اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين: : يسلط تقرير نسيم طراونة الأخير عن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الضوء على التقاطعات ما بين الإفلات من العقاب، وسلامة الصحفيين، والانتخابات، بالاستناد إلى تقارير أعضاء آيفكس وأخبار المنطقة.
تكبح السلطات الأصوات الناقدة قبل الانتخابات الرئاسية في مصر، وإسرائيل تكتم الصحفيين الفلسطينيين، وكيف يساهم الإفلات من العقاب في التحريض على العنف ضد الصحفيين في السودان.
انتخابات مصر ‘المهندسة’ في مساحة مدنية مقيدة
يبدو أن المسرح مهيؤٌ لنتيجة محسومة مسبقًا في ساحة الانتخابات الرئاسية المصرية المبكرة في ديسمبر/كانون الأول من هذا العام. في نفس الوقت المتوقع فيه فوز الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يتولى السلطة منذ الانقلاب العسكري في عام ٢٠١٣، بولاية انتخابية جديدة، تحذر مجموعات حقوق الإنسان من أن ولاية ثالثة قد تقوض استقرار الدولة في وقت حرج للبلاد.
من المتوقع أن تبرز الانتخابات القادمة تضاؤل المساحة المدنية في البلاد، وسط أزمة اقتصادية حادة، وحملة صارمة في قمع المعارضة، وما وصفته مجموعات حقوق الإنسان بأنه “أسوأ عقد لحقوق الإنسان” في تاريخ مصر الحديث.
في بيان مشترك، صرح مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومنظمات حقوق الإنسان المصرية:
يتم استهداف منصات الإعلام المستقل ومنظمات المجتمع المدني بشكل منهجي في محاولة لإسكاتها، إما من خلال تشريعات تقييدية للغاية أثارت انتقادات المجتمع الدولي، أو من خلال الاعتقالات؛ حتى أضحت مصر واحدة من أكبر الدول التي تسجن الصحفيين في العالم.
تشير الدلائل إلى ما وصفه الصحفي المصري البارز، عبدالله السناوي، بأنها “انتخابات مهندسة أخرى“، ما بين اعتقال آلاف النقاد، بما فيهم ما لا يقل عن ٣٠ صحفيًا، ومئات المعارضين المنفيين، والهجمات المستمرة من الدولة على منظمات المجتمع المدني ووسائط الإعلام المستقلة.
قدمت لنا الأسابيع الأخيرة لمحة عن هذا المناخ القمعي، حيث تواصل السلطات قمع الأصوات المناوئة قبيل الانتخابات، بما فيها الصحفيين.
بحسب ما ورد، اعتقل عشرات الأشخاص، بعد أن تحولت المظاهرات المدعومة من الدولة لصالح السيسي فجأة إلى احتجاجات ضد الحكومة في مدينة مرسى مطروح الشمالية خلال الشهر الماضي.
أفادت أحزاب المعارضة أن السلطات قد منعت تأييد المرشحين الذين يسعون للتسجيل قبل موعد ١٤ أكتوبر/ تشرين الأول، حيث انسحب أبرز المرشحين في المعارضة، مثل أحمد طنطاوي، الرئيس السابق لحزب الكرامة اليساري، وجميلة إسماعيل، رئيسة حزب الدستور الليبرالي، من السباق.
تعرض أنصار أحمد طنطاوي وجميلة اسماعيل للمضايقة والاستجواب من قبل السلطات، حيث اعتُقل العشرات من أنصار طنطاوي بتهم تتعلق “بالانضمام إلى جماعة تخريبية أو إرهابية، ونشر الأخبار الكاذبة، واساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”. اعتقل معظمهم لمجرد ملء استمارات تطوع لحملة طنطاوي أو الإعجاب بصفحة الحملة على فيسبوك.
