ديسمبر/كانون الأول ٢٠٢٤ في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: تقرير موجز عن حرية التعبير والفضاء المدني، من إعداد نسيم طراونة، محرر آيفكس الإقليمي، استنادًا إلى تقارير أعضاء آيفكس، والأخبار من المنطقة.
سوريا تمضي في طريق وعر نحو العدالة بعد سقوط الأسد؛ تصاعد مزاعم الإبادة الجماعية، والقمع الإعلامي في فلسطين؛ مصر ترسخ القمع بقوانين جديدة وحملة قمع؛ ويواجه الصحفيون تهديدات متزايدة في لبنان، والسودان، وغيرهما.
السعي لتحقيق عن العدالة في الفصل السوري الجديد
شكّل سقوط نظام بشار الأسد في ٨ ديسمبر/كانون الأول نقطة تحول تاريخية لسوريا، منهيًا عقودًا من الفساد، والقمع الوحشي. بعد قرابة ١٤ عامًا من الصراع الذي خلّف أكثر من ٦٠٠,٠٠٠ قتيل وملايين النازحين، لا يزال الطريق المقبل محفوفًا بالتحديات.
احتفل المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (SCM)، وأعضاء شبكة آيفكس الآخرون بهذه اللحظة التاريخية، مؤكدين على الفرصة التي تتيحها لإعادة بناء سوريا قائمة على أسس العدالة، والكرامة، واحترام حقوق الإنسان.
تشدد المنظمات الحقوقية على أهمية تبني تدابير شاملة، وشفافة، وجامعة للعدالة الانتقالية، بهدف معالجة الفظائع، وتعزيز المصالحة الوطنية. يشدد المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، ومركز الخليج لحقوق الإنسان على ضرورة التزام الحكومة الانتقالية بدعم الحريات المدنية، وضمان المساواة، واحترام التنوع الثقافي، والاثني في سوريا.
[ترجمة: “يجب على أولئك الذين يخشون الانتقام أن يدركوا أن العدالة هي الدرع الذي يحميهم ويحمي جميع السوريين من دائرة الانتقام. يشكل الاعتراف بجميع الجرائم التي ارتكبت في سوريا الخطوة الأولى في طريق طويل نحو الإنصاف – وهو طريق يتطلب أعلى مستويات الشجاعة، والوطنية، والأخلاق. هذه الصور من اعتصام اليوم في ساحة الحجاز في دمشق.”]
يتضاءل التفاؤل بشأن مستقبل سوريا أمام تعقيدات حكم دولة منقسمة، تهيمن عليها هيئة تحرير الشام، وهي جماعة متشددة، ذات سجل حافل بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
كان الصحفيون من أكثر الفئات التي استهدفها قمع الأسد؛ إذ قُتل أكثر من ١٨١ صحفيًا منذ عام ٢٠١١، وكان ٢٣ صحفيا على الأقل خلف القضبان عند سقوط النظام. يمثل هؤلاء الصحفيين معاناة الماضي، والأمل في مستقبل أفضل لسوريا. في هذا السياق، يدعو أعضاء شبكة آيفكس إلى تحقيق شامل ومحاسبة عميقة في جرائم الحرب التي ارتكبها النظام ضد وسائل الإعلام.
في ديسمبر/كانون الأول، شكّل مقتل الصحفيين أنس الخربوطلي، ومصطفى الكردي في الأسابيع التي سبقت سقوط الأسد، إضافة إلى مقتل الصحفيين الكرديين، ناظم داشتان، وجيهان بيلغين، اللذين استهدفا بغارة جوية تركية بطائرة بدون طيار أثناء تغطيتهما للأحداث في شمال سوريا، تذكيرًا جديدًا بإرث الصراع العنيف.
مثل الإفراج عن سجناء الرأي، منهم المدونة، طل الملوحي التي اعتقلت في عام ٢٠٠٩، بارقة أمل، على الرغم من أن عملية التحول لا تزال هشة. حذرت لمى فقيه من منظمة هيومن رايتس ووتش من أن إعادة بناء الثقة تتطلب نبذ “الرعب الماضي”، وإرساء الأساس لمجتمع يُعامَل فيه الجميع بكرامة.
يكشف اكتشاف المقابر الجماعية تدريجيًا عن حجم الفظائع التي ارتكبت خلال النزاع. أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش على أهمية حماية هذه المواقع من العبث، لضمان دعم تحقيقات الطب الشرعي التي تعد بالغة الأهمية لمحاسبة الجناة، وتوفير خاتمة لعائلات المفقودين.
