سبتمبر/ أيلول ٢٠٢٤ في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: ملخص حول حرية التعبير والفضاء المدني، من إنتاج نسيم طراونة، محرر آيفكس الإقليمي، استنادًا على تقارير أعضاء آيفكس والأخبار من المنطقة.
ترهب حرب إسرائيل الرقمية لبنان وفلسطين، بينما تشتد حملة القمع ضد المعارضين في إيران ومصر، في نفس الوقت الذي تقبع فيه الأصوات الناقدة خلف القضبان؛ ويسلط اليوم الدولي لتعميم الانتفاع بالمعلومات الضوء على النضالات المستمرة من أجل الشفافية.
تسليح الاتصالات الرقمية وسط العنف المتصاعد في لبنان
تتعرض الاتصالات في لبنان للتهديد مع تزايد وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية؛ ففي الأسابيع الأخيرة، قامت إسرائيل بقصف مكثف للمناطق المدنية، واغتيالات رفيعة المستوى، بالإضافة إلى تنفيذ سلسلة من الانفجارات المنسقة للأجهزة اللاسلكية، مما أدى إلى مقتل العشرات وجرح الكثيرين في هجمات عشوائية غير مسبوقة.
مع اتساع رقعة ضباب الحرب الإسرائيلية إلى لبنان، تسببت الهجمات هناك في مقتل أكثر من ١,٠٠٠ شخص، ونزوح أكثر من مليون آخرين، حتى الآن. تفيد المجموعات الحقوقية بأن إسرائيل استغلت الاتصالات الرقمية لبث الرعب والتضليل من خلال نشر معلومات كاذبة عبر رسائل نصية، وإعلانات مدفوعة الثمن، وتنبيهات وهمية على واتساب. أثارت رسائل تنذر بهجمات وشيكة على المنازل حالة من الذعر، وأفاد بعض السكان بتلقيهم مكالمات من مصادر مجهولة تحاول استخراج معلومات شخصية وبيومترية تحت ذرائع زائفة.
تتابع منظمة منظمة تبادل الإعلام الاجتماعي، سمكس، هذه التهديدات الرقمية عن كثب، كما توفر موارد حيوية لمساعدة الناس على البقاء على اطلاع وتواصل، بما في ذلك كيفية اكتشاف المعلومات المضللة وحماية الأجهزة. حثت سمكس السلطات اللبنانية على ضمان بقاء قنوات الاتصال متاحة من خلال تمديد صلاحية خطوط الهاتف المحمول، وتوفير الإنترنت في الملاجئ، وتقديم باقات بيانات مجانية، وسط الانتشار المتزايد للمعلومات المضللة وتعطيل الاتصال.
في ١ أكتوبر/تشرين الأول، قُتلت الصحفية السورية صفاء أحمد في غارة جوية إسرائيلية على دمشق، لتصبح أول صحفية تُقتل في سوريا هذا العام. يأتي مقتلها في أعقاب مقتل الصحفيين اللبنانيين، هادي السيد وكامل كركي، في غارة جوية على جنوب لبنان في ٢٤ سبتمبر/أيلول. يبرز تصاعد العنف والهجمات ضد العاملين في مجال الإعلام الحاجة الملحة لحماية حرية الصحافة في لبنان والإقليم بشكل عام، وضمان المساءلة لمنع وقوع مزيد من الاعتداءات.
في سياق الاستمرار في المطالبة بالمساءلة، انضمت مؤسسة مهارات إلى منظمات حقوقية في حث لجنة التحقيق المستقلة التابعة للأمم المتحدة على التحقيق في الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف الصحفي عصام عبدالله، وأدى إلى مقتله، وإصابة ستة آخرين، في ١٣ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠٢٣. جاء في الخطاب أن التحقيق ضروري لتحقيق العدالة للضحايا، وإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الصحفيين.
