تزايد المخاوف بشأن حرية التعبير مع اقتراح حظر المنصة الإلكترونية يكشف عن مخاوف أوسع تتعلق بالرقابة.
نشر أولًا على سمكس.
أعلنت وزيرة الاتصالات العراقية هيام الياسري، في 24 آذار/مارس المنصرم، تقدّمها بطلبٍ لمجلس الوزراء العراقي لحجب تطبيق “تيكتوك”، معلّلة ذلك بكون التطبيق “يساهم بشكلِ كبير في تفكك النسيج المجتمعي العراقي، ولا يحتوي على فائدةٍ علمية وتعليمية وهو مجرد تطبيقٍ للترفيه”، وأضافت أنّ “حجب التطبيق لا يؤثر على أي مؤسسة أو على التعليم”.
وفي نهاية المؤتمر الصحافي الذي عقدته، شدّدت الياسري على “ضرورة تعاون ممثلي الشعب بمجلس النواب بحجب مثل هذه التطبيقات”.
أثارت تصريحات وزيرة الاتصالات تساؤلات العراقيين/ات حول قدرة الأجهزة الرسمية على حجب الموقع، وسط مخاوفٍ من تزايد القرارات الحكومية المتتالية التي تقوّض حرية الرأي والتعبير في العراق، خاصّة في ظلّ قانون حرية التعبير العراقي الذي يدمج بين حرية التعبير والصحافة وحق التظاهر، وينصّ على عقوباتٍ جزائية، فضلًا عن اعتماده مفرداتٍ فضفاضة تحتمل التأويل.
خلال السنوات الأخيرة، اتخذت السلطات العراقية عدة قرارات تمسّ بحرية التعبير، كان آخرها إصدار المحكمة الإتحادية العليا “أمرًا ولائيًا” بإيقاف وحجب كافة المواقع الإباحية في جميع أنحاء البلاد في كانون الأول/، وإقرار قانون جرائم المعلوماتيّة الذي تسبّب بخلافاتٍ بين أعضاء مجلس النواب لما يحتويه من عقوبات تمسّ بالحريّات.
في مقابلةٍ مع “سمكس”، يقول المدير التنفيذي لشبكة “أنسم” (INSM) للحقوق الرقمية في العراق، حيدر حمزوز، إنّ السبب وراء حجب “تيكتوك” ما زال غير مُعلن، وهو “محاولة لإخضاع المنصّة وإجبارها على التجاوب مع الحكومة ووزارة الإتصالات العراقية، فيما يتعلّق بحذف المحتوى وإدارته، كونه لا يتماشى مع العادات والتقاليد في العراق”.
ولا يستبعد حمزوز أن يكون للفساد المستشري في العراق علاقة بالقرار، إذ “لا تملك الحكومة العراقية الدقرة على السيطرة على المحتوى الذي ينشره المستخدمون/ات، لا سيما في محافظة اربيل أو المناطق غير الخاضعة لحكم السلطات العراقية، أو المغتربين/ات، نظرًا لقدرتهم/ ن على التأثير في المجتمع العراقي وكشف قضايا الفساد”.
“تعجز الحكومة العراقية عن الوصول إلى معظم هؤلاء، وفي الوقت نفسه، لا تتجاوب تيكتوك مع طلبات الحكومة”، يضيف حمزوز في حديثه لـ”سمكس”، مشيرًا إلى أنّ قرار حجب تيكتوك هو “خطوة غير فعّالة ولا نافعة على المستوى التقني”.
وتشير أرقام “مركز الإعلام الرقمي”، وهو منظمة عراقية غير حكوميّة تعمل على رصد ومتابعة الأخبار الرقمية، إلى أنّ عدد مستخدمي/ات تطبيق “تيكتوك” في العراق بلغ 31.95 مليون مستخدم/ة عام 2024، في حين سلم تتعدّ 23.88 مليون مستخدم خلال العام الماضي، مما يعني أن 75% من العراقيين/ات يستخدمون “تيكتوك”، وبنسبة تفوق سائر مواقع التواصل في العراق الذي يبلغ تعداد سكانه 43 مليون نسمة.
