يمنح هذا القانون القمعي السلطات سيطرة غير مسبوقة على وسائل الإعلام، مما يهدد الصحافة المستقلة، ويزيد من الرقابة الذاتية.
نشر أولًا على مركز الخليج لحقوق الإنسان.
بتاريخ 10 نوفمبر/تشرين الثاني، أصدر سلطات عُمان هيثم بن طارق مرسومًا سلطانيًا بإصدار قانون الإعلام المتكون من 60 مادة وأصبح نافذ المفعول بعد يوم ٍمن نشره في الجريدة الرسمية.
يشعر مركز الخليج لحقوق الإنسان بالقلق من أن القانون الجديد يُكرس القمع الممنهج الذي استخدمته السلطات منذ فترة طويلة لقمع المعارضة. يحتوي القانون على مصطلحات فضفاضة وغامضة، مما يمنح وزارة الإعلام سلطة واسعة لتقييد حرية التعبير لجميع المواطنين، بما في ذلك الإعلاميون. علاوة على ذلك، يمنح القانون النيابة العامة والسلطة القضائية صلاحية تعليق الأنشطة الإعلامية أثناء التحقيق والمحاكمات، مع إمكانية التجديد المستمر.
في الوقت الذي تم فيه تكريس المادة (3) لتكريس حق الأشخاص في حرية الرأي والتعبير، جاءت بعدها المادة (4) بفقراتها الثلاث لتنسف ذلك كله. استخدمت الفقرة الأولى مصطلحات فضفاضة وقابلة للتأويل لحظر نشر أو بث ما وصفته أي، “إعلان يخالف الضوابط التي تضعها الوزارة لنشر أو بث الإعلانات، أو يتنافى مع الآداب العامة، أو يهدف إلى تضليل الجمهور.”
الفقرة الثانية منعت نشر سير التحقيقات والمحاكمات وهذا يخالف الشفافية المطلوبة وعلنية القضاء العادل، وإمكانية استخدام هذه الفقرة للتستر على قضايا الفساد الكثيرة.
أما الفقرة الثالثة فقد أعطت لوزارة الإعلام الحق المطلق في حظر نشر ما تشاء ويشمل ذلك، “أي خبر أو بيان أو معلومة أو غيرها،” حسب ما نصت عليه. إن المادة الرابعة يمكن وصفها بطعنة نجلاء وجهها القانون لحرية التعبير في البلاد، وكرس سلطة الحكومة المطلقة ممثلة بوزارة الإعلام في تمرير أجندتها الإعلامية.
يدعو نص المادة (6) المعنيين بالنشر والإعلام إلى إبراز التنمية الشاملة للدولة، ولكنه لا يتحدث في كل فقراته على حقهم في نقد الحكومة وسياساتها. يكمل ذلك نص المادة (7) الذي، “يحظر عرض أو ترويج أو بيع أو تداول المطبوعات أو المصنفات الفنية التي تتضمن أيا من محظورات النشر المنصوص عليها في هذا القانون،” إن هذا يستهدف بلا شك أي ممارسة سلمية لنقد الحكومة أو عملها اليومي، أو التحدث عن الفساد، والدفاع عن حقوق المواطنين المدنية والإنسانية.
المادة (8) تمنع مطلقًا استيراد الكتب بدون موافقة وزارة الإعلام، وهذا يعني تعرض المسافرين العائدين إلى البلاد للمسائلة إذا اقتنوا كُتبًا أثناء سفرهم.
المادة (9) تمنع ناشطي الإنترنت والمواطن الصحفي من تداول الأخبار والتعليق عليها في حساباتهم دون استحصال موافقة الوزارة.
المادة (12) أعطت الوزارة الحق المطلق في الخصم بقدر ما تشاء من قيمة الضمان المالي المسلم لها من قبل المرخص له، والذي عليه استكمال قيمة الضمان عند كل خصم تقرره الوزارة بمفردها. أن هذه المادة مصممة بشكل يسمح للوزارة بالانتقام من أي وسيلة إعلامية تنتهج نهجًا مستقلًا عن الحكومة وآرائها، وترفض التطبيل لها.