“لن يبق أحد ليبقيكم على اطلاع”: التحكم بالسرديات في فلسطين
في الوقت الذي تصاعد فيه العنف ضد الصحفيين في لبنان وسوريا، بقيت الأوضاع في فلسطين في غاية الخطورة؛ ففي ٥ سبتمبر/أيلول، قتلت القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، الناشطة الأمريكية في مجال حقوق الإنسان، أيشنور إزجي. أُصيبت المتطوعة مع حركة التضامن الدولية، البالغة من العمر ٢٦ عامًا، بطلق ناري أثناء احتجاج ضد التوسع غير القانوني للمستوطنات الإسرائيلية بالقرب من مدينة نابلس، حيث كانت تدافع عن المزارعين الفلسطينيين في القرى المحيطة.
في غزة، قُتلت الصحفية الفلسطينية، وفاء العديني، مع زوجها وابنتها بلسم، البالغة من العمر ٥ سنوات، وابنها تميم، البالغ من العمر ٧ أشهر، عندما أصابت غارة جوية إسرائيلية منزلهم في دير البلح. كانت العديني صوتًا بارزًا في التغطية الصحفية من غزة، وتُعد الصحفية رقم ١٧٤ التي تُقتل في الأراضي المحتلة منذ ٧ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠٢٣.
أطلقت منظمة مراسلون بلا حدود (RSF) سلسلة من الاحتجاجات الفورية في عشر دول في إطار حملة توعية عالمية لتسليط الضوء على المعدل المقلق لقتل الصحفيين الفلسطينيين، وهو أمر يهدد الحق في الحصول على المعلومات؛ كما قدمت المنظمة شكوى رابعة إلى المحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، مشيرة إلى أنه “ما دامت هذه الجرائم بلا عقاب، فلن يكون لدى الجناة أي سبب للتوقف.”
[غزة: بمعدل قتل الصحفيين في غزة، لن يبق أحد ليبقيكم على اطلاع. في أقل من عام، قتلت القوات الإسرائيلية أكثر من ١٣٠ صحفيًا في غزة. انشروا [الوعي] حول مجزرة الصحفيين. يجب أن تتوقف [هذه المجازر]. رجاءً شاركوا. ]
في ضربة قوية لحرية الوصول إلى المعلومات، أغلقت إسرائيل مكتب قناة الجزيرة في رام الله، مما زاد من تقييد تدفق المعلومات. أدانت مؤسسة مدى، العضوة في آيفكس، هذه الخطوة بشدة، واصفة إياها بهجوم صارخ على حرية الصحافة، وشددت على الحاجة الملحة إلى تحرك دولي لحماية الصحفيين الفلسطينيين.
وفقًا المعهد الدولي للصحافة (IPI)، فإن قرار إسرائيل يمثل “سابقة خطيرة للغاية قد تستخدم ضد وسائل إعلام دولية أخرى تنقل تقارير لا تروق للسلطات”، مما يشير إلى أن هذا الإجراء يأتي في إطار جهد أوسع تبذله السلطات الإسرائيلية لتقييد حرية الصحافة، بما في ذلك عرقلة وصول وسائل الإعلام إلى غزة. في سياق هذه الأحداث، اكتسبت النقاشات حول المسؤولية الرقمية زخمًا كبيرًا.
يبرز تقرير صادر عن المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي “حملة”، الحاجة الملحة لمساءلة شركات التكنولوجيا الكبرى عن دورها في تسهيل الأضرار الرقمية التي تستهدف الفلسطينيين. يشير التقرير إلى أن هذه المنصات غالبًا ما تطبق سياسات تؤثر بشكل غير متناسب على الأصوات الفلسطينية، مما يؤدي إلى قمع المحتوى الذي يعبر عن التضامن أو ينتقد تصرفات الحكومة الإسرائيلية.
يعد هذا القلق مهما بشكل خاص في ضوء القرار الأخير مجلس الإشراف في ميتا، الذي اختار عدم تصنيف عبارة “من النهر إلى البحر” كخطاب كراهية. على الرغم من احترام المجلس مبدأ حرية التعبير، إلا أن النقاد يرون بأن هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات أقوى لضمان ألا تؤدي سياسات وسائل التواصل الاجتماعي إلى إسكات النقاش حول فلسطين وحقوق شعبها.
