تعرب منظمة هيومن رايتس ووتش عن قلقها بشأن المساءلة والتواطؤ في أعقاب الغارة الجوية الإسرائيلية التي أسفرت عن مقتل ثلاثة صحفيين بذخائر أمريكية الصنع.
نشر أولًا على هيومن رايتس ووتش.
قتل ثلاثة صحفيين وجرح أربعة آخرين في جريمة حرب مفترضة
إن غارة شنتها إسرائيل على لبنان في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2024 أسفرت عن مقتل ثلاثة صحفيين وجرح أربعة آخرين، شكّلت على الأرجح هجوما متعمدا ضد مدنيين وجريمة حرب مفترضة.
وجدت هيومن رايتس ووتش أن الجيش الإسرائيلي شن غارات باستخدام قذائف ملقاة من الجو تشمل مجموعة “ذخائر الهجوم المباشر المشترك” (Joint Direct Attack Munition) أمريكية الصنع. على الحكومة الأمريكية تعليق نقل الأسلحة إلى إسرائيل بسبب الغارات العسكرية غير القانونية المتكررة على المدنيين، التي قد تجعل المسؤولين الأمريكيين متواطئين في ارتكاب جرائم حرب.
قال ريتشارد وير، باحث أول في قسم الأزمات والنزاعات والأسلحة في هيومن رايتس ووتش: “استخدام إسرائيل الأسلحة الأمريكية في هجوم غير قانوني وقتل الصحفيين بعيدا عن أي هدف عسكري هو وصمة عار للولايات المتحدة وإسرائيل على حد سواء. الغارات الإسرائيلية السابقة التي قتلت صحفيين بدون أي عواقب لا تبعث كثيرا على الأمل في محاسبة هذه الانتهاكات ضد الإعلام أو غيرها في المستقبل “.
نُفذت الغارة في الصباح الباكر على منتجع “حاصبيا فيليج كلوب” في حاصبيا جنوبي لبنان، حيث كان أكثر من 12 صحفيا يقيمون منذ أكثر من ثلاثة أسابيع. لم تجد هيومن رايتس ووتش أي دليل على وجود قوات عسكرية أو نشاطات قتالية أو عسكرية في المنطقة وقت الهجوم. تشير معلومات، تحققت منها هيومن رايتس ووتش، إلى أن الجيش الإسرائيلي كان يعلم، أو يُفترض أن يعلم، أن الصحفيين يقيمون في المنطقة وفي المبنى المستهدف. بعد إعلانه أن قواته قصفت مبنى “حيث يعمل إرهابيون”، قال الجيش الإسرائيلي بعد ساعات إن “الحادث قيد التحقيق”.
قابلت هيومن رايتس ووتش ثمانية أشخاص كانوا يقيمون في المنتجع أو في جواره، بينهم ثلاثة صحفيين مصابين ومالك المنتجع. زارت هيومن رايتس ووتش أيضا الموقع في 1 نوفمبر/تشرين الثاني، وتحققت من ستة فيديوهات و22 صورة للغارة وآثارها، بالإضافة إلى صور الأقمار الصناعية. لم نتلقّ أي رد على الرسائل الموجهة إلى الجيش الإسرائيلي في 14 نوفمبر/تشرين الثاني التي تضمنت نتائج التحقيق وأسئلة، وإلى الجيش اللبناني في 5 نوفمبر/تشرين الثاني التي تضمنت أسئلة.
بحسب المقابلات وصور كاميرات المراقبة التي يظهر التوقيت عليها، شُنت الغارة على المبنى الذي يقيم فيه الصحفيون بُعيد الساعة 3 صباحا. كان معظم الصحفيين نياما. قال زكريا فاضل (25 عاما)، وهو مساعد مصور في مؤسسة “إنترناشونال ستوديوز أوف ليبانون” (أيسول) التي تقدم خدمات البث الإذاعي والتلفزيوني في لبنان، إنه كان ينظف أسنانه عندما طار في الهواء جراء الانفجار.
سقطت قنبلة على المبنى المؤلف من طابق واحد، وانفجرت عند ارتطامها بالأرض. قتل الانفجار الصحفي والمصور التلفزيوني غسان نجار، ومهندس البث الفضائي محمد رضا، وكلاهما يعمل في قناة “الميادين”، ومصور قناة “المنار” التابعة لـ “حزب الله” وسام قاسم. “الميادين” قناة عربية تتخذ من لبنان مقرا وتؤيد حزب الله والحكومة السورية.
