في تقرير كاشف جديد، تتقصى المنظمات الحقوقية كيف أصبح التعذيب المنهجي جزءًا لا يتجزأ من نظام العدالة في البلاد منذ الاحتجاجات الشعبية في البحرين التي بدأت عام 2011، وكيف تستمر ثقافة الإفلات من العقاب.
نُشر هذا البيان لأول مرة على موقع مركز الخليج لحقوق الإنسان في 16 مارس 2021
يقدم هذا التقرير لمحة شاملة عن الطرق والوسائل المحددة التي بها يُمارَس التعذيب في البحرين، مع التركيز بشكل خاص على الفترة التي تلت الحراك الشعبي في عام 2011، والحملة العنيفة التي أعقبته. ويوثق التقرير انتشار استخدام مختلف صنوف التعذيب، بما في ذلك عصب العينين وتكبيل اليدين، والإجبار على الوقوف، والحرمان من النوم، والضرب المبرح، واستخدام أجهزة الصعق الكهربائي، والحرق بأعقاب السجائر، والضرب على أخمص القدمين، والإساءة اللفظية، والتهديد بالاغتصاب، والقيام بالاعتداء الجنسي والاغتصاب، والتعليق، والحبس الانفرادي، وتعريض المعتقلين لدرجات حرارة قصوى، وسوى ذلك من الأساليب المهينة والحاطة بالكرامة. وقد تبيَّن مركز الخليج لحقوق الإنسان كيف غدت أنماط التعذيب هذه جزءاً أصيلاً من نظام العدالة البحريني، حيث يُستخدم التعذيب لانتزاع اعترافات قسرية باتهاماتٍ غامضة وملتبسة. وكثيراً ما تُستخدم هذه الاعترافات بوصفها أدلة مقبولة كأساسٍ للتجريم في محاكماتٍ تشوبها انتهاكاتٌ جسيمة للحق في المحاكمة العادلة وفي إجراءات التقاضي السليمة.
إنَّ أي حديثٍ يتعلق بالاستخدام المنهجي للتعذيب في البحرين يظلُّ منقوصاً ما لم يتطرق أيضاً إلى فضحِ الهياكل الوطنية والدولية التي تسهل استخدام التعذيب وتعمل على إدامة مناخ إفلات مرتكبيه من العقوبة. لقد أخفقت الآليات المحلية، مثل الأمانة العامة للتظلمات بوزارة الداخلية ووحدة التحقيق الخاصة، في إجراء تحقيقات مستقلة في ادعاءات التعرض إلى التعذيب، وفي ضمان جبر الضرر وتعويض الضحايا. ولمَّا كانت الآليات المحلية التي تكفل المساءلة والانتصاف قاصرة أو منعدمة، فإنَّ التقرير ينظر في إمكانيات استخدام وسائل قانونية أخرى، من مثل الولاية القضائية الدولية للتعامل مع حالة الإفلات من العقوبة التي استمرت أمداً طويلاً، والتي تتيح لمرتكبي التعذيب في البحرين أن يرتكبوا جرائمهم دون خشية من المساءلة.
وفضلاً عما تقدَّم، فإنَّ البحث يتناول تهاون المجتمع الدولي ، بل تواطؤه في بعض الظروف، على تسهيل استخدام التعذيب لإسكات الأصوات المعارضة، بما فيها أصوات المدافعين عن حقوق الإنسان، والناشطين السياسيين، والناشطين على الإنترنت، والصحافيين، والمحامين، والزعماء الدينيين. وعلى وجه التحديد، فإنَّ التقرير يلقي الضوء على الدور الرئيسي للمملكة المتحدة (يُذكر هنا أن البحرين كانت محمية بريطانية من عام 1880 إلى 1971) في مواصلة تزويد البحرين بالسلاح وبرمجيات التجسس والتدريب العسكري. ويبحث التقرير في قانونية هذا الدعم بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والتزامات الدول الأطراف في ترتيب فاسينار فيما يتعلق بتقييد تصدير التكنولوجيا أو تقديم الدعم التقني إذا كانت ثمة إمكانية لاستخدامهما في ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان.
منهج التقرير
بينما تحل الذكرى العاشرة للحركة الشعبية التي شهدها عام 2011 ويستذكر المدافعون عن حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية والمجتمع الدولي وقائعها، فإنَّ اهتمامنا الجمعي يتجه بطبيعة الحال إلى التأمل في ما صارت إليه حالة حقوق الإنسان في البحرين منذئذٍ. ويركز هذا التقرير بشكل خاص على أنماط التعذيب، ويبين مركزية ممارسة التعذيب في الإبقاء على الأسلوب السلطوي في الحكم وما له من أثرٍ مفزع على احترام حقوق الإنسان وحمايتها في البحرين.
