من المتوقع أن تؤدي التعديلات على قانون العقوبات إلى تعميق القمع، في الوقت الذي تستعد فيه الجزائر للانتخابات الرئاسية هذا العام.
نشر أولًا على مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
يؤكد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أن التعديلات الجديدة، التي تم إقرارها على قانون العقوبات في 2 أبريل الجاري، تضيف مجموعة من الأحكام القاسية والمواد الفضفاضة إلى الترسانة القانونية القمعية في الجزائر، على نحو يعزز من تجريم الخطاب السلمي، ويمنح الحكومة الاستبدادية المزيد من السلطة لمقاضاة المعارضين السياسيين بشكل تعسفي.
هذه التعديلات تعزز نفوذ الحكومة وقدرتها على خنق المعارضة، من خلال إدخال مواد جديدة تجرم التعبير المشروع، وتشدد العقوبات على العديد من الجرائم القائمة بالفعل، والمتعلقة بـ «التشهير» بمؤسسات الدولة، والكشف عن معلومات «تهدد الأمن»، أو «تضر الأجهزة الأمنية أو الجيش». وتتعارض جميع هذه المواد مع معايير حقوق الإنسان.
في 5 فبراير الماضي، اعتمد مجلس النواب الجزائري تشريعًا مقترحًا بتعديل قانون العقوبات؛ ينطوي على تغيير وتعديل توصيف مجموعة من الجرائم الجنائية المتعلقة بالاستثمارات المالية، وجرائم الاحتيال. وقد أضفت التعديلات حماية لضحايا الجرائم الجنسية، وعززت من العقوبات البديلة، وانطوت على تعديلات تضمن مزيد من دعم وحماية الأجهزة الأمنية. وبينما تستعد الجزائر للانتخابات الرئاسية بعد عدة أشهر، أقر أعضاء مجلس الأمة، الغرفة العليا للبرلمان، في 2 أبريل الجاري، هذه التعديلات وينتظر دخولها حيز التنفيذ بعد ختمها من قبل الرئيس. وكانت ولاية الرئيس عبد المجيد تبون قد شهدت منذ ديسمبر 2019 تبني العديد من القوانين القمعية، لا سيما لقمع الحراك. وبما أن الرئيس تبون يتطلع لتجديد انتخابه هذا العام، فإن توسيع نطاق تطبيق القانون من خلال هذه التعديلات قد ينطوي على أثر خطير.
من جانبها، حذرت آمنة القلالي، مديرة وحدة البحوث في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، من أنه «في الوقت الذي تستعد فيه الجزائر للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 7 سبتمبر 2024، سيوفر هذا التشريع سلاحًا إضافيًا للحكومة ضد الأصوات المعارضة، لا سيما في ضوء سجل طويل للسلطات الجزائرية في معاقبة المعارضة السياسية، تحت ذرائع حماية الأمن القومي والمصلحة الوطنية ومؤسسات الدولة ورموزها. هذه التعديلات ستعزز قدرتها على ترسيخ القمع للمعارضة السياسية ومصادرة كل أشكال الحوار المجتمعي في الجزائر».
يؤكد اعتماد هذه التعديلات المسار القمعي الذي اتخذته الحكومة الجزائرية على مدى السنوات الأربع الماضية. فبين عامي 2020 و2023، أضيفت العديد من القوانين الجديدة على الإطار التشريعي للجزائر؛ الهدف منها خنق حرية التعبير، ومصادرة الحق في التجمع وتكوين الجمعيات. ففي أبريل 2020، تم تعديل قانون العقوبات رقم 20-06 ليتضمن مادة تقضي بالسجن لمدة تصل إلى 14 عامًا لكل منظمة أو جمعية تتلقى أموالًا أجنبية دون إذن. بينما تجرم المادة 196 مكرر من القانون نفسه، بعبارات غامضة، نشر الأخبار الكاذبة دون تعريف دقيق لها. كما غيّر المرسوم الرئاسي رقم 21-08 لعام 2021 تعريف جرائم الإرهاب، وجرم كافة الإجراءات التي تهدف إلى تغيير نظام الحكم بوسائل غير دستورية. هذه القوانين تم توظيفها لترهيب وملاحقة النشطاء والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمدونين، والزج بمئات منهم في السجون. إذ يوجد حاليًا 200 شخص على الأقل يقبعون في السجون الجزائرية لمجرد ممارستهم السلمية لحقوقهم، وفقًا لنشطاء مهتمين بمراقبة ورصد عمليات اعتقال النشطاء ومحاكمتهم.
خطر زيادة القمع
تحت ستار حماية «الأمن القومي» و«المصلحة الوطنية»، تهدد تعديلات قانون العقوبات الأخيرة بزيادة القمع، القائم بالفعل، بحق الأصوات المعارضة. إذ تنطوي هذه التعديلات على عدة مصطلحات فضفاضة وغامضة التعريف، لا سيما في المادتين 63 مكرر و63 مكرر1، اللتان تعاقبان بالسجن مدى الحياة بتهمة الخيانة لتسريب معلومات تعتبر «حساسة للأمن القومي أو الدفاع أو الاقتصاد» عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي. في حين أن هذه المواد قبل التعديل كانت قد أقرت عقوبة الإعدام للجرائم فقط التي تنطوي على كشف عن معلومات الأمن القومي لدولة أجنبية أو عملائها.
