أفادت قوات الأمن العراقية بالانسحاب من ميدان الخلاني في بغداد، حيث قامت ميليشيات مجهولة بقتل المتظاهرين في وقت سابق من هذا الشهر.
تم نشر هذا المقا أولاً على موقع منظمة هيومن رايتس ووتش بتاريخ 17 كانون الأول 2019
قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن قوات مسلحة غير محددة، بالتعاون على ما يبدو مع قوات الأمن الوطنية والمحلية العراقية، نفّذت سلسلة من عمليات القتل الوحشية في منطقة الاحتجاج الرئيسية ببغداد في 6 ديسمبر/كانون الأول 2019. تشير التقديرات إلى سقوط ما بين 29 و80 قتيلا و137 جريحا. قُطعت الكهرباء عن المنطقة خلال الهجوم، ما جعل من الصعب على المتظاهرين تحديد هوية القَتَلة والفرار إلى بر الأمان. انسحبت الشرطة والقوات العسكرية عندما بدأت الميليشيا مجهولة الهوية، التي ارتدى بعض عناصرها زيا موحدا، بإطلاق النار.
تأتي عمليات القتل هذه بعد ثلاثة أشهر من الاحتجاجات في بغداد وجنوب العراق، والتي وصل عدد القتلى فيها إلى 511، وفقا لوزارة الصحة. بالنظر إلى مستوى عمليات القتل غير القانوني التي ترتكبها قوات الدولة، على دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإيران، التي تقدم تدريبات إلى قوات الجيش والشرطة وتدعمها، أن توقف هذه المساعدات إلى أن تتخذ السلطات إجراءات فعالة لوقف أعمال القتل غير القانونية بحق المتظاهرين، منها مساءلة المعتدين. يجب أن يعقد “مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة” في جنيف جلسة خاصة بشأن قتل المتظاهرين في العراق.
قالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “لا يمكن للولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإيران أن تتصرف بازدواجية، فتدعو الحكومة العراقية إلى احترام حقوق المحتجين وتدعم القوات العراقية التي تقتل المتظاهرين أو تقف متفرجة. مع استمرار قتل المتظاهرين يوما بعد يوم، على هذه الدول إنهاء الدعم”.
قال خمسة شهود على عمليات القتل لـ هيومن رايتس ووتش عبر الهاتف إنه في 6 ديسمبر/كانون الأول كان هناك حوالي ألف متظاهر في ساحة الخلاني ببغداد، على بعد 600 متر شمال ميدان التحرير، في مرآب السنك المكون من خمسة طوابق قبالة ساحة الخلاني، الذي شغلوه منذ 16 نوفمبر/تشرين الثاني. حوالي الساعة 7:30 مساء، قالوا إنهم رأوا سبع شاحنات “بيك آب” تسرع إلى ساحة الخلاني ثم تتباطأ، وبينما كانت المركبات تسير ببطء في الميدان، فتح مسلحون يرتدون زيا أسود عاديا ولباسا مدنيا النيران من بنادق “كلاشنيكوف” (AK-47) ومدافع رشاشة من طراز “بي كي”(PK) فوق المتظاهرين، قبل إنزال الرشاشات وإطلاق النار عليهم مباشرة. في ذلك الوقت، قال الشهود إن المحتجين كانوا يتجمعون سلميا ولم يهددوا بأي أعمال عنف.
قال الشهود إنهم رأوا حوالي 20 عنصرا من الشرطة الاتحادية وقوات الأمن العراقية كانوا يحرسون نقطتَي تفتيش في الساحة يغادرون بالسيارات عند وصول المسلحين. بعد حوالي تسع ساعات، الساعة 4:30 صباح 7 ديسمبر/كانون الأول، غادر المسلحون، وفي غضون بضع دقائق، عادت قوات الأمن.
