يسلط تقرير جديد الضوء على شهادات النشطاء البحرينيين المفرج عنهم والذين ما زالوا يواجهون عددًا لا يحصى من الانتهاكات لحرية التعبير.
نشر أولًا على أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين.
في ظل سياسة كم الأفواه التي تعتمدها البحرين تجاه مطالب الإصلاح والديمقراطية من قبل مواطنيها لأكثر من عقد من الزمن، دفع آلاف الشباب والأطفال البحريني المشارك في الحراك المطلبي الذي اندلع عام 2011، ثمنًا باهظًا من عمره خلف قضبان السجن تجاوز في بعض الأحوال مدته طول أعمارهم الفتية. وقد أكدت منظمات حقوقية دولية، من بينها منظمة العفو الدولية التي أن البحرين تنتهج حملة منظمة تقشعر لها الأبدان ضد المعارضة وتواصل تقييد حريتي التعبير والتجمع، واحتجاز سجناء بسبب ممارسة هذين الحقين، بالرغم من الوعود التي قطعتها لمراعاة حقوق الإنسان.
إن هذه الحملة المنظمة من الانتهاكات والتضييق التي يتعرض لها معتقلو الرأي في البحرين، لا تقتصر على الفترة الممتدة من لحظة اعتقالهم والتحقيق معهم ومحاكمتهم، وما يتعرضون له داخل مراكز الاحتجاز والسجون من تعذيب نفسي وجسدي، بل تمتد إلى مرحلة ما بعد الإفراج، ليعاني المفرج عنه من انتهاكات وتضييق من نوع آخر، تبدأ بتجريدهم من الحقوق المدنية ولا تنتهي بتبعات هذه الحقوق الأساسية المهدورة. من بين هذه الحقوق، الحق في العمل، الذي يضيع على معتقل الرأي، مع اشتراط السلطات عليه الحصول على مستند رسمي من عدة جهات رسمية، بما يعرف بشهادة “حسن السيرة”، وذلك للحصول على وظيفة سواء أكانت في القطاع العام أو الخاص. ولأن قوانين البحرين توسم معتقلي الرأي “بالسجين الجنائي”، فإن هذا يجعله يُعامل كالجنائيين، وبالتالي يتعرض للمماطلة أو الحرمان من شهادة حسن السيرة والسلوك، ما يضيّع عليه فرصة استعادة حياته المدنية الطبيعية بعد فترة الإفراج ويُصادر حق أساسي من حقوقه، مقيّدًا جزءًا من حريته، في مخالفة صريحة للقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء ( قواعد نيلسون مانديلا).
وتستند حكومة البحرين في مصادرة هذه الحقوق على قوانين العزل السياسي والمدني التي اعتُمِدت عام 2018، والتي تصنف السجين السياسي بأنه سجين جنائي، وبالتالي مجرّد من حقوقه المدنية. وهي إجراءات تعسفية تأتي بحسب وصف منظمات حقوقية “في صميم الحرب القانونية التي تشنّها الدولة البحرينية على النشاط السلمي لمواطنيها”. وبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش، فقد أخمدت السلطات البحرينية فعليًا المعارضة السياسية في البلاد عبر قوانين العزل السياسي والمدني التي تشنّها على النشاط السلمي لمواطنيها. كما وسّعت الممارسات التي تقيّد الفرص الاقتصادية لأعضاء المعارضة والسجناء السابقين من خلال التأخير أو الحرمان الروتيني من “شهادة حسن السيرة”، فيما لا توفّر القوانين للأفراد المستهدفين أيّ وسيلة للطعن أو التماس الانتصاف بشأن المنع.
نستعرض في هذا التقرير شهادات لنشطاء بحرينيين كانوا سجناء سياسيين، ورغم انتهاء محكوميتهم، واستيفاء جميع الشروط القانونية، إلا أنهم لا يزالون محرومين من حقهم في العمل، بموجب قانون العقوبات المدنية التي تجرم “حرية التعبير” ويحوّل السجين السياسي إلى سجين جنائي تنتزع منه حقوقه الأساسية. ونسلط الضوء على قضايا عدد من السجناء السياسيين الذين تتواصل الانتهاكات الممارسة بحقهم من خلال الإجراءات التعسفية السارية عليهم، ومن بينهم الأستاذ علي مهنا، الناشطة نجاح يوسف، والسجين السياسي علي حاجي.