المادة (15) أعطت للوزارة الحق المطلق في إلغاء ما تشاء من الرخص الإعلامية لما تراه سببًا موجبًا لتصبح بذلك سيفًا مسلطًا على كل الوسائل الإعلامية التي يجب أن تقوم تبعًا لذلك بمدح الحكومة وإنجازاتها وإن كانت غير موجودة في الواقع الذي يعيشه المواطنون. إن هذا المادة يمكن أن تُستخدم بسهولة من قبل الحكومة لمنع ظهور وسائل إعلامية مستقلة.
المادة (16) أعطت القرار الأخير في قضايا إلغاء الترخيص أو وقف مزاولة النشاط الإعلامي المرخص إلى القضاء، ولكن في ضوء تداخل السلطات وعدم وجود سلطة قضائية مستقلة غير مسيسة، يبدو الخطر حقيقي على المنابر الإعلامية المستقلة. إن هذا التكامل القمعي بين السلطة التنفيذية والقضاء المسيس تبين جليًا عندما أصدرت المحكمة الابتدائية في 26 سبتمبر/أيلول 2016، قرار الإغلاق التعسفي الدائم بحق الصحيفة المستقلة الوحيدة في البلاد، صحيفة الزمن وسجن ثلاثة من صحفييها، بدعم ٍكامل من قبل الحكومة وفي مقدمتها وزارة الإعلام.
المادة (17) تعطي حقًا تعسفيًا مطلقًا للمدعي العام أو المحكمة المختصة بإصدار أمر وقف مزاولة النشاط الإعلامي ولأجل قابل للتمديد دائمًا في مرحلتي التحقيق والمحاكمة، وهذا يناقض كل مبادئ العدالة وكون المتهم بريء حتى تُثبت إدانته.
المادة (19) تعمل على توسيع قيود حظر النشر وبث الأخبار والمعلومات والبيانات المفروضة على الإعلاميين والتي رسختها المادة (4) فتضيف كل المواضيع الممنوعة من النشر الذي ورد ذكرها في جميع قوانين البلاد، مما قد يولد لدى الجميع نزعة نحو الرقابة الذاتية لئلا يكونوا قد تحدثوا عن موضوع محظور في إحدى القوانين التي يجهلونها.
يشمل الفصل السابع (12) مادة، أي ما يعادل 12% من مواد القانون بأكمله، تم تخصيصها للعقوبات التي تتراوح بين ثلاثة أشهر وثلاثة سنوات، وغرامات تتراوح بين (5000) خمسة آلاف ريال عُماني و (200000) مائتي ريال عُماني. إن هذه العقوبات هي قاسية جدًا، والغرامات كبيرة هي الأخرى، خاصة إذا علمنا أنها تتعلق بقضايا نشر وإعلام.
تُشير صياغة هذا القانون القمعي إلى أن الهدف الأساسي منه كان تجريم الصحفيين والناشطين على الإنترنت بسبب آرائهم. من خلال سن مثل هذا التشريع، يصبح من الواضح أن السلطات لا تتبنى حقيقة فكرة أن الإبداع لا يزدهر إلا عندما يتم احترام الحريات العامة.
أن قيام السلطات بإصدار قانون الإعلام القمعي بامتياز في هذا الوقت بالذات الذي ينشغل فيه العالم بأسره في أزماتٍ كثيرة، هي محاولة أخرى مكشوفة من قبلها لتقنين أنماطها القمعية والسعي بقوة لفرض سيطرتها التامة على الإعلام، وتكريس المراقبة الجماعية على جميع المواطنين وبضمنهم الإعلاميين ونشطاء الإعلام والمؤسسات الإعلامية، وتحديد الأخبار والتقارير والبيانات التي يتداولونها. إن هذا يهدد وبشكل خطير حقوقهم الأساسية.
التوصيات
يدعو مركز الخليج لحقوق الإنسان لإلغاء كافة المواد التعسفية في هذا القانون على الفور وذلك من أجل الحفاظ على حرية الرأي والتعبير في البلاد. إن من المهم بمكان حماية الحريات العامة في البلاد، وجعل الإعلام الحر أداةً تساهم في بناء مستقبل زاهر لجميع المواطنين بدون استثناء.