ضرر اقتصادي ورقمي على العراقيين/ات
يترك حجب التطبيقات والمواقع التواصل آثارًا مضرة ليس على واقع الحريات في البلاد فحسب، بل على مصالح المستخدمين/ات الذين يعتمدون عليها لتيسير مصالحهم/ن وأعمالهم/ن.
في حديثٍ مع “سمكس”، يعتبر المواطن العراقي ريفان التميمي، وهو صاحب شركة متخصصة في صناعة المحتوى، أنّ “تيكتوك” بات مصدر رزق للكثير من الأفراد والمؤسسات وأصحاب المتاجر الإلكترونيّة، كونه التطبيق الأكثر شعبيّة في البلاد، مشيرًا إلى أنّهم/ن سيخسرون ميزة الترويج المجاني للخدمات والمنتجات التي يبيعونها، ولاسيما أصحاب المتاجر والمشاريع الناشئة والمحليّة ومحدودة الدخل.
أما من ناحية سياسية، فللتميمي رأي بالقرار يكاد يمثل فئة لا بأس بها في الشارع العراقي، إذ أنّه يشكّك بقدرة الحكومة على تطبيق القرار، كونها تعتمد “تيكتوك” للترويج لإنجازاتها.
عندما حُجب تطبيق “تيكتوك” في الأردن خلال تظاهراتٍ انطلقت في محافظة معان، جنوب العاصمة الأردنيّة عمّان، احتجاجًا على ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، في كانون الأول/ديسمبر 2023، لجأ المتظاهرون/ات إلى استخدام برامج الشبكات اللإفتراضيّة الخاصة (VPN) للتحرّر من حجب المنصّة ونشر مقاطع الفيديو التي يصوّرونها، كونها الحل الوحيد للتمكّن من الوصول إلى التطبيق، وهذا بالضبط ما يُتوقّع حصوله في حال طُبّق الحجب في العراق.
وفي العراق، في حال حُجب التطبيق، لن تكون المشكلة هي مبدأ استخدام الشبكات الافتراضية نفسه، التي يُنصح أصلًا باستخدامها لقدرتها على حماية المستخدمين/ات من تتبع نشاطهم/ن وحفظ أمنهم/ن الرقمي، ولكنّ المشكلة تكمن في برامج الشبكة التي سيحمّلها المستخدمون/ات، إذ قد يلجؤون إلى تنزيل برامج غير آمنة قد تعرّض أجهزتهم/ن للاختراق أو بياناتهم/ن الشخصية للخطر، وفقًا لحمزوز، وذلك لأنّ لاستخدام برامج الشبكة الافتراضية غير الموثّقة ليس آمنًا على الإطلاق، ويمكن أن يسمح لأطرافٍ ثالثة بالاطلاع على معلومات المستخدمين/ات وبياناتهم/ن الشخصية.
ويختم حمزوز، القرارات السابقة المتعلقة بمحاربة المحتوى الهابط كشفت زيف تعامل السلطات الأمنية النافذة في العراق، إذ كانت مظلة لقضايا إبتزاز قام بها ضباط عراقيون، إذ قام عدد من ضباط وزارة الداخلية العراقية، بإنشاء صفحات وهمية في مواقع التواصل الإجتماعي لإبتزاز زملائهم بهدف الحصول على أموال.
تاريخ من التحكم بمواقع التواصل والإنترنت
تثبت القرارات التي اتخذتها السلطات العراقية خلال السنوات الأخيرة إصرارها على التحكّم بالفضاء الرقمي في البلاد. في آب/أغسطس الماضي، حجبت السلطات منصّة “تلغرام” لأسبابٍ “تتعلّق بالأمن القومي والسلم المجتمعي”. وفي شباط/فبراير الماضي من العام الجاري، حُجب موقع “الحدود” الساخر، ولم يصدر على إثر ذلك أيّ بيانٍ رسمي، ما يعتبر انتهاكًا لحرية الرأي والإعلام، كونه لا يستند على أيّ قانونٍ ويتعارض مع حريّة النشر والصحافة المكفولة بموجب الدستور العراقي والقوانين والمواثيق الدولية، فضلًا عن ضرورة أن تنفّذ أوامر الحجب وإغلاق المواقع والصفحات بموجب أحكام قضائية حصرًا.