ارتدادات قانون العزل على المعارضين والنشطاء السياسيين
بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية عام 2018، صدر القانون رقم 25، المعروف بقانون العزل السياسي، والقانون رقم 36، المعروف بقانون العزل المدني، والذي منع بموجبه أعضاء المعارضة السياسية سابقًا من الترشح أو العمل كأعضاء في مجالس إدارة المنظمات المدنيّة مما أدى إلى خنق الأصوات المعارضة وتكميم الأفواه. وبالتالي فإن التكتيكات الحكومية استهدفت الشخصيات المعارضة والنشاط السياسيين، سواءً سبق وأن أدينوا أو تم العفو عنهم بتهم تعسفية تتعلق بحرية التعبير والحق في التجمع. لكن خطورة القانون أنه شمل أيضا تعطيل الحياة المدنية للأشخاص المستهدفين، إذ يقيّد الفرص الاقتصادية عليهم من خلال حرمانهم من “شهادة حسن السيرة” أو ما يعرف بـ “ورقة براءة ذمة”، وهي الوثيقة التي تشترط الجهات الحكومية وأغلب الجهات الخاصة إبرازها عند التسجيل أو التقديم لأي أمر للتمكن من ممارسة حياته المدنية كالتقدم إلى الترشح أو التصويت في أي انتخابات تجري في البلاد، وأيضا كالتقديم على وظيفة أو الالتحاق بالجامعة أو حتى التسجيل في نادٍ رياضي!
وفي البحرين تغيب القوانين التي تنظّم إصدار شهادة حسن السلوك، لتصبح وسيلة للانتقام السياسي من النشطاء والمعارضين، خاصة وأن الحصول عليها يتم عبر تقديم طلب لدى الإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية في وزارة الداخلية، التي كانت الخصم ويراد لها أن تكون الحَكم، والتي تشترط عملية تدقيق من قبل السلطات الأمنية. ولأن معتقل الرأي هو سجين جنائي بحسب تصنيف البحرين، فهذا يعني أنك قد تحرم من الوثيقة، أو قد يرفض طلبك من دون توضيح الأسباب، أو قد تتجاهل وتماطل الجهات المعنية طلبك في أحسن الأحوال، والنتيجة في كل ذلك واحدة: الحرمان من إحدى حقوقك الأساسية. وعليه، ستحرم من حقك في العمل والدراسة وغيرها من الحقوق الأساسية كالسفر والانخراط في العمل السياسي والعمل المدني، إلى جانب حقوق أخرى، لتصبح حقوقك مسلوبة وحريتك مقيدة رغم الإفراج. وهو ما تستخدمه الحكومة في البحرين حاليًا كوسيلة انتقام دائمة من السجناء السياسيين المفرج عنهم من خلال سياسة العزل والإقصاء فضلا عن كونها تهديدًا مفتوحًا لقمع حرية الأفراد، ووسمهم بالمجرمين.
ولا توجد بيانات رسميّة عن عدد المتضررين والمستهدفين من هذه القوانين التي لا توفّر وسيلة للطعن أو التماس الانتصاف بشأن المنع، لكن التقديرات تشير إلى منع ما بين ستة آلاف و11 ألف مواطن بحريني، بأثر رجعي، من الترشح للبرلمان وعضوية مجالس الجمعيات.