كشف تقرير حديث من قبل مرصد أمن الإنترنت سيتيزن لاب ‘Citizen Lab’ أن طنطاوي تعرض للاستهداف ببرنامج التجسس “بْريداتور” بعد إعلانه عن نيته للترشح في مارس/آذار ٢٠٢٣. لم تحدد المنظمة الطرف المسؤول بشكل مباشر في التقرير، ولكنها أشارت إلى النتائج السابقة لاستخدام هذا البرنامج في استهداف السياسي المنفي أيمن نور وصحفي مصري.
بدلًا من تأكيد دور الصحفيين كمراقبين أساسيين للعملية الانتخابية، سارعت السلطات بمضايقة الأصوات الإعلامية المستقلة قبيل الانتخابات المقررة في ديسمبر/ كانون الأول.
أفادت منصة “مدى مصر” الإخبارية الإلكترونية عن حجبها من قبل هيئة تنظيم وسائل الإعلام الحكومية لمدة ستة أشهر، حيث أحيلت إلى النيابة العامة بسبب تغطيتها الأخيرة لهجمات إسرائيل على غزة. تُعتبر “مدى مصر” واحدة من آخر الوسائط الإخبارية المستقلة في البلاد، وقد تعرضت بالفعل لمضايقات متزايدة من قبل الدولة في الأشهر الأخيرة.
رُفِض استئناف الناشر البارز، هشام قاسم، في الحكم بالسجن لمدة ستة أشهر، والذي صدر بحقه في سبتمبر/ أيلول من قبل محكمة الاستئناف خلال الشهر الماضي. اعتُقِل قاسم، الذي كان مرشحًا محتملًا في الانتخابات الرئاسية، في أغسطس/آب بتهمة التشهير عبر الإنترنت بمنشورات نقدية لوزير سابق في الحكومة، فيما وصفه مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بأنه تصعيدُ خطيرً وجزء من “استهداف للمعارضين السلميين” قبل الانتخابات الرئاسية.
وفقًا لمنظمة مراسلون بلا حدود، منذ بداية عام ٢٠١٩، تقع جميع قنوات الإعلام في مصر، تقريبًا، تحت سيطرة الدولة أو وكالات الاستخبارات أو أنها مملوكة لأثرياء موالين للحكومة. يقوم مذيعو التلفزيون المشهورون الآن بإجراء حملات تشويه تستهدف الصحفيين المستقلين القليلين المتبقين، مما يترك مساحة ضئيلة للأصوات المستقلة في الساحة الإعلامية.
إسرائيل تكتم الصحفيين الفلسطينيين
أثر التصعيد العنيف في فلسطين، بشكل غير مسبوق، على الصحفيين، وسط الدعوات العالمية المتزايدة لوقف إطلاق النار وإنهاء الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة.
يلعب الصحفيون المحليون في غزة دور عيون وآذان العالم لإيصال ما يحدث هناك من إبادة جماعية، بالرغم من أنهم محاصرون من قبل القصف الإسرائيلي المستمر و بالرغم من انقطاع شبه كامل للاتصالات. يواصل صحفيو غزة بتقديم التقارير الميدانية، بينما يتعرضون هم وعائلاتهم للاستهداف من الأعلى، وبالرغم من نقص شديد في النوم، ونقص أكبر في الوصول إلى المياه، والطعام، والكهرباء لشحن معداتهم، ونقص في الوصول إلى الإنترنت، وحتى في وقت عزاء أحبائهم.
[ترجمة: [#فيديو] وسط الضربات الإسرائيلية اليومية، يواصل الصحفيون الفلسطينيون في #غزة العمل في ظروف قاهرة استمعوا إلى ما قاله بعضهم.]
قتلت زوجة، وابن، وابنة مراسل قناة الجزيرة، وائل الدحدوح في هجوم إسرائيلي في مخيم النصيرات في وسط قطاع غزة. كانت عائلته تبحث عن ملاذ هناك، بعد نزوحهم من منزلهم بعد غارة سابقة، عقب دعوات من السلطات الإسرائيلية للمدنيين بالتوجه جنوبًا. كما لقي ثمانية أفراد آخرين من عائلة الدحدوح الموسعة مصرعهم، بما فيهم ابنة ابن عمه، وأربعة من أطفالها، في ذات الهجوم. بعد جنازتهم، عاد وائل للعمل في اليوم التالي.