تحققت هيومن رايتس ووتش من فيديوهات التُقطت بعد الغارة بدقائق، يظهر فيها المبنى المستهدف مدمَّرا بالكامل ومبانٍ متضررة في الجوار. أوقعت الغارة جدارا في مبنى ملاصق، ما أدى إلى إصابة المصور التلفزيوني في أيسول حسن حطيط (48 عاما) إصابة خطيرة، وإلى تضرر مبنى صغير يبعد نحو 10 أمتار، وجرح صحفيين آخرين، بينهم المصور في قناة الجزيرة علي مرتضى (46 عاما).
قال مرتضى إنه استيقظ جراء الانفجار وتساقط قطع من الإسمنت عليه، فأصيب في وجهه وذراعه اليمنى. عندما توقف الحطام عن التساقط، ذهب ليطمئن على زملائه. فوجد، هو وآخرون، حطيط مصابا، والمبنى المستهدف مدمرا. قال مرتضى إنه رأى جثتي وسام ونجار في مكان قريب، وأشلاء رضا على مسافة أبعد.
بعدها بقليل، اقترب منهم حاجب المنتجع وقال لهم إنه وجد رِجلَين بشريتين في إحدى غرف النوم. قال إيهاب العقدي، مراسل “الجزيرة” الذي كان يقيم في المنتجع، أيضا إنه رأى جثثا وأجزاء من جثث الصحفيين القتلى. قال: “رأينا الجثث. رأينا محمد رضا مبعثرا في المكان”.
قال أنور غيدا، مالك المنتجع، إن الصحفيين قدموا إلى المنتجع في 1 أكتوبر/تشرين الأول، بعدما أمر الجيش الإسرائيلي بإخلاء منطقة جنوبي حاصبيا. كان الصحفيون ينقلون الأخبار من منطقة إبل السقي، التي شملها أمر الإخلاء.
قال الصحفيون إنهم، منذ 1 أكتوبر/تشرين الأول ولغاية الغارة، كانوا يقومون بجولات روتينية ومتكررة، وينقلون الأخبار من منطقة حاصبيا، وغالبا ما يقومون بتغطية مباشرة من على تلة تشرف على أجزاء كبيرة من جنوب لبنان. قال الصحفيون وغيدا إنهم كانوا يغادرون المنتجع في الصباح ويعودون مساءً، في الوقت نفسه تقريبا من كل يوم. ومعظم آلياتهم تحمل شارة “Press” أو “TV” كبيرة.
قال الصحفيون وغيدا إنهم كانوا يسمعون صوت المسيّرات فوق المنطقة بدون انقطاع، ما يرجح أن المنطقة كانت تحت المراقبة الإسرائيلية. قبل 25 أكتوبر/تشرين الأول، لم يقع أي هجوم على بلدة حاصبيا.
منذ بدء الأعمال القتالية الحالية بين إسرائيل وحزب الله في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، هاجم الجيش الإسرائيلي صحفيين وقتلهم واستهدف قناة الميادين. في 23 أكتوبر/تشرين الأول، أغار الجيش الإسرائيلي على مكتب تستخدمه الميادين في بيروت ودمره. كانت الميادين قد أخلت المبنى من الموظفين قبل الغارة.
قالت “لجنة حماية الصحفيين” إن الغارات الإسرائيلية قتلت ستة صحفيين لبنانيين على الأقل بين 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و29 أكتوبر/تشرين الأول 2024. وجدت هيومن رايتس ووتش أن هجوم 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023، الذي قتل مصور “رويترز” عصام عبد الله وجرح ستة صحفيين آخرين، كان جريمة حرب مفترضة. في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، قتلت غارة إسرائيلية مراسلَيْن لبنانيَّيْن في الميادين، ربيع المعماري وفرح عمر، وسائقهما حسين عقيل، في طير حرفا جنوبي لبنان.
تحققت هيومن رايتس ووتش من صورة وفيديو من مأتم نجار، يظهر فيهما التابوت مغطى بعلم حزب الله، ثم دُفن في مقبرة في ضاحية بيروت الجنوبية، حيث يُدفن مقاتلو حزب الله، بجوار قبر المعماري. قالت متحدث باسم حزب الله لـ هيومن رايتس ووتش في 14 نوفمبر/تشرين الثاني، إن نجار طلب أن يُدفن بجوار صديقه وزميله المعماري، لكن نجار “كان مجرد مدني” و”ليس له أي أنشطة عسكرية من أي نوع”.