تدرج في القمع والانتقام في الحرمان من العمل
عملت البحرين على سنّ قوانين تجرّم العمل الحقوقي، وتجعل من المدافعين عن حقوق الإنسان والمطالبين بالإصلاحات، مجرمين وملاحقين من قبل الجهات الأمنية. وبشكل تدريجي، سعت الحكومة لكتم الأنفاس المعارضة، فإلى جانب حل الجمعيات، واعتقال قيادات المعارضة، حرّكت القضاء نحو كل صوت معارض، ما كشف انحياز القضاء وعدم استقلاليته، وصولًا إلى تشريع قانون العزل السياسي الذي كان المسمار الأخير في نعش خنق الحريات وتجريمها. لكن ما كان أخطر من ذلك، هو ما عمدت إليه وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، إذ وسّعت تطبيق القانون منذ مطلع عام 2020، ليشمل الحقوق المدنية أيضًا، وهذا ما يعني أن الحقوق السياسية التي جرّد منها المفرج عنهم امتدت لتشمل المدنية أيضًا، بحيث بات السجناء السياسيون السابقون محرمون من “الحق في العمل” وهو الحق المكفول في القوانين والمواثيق الدولية، وهو ما يعني تشديد قبضة الإجراءات التي تحرم المفرج عنهم من استعادة حياتهم بعد مرحلة الإفراج. فقد أبلغت الحكومة المؤسسات الأهلية باشتراط التدقيق الأمني من قبل وزارة العمل، وبهذا فإن كل من يطبق عليه قانون العزل السياسي، يصبح لدى الجهات الحكومية محرومًا من فرصة الحصول على العمل في مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الأهلية وبهذا، تكون الحكومة قد ضاعفت من خناقها على الحريات العامة، لتشمل الانتقام في الجانب الاقتصادي أيضًا.
قانون العمل يخالف العهد الدولي الخاص
ينص قانون الخدمة المدنية الصادر بمرسوم بقانون رقم (48) لسنة 2010 على شروط للحصول على وظيفة في القطاع الحكومي. وينص كل من البندين الثاني و الثالث من المادة (11) لشروط التعيين، أن يكون المتقدم للوظيفة محمود السيرة حسن السمعة وألا يكون قد سبق “الحكم عليه بعقوبة جناية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة ما لم يكن قد رُدَّ إليه اعتباره”. كذلك تنص النقطة (و) من المادة (25) أنه من أسباب انتهاء الخدمة المدنية “الحكم النهائي بعقوبة جناية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، ويكون الفصل جوازيًا للسلطة المختصة إذا كان الحكم مع وقف التنفيذ وذلك بعد موافقة الديوان”.
ولا تختلف إجراءات الحصول على وظيفة في القطاع الحكومي، عن تلك الواجب توفرها في حال التقديم على وظيفة في القطاع الخاص. إذ تنص المادة (83) من قانون العمل الجديد لسنة 2012، على أن “كل عامل يحبس احتياطيًا يوقف عن عمله بقوة القانون ويحرم من أجره مدة حبسه”، ويحق لصاحب العمل “إنهاء عقد العمل إذا توافرت الشروط الأخرى للإنهاء”.
ويخالف قانون العمل البحريني العهد الدولي الخاص حول الحق في العمل الصادر عن الأمم المتحدة. فالمادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من التعليق العام رقم 18 المعتمد في 24 نوفمبر 2005، ينص على أن “الدول الأطراف مُلزمة بمراعاة الحق في العمل عن طريق جملة أمور من بينها عدم حرمان أحد من الحق في تكافؤ الفرص في الحصول على عمل لائق أو تقييد هذا الحق، ولا سيما بالنسبة إلى المحرومين والمهمشين من أفراد ومجموعات، وكذلك السجناء أو المحتجزين، وأفراد الأقليات والعمال المهاجرين”. وتحدد المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التزامات الدول الأطراف فيما يتعلق بحق الفرد في أن تتاح له فرصة تقلد الوظائف العامة على قدم المساواة مع غيره.
وتخالف القوانين البحرينية أيضًا القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (قواعد نيلسون مانديلا) التي توصي الإدارات والهيئات الحكومية أو الخاصة، التي تساعد الخارجين من السجن على العودة إلى احتلال مكانهم في المجتمع، أن تسعى بقدر الإمكان لجعلهم يحصلون على الوثائق وأوراق الهوية الضرورية، وعلى المسكن والعمل المناسبين، وعلى ثياب لائقة تناسب المناخ والفصل، وأن توفر لهم من الموارد ما يكفى لوصولهم إلى وجهتهم ولتأمين أسباب العيش لهم خلال الفترة التي تلي مباشرة إطلاق سراحهم.
