"كما شهد العالم خلال كوب27، تستمر الحملة القمعية الوحشية التي تستهدف المجتمع المدني في مصر في التزايد."
نشر أولًا على مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
دعت مجموعة من منظمات المجتمع المدني المصرية والدولية في رسالة مفتوحة، اليوم 24 فبراير، إلى تبني مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة قرارًا بشأن أزمة حقوق الإنسان المتفاقمة في مصر، محذرًة من أن الممارسات القمعية والإفلات من العقاب يقوضا الجهود المبذولة لمحاربة الفساد وعدم المساواة والدمار البيئي وغياب العدالة الاجتماعية.
يقول جيرمي سميث، مدير مكتب جنيف لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان: «أن النظام العسكري للرئيس السيسي لا يدخر جهدًا لضمان مصادرة الانتقادات الموجهة لحكمه القمعي وقبضته الحديدية، وذلك بدلًا من اتخاذ خطوات جادة لضمان الإصلاح الحقيقي. هذا النهج سيؤدي لكارثة».
في الآونة الاخيرة، أعرب عدد من خبراء الاقتصاد عن مخاوفهم المتزايدة من أن مصر على شفا (هاوية) اقتصادية، بسبب تفشي الفساد والمحسوبية وسوء الإدارة الحكومية. كما سبق وحذر خبراء أممين من تدهور حالة حقوق الإنسان في مصر.
رسالة المنظمات للأمم المتحدة تطرقت أيضًا إلى تصاعد الحملة الوحشية بحق المجتمع المدني، بما في ذلك أثناء قمة المناخ وعلى مرأى ومسمع من كل العالم. هذا بالإضافة إلى اعتقال عشرات الآلاف، بينهم مئات المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء ومعارضين سياسيين وصحفيين، ومواصلة ممارسات الإخفاء القسري والتعذيب بشكل ممنهج.
فعلى سبيل المثال، تمثل القضية المعروفة للناشط الديمقراطي والمدون المصري البريطاني علاء عبد الفتاح نموذجًا للحبس التعسفي. إذ يقضي علاء حاليًا عقوبة السجن لمدة خمس سنوات بتهمة “نشر أخبار كاذبة”، فضلًا عن اتهامات أخرى تتعلق بالإرهاب. وبشأن قضيته وآخرين، أرسل خبراء الأمم المتحدة 6 رسائل للحكومة المصرية، أعربوا فيها عن مخاوفهم العميقة إزاء مثل هذه الاعتقالات المتكررة، والاحتجاز التعسفي، والأحكام الغيابية، وسوء المعاملة أثناء الاحتجاز في سجن طرة، والحبس الاحتياطي المطول قبل المحاكمة.
تقول سناء سيف، شقيقة علاء عبد الفتاح «حرية عشرات الآلاف من السجناء المصريين، بمن فيهم أخي، تعتمد على اتخاذ هيئات دولية مثل مجلس حقوق الإنسان إجراءات ملموسة. إذ يجب على الحكومات التي تؤمن بحقوق الإنسان أن تقود تحرك جاد يضمن توقف الأمم المتحدة عن غض الطرف عن القمع الوحشي».
لا شك أن الإجراءات السابقة للمجلس كان لها تأثيرها المباشر والواضح، إذ لعبت دورًا حاسمًا في تأمين الإفراج عن بعض السجناء السياسيين. وتسبب الضغط الدولي في إصدار الحكومة المصرية استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان، ولكن الحكومة المصرية فشلت في تنفيذ معظم الإجراءات والوعود والالتزامات التي قطعتها بشأن تحسين وحماية حقوق الإنسان.
حول الضرورة العاجلة لإجراءات متابعة بشأن مصر خلال الجلسة الـ 52 لمجلس حقوق الإنسان
إلى الممثلين الدائمين للدول الأعضاء والدول المراقبة بمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة
السيدات والسادة؛
تتزامن الجلسة المرتقبة للمجلس مع ذكرى مرور عامين على التحرك المشترك بين 32 دولة من أعضاء هذا المجلس، وبيانهم حول أزمة حقوق الإنسان في مصر. ومنذ ذاك الوقت، لم تجر أية متابعة لهذا الملف في المجلس، رغم استمرار تدهور الأوضاع على الأرض، وتنامي قلق خبراء الأمم المتحدة إزاء مخاطر الممارسات الانتقامية بحق المعارضين والحقوقيين، لا سيما بعد انتهاء مؤتمر قمة المناخ وانصراف العالم عن الاهتمام بالأوضاع في مصر.