[ ترجمة : “بالرغم من الألم… شعرت أنه من واجبي أن أعود أمام الكاميرا.” الصحفي في الجزيرة وائل الدحدوح يشرح لماذا يواصل تقديم التقارير من غزة بعد وفاة زوجته، وابنه، وابنته، وأقارب آخرين.]
في اليوم التالي للحادثة، تلقت زميلة وائل في قناة الجزيرة، الصحفية يمنى السيد، مكالمة هاتفية تهديدية من الجيش الإسرائيلي، تحذر فيها الصحفية وعائلتها بضرورة مغادرة منازلهم قبل تصاعد القصف في مدينة غزة. تلقى زوج يمنى الاتصال، حيث طُلب منه التوجه جنوبًا على الرغم من عدم وجود طرق آمنة للخروج.
[ ترجمة : صحفية الجزيرة يمنى السيد، تقدم تقريرًا من مدينة غزة، وتشرح كيف تلقت تهديدًا يحذّرها من مغادرة منزلها وسط سماع دوي القصف الشديد في الخلفية.]
وجد تحقيق فيديو أولي من “مراسلون بلا حدود” في حادثة قتل صحفي وكالة رويترز، عصام عبدالله، أن سيارة الصحفيين تعرضت لـ “استهداف مباشر” من قبل إسرائيل أثناء تغطية الصحفيين للاشتباكات عند الحدود بين إسرائيل ولبنان.
قدمت منظمة مراسلون بلا حدود شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم الحرب المرتكبة ضد ثمانية صحفيين فلسطينيين قتلوا جراء القصف الإسرائيلي على المناطق المدنية في غزة، وصحفي إسرائيلي قتل خلال الهجوم في ٧ أكتوبر/تشرين الأول من قبل حماس.
[ ترجمة : أصدرت منظمة مراسلون بلا حدود نتائج تحقيقها في وفاة صحفي وكالة رويترز، عصام عبدالله في لبنان، على الحدود مع إسرائيل: على الرغم من أن عبدالله وزملائه كانوا معرَّفين بوضوح كصحفيين، إلا أن سيارتهم تعرضت لاستهداف متعمد.]
انضمت آيفكس إلى تحالف الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للحقوق الرقمية في إدانة استهداف إسرائيل، وتدمير البنية التحتية للاتصالات في غزة، مما يمنع الفلسطينيين من الوصول إلى المعلومات الضرورية للحفاظ على الحياة وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، مطالبين بوقف فوري لإطلاق النار.
أكد ائتلاف الحقوق الرقمية الفلسطيني على دور الحكومة المصرية، إلى جانب المؤسسات الإقليمية والدولية، في استعادة عاجلة للاتصالات والوصول إلى الإنترنت لسكان غزة.
إن استمرار هذا الانقطاع في الاتصال الذي يتعرض له سكان غزة المتضررين/ات والعاملين/ات فيه من مؤسسات حقوقية وإعلامية وصحية ودولية عن باقي العالم، سوف يسمح للاحتلال بارتكاب المزيد من الجرائم الدولية والانتهاكات الحقوقية في منأى عن أعين العالم والمؤسسات الإقليمية والحقوقية، بالإضافة إلى كونه سيساهم على انتشار الأخبار المغلوطة على نطاق أوسع في وسائل التواصل الاجتماعي، وعدم القدرة على الحصول على أخبار مباشرة من مصادرها.
اقرأوا هنا عن جهود أعضاء آيفكس في التعامل مع آخر أحداث العنف، بما في ذلك سلامة الصحفيين، والرقابة على الإنترنت، وارتفاع نشر المعلومات الخاطئة التي تدمر السرد وتزيد من تصعيد الصراع.