شهادات معتقلين
تكثر الشهادات عن معتقلين تم فصلهم عن العمل في الجهات الحكومية بسبب اعتقالهم على خلفية سياسية ومن بين هؤلاء:
- نجاح يوسف
اعتقلت نجاح يوسف في أبريل 2017 على خلفية ممارستها لحق حرية الرأي والتعبير وانتقادها على وسائل التواصل الاجتماعي استضافة البحرين لسباق الفورميلا 1 في ظل استخدام السلطة للعنف في قمع المتظاهرين السلميين واعتقالهم وقتل المواطنين. قضت المحكمة في يونيو 2018 بسجن الناشطة يوسف ثلاث سنوات بتهمة قلب وتغيير النظام السياسي والاجتماعي والترويج لجرائم إرهابية بوسيلة تسجيلات دعائية. في سبتمبر 2019 صدر رأي لمجموعة العمل التعسفي بأن اعتقال نجاح كان تعسفيًا وأن على السلطات البحرينية إطلاق سراحها وجبر الضرر ومحاسبة المسؤولين عن تعذيبها. وبعد اعتقال دام سنتين وأربعة أشهر وعلى ثر التحرك الحقوقي وضغط المجتمع الدولي، تم إطلاق سراحها بعفو ملكي في أغسطس 2019.
لكن ما تعرض له نجاح لن يقف عند اعتقالها وسجنها وتعذيبها، بل امتدت سياسة الانتقام إلى ما بعد الإفراج ففصلت من عملها، وحرمت من الحق في الحصول على وظيفة. خاطبت نجاح جهة عملها وهي هيئة تنظيم سوق العمل، التي أرسلت بدورها إفادة إنهاء الخدمة على خلفية محاكمتها في قضية تتعلق بحرية التعبير، رغم أنها ليست جريمة مخلة بالأدب أو الأمانة كما ينص قانون العمل. كما رفعت تظلمًا إلى ديوان الخدمة المدنية، وبعد مراجعات عدّة أخبروها هاتفيًا بأن فصلها عن العمل يعدّ قانونيًا ويمكنها في حال الاعتراض اللجوء للقضاء، لكن هذا يتطلب أموالًا ومصاريف مادية متواصلة لفترة من الزمن قد تطول، وهو ما حال دون لجوء نجاح إلى القضاء وذلك بسبب الوضع المادي، وهي ما زالت مفصولة ومحرومة من العمل رغم رأي فريق الأمم المتحدة المعني بالاعتقال التعسفي الذي أوصى بجبر الضرر و تعويض نجاح ماديًا ومعنويًا.
- علي مهنا
تعرض علي محسن مهنا وهو ناشط بحريني ووالد السجين السياسي حسين مهنا، إلى سلسلة اعتقالات على خلفية مشاركته في التجمعات ومظاهرات سلمية. أولها كان عام 2016، بتهمة المشاركة في تجمع غير مرخص في المنامة، ورابعها عام 2017، لمشاركته في احتجاجات الدراز. تمت محاكمة مهنا في القضيتين السابقتين، وأطلق سراحه في يناير 2018 بكفالة، فيما كانت المحاكمة، التي لم يستدع إليها وحرم حضورها، مستمرة. في أبريل 2019 صدر الحكم بحقه بالسجن لمدة عام، وفي أغسطس 2019 أطلق سراحه بعد انتهاء مدة عقوبته.
