تعمل دول الخليج على إسكات المنتقدين بأحكام قاسية بالسجن والترحيل، وتستخدم قوانين غامضة لقمع المعارضة عبر الإنترنت.
نشر أولًا على سمكس.
في 29 أيّار/مايو، أصدرت المحكمة الجزائية المتخصّصة في المملكة العربية السعودية حُكمًا يقضي بسجن الأستاذ أسعد الغامدي لمدّة 20 عامًا بسبب سلسلة من المنشورات التي شاركها عبر منصّة “اكس”، انتقد فيها المشاريع المتعلّقة برؤية 2030 وبرنامج التنويع الاقتصادي في المملكة.
كذلك، أصدرت محكمة مكافحة الإرهاب، المعروفة باستهدافها للأصوات الناقدة، حُكمًا يقضي بسجن المنتج السعودي-الأمريكي عبد العزيز المزيني لمادّة 13 عامًا ومنعه من السفر لمدّة 13 عامًا.
جاءت هذه العقوبة ردًّا على بثّ مسلسل “مسامير” عبر تطبيق “نتفلكس”، وهو مسلسل كرتوني ساخر تدور أحداثه في السعودية، واتُّهم بـ “الترويج للمثلية الجنسية والإرهاب”. وقد أعلن المزيني عن هذا الحُكم القضائي، الذي صدر في عام 2022، من خلال مقطع فيديو نشره عبر حسابه على منصّة “اكس” في أيّار/مايو 2024، علمًا أنَّه عاد فحذف الفيديو لاحقًا.
ودعت “لجنة حماية الصحافيين” إلى الإفراج عن الصحافي الفلسطيني حاتم النجّار المُعتقَل منذ كانون الثاني/يناير بسبب تقديم “بودكاست مربّع” الشهير على موقع “يوتيوب” في السعودية.
وكانت قد أُطلقت حملةٌ على مواقع التواصل تحت شعار “#القبض_على_حاتم_النجّار” للمُطالبة باعتقال الصحافي، ما أدّى إلى إلقاء القبض عليه بسبب تغريدات نشرها عندما كانَ عمره لا يتجاوز 18 عامًا. وبحسب مؤسّسة “سند”، وهي منظّمة حقوقية سعودية، عبّر النجّار عن آرائه حول مواضيع مختلفة على منصّة “اكس” في عهد الملك عبد الله.
أمّا في الكويت، فحُكم على النائب السابق وليد الطبطبائي بالسجن لمدّة أربع سنوات في حزيران/يونيو الماضي على خلفية انتقاده لقرار الأمير مشعل الأحمد الصباح بحلّ مجلس الأمّة في 10 أيّار/مايو. وقد أُلقي القبض على النائب السابق بعد يوم واحد من ظهور منشوره على منصّة “اكس”.
وبالأسلوب نفسه، حكمت المحاكم الكويتية في أواخر شهر كانون الثاني/يناير 2024 على أنور حياتي بالسجن لمدّة أربع سنوات بسبب نشره سبع منشورات على منصّة “اكس” اتَّهم الحكومة الكويتية بالفساد.
كما حُكم على الناشط محمّد البرغش، المدافع عن حقوق مجتمع البدون، بالسجن لمدّة ثلاث سنوات في كانون الثاني/يناير 2024 بتُهمة “إشاعة أخبار كاذبة” على وسائل التواصل ومحطّات التلفزيون. كانَ البرغش قد انتقد اعتقال الناشط أبو تركي الذي أُلقِي القبض عليه في عام 2023 بسبب منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي. يُذكَر أنَّ مجتمع البدون يضمّ أفرادًا عديمي الجنسية من الأقلّيات، وهم محرومون من حقوقهم/ن جرّاء عدم امتلاكهم الجنسية الكويتية. وتُعدّ منصّات التواصل الاجتماعي إحدى الأدوات القليلة التي يمكن أن يستخدمها الناشطون/ات المدافعون/ات عن حقوق مجتمع البدون للتنديد بأوضاعهم بعد تعرُّضهم للملاحقة من قِبَل السلطات بسبب منشوراتهم.
في شباط/فبراير 2024، حُكم على الناشط الكويتي عبد الله فيروز والصحافي فهيد العجمي بالسجن لمدّة خمس سنوات بسبب مقابلة نُشرت في عام 2022 عبر موقع “تفتيش“، انتقدَ فيها العلاقة بين وزارة الداخلية الكويتية وإحدى الشركات الإسرائيلية. وفي شهر حزيران/يونيو الماضي، خفّضت محكمة الاستئناف حُكم السجن الصادر بحقّ فيروز من خمس إلى ثلاث سنوات، وأطلقَت سراح العجمي بعد أن أمضى ثلاثة أشهر وراء القضبان.
في الإمارات العربية المتّحدة، أفادت عدّة منظّمات حقوقية أنَّه منذ 7 تشرين الأوّل/أكتوبر 2023، استُدعي عشرات المواطنين/ات والمقيمين الأجانب أو جرى ترحيلهم بسبب منشوراتهم على منصّات التواصل التي تنتقد الإبادة الإسرائيلية في غزّة. ووفقًا للمنظّمات، لم تُقدّم أيّ تُهم رسمية أو مبرّرات قانونية لهؤلاء الأفراد المُرحَّلين.
ويُذكر أنّه ومنذ تطبيع العلاقات بين الإمارات العربية المتّحدة والاحتلال الإسرائيلي في عام 2020، فرضت الإمارات رقابةً مُشدَّدة ومنعت الأصوات الناقدة للعلاقة بين البلدين.