قال شهود عيان إن الكهرباء في ساحة الخلاني ومرآب السنك توقفت لمدة ساعة تقريبا مع بدء إطلاق النار، وفي ساحة التحرير لبضع دقائق، ما أدى إلى إطفاء إنارة الشوارع. قال أحدهم: “كل ما كنا نستطيع رؤيته هو ضوء الرصاص”. الكهرباء في مناطق مجاورة مباشرة للساحات لم تنقطع.
قال الشهود إنه بعد إطلاق النار على الناس في الميدان، توجه الرجال في شاحنات البيك آب إلى مرآب السنك. قال متظاهر إنه كان في الطابق الأول من المرآب مع حوالي 150 متظاهرا آخرين عندما سمع صوت إطلاق نار. ثم رأى نحو 30 رجلا بملابس مدنية يحملون السواطير والعصي يقتحمون المبنى. بعد بضع دقائق، رأى خمس شاحنات صغيرة تنسحب إلى الخارج، ويدخلها رجال يرتدون زيا أسود يحملون أسلحة. بينما كان يهرب عبر الدرج وخرج من المبنى، قال إنه رأى رجالا مسلحين يفتحون النار على المتظاهرين داخل المبنى ويطعنون الآخرين. رأى ما لا يقل عن سبعة محتجين جرحى.
قال متظاهر في الطابق الثاني إنه سمع صرخات من الطابق الأول، ورأى المسلحين يظهرون ويطعنون المحتجين الذين حاولوا الوقوف في طريقهم. قال: “رأيت كثيرا من الناس يصابون، ولكن كل ما كان يمكنني التفكير فيه هو كيف أخرج نفسي من هناك”.
المتظاهر الذي كان في الطابق الأول قال إنه عندما خرج اختبأ خلف كتلة خرسانية، وعندما نظر إلى الوراء، رأى مسلحا يرمي متظاهرا من الطابق الثالث، وآخرين يشعلون إطارات لإغلاق مخارج الطوارئ. قال شهود آخرون خارج المرآب إنهم رأوا حرائق قادمة من المرآب. قال المحتج من الطابق الأول: “ما يزال خمسة من أصدقائي مفقودين، ولا أعرف إن كانوا قد ماتوا أو احتُجزوا. رأيت المسلحين يحملون الجثث في حافلاتهم وشاحناتهم قبل ساعة واحدة من المغادرة عند 4:30 صباحا”.
قال متظاهر كان خارج المرآب إنه رأى 10 متظاهرين على الأقل يتعرضون لإطلاق النار من حوله. قال هو وطبيبان موجودان في ساحة الخلاني إنهم رأوا عربات توك توك (عربات آلية صغيرة) تُستخدم كسيارات الإسعاف حاولت ثلاث مرات الاقتراب من الجرحى لإجلائهم. في كل مرة قام مسلحون داخل المرآب بإلقاء قنابل “مولوتوف” لإيقافها. قالوا في النهاية إن مجموعة أكبر من المتظاهرين هرعوا إلى الجثث ونقلوا الجرحى.
قالت ويتسن: “هناك أدلة قوية على توكيل السلطات العراقية جهات أخرى للقيام بالعمل القذر نيابة عنها، إذ غادر عناصرها مع بدء عمليات القتل وعادوا للمساعدة في الاعتقالات. سواء وقفت القوات العراقية وسمحت لهؤلاء المسلحين بمهاجمة المحتجين أو ارتكبت جرائم القتل بنفسها، فإنها مسؤولة”.
راجعت هيومن رايتس ووتش 11 مقطع فيديو من تلك الليلة، والتي بدا أنها تدعم عديدا من جوانب شهادات الشهود.
وفقا لـ “المفوضية العليا لحقوق الانسان – العراق”، أدى الهجوم إلى مقتل تسعة محتجين على الأقل وإصابة 85 مدنيا آخرين. مع ذلك، قال مصدر طبي موثوق ببغداد، وقد رصد عدد القتلى والجرحى في مستشفيات المدينة، إنه أكد مقتل 29 شخصا على الأقل في الهجوم، بسبب الطعن وجروح الرصاص، و137 جريحا آخرين. قال رائد في السلك الطبي بالجيش لصحيفة “ذا تايمز” اللندنية إن ما يصل إلى 80 أو 85 قتلوا.
