تدين جماعات حقوقية ترحيل إسبانيا للناشط الجزائري، محمد بن حليمة، الذي يواجه مخاطر جدية بالتعذيب، والاحتجاز التعسفي، والمحاكمة الجائرة في الجزائر.
تم نشر هذا البيان أولاً على موقع مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بتاريخ 29 آذار 2022
تدين المنظمات الموقعة أدناه بشدة ترحيل إسبانيا للناشط الجزائري محمد بن حليمة، مساء 24 مارس 2022، برغم مخاطر التعذيب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي قد يواجهها في الجزائر، وتؤكد المنظمات أن ذلك الترحيل يعد انتهاكًا صارخًا للالتزامات الدولية لإسبانيا بشأن عدم الإعادة القسرية. بعدما علمت السلطات، من خلال المجتمع المدني والاستئنافات القانونية، أن السيد بن حليمة يواجه خطرًا كبيرًا بالتعرض للتعذيب والاحتجاز التعسفي والمحاكمة الجائرة في الجزائر؛ إذ تنتشر مثل هذه الانتهاكات بشكل متزايد بحق سجناء الرأي والنشطاء السلميين.
محمد بن حليمة هو مواطن جزائري وعريف سابق في الجيش، وقد أصبح منذ 2019، مُبلّغًا عن الفساد بين كبار المسئولين العسكريين الجزائريين. واضطر الناشط لمغادرة الجزائر بعد تلقيه معلومات تفيد إدراج اسمه ضمن قائمة بأسماء مسئولين عسكريين مطلوبين ومعرضين لخطر الاحتجاز من جانب الجيش الجزائري لمشاركتهم في احتجاجات «الحراك»، وهي حركة احتجاج جماهيري مناصرة للديمقراطية.
كان بن حليمة قد قدم التماسًا باللجوء في إسبانيا في 18 فبراير 2020، وفي 18 مارس 2022، وفي كلتا الحالتين، رفضت إسبانيا اللجوء. وفي 14 مارس 2022، فتحت السلطات الإسبانية ملفًا إداريًا لطرده بزعم انتهاكه للمادة (54-1-أ) من قانون الهجرة (4/2000)، مدعيةً مشاركته في «أنشطة منافية للأمن العام أو يمكن أن تضر بالعلاقات الإسبانية مع دول أجنبية».
بررت السلطات الإسبانية فتح ملف طرد لابن حليمة بناءً على الارتباط المزعوم بجماعة المعارضة السياسية «رشاد»، والتي صنفتها الجزائر كجماعة إرهابية في 6 فبراير 2022. [1] وادعت السلطات الإسبانية أن هدف «رشاد» كان تسلّل الشباب المتطرف إلى المجتمع الجزائري لتأجيج الاحتجاج على الحكومة الجزائرية، وخلصت إلى أن الناشط كان عضوًا في جماعة إرهابية.
في الوقت ذاته، لم تقدم السلطات أي دليل على خطاب أو عمل عنيف أو أي إجراء آخر مارسه الناشط ويندرج تحت تعريف الإرهاب، بما يتماشى مع الاتفاقية التي اقترحها مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب.[2] ويبدو أن السلطات الإسبانية تجاهلت الممارسات التي دأبت عليها السلطات الجزائرية منذ أبريل 2021، وتتضمن توجيه اتهامات وهمية تتعلق بأمن الدولة والإرهاب للنشطاء المسالمين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين. وفي 27 ديسمبر 2021، حذرت الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة[3] من أن تعريف الإرهاب في قانون العقوبات الجزائري غير دقيق بالمرة، ويقوض الحقوق الأساسية. كما أشارت الإجراءات الخاصة لأن إجراءات التسجيل في القائمة الوطنية للإرهابيين لا تمتثل للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، معربةً عن قلقها من تسبب تلك الإجراءات في حدوث انتهاكات.
