18 منظمة مجتمع مدني تدين الأعمال الانتقامية ضد مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان عقب تقارير عن تحركات على حدود غزة.
نشر أولًا على مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
تدين 18 منظمة مجتمع مدني رد السلطات المصرية ومجموعات تابعة لها على تقرير نشرته مؤخرًا «مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان»، وهي منظمة حقوقية تركّز على منطقة شمال سيناء المصرية الخاضعة للعسكرة، عبر حملات تشهير وتهديدات طالت المؤسسة ومديرها أحمد سالم.
منذ أواسط فبراير/شباط 2024، شرعت شخصيات حكومية أو داعمة للحكومة المصرية في حملة تشهير شرسة بحق مؤسسة سيناء ومديرها؛ على قنوات التلفزيون، وفي الصحف، وعبر منصات التواصل الاجتماعي. وبحسب سالم، الناشط الحقوقي المصري والمقيم حاليًا في بريطانيا، أنه تلقى تهديدات عبر وسطاء مقربين من السلطات مفادها أنهم بصدد إعادته لمصر إذا لم يوقف عمله. وقد نقل إليه بعض هذه التهديدات، زعيم قبيلة محلية في سيناء عينته الحكومة، محذرًا سالم أنه «ليس ببعيد عن يد الانتقام حتى في الخارج».
يقول مدير المناصرة في «مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط» سيث بايندر: «على السلطات المصرية التوقف فورًا عن تهديد مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان ومديرها أحمد سالم، وضمان سلامة عائلته في مصر ووقف حملات التشهير والقمع المستمرة منذ سنوات بحق المنظمات الحقوقية والمستقلة».
في 14 فبراير/شباط 2024، نشرت مؤسسة سيناء تقريرًا بناءً على روايات الشهود، وصور، وفيديوهات؛ يؤكد عمليات البناء السريعة لإقامة منطقة أمنية محصّنة عند الحدود المصرية مع غزة وإسرائيل في شمال سيناء، والتي بحسب السلطات المصرية غرضها «استقبال لاجئين من غزة حال حدوث عملية نزوح جماعي» وذلك على خلفية النزاع المسلح الدائر في غزة. وقد نال التقرير تغطية واسعة من وكالات إخبارية وصحف عالمية كبرى. وبحسب سالم، نقلًا عن مصدرَيْن في شمال سيناء، يكثف الجيش المصري منذ 15 فبراير/شباط 2024 الدوريات ونقاط التفتيش في المنطقة، ويوقف السكان وعمال البناء ويفتش هواتفهم، في محاولة لمنع نشر أي أخبار عن أعمال البناء وترهيب السكان المحليين.
في 17 فبراير/شباط 2024، وصف مقدم برامج بارز مؤيد للحكومة وعضو بـ«المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» في برنامجه على فضائية TEN المؤيدة للحكومة، أحمد سالم مدير مؤسسة سيناء بـ «العميل المرتبط بمجموعات إرهابية والموساد الإسرائيلي» إضافة لمزاعم أخرى دون أدلة. علمًا بأن للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام دورًا رئيسيًا في الرقابة والقمع الحكومي للجهود المستقلة لنقل الأخبار. وقبل ذلك الهجوم الإعلامي بيوم واحد، وصف حساب اتحاد قبائل سيناء الرسمي (الميليشيا الأساسية الداعمة للجيش في شمال سيناء) على منصة إكس مؤسسة سيناء (دون تسميتها) والتقارير المستقلة حول شمال سيناء، بأنها مساعي متآمرين لضخ السموم ضد الدولة المصرية. ونشرت صفحات عديدة مؤيدة للحكومة على منصتي فيس بوك وإكس صورًا لسالم مرفقة بالمزاعم نفسها.
يُظهر تحليلًا أجراه مختبر الأدلة في منظمة العفو الدولية لصور عبر الأقمار الصناعية تم التقاطها بين 5 و19 فبراير/شباط الجاري؛ عمليات إزالة وتنظيف للأراضي وبناء جدار جديد. وفي هذه الأثناء، نسقت الحكومة المصرية حملة «علاقات عامة» لنفي الأخبار حول بناء مخيمات للفلسطينيين في سيناء. وفي 16 فبراير/شباط 2024، نفت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية في تصريح رسمي أن تكون الحكومة تحضر لاستقبال الفلسطينيين في سيناء، وقالت أن مثل هذه الأخبار «تعطي انطباعًا –يروج له البعض زورًا– بأن مصر تشارك في جريمة التهجير التي تدعو إليها بعض الأطراف الإسرائيلية».