ويأخذ هذا التحليل لأنماط التعذيب في الحُسبان التزامات البحرين القانونية بموجب التشريعات المحلية والقانون الدولي، بدءاً بالنتائج والتوصيات الواردة في تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق (سيُشار إليها اختصاراً باللجنة المستقلة)، الذي نُشر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011. ويحدد التقرير الأنماط الرئيسية للتعذيب في البحرين استناداً إلى شهادات سرية أدلى بها عدد من الناجين إلى مركز الخليج لحقوق الإنسان، فضلاً عن التقارير والمناشدات العاجلة الصادرة عن منظمات حقوقية بشأن قضايا محددة، بما في ذلك مركز البحرين لحقوق الإنسان، ومنظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، ومعهد البحرين للحقوق والديمقراطية، ومنظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين.
وينظر القسم الأخير من التقرير في سُبُل إنهاء حالة الإفلات من العقوبة التي يحظى بها مرتكبو التعذيب في البحرين، وذلك على الصعيدين المحلي والدولي. ويُؤمَّل أن يكون ما تضمَّنه التقرير من تَحَرٍّ للوسائل القانونية الممكنة لضمان المساءلة عن ارتكاب التعذيب في البحرين علامة نافعة للناجين ومنظمات حقوق الإنسان والمحامين والمجتمع الدولي في مساعيهم لضمان أن يواجه مرتكبو هذه الجرائم العدالة لا محالة.
المُقدِّمة
في كانون الثاني/ يناير 2011، وعلى وقع المظاهرات الحاشدة التي شهدتها كل من تونس ومصر، تصاعدت الدعوات إلى احتجاجات مماثلة للمطالبة بالإصلاح الديمقراطي والاقتصادي والاجتماعي في البحرين. وقد كان موقعا فيسبوك وتويتر أهم المنابر التي بواسطتها نظَّم البحرينيون أعمالهم الجماعية ونسقوها. وطوال شهر، نشأ مجتمع على الإنترنت وقد ائتلف تحت شعار “شباب ثورة 14 فبراير”. وفي أوائل شباط/فبراير 2011، أصدر ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير بياناً دعا فيه إلى تنظيم مظاهرات يومَي 14 و 15 شباط/فبراير بمناسبة حلول الذكرى العاشرة للاستفتاء على ميثاق العمل الوطني والذكرى التاسعة لإقرار دستور عام 2001. وكان الهدف من المظاهرات هو الدعوة إلى “التغيير والإصلاحات الجذرية في نظام الحكم والإدارة في البحرين، والتي كان غيابها من اسباب التوتر المستمر في العلاقة بين الشعب والنظام”. ويُقدَّر أنَّه من بين عدد السكان الذي يزيد قليلاً عن مليون نسمة، شارك نحو مئة ألف بحريني في مظاهرات شباط/ فبراير 2011، الأمر الذي يعني أن الحركة الشعبية في البحرين، إذا ما قيست بنسبة المشاركين فيها إلى عدد السكان، كانت الأكبر من بين مظاهرات الربيع العربي.
غير أنَّ هذا الحِراك الديمقراطي الضخم المطالب بالإصلاح قوبل بالقمع الوحشي من قبل السلطات البحرينية. في 18 آذار/مارس 2011، حظرت حكومة البحرين المظاهرات والاحتجاجات، وشنَّت حملة اعتقالات جماعية، مصحوبة بإساءة المعاملة وتعذيب السجناء. وقد أفضت هذه الحملة العنيفة التي أعقبت الحركة الشعبية في عام 2011 إلى حقبة من الحكم الاستبدادي الذي ازداد تسلُّطاً في ما غدا دولةً بوليسية بحكم الواقع، لا تزال ممتدة إلى يومنا هذا.
في أعقاب الحركة الشعبية التي شهدها شباط/ فبراير من عام 2011، أنشأ الملك حمد بن عيسى آل خليفة اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، بالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان. وتألَّفت اللجنة من خبراء دوليين مستقلين كانت مهمتهم التحقيق في الأحداث التي وقعت في البحرين منذ شباط/ فبراير 2011 وإعداد تقرير عنها. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، نشرت اللجنة المستقلة ما خلصت إليه في تقريرها، الذي بيَّن أن قيام قوات الأمن العام بالاستخدام المفرط والعنيف للقوة المميتة أدى إلى وفاة العديد من المدنيين، وأن الموقوفين تعرضوا للتعذيب وغيره من أشكال إساءة المعاملة البدنية والنفسية أثناء الاحتجاز. ومن أهم ما توصَّل إليه ذلك التقرير، فيما يتصل بغايات البحث الذي يقوم به مركز الخليج لحقوق الإنسان، أنَّ استخدام التعذيب وإساءة المعاملة إنما هو ممارسة “ممنهجة”. وفضلاً عن ذلك، فقد انتهت اللجنة المستقلة إلى أن ثمة قصوراً في محاسبة المسؤولين ضمن النظام الأمني البحريني، الأمر الذي هيَّأ مناخاً مواتياً لإفلات الجُناة من العقوبة.
لتحميل النسخة الكاملة من التقرير الرجاء الضغط هنا