وفي 21 مارس 2022، قدمت مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين تقريرًا غير علني إلى الحكومة الإسبانية ينص على أنه يجب دراسة طلب اللجوء المقدم من السيد بن حليمة بدقة في سياق إجراء منتظم وعدم رفضه بشكل متسرع، مؤكدةً أن خوف بن حليمة من التعذيب له من الدلائل ما يؤيده، وأن تجريم الجزائر للمعارضة السلمية معترف به دوليًا.
في 24 مارس، حوالي الساعة السابعة مساءً، أُخطر محامو السيد بن حليمة بقرار الطرد، الأمر الذي دفعهم لتقديم طلب فوري إلى المحكمة الوطنية الإسبانية لاتخاذ إجراء مؤقت لوقف التنفيذ. وبينما رُفض هذا الطلب؛ اتضح لاحقًا أن الناشط كان في طريقه للجزائر بالفعل في ذلك الوقت.
لاحقًا في 27 مارس، ظهر بن حليمة في فيديو بثته قناة النهار، «اعترف» فيه بارتكاب جرائم تآمر ضد الدولة، وأعلن أنه لم يعامل بشكل سيء أثناء احتجازه. رغم ذلك، فإن المنظمات الموقعة أدناه تشكك في مصداقية مثل هذه الاعترافات، التي قد تكون نتيجة الإكراه. بالإضافة إلى ذلك، نشر بن حليمة بنفسه مقطع فيديو من مركز احتجاز في فالنسيا، قبيل ترحيله إلى الجزائر، يحذر فيه من أن مقاطع الفيديو من هذا القبيل لن تكون حقيقية، وأنها ستظهر «تعرضه لتعذيب شديد على أيدي أجهزة المخابرات».
وفي يناير ومارس 2021، حكم على بن حليمة غيابيًا في الجزائر بالسجن لمدة 20 سنة، بعدة تهم من بينها «المشاركة في جماعة إرهابية» و«نشر أخبار زائفة تقوض الوحدة الوطنية» بموجب المواد «87 مكرر 3 من قانون العقوبات» و«196 مكرر» على التوالي. وتذكر المنظمات الموقعة بأن السلطات الجزائرية قد استخدمت مرارًا وتكرارًا الصياغة الفضفاضة لهاتين المادتين في سبيل تجريم الحريات الأساسية. وفي أحد الحكمين الصادرين بحق بن حليمة، في 9 مارس 2021، حكم أحد القضاة على بن حليمة بالسجن 10 سنوات بسبب منشوراته على الإنترنت، ومن بينها أشرطة الفيديو التي تكشف الفساد في الجيش، والذي يعد أحد أشكال التعبير السلمي عن الرأي، والمحمي بموجب الحق في حرية التعبير.
في السياق ذاته، تحججت السلطات الإسبانية في قرارها لطرد بن حليمة بعلاقته الوثيقة مع محمد عبد الله، وهو جزائري آخر مبلغ عن الفساد، وعضو سابق في الجيش الجزائري، والذي التمس أيضًا اللجوء في إسبانيا في أبريل 2019، وأعيد قسريًا في 21 أغسطس 2021 باستخدام المادة نفسها من القانون نفسه، وفي ظروف مماثلة وللدوافع ذاتها.
وفي 2 يناير 2022، صرح محمد عبد الله، المحتجز حاليًا في سجن البليدة العسكري، أثناء إحدى جلسات محاكمته، بتعرضه لأشكال مختلفة من التعذيب وسوء المعاملة عند عودته إلى الجزائر، بما في ذلك الاعتداء الجسدي والحبس الانفرادي المطول في زنزانة خالية من الإضاءة، وفقًا لشاهد حضر الجلسة، كما حُرم من الوصول إلى محام.