وجدت هيومن رايتس ووتش شظايا في موقع الغارة، وراجعت صور شظايا جمعها مالك المنتجع، ووجدتها متطابقة مع مجموعة توجيه ذخائر الهجوم المباشر المشترك، من صنع وبيع شركة “بوينغ”. وجدت هيومن رايتس ووتش بين الشظايا جزءا من نظام تشغيل مجموعة التوجيه، الذي يحرك الأجنحة. كان يحمل رمزا رقميا، يحدد أنه من صنع “وودارد”، وهي شركة أمريكية تصنّع أجزاء لأنظمة توجيه الأسلحة، بما في ذلك ذخائر الهجوم المباشر المشترك. تُثبّت ذخائر الهجوم المباشر المشترك على القنابل التي تُلقى من الجو، وتسمح بتوجيهها نحو الهدف باستخدام إحداثيات الأقمار الصناعية، ما يجعل السلاح دقيقا في حدود بضعة أمتار.
وجهت هيومن رايتس ووتش كتابا إلى وودارد في 14 نوفمبر/تشرين الثاني، لكنها لم تتلق أي رد حتى الآن. بموجب “المبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان” التي وضعتها الأمم المتحدة، و”المبادئ التوجيهية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشأن الشركات متعددة الجنسيات”، والمبادئ التوجيهية ذات الصلة، تتحمل الشركات مسؤولية وقف أو منع أو تقليل أو تعويض أي خرق محتمل للقانون الإنساني الدولي تتسبب به، أو تساهم فيه، أو تربط به.
نظرا إلى سجل إسرائيل الحافل بخروقات قوانين الحرب وغياب المحاسبة، على الشركات أن توقف بيع الأسلحة، وتستعيد جميع الأسلحة المباعة حيث أمكن، وتوقف جميع خدمات الدعم للأسلحة المباعة.
وثّقت هيومن رايتس ووتش سابقا استخدام الجيش الإسرائيلي غير القانوني للأسلحة أمريكية الصنع في غارة في مارس/آذار قتلت سبعة مسعفين في جنوب لبنان.
يحظر القانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب، الغارات على المدنيين والأهداف المدنية. يُعتبر الصحفيون مدنيين ويتمتعون بحماية ضد الغارات طالما أنهم لا يشاركون مباشرة في الأعمال العسكرية. لا يمكن استهداف الصحفيين بسبب عملهم الصحفي، حتى لو اعتبر الفريق المعادي أنهم منحازون ويُستخدمون للدعاية. عند شن أي هجوم، على الأطراف المتحاربة اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الأذى بالمدنيين والأضرار اللاحقة بالأعيان المدنية. هذا يشمل اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية للتحقق من أن الأهدافَ عسكريةٌ.
الأفراد الذين يرتكبون انتهاكات جسيمة لقانون الحرب بنيّة إجرامية – عمدا أو بتهور – يمكن مقاضاتهم بتهمة ارتكاب جرائم حرب. يمكن اعتبار الأفراد مسؤولين جنائيا إذا ساعدوا على ارتكاب جرائم حرب أو سهّلوها أو حرّضوا عليها.
على لبنان أن يقبل فورا اختصاص المحكمة الجنائية الدولية من أجل تفويض مدعي المحكمة للتحقيق في الجرائم الدولية الجسيمة المرتكبة على أراضيه.
على حلفاء إسرائيل الرئيسيين – الولايات المتحدة، وبريطانيا، وكندا، وألمانيا – تعليق الدعم العسكري وبيع الأسلحة لإسرائيل، نظرا إلى الخطر الفعلي أنها ستُستخدم لارتكاب انتهاكات جسيمة. سياسات الولايات المتحدة تحظر نقل الأسلحة إلى دول “يُرجّح جدا” أنها ستستخدمها لخرق القانون الدولي.
قال وير: “مع تزايد الأدلة على استخدام إسرائيل غير القانوني للأسلحة الأمريكية، في أفعال تشمل ارتكاب جرائم حرب مفترضة، على المسؤولين الأمريكيين أن يقرروا ما إذا كانوا سيلتزمون بالقوانين الأمريكية والدولية عبر وقف عمليات بيع الأسلحة إلى إسرائيل، أو سيخاطرون باعتبارهم متواطئين بحكم القانون في ارتكاب انتهاكات جسيمة”.