وبحجة منع الغش في الامتحانات، تقطع الحكومة العراقية الإنترنت خلال فترات الامتحانات منذ العام عام 2016، وذلك لساعاتٍ متواصلة وعلى مدى عدّة أيامٍ بين أيار/مايو وحزيران/يونيو، وتموز/يوليو من كلّ عام.
خلال الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت البلاد عام 2019، حجبت السلطات العراقية أغلبية مواقع التواصل قبل أن تقطع الإنترنت بشكل شبه كامل، تاركة المتظاهرين/ات بلا وسيلة تواصل عدا الاتصالات الهاتفية والرسائل القصيرة، وذلك للتضييق عليهم/ن وإفشال تظاهراتهم/ن.
وفي هذا الصدد، يؤكّد حمزوز أنّ العراق “لا يحتاج إلى قرارات عزل أو حجب تطبيقات، ولا التحكم بالمحتوى عبر الإنترنت، بل إلى سياساتٍ قانونية واضحة وتعليماتٍ تنظم العمل والمحتوى بدلًا من تقييده.
و في 10 كانون الثاني/يناير 2023، أطلقت وزارة الداخلية منصة “بلّغ” وهي “منصة إلكترونية خاصة بالإبلاغ عن المحتويات المنشورة على مواقع التواصل، وتتضمن إساءة للذوق العام وتحمل رسائل سلبية تخدش الحياء وتزعزع الاستقرار المجتمعي”. كما نشرت الوزارة على قناة “يوتيوب” مقطعًا مصوّرًا، لأحد ضباط الدولة يشرح عن سبب إطلاق المنصّة، ويخاطب المواطنين/ات الذين لهم الدور الأكبر في التبليغ عن “المحتويات الهابطة والتي تسيء للذوق العام، وتخالف العادات والتقاليد وتسيء للمؤسسات العسكرية”. واعتبر الضابط أنّ المحتوى “المنشور والذي سيُحارب لا يقل أهمية عن الجريمة المنظمة كونه يتسبّب بتخريب الأسرة العراقية”، بحسب تعبيره.
وقد أفسحت هذه القرارات مجالًا للعنف والتحريض ضدّ المستخدمين/ات أيضًا، وذلك من خلال تصويرهم/ كأعداء للمجتمع العراقي وما يمثّله من قيمٍ ومبادئ أخلاقية، لنشهد حوادث أليمة وصادمة كاغتيال المؤثرة العراقية “أم فهد” بالرصاص خارج منزلها في بغداد في 27 نيسان/أبريل الماضي. وكانت “أم فهد” (واسمها الحقيقي غفران سوادي)، قد حُكم عليها بالسجن ستة أشهر العام الماضي لنشرها مقاطع فيديو قضت المحكمة بأنها تقوض “الحياء والأخلاق العامة”.
يختتم الخبير الرقمي حديثه لـ”سمكس” بالتشديد على ضرورة إطلاق حملاتٍ تثقيفيّة في مجال الحقوق الرقمية، وإنشاء عياداتٍ قانونية إستشارية للمواطنين/ات من أجل حمايتهم من أشكال العنف الرقمي الذي قد يتعرّضون لها، وتعريفهم/ن على الممارسات السليمة والآمنة التي تجنّبهم/ن تعريض أمنهم/ن الرقمي والنفسي والجسدي للخطر، ولا سيما النساء منهم/ن، اللواتي يتعرّضن لكمّ هائلٍ من العنف الرقمي وخطاب الكراهية.