هذه الجلسة المرتقبة، تمثل فرصة لتجديد الاهتمام بالوضع في مصر. لذا ندعوكم للعمل المشترك مجددًا للحفاظ على الزخم والاهتمام الدولي الذي تزامن مع مؤتمر المناخ، وضمان التطرق لحالة حقوق الإنسان في مصر خلال هذه الجلسة. لقد أصبح من الواضح أن الوضع في مصر يستلزم حلًا عاجلًا، وعلى الأقل يجب على الدول إصدار بيان متابعة مشترك.
أن الحملة الوحشية بحق المجتمع المدني في مصر، والتي شهد عليها العالم خلال مؤتمر المناخ، لا تزال مستمرة. وعلى المجلس تكثيف العمل المستمر والمنسق في هذا الشأن، الآن أكثر من أي وقت مضى.
الدول الأعضاء في الأمم المتحدة سبق وأصدرت بيانين مشتركين حول أوضاع حقوق الإنسان في مصر، الأول في 2014 والثاني في 2021. وقد شهدت الفجوة الزمنية الطويلة بين البيانين تدهورًا مقلقًا لحالة حقوق الإنسان في مصر. هذا على الأرجح، يرجع إلى اعتقاد الحكومة المصرية أنها بمعزل عن النقد. لذا فلا ينبغي أن يكرر المجتمع الدولي الخطأ نفسه.
تفتقر الحكومة المصرية إلى الإرادة السياسية التي تدفعها للبدء بجدية في معالجة مخاوف حقوق الإنسان طويلة الأمد. ومن ثم، فالمطلوب بشكل عاجل من دول الأمم المتحدة؛ العمل بشكل مشترك لإرسال رسالة واضحة للسلطات المصرية مفادها أن انتهاكات حقوق الإنسان واسعة النطاق، والإفلات المستمر من العقاب على هذه الانتهاكات، أمر غير مقبول.
كان للبيان المشترك الذي صدر عن 32 دولة في مارس 2021 تأثيرًا مباشرًا، ودورًا حاسمًا في تأمين الإفراج عن العديد من المحتجزين تعسفًيا بسبب ممارستهم السلمية لحقوقهم الدستورية والإنسانية. كما اتخذت الحكومة المصرية عددًا من الإجراءات لتحسين صورتها، بما في ذلك إصدار أول استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان في سبتمبر 2021 والإعلان عن الحوار الوطني في العام التالي. ومع ذلك، ما زالت الحاجة ملحة للمزيد من الضغط والعمل، فإجراءات الحكومة المصرية حتى الآن لا تستهدف إلا تزييف الحقيقة المروعة لحملة القمع المتصاعدة، ولا تعكس إرادة سياسية حقيقية لوقف الهجوم الممنهج على حقوق الإنسان، وإنهاء حملتها الطويلة للقضاء على حركة حقوق الإنسان المستقلة في البلاد، على النحو المشار له في الالتماس الموقع من أكثر من ١٤٠٠ منظمة وفرد من ٨٢ دولة قبيل قمة المناخ. هذه الانتهاكات تقوض بشدة الجهود المبذولة لمعالجة غياب العدالة الاجتماعية، التدمير البيئي، والفساد والإفلات من العقاب، وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية.
لقد أخفقت الحكومة المصرية في تنفيذ جميع الوعود والالتزامات التي قطعتها فيما يتعلق بتحسين حالة حقوق الإنسان في البلاد، بما في ذلك تلك التي تعهدت بها في سياق مؤتمر المناخ. وطوال عام 2022، حذرت إجراءات الأمم المتحدة الخاصة بشكل متكرر وعاجل المجتمع الدولي من تدهور حالة حقوق الإنسان في مصر.