يثير عدم وجود تعريف دقيق لما يشكل «أسرار الأمن القومي» مخاوف جدية بشأن إمكانية التطبيق التعسفي لهذه المواد على الصحفيين والنشطاء والمبلغين عن المخالفات. كما تضاعف المادة 96 من العقوبات المفروضة على تداول المواد التي تعتبر ضارة «بالمصلحة الوطنية»، وتوسع نطاقها لتشمل المواد السمعية والبصرية أيضًا. إلا أن عدم وجود تعريف واضح لـ«المصلحة الوطنية» يترك الأمر مفتوحًا للتفسيرات، التي يمكن أن تقيّد بشكل تعسفي المعارضة السياسية المشروعة وتحد من نشر المعلومات، على نحو يُزيد من التعدي على الحق في حرية التعبير وتداول المعلومات.
هذه المواد تتعارض أيضًا مع الالتزامات بحماية واحترام الحق في حرية التعبير، والذي يتضمن الحق العام في الوصول إلى المعلومات وتداولها، لا سيما وفقًا للمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والجزائر طرفًا فيه. وفيما نقر بحق الحكومات في تقييد نشر أنواع معينة من المعلومات، التي يمكن أن تعرض الأمن القومي لخطر جسيم، لكن الصياغات الغامضة بشكل استثنائي في هذه المواد، وغياب أي استثناء أو مبرر ينطلق من المصلحة العامة، يعزز من قدرة السلطات على مقاضاة أولئك الذين ينددون بالإجراءات الحكومية المستهجنة.
التجريم الموسع لحرية التعبير
التعديلات الأخيرة توسعت أيضا في العقوبات المرتبطة بالتحدث ضد الدولة أو مسئوليها أو الرموز أو المؤسسات. إذ تضاعف التعديلات على المادة 144 من العقوبات المفروضة في حالة «إهانة» مسئولي الدولة. بينما تقر المادتان 148 مكرر1 و149 مكرر1، جرائم جديدة تتعلق بإهانة رموز «حركة التحرير الوطني» والإساءة إلى «صورة الأجهزة الأمنية والعاملين فيها».
هذه التغيرات تشير إلى توجه مقلق نحو العقاب على انتقاد الحكومة ومسئوليها، أو انتقاد مفاهيم مجردة مثل الرموز. كما تتعارض هذه الأحكام بشكل صارخ مع المعايير الدولية التي تدعم الحق في انتقاد الشخصيات العامة والسياسية كحجر زاوية للمشاركة الديمقراطية. علاوة على ذلك، توسع المادة 75 نطاق تجريم الأفعال التي من المحتمل أن «تقوض معنويات الجيش» من خلال إضافة قوات الأمن، ما يهدد بمزيد من خنق الحوار النقدي، والتدقيق في العمليات العسكرية والأمنية.
كما يوسع تعديل المادة 175 مكرر1 نطاق التجريم ليس فقط ليشمل الأفراد الذين يتخطون المعابر الحدودية بشكل غير قانوني، ولكن أيضًا أولئك الذين قد يدعمون هذه الأعمال، بشكل مباشر أو غير مباشر. الأمر الذي قد يستتبعه مجموعة واسعة من الإجراءات والملاحقات القضائية لمقدمي المساعدة الإنسانية أو الاستشارات القانونية أو أشكال أخرى من الدعم، ويثير المخاوف بشأن تجريم أعمال التضامن أو مساعدة الأشخاص الذين يحاولون الفرار من الجزائر، هربًا من القمع. إذ يقضي التعديل بعقوبة السجن لمدة تصل خمس سنوات وغرامة بين 200,000 و500,000 دينار جزائري لأي شخص متورط بشكل مباشر أو غير مباشر في تسهيل أو محاولة تسهيل أي أعمال يمكن اعتبارها عبورًا غير قانوني للحدود. ويبدو أن هذا التعديل هو رد فعل لقضية أميرة بوراوي، إذ احتجزت السلطات الجزائرية أربعة أشخاص على الأقل بزعم مساعدتهم لها على مغادرة البلاد في فبراير 2023.
توسيع تعريف الإرهاب
وبالمثل توسع التعديل في قائمة الأعمال الإرهابية، لتشمل جريمة جديدة هي؛ «توفير الموارد المالية والاقتصادية لأولئك المدرجين في القائمة الوطنية للأشخاص والكيانات الإرهابية». وبالنظر إلى التوسع في تعريف الإرهاب في يونيو 2021 ليشمل؛ محاولة اكتساب السلطة أو تغيير نظام الحكم بوسائل غير دستورية؛ فإن هذه الجريمة الجديدة تخاطر بمزيد من تجريم التضامن مع النشطاء المدرجين ظلمًا في قوائم الإرهاب بسبب نشاطهم السلمي. وقد لجأت السلطات الجزائرية بلا هوادة إلى هذه التهم المتعلقة بالإرهاب ذات الصياغة الفضفاضة لمقاضاة الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين ووصفت منظمتين سياسيتين بأنهما «إرهابيتين».
تقول القلالي: «إن التعديلات الجديدة تزيد من ترسانة القوانين القائمة في الجزائر المحتاجة لإصلاح، بما في ذلك القوانين المنظمة للحق في حرية التعبير وحرية التجمع وحرية تكوين الجمعيات، وما يسمى بالجرائم ضد الدولة».