قوانين غامضة تُستخدم لمقاضاة الناقدين على منصّات التواصل
غالبًا ما يُساء استخدام القوانين الغامضة التي تتناول مكافحة الإرهاب والجرائم الإلكترونية في دول منطقة الخليج، وذلك لقمع حرّية التعبير على الإنترنت. ففي المملكة العربية السعودية، وصفَ المجلس الأطلسي نظام مكافحة الإرهاب وتمويله الصادر في عام 2017 بأنَّه “أحد أكثر القوانين التي تُستخدَم في المملكة كسلاحٍ لقمع حرّية التعبير”. ونظرًا للغموض في تعريف الإرهاب من الناحية القانونية، يُتاح للسلطات هامشٌ واسع لملاحقة الأصوات الناقدة ومُحاسبتها على تصريحاتها عبر منصّات التواصل الاجتماعي.
بحسب منظّمة “هيومن رايتس ووتش”، تستنِد هذه الإدانة الصادرة عن محكمة سعودية ضدّ أسعد الغامدي إلى المواد 30 و34 و43 و44 من هذا النظام. وقد استُخدمت المواد القانونية نفسها في عام 2023 ضدّ شقيقه محمّد الغامدي الذي حُكم عليه بالإعدام بسبب منشوراته على “تويتر” و”يوتيوب”. فاستُعملت منشورات الشقيقين على وسائل التواصل كدليلٍ أمام المحكمة الجزائية المتخصّصة.
في الكويت، تُحاكم الأصوات الناقدة للحكومة بناءً على “قانون أمن الدولة”. وبحسب منظّمة العفو الدولية، فإنَّ المادّة 15 من هذا القانون تُحاكم الأشخاص الذين ينشرون “أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة حول الأوضاع الداخلية للبلاد” وأيّ “نشاط من شأنه الإضرار بالمصالح القومية للبلاد”.
بالإضافة إلى ذلك، يرتبط “القانون رقم 63 لسنة 2015 بشأن مكافحة جرائم تقنيّة المعلومات”، الذي يُعرَف بقانون الجرائم الإلكترونية، بقانون المطبوعات والنشر (القانون رقم 3/2006) الذي يمنع نشر أيّ محتوى “يخدش الآداب العامّة أو يحرّض على مخالفة النظام العام أو القوانين”.
وقد عوقب الناشط سلمان الخالدي بموجب قانون الجرائم الإلكترونية لانتقاده الحكومة السعودية على أحد حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي، ويوضح هذا القانون أنّ نشر محتوى ضدّ حلفاء الكويت يمكن أن يعرّض الشخص المعنيّ للملاحقة من قبل السلطات.
أمّا في الإمارات العربية المتّحدة، فجرى ترحيل العديد من الأردنيين والمصريين بعد استجوابهم من جانب “جهاز أمن الدولة”، وذلك بحسب “مركز مناصرة مُعتقَلي الإمارات” (EDAC) و”المرصد الأورومتوسّطي لحقوق الإنسان“. وقد استدعت السلطات الإماراتية جميع الأفراد بعد نشر محتوى يتناول الإبادة في غزّة أو المطالبة بإلغاء التطبيع الإسرائيلي-الإماراتي.
ووفقًا لـ “مركز مناصرة مُعتقلي الإمارات” و”المرصد الأورومتوسّطي لحقوق الإنسان”، لم تُقدّم السلطات الإماراتية أيّ مبرر أو تفسير قانوني لترحيل هؤلاء الأفراد. وقد دخلَ المرسوم بقانون اتّحادي رقم 34 لسنة 2021 في شأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية حيّز التنفيذ في 2 كانون الثاني/يناير 2022، وقُوبِلَ بانتقاداتٍ واسعة النطاق بسبب مساهمته في قمع حرّية التعبير.
استنادًا إلى تعريفات غامضة لمفهومي “أمن الدولة” و”ثقة العامّة”، تمنع المادّة 1 من هذا القانون نشر أيّ “محتوى غير قانوني” عبر الإنترنت من شأنه الإضرار بهذين المفهومين. وبموجب المادّة 22 من قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2021، يُمنع أيضًا نشر أيّ مستندات أو تقارير أو بيانات على الإنترنت من شأنها “الإضرار بمصالح الدولة أو بأجهزتها الحكومية أو الإساءة إلى سمعتها أو هيبتها أو مكانتها”.
يُعدّ قانون الجرائم الإلكترونية الإماراتي لعام 2021 نسخةً مُحدّثة من قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2012 الذي بموجبه اعتُقل الناشط الحقوقي أحمد منصور في عام 2017 وحُكم عليه بالسجن لمدّة 10 سنوات بسبب نشر محتوى عبر وسائل التواصل تناول فيه موضوع انتهاك حقوق الإنسان في الإمارات. واتُّهم منصور بـ “الإساءة إلى مكانة دولة الإمارات وهيبتها ورموزها وقادتها” و”نشر معلومات كاذبة للإضرار بسمعة دولة الإمارات في الخارج”.
انطلاقًا من ذريعة حماية المصالح الاستراتيجية والأمن القومي، تُمارس عدّة دول خليجية قمعًا ضدّ حقوق المواطنين الذين يُعبّرون عن أنفسهم بحرّية عبر منصّات التواصل. ويُشكِّل هذا التصعيد في القمع عبر الإنترنت انتهاكًا للعهد الدولي الخاصّ بالحقوق المدنية والسياسية، وذلك بحسب عدد من المنظّمات الحقوقية التي تدعو أيضًا إلى وقف حملة الاعتقالات العشوائية بحقّ هؤلاء الأفراد.