منذ أكثر من عقد، تستخدم حكومة السيسي الإعلام لشن حملات تشهير لترهيب الحقوقيين والتشكيك في عملهم، كجزء من الحملة متعددة الأوجه للقضاء على المجتمع المدني المصري، الذي كان نابضًا بالحيوية في السابق. وغالبًا ما يقود هذه الحملات مجموعة من مقدمي البرامج التلفزيونية المقربين من الحكومة والدوائر الأمنية أو أصحاب الوظائف الرسمية. هذه الحملات تتضمن معلومات مضللة، وتصريحات مختلقة في بعض الحالات تنطوي على تحريض على العنف وتهديد بالأذى. وكثيرًا ما تنطوي أيضًا على القمع العابر للحدود واستهداف الحقوقيين في الخارج بأساليب منها؛ المضايقات الأمنية، والاعتقالات التعسفية، والاحتجاز المطول، وملاحقة الأقارب. فرغم إقامة سالم في بريطانيا مع زوجته وأطفاله، فقد أعرب عن خوفه من استهداف السلطات المصرية لأفراد من عائلته في مصر. الأمر الذي دفع المقررة الأممية الخاصة المعنية بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان ماري لولور إلى دعوة الحكومة المصرية في 22 فبراير/شباط إلى: «ضمان سلامته (سالم) وعائلته». والمنظمات المنضمة لهذا البيان تشدد على ضرورة استجابة الحكومة لهذه الدعوة ومنع أي انتقام من عائلة سالم.
تمثل مؤسسة سيناء أحد أهم المصادر المستقلة البارزة والموثوقة للمعلومات حول التطورات في شمال سيناء، حيث قاتلت القوات الحكومية المصرية (الجيش)، تنظيم ولاية سيناء المسلح الذي أعلن ولاءه لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في 2014. وقد ارتكبا الجيش ومقاتلي داعش خلال هذه المواجهات انتهاكات جسيمة، يصل بعضها حد جرائم حرب بحسب هيومن رايتس ووتش، إلا أن الاشتباكات المسلحة ظلت طي الكتمان إلى حد كبير بسبب القيود التي وضعها الجيش على نقل الأخبار.
ففي خضم المواجهات مع هذه المجموعة المسلحة، هجّرت قوات الأمن المصرية عشرات الآلاف من سكان سيناء وفرضت قيودًا على حركة الأشخاص والبضائع، ما أدى تقريبًا إلى توقف النشاط التجاري والاقتصادي في المحافظة لعدة سنوات. وبحسب أبحاث هيومن رايتس ووتش، تعرض آلاف السكان في شمال سيناء للاعتقالات الجماعية التعسفية، والإخفاء القسري، والخطف، والتعذيب، والقتل خارج نطاق القانون. وتحولت شمال سيناء إلى منطقة عسكرية مغلقة تخضع لحصار حكومي إعلامي مشدد لمنع نشر المعلومات وتقييد وصول الصحفيين والمراقبين المستقلين.
ورغم أن الجيش قد قضى تقريبًا على تنظيم ولاية سيناء وتوقفت هجماته منذ عام 2022، لا تزال شمال سيناء فعليًا منطقة عسكرية مغلقة، حيث تتعرض الجهود المستقلة لنقل الأخبار لقيود شديدة. وتستمر معاناة المجتمعات المحلية المتمثلة في عمليات الهدم الواسعة للمنازل، والمزارع، والإخلاءات القسرية على يد الجيش في المناطق الحدودية وغير الحدودية. كما أن هذه المنطقة المحصنة التي تبنيها حاليًا الحكومة المصرية تضم بعض المناطق التي أجبر الجيش سكانها المحليين على إخلائها.
نطالب السلطات المصرية بالتوقف فورًا عن الانتقام من المعارضين المقيمين في الخارج، ووضع حد لسياسة عدم التسامح مع العمل الصحفي والبحثي المستقل، إلى حد التجريم الفعلي لحرية التجمع والتعبير والعمل الحقوقي. كما نطالب السلطات المصرية بالسماح فورًا للصحفيين المستقلين ومنظمات المجتمع المدني المستقلة بالعمل بحرية في سيناء، ونقل شكاوى سكانها بعد عقد من العمليات العسكرية المعزولة عن التدقيق والشفافية، والوقوف على آثار تطورات النزاع المسلح الدائر على الجهة الثانية من الحدود في غزة.
يقول آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: «عوضًا عن تشديد الخناق على نقل الأخبار من سيناء، على الحكومة المصرية ضمان إجراء تحقيق مستقل في الانتهاكات الحقوقية طوال عقد من العمليات العسكرية هناك، بما في ذلك الانتهاكات التي وثّقتها بشجاعة مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان».