تزداد حدّة العنف الرقمي الذي يستهدف النساء في لبنان وتسجّل حالاته أرقامًا صادمة.
نشر أولًأ على سمكس.
في آذار/مارس الماضي، كشفت ممثلة مكتب “هيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان راشيل دور-ويكس أنّ المرشحات للانتخابات النيابية في لبنان “يواجهن تنمرًا إلكترونيًّا” مختلفًا عن ذلك الذي يواجهه منافسوهنّ الذكور، وقالت إنّ “مشاعر عدم الأمان” التي تواجهها النساء “تثنيهنّ عن خوض غمار العمل السياسي والانتخابات”.
تزداد حدّة العنف الرقمي الذي يستهدف النساء في لبنان وتسجّل حالاته أرقامًا صادمة، بحسب إحصاءات قوى الأمن الداخلي في لبنان التي استطاعت “سمكس” الاستحصال عليها، والتي أشارت إلى أنّه وبين عامي 2020 و2023، بلغت نسبة العنف الإلكتروني 80% للنساء و20% للذكور.
ليس العنف الرقمي أقلّ وقعًا على النساء من العنف الذي يواجهنه في العالم الواقعي، وذلك نظرًا لتفشيه بشكلٍ واسع، كما تظهر الإحصاءات أعلاه، والجرأة التي قد يتمتع فيها المهاجمون/ات لكونهم مجهولين. ويستهدف العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي تيسّره التكنولوجيا النساء، خاصة الصحافيات والناشطات النسويات والأكادميات منهنّ، نظرًا لطبيعة عملهن أو ولوجوهن إلى مواقع معينة للحصول على بعض المعلومات والخدمات.
بحسب الإحصاءات نفسها، ارتفعت نسبة الشكاوى عبر خدمة “بلغ” التابعة لقوى الأمن الداخلي في السنتين الأخيرتين، ففي عام 2022، بلغت نسبة التبليغات المقدمة من النساء 70%، وفي عام 2023 بلغت 67%. إضافة إلى ذلك، ذكر مصدرٌ أمني لـ”سمكس”، أنّ جزءًا كبيرًا من التبليغات يأتي من نساءٍ لبنانيات مستقرّات في الخارج وتعرضن للابتزاز إلكتروني، كما بلغ عدد الموقوفين في قضايا جرائم إلكترونية ارتُكبت بحق النساء إلى 82 موقوفًا عام 2022، و71 موقوفًا عام 2023، بحسب المصدر.
التطور التكنولوجي خلق أدوات عنفٍ جديدة
يأخذ العنف الرقمي وفق دراسة صادرة عن هيئة الأمم المتحدة أشكالًا عدّة، منها التعقب السيبراني، أي استخدام التكنولوجيا لملاحقة ومراقبة أنشطة وسلوكيات شخص ما، ويرتكز على تتبع مواقع النساء ونشاطهنّ باستخدام أجهزة التعقب، وبرامج التجسس، وكاميرات وتطبيقات المواعدة القائمة على التحقق من سجلات البريد الإلكتروني والمكالمات والرسائل. وتعدّ أيضًا أعمال القرصنة واختراق الحسابات الشخصية أحد أبرز أنواع العنف الرقمي، وكذلك الانتقام الإباحي الذي يقوم على نشر الصور الخاصة للنساء دون موافقتهن.
في هذا الصدد، تقول الصحافية والخبيرة في وسائل التواصل، فاطمة شقير، في حديثها لـ”سمكس”، إنّ التطور البشري والتكنولوجي أوجد أدواتٍ جديدة لتعنيف النساء بدلًا من المساهمة بوضع حدِّ لهذا الواقع.
تبرز بعض المحاولات من قبل الدولة والمؤسسات الحقوقية المعنية لضبط هذا الفضاء ووضع أُطر قانونية معينة، وتلفت شقير “إلى وجود جهود حثيثة لضبط ووضع قوانين، إلا أنّ الأرقام تشير إلى ازدياد معدلات العنف الإلكتروني، خاصة بعد أن مرّ بمفترق طرق هو انتشار جائحة “كورونا”، التي سجلت خلالها حالات عنف رقمي كبيرة خاصة العالم العربي، وتعرّضت النساء فيه إلى مضايقاتٍ وتحرّش إلكتروني وابتزاز غير مسبوق”.
اتّسم العام الماضي بالعنف على صعيد منصات التواصل، وتفنّد شقير في هذا السياق بعض الأرقام الصادرة عن دراسات الأمم المتحدة، والتي تظهر بأنّ ذلك العام شهد تعرّض ما يعادل نصف عدد النساء في العالم العربي اللواتي يستخدمن الإنترنت إلى تهديدٍ رقمي. وتعدّ “فيسبوك” أكثر منصّة تعرّضت النساء فيها إلى عنفٍ رقمي، بنسبٍ تبليغٍ تتراوح بين 40% و50%، تليها منصتا “إنستغرام” و”تيكتوك”. وتشير شقير، إلى أنّ حوالي 30% إلى 40% من النساء أفدن بامتداد العنف الرقمي الذي تعرضن إليه إلى العالم الواقعي.
العنف الرقمي: قمع للحريات وإقصاء إلكتروني
يحدّ العنف الرقمي بحقّ النساء من حرية التعبير والمشاركة في المساحات الإلكترونية التي لطالما كانت المتنفّس الوحيد لهن في ظل القمع التي تمارسه المجتمعات السلطوية. تصديقًا لذلك، تقول الناشطة النسوية والمدرّبة في مجال الأمن والحماية الرقمية، غوى نصر، لـ”سمكس” إنّ “الحركات القمعية وابتعاد النساء عن الإنترنت له أثرٌ خطير، ويقصيهنّ من عالم التكنولوجيا الحديثة الذي لا سبيل للتطور ومواكبة المعرفة من دونه”.
“باتت منصات التواصل وشبكة الإنترنت وسيلةً لا غنى عنها، ومن حقّ النساء الحضور فيها والاستفادة من الخدمات التي تقدمها”، بحسب نصر، التي تلفت إلى أنّ “هذا الحق يجب أن يكون مكرسًا في الاتفاقيات والشرائع والقوانين المحلية وسياسات شركات التواصل العالمية مع ازدياد حالات العنف والابتزاز الرقمي، خاصة في ظل غياب المساعي الدولية والمحلية وتوجه الشركات العملاقة إلى تحقيق أرباح ضخمة من البيانات دون الاكتراث إلى خصوصية المستخدمين/ات، ولا سيما النساء منهم”.
سجّلت “منصة دعم السلامة الرقمية” في “سمكس” عام 2023 حوالى 650 قضية عنفٍ رقمي، 135 منها استهدفت نساء، أبرزها كانت حالات تحرّش عبر الإنترنت، وابتزاز، ونشر أخبارٍ وهمية عبر الإنترنت، واختراق حسابات.
عام 2023، تعاملت المنصّة مع 71 حالة عنف عبر الإنترنت استهدفت نساء، وبلغت نسبة الحسابات المخترقة 40% من مجمل هذه الحالات. وفقًا لمديرة “منصة دعم السلامة الرقمية” ومسؤولة وحدة التكنولوجيا في “سمكس”، سمر حلال، “تُعتبر هذا الإحصاءات إشارة قوية إلى تفاقم وازدياد وتيرة حالات اختراق حسابات النساء على منصات التواصل عبر الإنترنت، مشيرة إلى أنّ المنصة طوّرت استراتيجيات وبرامج دعمٍ تستهدف مختلف أنواع حالات العنف الرقمي، وتقدّم النصح والإرشاد المناسبين للضحايا”.
مبادرات محليّة لاحتواء الواقع
قد لا تشجّع آليات التبليغ النساء على تقديم الشكاوى، فوفق شهاداتٍ وثقتها مرجعيات حقوقية، يعود ذلك إلى طريقة تعامل القوى الأمنية مع قضايا النساء، وفقدان الثقة بأجهزة الدولة، والغياب شبه التام لسلطة القانون والعدالة، كما أنه واحدٌ من نتائج انتهاك حق المواطنين/ات المكرس بالتعبير. وقد شهد لبنان في العام الماضي حملة قمعٍ متشعّبة استهدفت حرية الرأي والتعبير وضيّقت الخناق على الصحافيات، والناشطات الحقوقيات، وتمظهرت بحالات عنفٍ ممنهج واعتقالاتٍ طالت الناشطات والناشطين، والصحفيات وحتى الكوميديين/يات، ما شكّل مناخًا غير مشجّع للنساء على التبليغ وطلب المساعدة.
في سياقٍ متّصل، تضيف نصر أنّ “التقنيات التي تمتلكها الدولة حاليًا تحول دون القدرة على تحديد الجاني وبالتالي المحاسبة، بسبب ضعف ونقص البنية التحتية اللازمة لتمكين مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية لمواكبة الحالات المتزايدة للعنف الرقمي”.
وتُعدّ الفئة الأكثر استهدافًا بالعنف الرقمي هي الطفلات والمراهقات، كونهن الأكثر عرضة للخطر بسبب انعدام ثقافة التوعية، وفقًا لنصر. في هذا الإطار، ولأنّ المنظمات النسوية تلعب دورًا في نشر التوعية حول مخاطر العنف الرقمي على النساء وكيفية التعامل معها والتبليغ عنها، أطلقت جمعية “فيميل” (FE-MALE) حملة “الشاشة ما يتحمي” بداية شباط/فبراير الحالي، بهدف رفع التوعية والإعلان عن الخط الساخن الذي أطلقته الجمعية لتلقي الشكاوى وتقديم الدعم القانوني للناجيات من العنف الرقمي.
مع تزايد وتيرة العنف الرقمي ضدّ النساء بأشكاله العديدة في لبنان، وامتداده إلى العالم الحقيقي في أحيانٍ كثيرة متمثلًا بحالات تشهيرٍ وعنفٍ جسدي قد تصل حدّ القتل، وتقابل بأحكامٍ قضائية مخففة إن صدرت، هل ستتمكّن النساء يومًا من بناء علاقة ثقةٍ وأمان مع الدولة وأجهزتها، ليكنّ لذلك قادراتٍ على اللجوء إليها عند تعرضهنّ لعنفٍ رقمي؟
فيما يلي بعض النصائح التي تقدّمها حلال، والتي من شأنها مساعدة ضحايا العنف الرقمي، وخاصة النساء منهم:
1- اخترن كلمة مرور قوية وفريدة لكل حساب، وتأكّدن من تحديثها بشكل دوري
2-فعّلن التحقق بخطوتين (two-factor authentication) على جميع الحسابات
3- تجنّبن الرسائل التي تدّعي أنّها من شركات التواصل لتجنّب الوقوع ضحيّتها، ولا تضغطن على أيّ روابط تصلكن
4- حدّثن البرامج والتطبيقات الموجودة على هاتفكن بانتظام لسدّ أي ثغراتٍ أمنية محتملة.
5- تجنبن مشاركة أيّ معلوماتٍ حساسة مع الغرباء
6- تجنّبن مشاركة صورٍ شخصية عبر الإنترنت إن أمكن
7- أبلغن عن الحوادث الرقمية التي تتعرّضن إليها للسلطات المختصة أو المنصات المعنية.
إذا وقعتن ضحيّة هجوم سيبراني من هذا النوع، يمكنكن إرسال بريد إلكتروني إلى “منصّة دعم السلامة الرقمية” التابعة لـ”سمكس” على helpdesk@smex.org أو التواصل معنا عبر تطبقَيْ “سيغنال” أو “واتساب” على الرقم 0096181633133.