“بدون جهود سورية ودولية فورية لتأمين المواقع المحتملة للجرائم الجماعية وحفظها من أجل عمليات منسّقة لاستخراج الجثث وإجراء تحقيقات جنائية، هناك خطر يتمثل في ضياع الأدلة الأساسية للمساءلة. يستحق أحباء الأشخاص الذين قُتلوا بوحشية هنا أن يعرفوا ما حدث لهم. الضحايا يستحقون المساءلة“.
هبة زيادين، باحثة أولى في الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش
فلسطين: الإبادة الجماعية والقمع والحجب
في الأسابيع الأخيرة من هذا العام، كثفت منظمات حقوق الإنسان جهودها لتعزيز الإجماع على أن ممارسات إسرائيل في قطاع غزة ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية: فقد فصّل تقرير لمنظمة هيومان رايتس ووتش كيف عرقلت السلطات الإسرائيلية بشكل منهجي وصول الفلسطينيين إلى المياه الكافية للبقاء على قيد الحياة في غزة؛ في ذات الوقت، خلص تحقيق لمنظمة العفو الدولية إلى ” فتح إسرائيل أبواب الجحيم والدمار على الفلسطينيين في قطاع غزّة، بصورة سافرة ومستمرة، مع الإفلات التام من العقاب”.
مع استمرار الاعتداءات، قتلت القوات الإسرائيلية المزيد من الصحفيين الفلسطينيين خلال الشهر الماضي؛ فقد أدان المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية (مدى) مقتل خمسة صحفيين من قناة “القدس اليوم” التلفزيونية، استهدفوا أثناء تغطيتهم الصحفية في غزة. جاء ذلك في أعقاب مقتل مراسل قناة الجزيرة، أحمد اللوح، في ١٥ كانون الأول/ديسمبر، بالإضافة إلى صحفيين آخرين، مثل محمد بلوشة، ومحمد جابر القريناوي.
وفقًا لمنظمة مراسلون بلا حدود، فقد تم تهجير ٩٦% من الصحفيين في شمال غزة قسرًا من منازلهم، مما يضع العاملين في مجال الإعلام في خطر شديد أثناء محاولتهم تغطية التطهير العرقي المستمر، في ظل فراغ إخباري متزايد.
في سياق متصل، صعّدت السلطة الفلسطينية من حملتها على حرية التعبير في الضفة الغربية المحتلة، مما فاقم من قمع الأصوات الفلسطينية في وقت يتصاعد فيه عنف المستوطنين الإسرائيليين هناك؛ ففي أعقاب تغطية قناة الجزيرة للمواجهة في جنين، حظرت السلطة الفلسطينية، مؤقتًا عمليات القناة، في خطوة تعكس قرارا مشابها اتخذته السلطات الإسرائيلية العام الماضي.
أدان الائتلاف الفلسطيني للحقوق الرقمية إيقاف السلطة الفلسطينية لقناة الجزيرة، وغيرها من الإجراءات التي استهدفت فيها السلطة الفلسطينية وسائل الإعلام، مشيرةً إلى الاعتداء الخطير على حرية الصحافة، والحق في الحصول على المعلومات، في ظل العنف.
ووفقًا للتحالف، تكشف تقارير، ومقاطع الفيديو متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، عن مضايقات، وترهيب واسع النطاق للفلسطينيين، بسبب تعبيرهم على الإنترنت، حيث تجبر السلطات الأفراد على تسجيل “فيديوهات اعتذار” تحت الإكراه، بالإضافة إلى استخدام أساليب أخرى لإسكات المعارضة.
أفاد التقرير الشهري الصادر عن مركز مدى بأن السلطات الفلسطينية كانت مسؤولة عن ٣٠% من إجمالي الانتهاكات التي استهدفت الصحفيين في شهر كانون الأول/ديسمبر، وذلك إلى جانب سلسلة الانتهاكات التي ارتكبتها السلطات الإسرائيلية.
كشف تقرير جديد صادر عن المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي (حملة) كيف قامت شركة ميتا بإسكات الأصوات المؤيدة للفلسطينيين على الإنترنت بشكل مستمر. تظهر الشهادات عن حذف المحتوى، وتعليق الحسابات على نطاق واسع، في حين سُمِحَ لخطاب الكراهية الموجه للفلسطينيين بالانتشار دون رادع.