الإفلات من العقاب يغذي العنف ضد الصحفيين في السودان
في السودان، قُتلت الصحفية حليمة إدريس سالم على يد قوات الدعم السريع (RSF)، إحدى الفصيلتين المتحاربتين في البلاد، أثناء تغطيتها من الميدان في أم درمان. أدانت مجموعات حقوق الإنسان قتلها، وطالبت بإجراء تحقيق مستقل لمحاسبة الفاعلين.
تعتبر وفاتها تذكيرًا صارخًا بالمخاطر التي يواجهها الصحفيون السودانيون أثناء العمل في بيئة معادية وخطيرة. تأتي وفاة سالم بعد أكثر من ستة أشهر من النزاع المسلح الذي أسفر عن مقتل نحو ٩,٠٠٠ شخص وتشريد أكثر من ٤.٥ مليون شخص، بما فيهم صحفيين.
أدانت شبكة الصحفيين السودانيين الإفلات من العقاب للعنف ضد الصحفيين، واتهمت كلا الطرفين في الصراع بـ “استهداف منهجي للصحفيين وعمال الإعلام الذين يسعون إلى نقل الحقائق إلى الشعب السوداني والعالم.”
في الشهر الماضي، أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارًا بإنشاء بعثة دولية مستقلة للتحقيق في السودان. يأتي هذا القرار على خلفية بيان مشترك أصدرته أكثر من ١٠٠ مجموعة حقوقية تدعو فيه المجلس إلى تعزيز عمله عبر إنشاء آلية لرصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الأطراف المتحاربة بشكل عاجل.
باختصار
في إيران، حصلت مدافعة حقوق الإنسان المسجونة، نرجس محمدي على جائزة نوبل للسلام هذا العام عن جهودها في محاربة قمع النساء في البلاد. تقضي محمدي حاليًا عقوبة غير عادلة بسبب نشاطها النضالي، إلا أنها بقيت مدافعة قوية عن حقوق النساء، بما في ذلك توثيق معاناة السجينات في كتابها “تعذيب أبيض”.
أتت جائزة محمدي في شهر شهد إدانة الصحفيتين نيلوفر حامدي وإلاهي محمدي بالسجن لمدد تصل إلى ١٣ و١٢ عامًا على التوالي. تم اعتقال الصحفيتين في سبتمبر/أيلول ٢٠٢٢ عقب تقريرهن عن مقتل مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق، والذي ألهم احتجاجات العام الماضي.
توفيت آرميتا جيرافند، البالغة من العمر ١٦ عامًا، الشهر الماضي، بعد ٢٨ يومًا في غيبوبة عقب تصادم مع السلطات في مترو طهران. ذكرت مجموعة حقوقية إيرانية كردية Hengaw أن جيرافند أصيبت في مواجهة مع ضباط بسبب خرقها قواعد الحجاب الإلزامي. نفت السلطات الإيرانية الأمر، وادعت أنها كانت تعاني من انخفاض في ضغط دم، حيث سقطت وصدمت رأسها. زُعم أن مدافعة حقوق النساء البارزة، نسرين ستوده، والناشطة، منزار زرابي اعتقلتا وتعرضتا للضرب أثناء حضور جنازة جيرافند.
جديد وجدير بالملاحظة
قبل الانتخابات التونسية المقرر إجراؤها العام المقبل، فحص مركز الخليج لحقوق الإنسان مدى احترام حق حرية التعبير في “المناخ الانتخابي القاتم”
أرسلت آيفكس ومنظمات حقوق إنسان أخرى رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، حثوا فيها على تغيير قرار صدر خلال الشهر الماضي بإقامة منتدى حوكمة الإنترنت القادم في المملكة العربية السعودية. أبرزت المجموعات مخاوف متعلقة بالمخاطر الكبيرة التي يشكلها هذا القرار على سلامة وأمان مشاركي المجتمع المدني، سواء كانت هذه المخاطر مادية أو رقمية.