بعد الإفراج عنه، واجه عليّ مرارًا إجراءات قانونية عدّة من الاستدعاء إلى الاحتجاز كأعمال انتقامية ضد نشاطاته ومطالبته بالإفراج عن سجناء الرأي. نتيجة لنشاطه، اضطر مهنا إلى التوقيع على تعهدات متعددة خلال العام الماضي، فيما يتعلق بمشاركته في المظاهرات المطالبة بالإفراج عن سجناء الرأي، ومنشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن السجناء الذين يواجهون سوء المعاملة. ومن أبريل 2021 وحتى يناير 2022، تم استدعاؤه 12 مرة بتهم عدة، مع تغريمه بمبالغ مالية. ومنذ بداية العام 2023، وحتى نهاية سبتمبر الماضي، بلغ مجموع الاستدعاءات التي وجهت له 12 استدعاءً كلها على خلفية تهم تتعلق بحرية التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي. وتستند سلطات البحرين على مواد من قانون العقوبات البديلة لإضفاء الشرعية على انتهاكاتها من خلال اتهامات مبهمة توجهها بالتحريض وتقويض السلم العام، بما يجرّم حق الأفراد في التجمع والتعبير عن الرأي.
إضافة لذلك، حرم مهنّا من وظيفته، بموجب قوانين تستهدف الانتقام من السجناء السياسيين، إذ كان مهنا مدرّس لغة عربية ولكنه فُصل من وظيفته بعد أن تم اعتقاله أول مرة عام 2017. أقرت وزارة التربية والتعليم إنهاء خدماته، ولكونه قضى 23 عامًا في التعليم كان قرار التأمينات الاجتماعية بحقه التقاعد، وتسليمه مبلغ مالي “مكافأة نهاية الخدمة. يقول مهنّا إنه خلال اعتقال الأول الذي دام 6 أشهر تم إيقاف راتبه. وبعد الإفراج أوقف عن العمل ريثما تتخذ اللجنة في وزارة التربية قرارها في شأنه. وبعد أربعة أشهر من دون راتب، جاء الرد الشفهي بأنه مفصول بسبب ارتكابه قضية جنائية وهي التجمهر، أما الرد المكتوب، فكان كالتالي: 1) الفصل من العمل 2) عدم استحقاق الراتب التقاعدي 3) عدم احتساب آخر سنتين من العمل في الوزارة بسبب الحكم الصادر بحقه والاعتقال خلال هذه المدة 4) إعادة الرواتب التي عملها وهو محكوم 5) الاكتفاء بمنحه مكافأة تقاعدية مع اقتطاع رواتب آخر سنتين منها.
وقد انتهت الإجراءات على ذلك مع فقدانه الكثير من المميزات منها النسبة المحتسبة للراتب التقاعدي، وهو ما سبب له أزمة مالية نظرًا للالتزام في دفع القروض للبنوك، ومن بينها القرض السكني.
- علي حاجي
اعتقلت السلطات عليّ الحاجي في مايو 2013، لم تتوفّر له الحقوق القانونية لسير المحاكمة العادلة وتم الحكم عليه تعسّفيًا لمدة 10 سنوات، كابد خلالها التعذيب الذي تسبب له بكسر بالأنف، قصور بالسمع في الأذن اليسرى، تلف بالأوعية الدموية في الجهاز التناسلي، وتلف كامل بأسنان الفك السفلي.
عقب الإفراج عنه في يونيو الماضي بعد إتمام محكوميته بموجب قانون العقوبات البديلة، أعيد اعتقال علي لأيام في نوفمبر 2023، من أمام وزارة الداخلية (القلعة)، على خلفية مطالباته المشروعة بحقوقه المدنية من رفع حظر السفر عنه والحصول على ورقة براءة الذمة التي تخوله ليتمكن من ممارسة حياته المدنية بشكل طبيعي من ضمنها الحصول على العمل. وكانت النيابة العامة قد أصدرت قرارًا يفيد بأن علي أنهى أحكامه القضائية ويتعين عليه مراجعة وزارة الداخلية لاستكمال الإجراء المرتبطة بحظر السفر، ورغم المراجعات المتكررة للوزارة والوعود التي تلقاها باستكمال الإجراءات إلا الطلب قوبل بالتجاهل والمماطلة. تم إخلاء سبيل علي بكفالة مالية، مع استمرار تعطيل وزارة الداخلية إجراءاته برفع حظر السفر وتسليمه الإفادات اللازمة ليتمكن من الحصول على عمل يعتاش منه، ومن بينها إفادة براءة الذمّة.