وقال جلال أبو خاطر، مدير المناصرة في مؤسسة حملة: “إن استمرار ممارسات ميتا التمييزية ضد المحتوى الفلسطيني، يُعدّ انتهاكًا واضحًا للمعايير الدولية لحرية التعبير.”، داعيًا شركة ميتا إلى اتخاذ خطوات جادة وعاجلة لإصلاح سياساتها وضمان حق الفلسطينيين في استخدام المنصات الرقمية دون قمع أو تمييز.”
[ ترجمة: تفضح شهادات قوية من صحفيين، ومؤثرين، ووسائل إعلام فلسطينية، ممارسات ميتا التمييزية في قمع المحتوى الفلسطيني وإسكات روايتهم. وقّعوا على عريضة “ميتا، دعوا فلسطين تتكلم“: اقرأوا عريضة “محو وقمع: شهادات فلسطينية عن رقابة ميتا” تقرير]
تعد الخسائر الثقافية مدمرة بالقدر ذاته، حيث كرّم الاتحاد الدولي للقلم ١٣ كاتبًا وشاعرًا فلسطينيًا قُتلوا بين أكتوبر/تشرين الأول وديسمبر/كانون الأول ٢٠٢٣، مما يسلط الضوء على التأثير العميق على التراث الثقافي في غزة، والنضال المستمر من أجل حماية حرية التعبير.
مخطط مصر للقمع الدائم في مصر
لا تزال حالة حقوق الإنسان في مصر تستحوذ على الإهتمام الدولي، قبل المراجعة الدورية الشاملة لمصر في ٢٨ يناير/كانون الثاني؛ إذ سلط تقرير مشترك أصدرته ١٣ منظمة حقوقية الضوء على تصاعد القمع خلال السنوات الخمسة الماضية، حيث جرمت السلطات المشاركة السياسية، وانتهكت الحقوق الأساسية.
شكلت الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠٢٣ محطة حرجة في هذه الانتهاكات، حيث تم استهداف مرشحي المعارضة ومؤيديهم، مع تصاعد ملحوظ في انتهاكات مثل التعذيب، والاختفاء القسري، وقمع حرية التجمع؛ كما برزت قضايا أخرى مثيرة للقلق، من بينها تدهور حقوق المرأة، والأوضاع في سيناء، واضطهاد النشطاء في الخارج.
توضح الحالات البارزة من بين آلاف السجناء السياسيين مدى خطورة القمع المستمر في البلاد. على سبيل المثال، تواجه المحامية الحقوقية، هدى عبدالمنعم، التي تستهدفها السلطات، اتهامات متكررة وواهية لتبرير احتجازها المطول والتعسفي قبل المحاكمة، رغم أنها أنهت أحكامًا سابقة. في غضون ذلك لا يزال الشاعر جلال البحيري، المسجون بسبب نشاطه الفني، يواجه تهديدات بالتعذيب، بالإضافة إلى حرمانه من الرعاية الطبية.
لا يزال الناشط والكاتب البارز، علاء عبد الفتاح، المسجون منذ عام ٢٠١٩، محط اهتمام جماعات حقوق الإنسان تواصل الضغط على السلطات للإفراج عنه؛ وقد أضربت والدته، ليلى سويف، عن الطعام لأكثر من ١٠٠ يوم، مطالبةً بالإفراج عن ابنها.
مع اشتداد حملة القمع، يثير سعي الحكومة المصرية إلى تمرير قانون جديد للإجراءات الجنائية موجة من الجدل. يحذر المنتقدون من أن مشروع القانون قد يسهم في ترسيخ الحكم الاستبدادي من خلال إضفاء الشرعية على انتهاكات قوات الأمن، وتقويض آليات المساءلة القانونية.
تقول آمنة القلالي، مديرة البحوث في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان: “مثل المسودة المقترحة لقانون الإجراءات الجنائية المصري ترسيخًا مقلقًا لتدابير استثنائية عصفت بسيادة القانون على مدى العقد الماضي، فضلًا عن إخلاله الجسيم بكافة ضمانات المحاكمة العادلة، ومنحه حصانة خاصة لقوات الأمن من المساءلة، وعدم تقديمه لضمانات تمنع الحبس الاحتياطي لأجل غير مسمى. “
في مثال صارخ آخر على القمع المستمر، لا يزال مديرو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية يرزحون تحت قيود تشمل حظر السفر، وتجميد الأصول، بعد أربع سنوات من إطلاق سراحهم من السجن؛ وعلى الرغم من عدم وجود أدلة تدعم اتهامات “الإرهاب” أو “نشر أخبار كاذبة”، إلا أنهم لا يزالون غير قادرين على استئناف عملهم.
