تعزز السلطات نفوذها بشكل علني، وتقييد حرية الإعلام، وتضيق الخناق على المجتمع المدني، مستهدفة الصحفيين والمدونين.
نشر أولًا على مركز الخليج لحقوق الإنسان.
تواجه الديمقراطية التونسية تحديات جسيمة بسبب القمع الذي تمارسه السلطات. يترقب الرأي العام والمجتمع السياسي والمدني انتفاضة شعبية سلمية تُعيد الحريات العامة وحقوق المواطنين المدنية والإنسانية إلى سابق مجدها وحيويتها، بعد انتخابات رئاسية في أكتوبر/تشرين الأول 2024، يُمثل سياقها ونتائجها وتداعياتها فرصةً أكيدةً لإحداث تغيير.
وعود “كاذبة”
نواجه مشهدية تونسية حزينة يؤطرها الترقب أمام ثلاثية مفزعة من القمع وكثرة الكلام وقلة الأفعال الجدية للسلطة الحاكمة الحالية.
لقد اختفت معظم الأحزاب السياسية المعارضة ومنظمات المجتمع المدني من المشهد بعد أن تم تهديدها بالسجن فاضطرت للصمت، وقد تم بالفعل الزج ببعض قياداتها وراء القضبان بقرارات سلطوية وليس بأحكام ٍعادلة، بعد أن واجهت تهم هلامية ومفبركة غير واضحة.
إن هذا هو ما أكدته عدد من جمعيات حقوق الإنسان والنقابات العمالية التي عانت كثيرًا من هذه التضييقيات التي طالت حتى الاتحاد العام التونسي للشغل الذي لم تجد السلطة حرجًا من التغول عليه، أما منظمات المجتمع المدني فقد تم إسكات معظمها من خلال نشر التخويف والترهيب.
بين حلاوة الأمل بغدٍ مزدهر للجميع ونغمات الوعود التي تطلقها السلطات، يظل الشعب التونسي حائرا في تدبير أموره حياته اليومية والسعي وراء لقمة العيش التي أَصبحت مشقة يومية، مع معاناة كبيرة في تحمّل رداءة الخدمات العامة من نقل وصحة وتعليم. إن هذا كله أدى إلى انشغالهم في هذه الأمور الحيوية بعيدًا عن سياسات البلاد، مما سهل الأمر على السلطات في تنفيذ سياساتها الجائرة.
حريات منهوبة واعتقالات بالجملة
تُشكّل المحاكمات السياسية المستمرة منذ 25 يوليو/تموز 2021، بحق عدد من السياسيين المعتقلين المنتمين إلى تيارات سياسية مختلفة، والذين ترتبط قضاياهم بأنشطة المعارضة وممارسة حريات التعبير والصحافة والنشر والتجمع السلمي، تقييدًا خطيرًا للحقوق والحريات.
إن من أبرز هذه القضايا قضية “التآمر على أمن الدولة”، التي طالت 40 معتقلًًا، وتضمنت شخصيات بارزة من المعارضة التونسية.
هنا فكأن التاريخ يعيد نفسه. في مطلع ستينيات القرن الماضي، اعتُقل أنصار صالح بن يوسف ووُجهت إليهم تهمة التخطيط لانقلاب واغتيال الرئيس الحبيب بورقيبة. تم تداول تقارير تفيد بأن كل هذا كان يهدف إلى إقصاء المعارضة والقضاء عليها.
تسعى الحكومة بشكل مباشر وعلني إلى مركزية السلطة، وتقييد حرية الإعلام، وخنق المجتمع المدني، بما في ذلك من خلال استهداف عدد من الصحفيين والمدونين. يأتي هذا في وقتٍ تضعف فيه ضمانات المحاكمة العادلة في البلاد، لا سيما فيما يتعلق بممارسة الحق في الدفاع القانوني، فضلًا عن غياب قضاء مستقل وعادل يفي بالحد الأدنى من المعايير الدولية للمحاكمة العادلة والإجراءات القانونية الواجبة.
وردت هذه الشكاوى في ثلاثة بيانات أصدرتها جمعية القضاة التونسيين بتاريخ 17 فبراير/شباط 2025. خُصص الأول للقضاء المدني، والثاني للقضاء الإداري، والثالث لمحكمة المحاسبات. لقد أجمعت البيانات الثلاثة على تشخيص وضع القضاء ووصفه بالكارثي. كما وصفت القضاء المالي بالقضاء المتردّي. لقد اعتبرت هذه التقارير نفسها القضاء الإداري نذير شؤم.
أمن “بلا أمان”
لقد اتسعت في الأشهر الأخيرة ظاهرة العنف المستخدم من قبل القوات الأمنية، وبصورة همجية لا إنسانية ولا عادلة تتأرجح بين سوء استخدام المنصب الأمني وأنين وصرخات وتوسل المواطن المعنَف الذي يتعرض لمثل هذا الانتهاك غير الشرعي.
بتاريخ 16 فبراير/شباط 2025، واجه المواطن الشاب عاطف الكحلاو يعنفًا شديدًا وموثقًا بالفيديو. لقد تلى ذلك عدد من الاعتداءات التي استهدفت المواطنين الآخرين الذين واجهوا نفس المصير وبتبريرات غير مقبولة من قبل وزارة الداخلية حينًا وصمتٍ في أحيان كثيرة.
أن هذا العنف المتكرر والمتجدد يتجسد في صورٍ لا تمت لحقوق الإنسان بصلة، و لا تراعى فيها أدنى المبادئ الإنسانية المكرسة في الدستور و قانون الإجراءات الجزائية. إن أخطر ما في هذه الظاهرة هو كون هذا العنف هو باسم الدولة ولصالح القوات الأمنية في ظل غياب أية إجراءات حقيقية وفعلية لمنعها من أن تصبح ممنهجة في ممارسات الأمنيين الذين يلوحون بحصانتهم المناقضة لقانون حقوق الإنسان والتي تؤسس لسياسة الإفلات من العقاب.
إن شرعنة العنف بأية وسيلة هي جريمة تتغذى من سياسات الدولة في ترسيخ الإفلات من العقاب الذي يجد أصوله من عهد الرئيس السابق زين الدين بن علي إلى أزمة 2021 التي شهدت سلسلة من الانتهاكات الخطيرة و العنف البوليسي وحتى يومنا هذا.
لقد شهدت الانتخابات الأخيرة في بداياتها ملاحقات أمنية وقضائية للمرشحين، و رفض تنفيذ أحكام القضاء الإداري، واستغلال أجهزة الدولة، وتغيير القوانين بعد انطلاق الحملة الانتخابية، وإقصاء جل المرشحين.
التوصيات
نحث السلطات في تونس على القيام بما يلي وبكل جدية ومسؤولية:
- العمل على دعم حرية التعبير والرأي والتجمع السلمي وحمايتها بما لا يدع مجالًا لارتكاب المزيد من الانتهاكات؛
- التوقف عن استخدام القضاء لاستهداف ناشطي المجتمع المدني والناشطين السياسيين والتي تحول دون بناء دولة المواطنة الحقة والمؤسسات الدستورية؛
- الدعوة للتصدي الجدي للعنف الذي تمارسه القوات الأمنية والتصدي لسياسة الإفلات من العقاب؛
- السماح للأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني القيام بنشاطاتها بكل حرية ودون قيود أو اية شروط تذكر.