راجع الحاجي مرات عدة نيابة تنفيذ الأحكام، وتم إعلامه أن الدعوة ضده ألغيت رسميًا وتم تنفيذ جميع الأوراق اللازمة. في ١٣ نوفمبر 2023، راجع الحاجي مكتب وزارة الداخلية في مبنى القلعة، وطالب بالاستعلام عن سبب التأخر في رفع حظر السفر والحصول على ورقة براءة الذمة رغم إرسال نيابة التنفيذ كتاب الأمر منذ تاريخ ١٢ نوفمبر. وفي اليوم التالي، راجع مكتب وزارة الداخلية واستفسر في بوابة المراجعين رقم (٣) الخارجية عن ملفه، فأخبره الموظف أن أوراقه لم تنتهي وعندها تم اعتقاله بتهمة إهانة موظف. تغيرت التهمة بحق علي 3 مرات، وبعد نفيها جميعًا، وجهت إليه تهمة دخول منطقة عسكرية، رغم أن المبنى الذي قصده مخصص للمواطنين.
وعليه، فإن ما يتعرض له الحاجي يعد انتهاكًا صارخًا لمبادئ حقوق الإنسان ويفند زيف سياسة الأبواب المفتوحة التي تدعيها السلطات، إذ يعاني ومعه العديد من المفرج عنهم من تعطيل إجراءاتهم دون مبرر، وكعقاب مستمر يحرمهم من حقوقهم المدنية.
لكن رغم الخيار القمعي وسياسة الاستهداف والانتقام وأسلوب المراوغة الذي تتبعه حكومة البحرين بشكل واضح، إلا أنها استفادت مؤخرًا من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، للترويج لما وصفته بالـ”التزامات الوطنية إزاء الإجراءات الخاصة التي تتبعها الآليات الدولية في متابعة حقوق الإنسان”.
التوصيات:
انطلاقًا مما سبق، تدعو منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين (ADHRB) حكومة البحرين إلى وقف إجراءاتها التعسفية بحق المفرج عنهم وتؤكد على التوصيات التالية:
أولًا: إلغاء قوانين العزل السياسي والمدني واستبدالها بقوانين متوافقة مع قواعد نيلسون مانديلا النموذجية لمعاملة السجناء والعهد الدولي الخاص حول الحق في العمل الصادر عن الأمم المتحدة ومعايير العمل الدولية الصادرة عن منظمة العمل الدولية، خاصة الاتفاقية رقم 111 لسنة 1958 الخاصة بعدم التمييز في الاستخدام والمهن.
ثانيًا: وضع حد للإجراءات التعسفية المتبعة من قبل وزارة الداخلية من خلال الحرمان من شهادات براءة الذمة كوسيلة للانتقام من المعارضين.
ثالثًا: تعديل المواد التي تحرم السجين السياسي المفرج عنه من الحق في الحصول على وظيفة في القطاعين الخاص والحكومي، من خلال تعديل أو إلغاء الاشتراطات الواردة في قانوني ديوان الخدمة المدنية وقانون العمل.
رابعًا: تعديل مواد قانون العقوبات لوقف استهداف الأفراد على خلفية ممارستهم لحقوقهم المشروعة في التعبير عن الرأي والتجمع السلمي المكفولين في القانون الدولي.
خامسًا: منح الأفراد الحق في الوصول إلى ما يمكنهم من تقديم طعن أو التماس الانتصاف أو الاعتراض على الإجراءات المتخذة بحقهم.
كما تدعو المنظمة حكومة البحرين إلى احترام جميع القوانين الدولية في هذا الشأن، بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، لوقف استمرار اضطهاد العمال والانتقام منهم بعد خروجهم من السجن عبر حرمانهم من حقهم في العمل والعيش الكريم، من خلال عرقلة اوراقهم وحظر سفرهم، وضمان عدم انتقالهم من سجن صغير إلى سجن كبير.