كما تجاهلت الحكومة المصرية لحد كبير كافة بواعث القلق والتي أعرب عنها بيان الدول المشترك في 2021، ولا يزال الطريق موصود أمام أي إصلاح ملموس لحالة حقوق الإنسان. كما أن الحظر والقمع الشديد للحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي لا يزال مستمرًا. وتواصل السلطات في مصر، إساءة توظيف قوانين مكافحة الإرهاب في احتجاز عشرات الآلاف، بينهم مئات المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء والمعارضين السياسيين والصحفيين. بينما تلجأ بشكل منهجي إلى الاخفاء القسري والتعذيب.
وحتى بعد إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسية في أبريل 2022، أفرجت السلطات المصرية عن 900 سجين سياسي، بينما تم التحقيق مع ثلاثة أضعاف هذا العدد واحتجازهم بشكل تعسفي.[1] ولعل القضية المعروفة للناشط الديمقراطي والمدون المصري-البريطاني علاء عبد الفتاح تمثل رمزًا لذلك النمط التعسفي. إذ يقضي علاء عبد الفتاح حاليًا عقوبة السجن لمدة خمس سنوات بتهمة «نشر أخبار كاذبة»، كما وجهت إليه تهمًا تتعلق بالإرهاب وشهدت محاكمته خروقات خطيرة للحق في التقاضي العادل. وبشأن قضيته، أرسل خبراء الأمم المتحدة 6 خطابات للحكومة المصرية أعربوا فيها عن مخاوفهم العميقة فيما يتعلق بالاعتقالات المتكررة، والاحتجاز التعسفي، والأحكام الغيابية، وسوء المعاملة أثناء الاحتجاز (خاصة في سجن طرة)، والحبس الاحتياطي المطول.
وفي سياق متصل، أخفقت السلطات المصرية في التصدي بشكل مناسب للعنف والتمييز القائم على النوع الاجتماعي، وبدلًا من ذلك، واصلت مقاضاة وملاحقة المدافعات عن حقوق الإنسان المطالبات علنًا بالعدالة والمحاسبة على جرائم الاعتداءات الجنسية. ولا يزال قانون المنظمات غير الحكومية لعام 2019 يمثل عقبة أمام المجتمع المدني المستقل، بينما يقبع العديد من الحقوقيين في السجون أو يخضعون لحظر سفر وتجميد الأصول لأجل غير مسمى. وفي الوقت نفسه، تستمر المضايقات والملاحقات وممارسات الترهيب بحق عائلات المعارضين المنفيين في الخارج، المطلوبين من قبل السلطات المصرية، هؤلاء يتم مداهمة منازلهم واعتقال أسرهم لإجبارهم على الصمت في منافيهم.
وبالمثل، لم تتخذ السلطات المصرية أية خطوات لإلغاء أو تعديل القوانين القمعية التي تجرم الممارسة السلمية لحقوق الإنسان، أو تتعدى على ضمانات المحاكمة العادلة، بما في ذلك قوانين مكافحة الإرهاب ومكافحة الجرائم الإلكترونية أو قوانين تجريم التظاهر. إذ تستخدم هذه التشريعات بانتظام لفرض الرقابة على وسائل الإعلام، وعرقلة حرية الصحافة والاعتقال التعسفي للصحفيين، حتى أضحت مصر الآن واحدة من أكبر الدول حبسًا للصحفيين في العالم.
أن إحداث تأثير ملموس على أرض الواقع، يستلزم عملًا مستدام واستراتيجي من هذا المجلس، لذا ندعو جميع الدول الأعضاء الملتزمة بمكافحة التمييز على اساس النوع الاجتماعي ومكافحة التعذيب والاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري وحماية الصحفيين والمدافعين والمجتمع المدني، إلى إرسال رسالة اعتراض واضحة على هذه الممارسات للسلطات المصرية.
وكما سبق واتضح خلال مؤتمر المناخ cop27، تمثل قرارات المتابعة، أو على الأقل البيانات المشتركة بين الدول، خطوة ضرورية لمعالجة أزمات حقوق الإنسان المستمرة في مصر، وتمثل رسالة واضحة للحكومة بأن المجتمع الدولي سيواصل مراقبة الوضع والاستجابة لتطوراته.
يرحب ممثلو منظماتنا بأي مناقشات تفصيلية حول هذا الخطاب، ونأمل في التزامكم بحماية حقوق الإنسان في مصر.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.
[1] وثقت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان بين نهاية أبريل 2022 حتى 6 يناير 2023، اعتقال 2559 شخصًا.