كان بكتاش آبتين (المعروف أيضًا باسم مهدي كاظمي) شاعرًا وكاتبًا ومدافعًا عن حقوق الإنسان وصانع أفلام إيراني. في 15 مايو / أيار 2019 وجهت إلى آبتين تهم، “التجمع غير القانوني والتواطؤ ضد الأمن القومي” و “نشر دعاية ضد الدولة”. لقد حُكم عليه بالسجن ست سنوات. دخل بكتاش آبتين سجن إيفين بطهران في 26 سبتمبر/أيلول 2020. بعد دخوله في غيبوبة طبية نتيجة لمضاعفات كوفيد -19، توفي آبتين في 08 يناير/كانون الثاني 2022 عن عمر يناهز 48 عامًا.
في بعض الأحيان يبدو كأن هناك عدالة في قضايا قتل الصحفيين. لكن في أحيان أخرى تكون هذه العدالة غير حقيقية. في العراق، استطاع الرجل الذي قُبض عليه بسبب قتل الصحفي والخبير الأمني المعروف الدكتور هشام الهاشمي (والذي سُجن لهذا السبب) دفع رشوة للخروج من السجن هذا العام، بحسب تقرير إخباري في يوليو / تموز 2022 بمناسبة الذكرى الثانية لمقتله في 6 يوليو/تموز 2020. قال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي: “وعدنا بالقبض على قتلة هشام الهاشمي وأوفينا بالوعد”. كان قاتل الهاشمي ضمن مجموعة من أربعة أشخاص نفذوا الجريمة. واعترف في تسجيل بثه التلفزيون الرسمي أنه أطلق النار على الهاشمي بمسدسه الحكومي.
هذا العام، في 02 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، ينظم مركز الخليج لحقوق الإنسان فعالية في تونس بمناسبة اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب، برعاية مشتركة من مكتب اليونسكو الإقليمي في بيروت وآيفكس. سيتم إطلاق هذا التقرير حول الإفلات من العقاب في هذه الفعالية.
يعرض هذا التقرير صور مجموعة من الصحفيين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضحوا بحياتهم من أجل حرية التعبير، لذلك يجب تكريمهم وإحياء ذكراهم.
في معظم تلك الحالات كان هناك إفلات تام من العقاب للمسؤولين عن إساءة معاملة أو قتل الصحفيين المذكورين في هذا التقرير، لا سيما العقول المدبرة لجرائم القتل كما هو الحال بالنسبة للصحفي السعودي جمال خاشقجي. بمناسبة اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب في 02 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، نجدد النداء مرة أخرى لتحقيق العدالة في قضاياهم.