ورغم أوجه التشابه القوية بين كلتا الحالتين، الأمر الذي يوفر سابقة مقنعة حول الخطر الفعلي لتعذيب وسوء معاملة النشطاء والمبلغين عن الفساد في الجزائر، لا سيما أفراد الجيش السابقين؛ أظهرت الحكومة الإسبانية عزمها على إعادة بن حليمة قسرًا، رغم المخاطر التي تهدد سلامته الجسدية والنفسية. ويظهر هذا الأمر مدى استخفاف إسباني بالتزامات القانون الدولي الحاسمة، والتي لا ينبغي بموجبها إعادة أي شخص إلى بلد يتعرض فيه لخطر التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
إن قرار الحكومة الإسبانية بإعادة السيد بن حليمة قسرًا والقرار القضائي للمحكمة الوطنية بعدم إصدار قرار بوقف التنفيذ، يتعارضان مع المادة 3 من اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، التي صدقت عليها إسبانيا في عام 1987، والتي تنص على الحماية المطلقة من الإعادة القسرية؛ بمعنى أنه لا يمكن استبعاد أي شخص من هذه الحماية حتى لو اعتُبر أنه يشكل تهديدًا للأمن القومي وغير مؤهل للجوء.[4] وحسبما أكدت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، فإنه بمجرد إشارة الشخص إلى خطر التعرض للتعذيب، لم يعد بإمكان الدولة الطرف الاستشهاد بالاعتبارات المحلية كأسباب لتجنب هذا الالتزام،[5] موضحةً أن مثل هذه الاعتبارات تؤكد على أهمية آليات المراجعة المناسبة.[6] وأوضحت اللجنة كذلك عدم جواز استخدام الضمانات الدبلوماسية كمبرر لعدم تطبيق مبدأ عدم الإعادة القسرية.[7]
في سياق متصل، فسرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان المادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (ECHR) على أنها توفر وسيلة فعالة للحماية من جميع أشكال العودة إلى الأماكن التي توجد فيها أسباب جوهرية للاعتقاد بتعرض الشخص للتعذيب أو للمعاملة أو العقوبة اللاإنسانية أو المهينة. بالنسبة للمحكمة،[8] يسود هذا الالتزام على أي التزام بالعودة أو الطرد أو التسليم ناشئ عن التزامات دولية أو ثنائية أخرى.[9] تم إدراج المادة 3 أيضًا في المادة 15 (2) من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان باعتبارها حكمًا غير قابل للتقييد، والذي لا يترك مجالًا للقيود تحت أي ظرف من الظروف، سواءً كانت تتعلق بالسلامة أو النظام العام أو أسباب أخرى.[10]
[1] الجريدة الرسمية رقم 11 بتاريخ 27 فبراير 2022.
[2]A/HRC/16/51
[3]OL DZA 12/2021
[4] على سبيل المثال خان ضد كندا، رقم 15/1994 (رقم 1)؛ VXN وHN ضد السويد، رقم 130/1999 و131/1999 (رقم 49) الفقرة 14.3؛ دادار ضد كندا، رقم 258/2004، وثيقة الأمم المتحدة CAT / C / 35 / D / 258/2004، 23 نوفمبر 2005، الفقرتان 4.4 و8.8.
[5] عادل تبرسكي ضد فرنسا، رقم 300/2006 (رقم 49) فقرة 8.3.
[6] عجيزة ضد السويد، رقم 233/2003، وثيقة الأمم المتحدة CAT / C / 34 / D / 233/2003، 20 مايو 2005، الفقرة 13.8
[7] أبيشو ضد ألمانيا، رقم 430/2010، وثيقة الأمم المتحدة CAT / C / 50 / D / 430/2010، 21 مايو 2013، الفقرة 11.5
[8] دليل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بشأن حماية اللاجئين والجزء 2.1 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان – صحيفة وقائع حول المادة 3.
[9] المرجع نفسه، الفقرة 2.5
[10] أيرلندا ضد المملكة المتحدة، الحكم الصادر في 18 يناير 1978، المجموعة أ، رقم 25، الفقرة 162 و 163.