علاوة على ذلك، فإن استخدام الجيش الإسرائيلي لأدوات رقمية متطورة لمراقبة تدفق المعلومات وتوجيهها يفاقم هذه القضايا. تكشف تقارير من هيومن رايتس ووتش أن هذه التقنيات، التي تعتمد على الجمع المستمر للبيانات الشخصية للفلسطينيين، لاستباق التهديدات وتحديد الأهداف، مصممة لإلحاق أضرار فعلية في العالم الواقعي.
“شيك على بياض” لمصر وسط تآكل الحقوق
أثارت التعديلات الأخيرة على قانون الإجراءات الجنائية في مصر مخاوف متزايدة من أنها قد تعزز سيطرة الدولة على المعارضة، وتساهم في تقييّد الحقوق الأساسية. صرّحت كل من نقابة الصحفيين ونقابة المحامين أن هذه التعديلات تتضمن العديد من المواد “غير الدستورية” التي تقوّض الحق في الدفاع، ودور المحامين، ومبدأ المحاكمة العلنية العادلة. تأتي هذه المناورة القانونية كجزءٍ من توجه أوسع لتعزيز قبضة النظام على الحريات المدنية، مما يؤدي إلى استمرار خنق حرية التعبير في البلاد.
لا يزال وضع سجناء الرأي في مصر مروعًا، حيث تنتهك السلطات المعايير القانونية لتمديد الأحكام، وإحكام سيطرتها على المعارضة. يخوض الناشط السياسي محمد عادل، الذي يقضي حاليًا عقوبة بالسجن لمدة أربع سنوات بتهمة “نشر أخبار كاذبة”، إضرابًا عن الطعام، احتجاجًا على تمديد احتجازه.
يسلّط الكاتب المصري البريطاني البارز، علاء عبد الفتاح الضوء على هذا التوجه المقلق. على الرغم من إتمامه عقوبة السجن لمدة خمس سنوات في ٢٩ سبتمبر/أيلول، ترفض السلطات الإفراج عنه، حيث أعادت حساب تاريخ الإفراج عنه، ليبدأ من تاريخ تأكيد حكمه في عام ٢٠٢١، مما يمدد فترة سجنه حتى يناير/كانون الثاني ٢٠٢٧. يبرز هذا التلاعب الصريح بالقوانين الحاجة الملحة إلى تحرك دولي لحماية حقوق الإنسان في مصر.
نتيجة لذلك، دق معهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ناقوس الخطر بشأن قرار إدارة بايدن بإرسال ٣٢٠ مليون دولار كمساعدات عسكرية لمصر، محذرًا من أن ذلك بمثابة “شيك على بياض” لحكومة السيسي، في ظل الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، وداعيًا الكونغرس إلى المطالبة بالمحاسبة.
انضمت آيفكس إلى ٣٣ منظمة حقوقية في إدانة الاعتقالات الأخيرة، والاختفاء القسري لأربعة صحفيين: أشرف عمر، وخالد ممدوح، ورمضان جودة، وياسر أبو العلا، وطالبوا بالإفراج الفوري عنهم، كما حثوا السلطات المصرية على إسقاط جميع التهم الموجهة إليهم، والتوقف عن استهداف الصحفيين بسبب عملهم، وإنهاء نمط الاختفاء القسري، والتحقيق في مزاعم التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية.
القمع المستمر في إيران
في الذكرى الثانية لوفاة مهسا (ژينا) أميني في ١٦ سبتمبر/أيلول، التي أشعلت شرارة حركة “المرأة، الحياة، الحرية”، دعت منظمات حقوق الإنسان إلى تسليط الضوء على استمرار اضطهاد النساء، والأقليات العرقية، والصحفيين. على الرغم من التوجيهات الأخيرة التي أصدرها الرئيس إبراهيم رئيسي، والتي تحث الهيئات الحكومية على سحب الشكاوى المقدمة ضد الصحفيين، إلا أن المناخ القمعي لا يزال مستمرًا، حيث أفادت التقارير أن ثلاث وزارات فقط استجابت لهذا التوجيه. لا يزال ٢٥ صحفيًا قابعين في السجون، ١٦ منهم سُجنوا بعد احتجاجات عام ٢٠٢٢.