كما اعتقلت القوات المسلحة بعض المحتجين، ومكانهم مجهول. قال أحد الأطباء الحاضرين إنه رأى مسلحين يعتقلون ثلاثة متظاهرين، واحتجزوهم في خيمته الطبية ثماني ساعات، ثم أخذوهم. يبدو أن فيديو نُشر على “فيسبوك” في 8 ديسمبر/كانون الأول يظهر قيادة قوات عمليات بغداد في نفس الخيمة الطبية وهي تطلق سراح نحو ثمانية رجال مكبلي الأيدي ومعصوبي الأعين. يقول الأسرى إنهم تعرضوا للإيذاء الجسدي، ويخبرهم أحد العناصر أنهم احتجزوا من قبل “كتائب حزب الله” التابعة لـ “قوات الحشد الشعبي”، التي تخضع رسميا لسيطرة رئيس الوزراء والمرتبطة بإيران، وأن القيادة موجودة هناك لمساعدتهم.
بدأ الحادث بعد ساعات من إعلان الحكومة الأمريكية فرض عقوبات على ثلاثة من كبار أعضاء الحشد الشعبي، وهي ميليشيات تعمل تحت السيطرة الاسمية لوزارة الدفاع.
ردا على الانتهاكات السابقة ضد المحتجين، استقال رئيس الوزراء عادل عبد المهدي من منصبه في 29 نوفمبر/تشرين الثاني.
اتخذت الحكومة بعض الخطوات المحدودة نحو المساءلة، لكنها لم تبذل أي جهود جادة لتهدئة الانتهاكات ضد المحتجين. في 1 ديسمبر/كانون الأول، أدانت المحكمة الجنائية في واسط عنصرَيْ شرطة لاستخدامهما القوة المفرطة وقتل المتظاهرين، وأصدرت محاكم جنوبية أخرى أوامر اعتقال ضد عناصر في النجف وذي قار بتهمة استخدام القوة المفرطة وإصدار أوامر أدت إلى مقتل محتجين. على حد علم هيومن رايتس ووتش، لم تتخذ السلطات القضائية بعد إجراءات ضد العناصر في بغداد. مع ذلك، في 8 ديسمبر/كانون الأول، أقالت الحكومة قائد قيادة عمليات بغداد اللواء قيس المحمداوي.
تتحمل الحكومة العراقية المسؤولية الرئيسية عن حماية حق العراقيين في الحياة. ينبغي لها أن تحدد على وجه السرعة الجماعات وقوات الأمن التي شاركت في عمليات القتل هذه أو نسقتها وأن تعلن مرتكبيها. يجب أن تعوض ضحايا جميع عمليات القتل غير القانونية.
يواصل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (المعروف أيضا بـ “داعش”)، بما يشمل أستراليا وبلجيكا وكندا والدنمارك وفرنسا وهولندا وتركيا والمملكة المتحدة، دعم قوات الأمن العراقية. نادرا ما تنشر دول التحالف معايير الدعم أو المستفيدين منه. خصص “الكونغرس” الأمريكي 850 ألف دولار للبرامج الأمنية في العراق العام 2019. كما تقدم إيران الدعم إلى القوات العراقية، بما فيه لقوات الحشد الشعب، والتي يصعب تتبعها.
قالت ويتسن: “يقول شاهد تلو الآخر إن قوات الأمن الرسمية غادرت الساحة بينما كان رجال يحملون رشاشات يسرعون في إطلاق النار على المتظاهرين. يبدو أن السلطات سمحت بقطع الكهرباء، حيث أغرقت المتظاهرين بالظلام دون أن يضيء السماء أي شيء غير طلقات الرصاص”.