يقبع حاليًا أكثر من ٢٠٠ شخص في السجون بسبب ممارستهم حقهم في حرية التعبير والحقوق الأساسية الأخرى.
نشر أولًا على مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
نطالب نحن، الجمعيات والمنظمات الموقعة أدناه، السلطات الجزائرية بالإفراج عن المعتقلين المحتجزين ظلمًا بسبب التعبير عن آرائهم، أو ممارستهم حرياتهم بسلمية. كما نطالب بفتح المجال المدني أمام الجهات الفاعلة في المجتمع المدني، من أجل ضمان اضطلاعها بدورها ومهمتها، لضمان سيادة القانون دون عوائق.
من المقرر أن تنعقد الانتخابات الرئاسية المبكرة في سبتمبر 2024، كما يشهد العام نفسه الذكرى السنوية الخامسة لـ «الحراك»، تلك الحركة الاحتجاجية الواسعة، المطالبة بسيادة القانون والديمقراطية. ولكن منذ عام 2019، شهدت البلاد قمعًا شديدًا للحقوق والحريات الأساسية، بالإضافة للمراجعة الدستورية عام 2020، وصدور مجموعة من القوانين القمعية التي عززت الاستبداد، على نحو يتعارض تمامًا مع التزامات الجزائر الدولية في مجال حقوق الإنسان.
ففيما يخيم الصمت على المجتمع المدني تحت وطأة القمع، منذ عام 2019، تتوالى محاكمات النشطاء والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والحكم عليهم، في كثير من الأحيان بأحكام قاسية، بسبب ممارستهم لحقوقهم الأساسية، من ضمنها اتهامات لا أساس لها بالانتماء إلى كيانات إرهابية. كما ترتفع وتيرة الإجراءات القانونية الانتقامية بحق منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية المعارضة والنقابات ووسائل الإعلام المستقلة، إذ قررت السلطات الجزائرية مؤخرًا حل منظمتين لحقوق الإنسان، يمتد عملهم لأكثر من ثلاثين عامًا، هما؛ الجمعية الوطنية للشباب (راج) الصادر قرار بحلها في أكتوبر 2021، أكده قرار مجلس الدولة الصادر في فبراير 2023. والرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان (LADDH) الصادر قرار حلها في يونيو 2022. وفي ديسمبر من العام نفسه، تم إغلاق مكاتب راديو إم والمغرب إمرجا (Maghreb Émergent)، آخر منابر الصحافة المستقلة في البلاد، وذلك قبل أن تأمر محكمة جزائرية بحلهما في أبريل 2023. وفي مارس الماضي، تم منع مؤتمرين نظمتهما منظمة SOS Disparus – CFDA، وهي جمعية تدافع عن حقوق المختفين قسرًا، بينما تم تعليق عمل حزبين سياسيين مسجلين إلى أجل غير مسمى بين عامي 2022 و2023، هما الحزب الاشتراكي للعمال والحركة الديمقراطية والاجتماعية.
هذا بالإضافة إلى تعديل قانون العقوبات في خضم جائحة كورونا ودون نقاش مجتمعي، وإضافة عقوبات قمعية تم توظيفها لإدانة العديد من المواطنين السلميين، فضلاً عن توسيع التوصيف القانوني لجرائم «الإرهاب» (المادة 87 مكرر)، بما يتيح توظيفها ضد الأصوات السلمية، واعتماد تعديلات على قانون العقوبات في فبراير 2024.
يقبع حاليًا أكثر من 200 شخص في السجون بسبب ممارستهم حقهم في حرية التعبير والحقوق الأساسية الأخرى، بعضهم من شخصيات «الحراك» مثل إبراهيم لعلامي ومحمد تاجديت والذين قضيا ما يقرب من 60 شهرًا في الحبس. ومنهم أيضا محاد قاسمي المسجون منذ يونيو 2020؛ والصحفي إحسان القاضي المحكوم عليه بالسجن 7 سنوات (عامين منهم مع وقف التنفيذ). هذا بالإضافة إلى مئات الأشخاص المجهولين أو الأقل شهرة المحتجزين بشكل تعسفي، رهن الحبس الاحتياطي منذ أشهر. هؤلاء المعتقلون مؤخرًا انضموا بدورهم لصفوف السجناء القدامى، أمثال محمد بابا نجار.
في هذا السياق، أطلق عدد من النشطاء والجمعيات الحقوقية ووسائل الإعلام في الجزائر وخارجها خلال شهر رمضان حملة مشتركة تحت شعار (أطلقوهم) لتسليط الضوء على تفشي الاحتجاز التعسفي، والمطالبة بالإفراج الفوري عن معتقلي الرأي، والتذكير بأن ممارسة الحريات الأساسية هو حق مصون، وليس جريمة.
تستعد الجزائر لانتخابات رئاسية في 7 سبتمبر القادم، وهي عضو في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، وعضو أيضًا في مجلس الأمن. وفي 2023 قبلت السلطات الجزائرية زيارات المقرر الخاص المعني بالحق في التجمع السلمي وحرية تكوين الجمعيات (كليمنت نيالتسوسي فول) والمقررة الخاصة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان (ماري لولور). هذه التطورات هي مؤشرات على امكانية الانفتاح والالتزام، لكن الأمر يستلزم فتح مساحات حرة للمجتمع المدني، وتطبيق تدابير فعالة لتغيير مناخ الترهيب المسلط بحق الأصوات الناقدة والمدافعين عن حقوق الإنسان حاليًا. وبدلاً من معاملة هذه الأصوات كتهديد، يجب على السلطات الجزائرية التعهد بالتزامات عاجلة وملموسة لضمان نزاهة هذه الأصوات وتمكينها من ممارسة دورها المجتمعي البناء.
بعد زيارتهما للجزائر، أشار مقرران الأمم المتحدة في ملاحظاتهما الأولية إلى أوجه قصور كبيرة فيما يتعلق باحترام الحقوق والحريات الأساسية في الجزائر. فبحسب الخبيرة الأممية ماري لولور: «التعامل القضائي القاسي لا يزال مستمرًا ويتمثل في ملاحقات جنائية متعددة بحق المدافعين عن حقوق الإنسان». كما أكد الخبير الأممي نيالتسوسي فول أنه؛ «يجب على الحكومة الجزائرية تخفيف القيود الصارمة المفروضة على التجمعات والجمعيات […] ومعالجة مناخ الخوف الناجم عن توظيف سلسلة من التهم الجنائية ضد الأفراد والجمعيات والنقابات والأحزاب السياسية بموجب قوانين تقييدية مفرطة».
ومن ثم، نحن الموقعون أدناه، ندعو إلى تنفيذ التدابير التالية:
- – الإفراج الفوري وإعادة التأهيل الكامل لجميع الأشخاص المحتجزين ظلمًا بسبب ممارستهم لحقوقهم في حرية الرأي وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي؛
- رفع القيود الأمنية والقانونية والإدارية التي تحول دون الممارسة العملية للحقوق والحريات الأساسية من قبل المواطنين السلميين أو المجتمع المدني؛
- إلغاء القوانين القمعية ومواد قانون العقوبات المستخدمة لأغراض قمعية، واعتماد قوانين تعزز الحريات العامة وتتوافق مع الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر؛
- فتح مساحات حرة ومستقلة للمجتمع المدني وضمان ممارسة مهمته دون عوائق كمساهم ضروري وبناء في الانتقال نحو سيادة القانون.