في الشهر الماضي، كثفت السلطات من إجراءاتها الأمنية، لا سيما في المناطق الكردية مثل سقز، مسقط رأس أميني. فرضت قوات الأمن رقابة صارمة على الوصول إلى موقع دفن أميني، كما استدعت النشطاء للاستجواب، ورفعت قضايا ضد ١٤ من أعضاء نقابة المعلمين بتهم تتعلق بتهديد الأمن القومي.
وفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، فإن السلطات تعاقب، بشكل منهجي، أفراد عائلات الضحايا الذين يطالبون بالعدالة لأحبائهم؛ وقد أعدت منظمة مراسلون بلا حدود قائمة شاملة بأعمال القمع ضد الصحفيات الإيرانيات، اللواتي يواجهن السجن والملاحقات التعسفية بسبب تغطياتهن الصحفية.
تحيي سجينات حركة “المرأة، الحياة، الحرية” من خلال الإضراب عن الطعام والاحتجاجات. في ١٥ سبتمبر/أيلول، أفادت السجينة الحائزة على جائزة نوبل، نرجس محمدي، أن ٣٤ امرأة من السجينات السياسيات قد بدأن إضرابًا عن الطعام لإحياء ذكرى الحركة.
جدد مركز الخليج لحقوق الإنسان دعوته إلى الشفافية والمساءلة، قبيل الاستعراض الدوري الشامل الرابع لإيران في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في يناير/كانون الثاني ٢٠٢٥، مشددًا على أن عدم تعاون النظام مع الآليات الدولية أدى إلى تعريض العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء لانتهاكات خطيرة.
جديد وجدير بالاهتمام
بمناسبة اليوم الدولي لتعميم الانتفاع بالمعلومات في ٢٨ سبتمبر/أيلول، تسلط منظمة أرتكل ١٩ الضوء على بعض الخطوات التي تم اتخاذها مؤخرا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نحو الحق في الحصول على المعلومات، ولكنها تشير إلى أن التقدم المحرز لا يزال غير كافٍ لتلبية احتياجات المواطنين والمعايير الدولية، كما تدعو الحكومات إلى تعزيز الشفافية والمساءلة.
تشهد الكويت اضطرابات سياسية بعد صدور مرسوم أميري يقضي بحل البرلمان، ما أدى إلى مطالبات بإعادة البرلمان وإنهاء ملاحقة النشطاء. تقوم السلطات أيضًا بإلغاء الجنسية تعسفياً، غالبًا كوسيلة لمعاقبة وقمع الأصوات المعارضة، حيث تم الإبلاغ عن تضرر ٩١٢ فردًا. في الآونة الأخيرة، ألغت اللجنة العليا للتحقيق في الجنسية الكويتية جنسية ٧٨ شخصًا – وهو أعلى عدد تم الغاؤه في يوم واحد – مما أثار مخاوف جدية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في عملية تفتقر إلى الشفافية.
فازت الصحفية والمخرجة الفلسطينية، بيسان عودة، بجائزة إيمي عن مشروعها مع قناة الجزيرة “أنا بيسان من غزة وما زلت على قيد الحياة“. جاء هذا التكريم بعد حملة قادتها جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل لسحب ترشيحها، بدعوى ارتباطها بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في محاولة مستمرة لتشويه عمل الصحفيين الفلسطينيين وإسكات أصواتهم. رفضت أكاديمية الفنون وعلوم التلفزيون سحب ترشيحها، مشيرة إلى عدم وجود أدلة كافية على ارتباط عودة بهذه الجماعة.
قالت بيسان عودة، تعليقا على التكريم: “كلنا نعرف الحقيقة، لكن الخوف يضعف قدرتنا على قولها بصوت عالٍ، بل يدفعنا أحيانًا إلى إخفائها! لكن تذكروا أن عالمًا بلا استعمار هو عالم بلا خوف…الحقيقة هي السبيل الوحيد الذي يمكننا من التحرر من الخوف.”
[ترجمة: فوز بيسان عودة والجزيرة+ بجائزة إيمي عن أفلامها من غزة.]