باختصار
الجزائر: لا يزال الروائي الجزائري بوعلام صنصال محتجزًا دون أي اتصال بعائلته أو محاميه منذ اعتقاله في نوفمبر/تشرين الثاني، مما يثير مخاوف بشأن حقوقه وحرية التعبير. يواجه صنصال تهمًا تتعلق بالأمن القومي، بموجب قانون يستخدم بشكل متكرر لإسكات المنتقدين، وقد طالبت منظمة القلم الدولية بالإفراج الفوري عنه.
البحرين: اندلعت موجة من الاحتجاجات في سجن جو في البحرين، إثر وفاة سجين سياسي نتيجة الإهمال الطبي. يواجه السجناء من قمع عنيف، وحرمان مستمر من الرعاية الطبية، ومنهم أولئك المصابين بأمراض خطيرة. دعت المظاهرات في جميع أنحاء البحرين إلى الإفراج عن المعتقلين، ومعاملتهم معاملة لائقة. تجدر الإشارة إلى أن العفو الملكي البحريني استثنى معظم السجناء السياسيين، بمن فيهم عبد الهادي الخواجة الذي قضى حتى الآن من ٥٠٠٠ يوم من الاعتقال التعسفي.
الكويت: أثار تسليم العراق للمدون الكويتي، سلمان الخالدي، إلى الكويت مخاوف جدية بشأن سلامته. يعد الخالدي لاجئًا سياسيًا في المملكة المتحدة، وهو معروف بدفاعه عن الحقوق المدنية، وانتقاده للحكومات في المنطقة. يواجه الخالدي عقوبة السجن في الكويت بتهم تتعلق بنشاطه على الإنترنت، وآرائه المناهضة للحكومة. وفقًا لمركز الخليج لحقوق الإنسان، فإن تسليمه ينتهك الحماية الدولية للاجئين، ويعرضه لمزيد من الاضطهاد.
لبنان: يكشف تقرير جديد صادر عن مركز الخليج لحقوق الإنسان عن المخاطر الشديدة التي يتعرض الصحفيون خلال الحرب في لبنان، بما في ذلك عمليات القتل المستهدف، والاعتداءات الجسدية، والمضايقات عبر الإنترنت. على الرغم من الحماية التي يكفلها القانون الدولي، فقد تعرض الصحفيون للقصف، والتشهير، والإجبار على ممارسة الرقابة الذاتية. يحث التقرير على اتخاذ إجراءات دولية عاجلة لضمان سلامة الصحفيين، ودعم حقهم في نقل الحقيقة.
المملكة العربية السعودية: دعت منظمات حقوق الإنسان المملكة العربية السعودية إلى الإفراج عن سجناء الرأي المحتجزين بسبب التعبير عن الرأي على الإنترنت، وتحسين الشفافية، مع تزايد المخاوف بشأن القمع الرقمي، قبيل انعقاد منتدى حوكمة الإنترنت لعام ٢٠٢٥. أفاد مركز الخليج لحقوق الإنسان عن إطلاق سراح العديد من المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان مؤخرًا بعد قضاء فترات طويلة في السجن، منهم الدكتور محمد فهد القحطاني، وعيسى النخيفي، والدكتور مالك الأحمد، ومحمد الخضيري، ومحمد الهبدان.
السودان: قُتلت الصحفية حنان آدم، وشقيقها، على يد قوات الدعم السريع، في منزلهما، في ولاية الجزيرة، في ٨ ديسمبر/كانون الأول، مما أثار القلق بشأن سلامة الصحفيين، في الحرب الأهلية في السودان. أدانت لجنة حماية الصحفيين عملية القتل، ودعت السلطات السودانية على التحقيق في الحادث، مسلطةً الضوء على استهداف آدم بسبب عملها مع صحيفة الميدان، ووزارة الثقافة والإعلام.
أخيرًا وليس آخرًا، وبمناسبة اليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة، دعت منظمة المادة ١٩ تونس إلى إعطاء الأولوية للتحول الرقمي الشامل الذي يضمن المساواة في الوصول إلى المعلومات للأشخاص ذوي الإعاقة. أكدت المنظمة على ضرورة تصدي السلطات للحواجز البيئية والمؤسسية، التي تعيق الوصول، خاصة في ظل توجه الإدارة العامة نحو الرقمنة، بالإضافة إلى ذلك، حثت على التعاون مع المجتمع المدني لتعزيز مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في الحياة العامة.