تعزز القضية الجهود الدولية لمواجهة الإفلات من العقاب في سوريا.
نشر أولًا على المركز السوري للإعلام وحرية التعبير.
بتاريخ 12 حزيران/يونيو 2023، أصدرت محكمة العدل الدولية البيان رقم 2023/28 والذي يتضمن إعلانًا عن الدعوى المشتركة التي تقدمت بها كندا ومملكة هولندا ضد الجمهورية العربية السورية بشأن الانتهاكات المزعومة لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. ووفقًا لمقدمي الطلب، تشمل هذه الانتهاكات التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية بما في ذلك المعاملة المقيتة للمحتجزين، الظروف اللاإنسانية في أماكن الاحتجاز، الإخفاء القسري، العنف الجنسي، العنف القائم على النوع الاجتماعي، والعنف ضد الأطفال، إضافةً إلى استخدام الأسلحة الكيميائية بهدف ترهيب السكان المدنيين ومعاقبتهم، ما سبب سقوط العديد من القتلى والجرحى ومضاعفة المعاناة الجسدية والعقلية للناجين والناجيات.
وكانت الحكومة الهولندية في 18 أيلول/سبتمبر عام 2020 قد أعلنت عن إرسال مذكرة قانونية إلى الحكومة السورية تطالبها بالرد على الادعاءات بخصوص الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ومخالفة الحظر المطلق للتعذيب بموجب الاتفاقية، ثم انضمت إليها الحكومة الكندية في 4 آذار/مارس عام 2021. وبحسب بيان صادر عن الحكومة الهولندية في آذار 2021، أعلنت الحكومة السورية عن استعدادها للحوار مع هولندا حول قرار الأخيرة التوجه إلى محكمة العدل، لكنها عادت وعرقلت مسار التفاوض ومقترح تنظيم التحكيم على النحو المنصوص عليه في اتفاقية مناهضة التعذيب. وعليه انتقلت كندا وهولندا إلى الخطوة التالية وأحالت النزاع مع سوريا إلى محكمة العدل الدولية. كما طالبت بفرض التدابير المؤقتة (التحفظية)، وذلك وفقًا لصلاحية أي دولة طرف في النظام الأساسي للمحكمة الطلب ببدء هذه الإجراءات والتي يتوجب على المحكمة النظر فيها بصفة الاستعجال.
وكان المركز السوري للإعلام وحرية التعبير قد أصدر في أيلول/سبتمبر 2020 ورقةً قانونية بعنوان (سوريا ومحكمة العدل الدولية) تضمنت إجراءاتٍ تحفظية مقترحة بالاستناد إلى سوابق قضائية أقرتها المحكمة منها:
- وقف تنفيذ كل أحكام الإعدام الصادرة عن المحاكم السورية منذ العام 2011، وخاصة تلك الصادرة عن محاكم الميدان العسكرية ومحكمة الإرهاب لأن هذه الأحكام استندت الى اعترافات انتزعت تحت التعذيب.
- تشكيل لجنة أممية من الخبراء ومنحها اختصاص التفتيش والتحقق، وذلك لضمان وقف كافة أشكال التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي تتم في مراكز الاحتجاز والسجون السورية الرسمية وغير الرسمية، وإلزام الحكومة السورية بالتصريح عن كافة مراكز الاحتجاز.
- اعتبار سوء الأوضاع داخل مراكز الاحتجاز والسجون ومنع الرعاية الصحية عن المعتقلين شكل من أشكال التعذيب، والعمل فورًا على تحسين هذه الشروط وضمان الرعاية الصحية للمعتقلين وفقًا لقواعد مانديلا.
- الطلب إلى الحكومة السورية ضمان حفظ الأدلة المتعلقة بجرائم التعذيب لدى أي جهة كانت، ومنع إتلافها أو إعاقة الوصول إليها، وخاصة تلك المتعلقة بالضحايا الذين قضوا تحت التعذيب، وبالمقابر الفردية والجماعية، وعينات الحمض النووي.
- إلزام الحكومة السورية تسليم المحكمة قوائم بأسماء المعتقلين الذين تم الحكم عليهم بالإعدام، سواء تم تنفيذ الحكم بحقهم أم لم ينفّذ، وأن تكون هذه القوائم مصحوبة بكافة الوثائق الموجودة لدى المحاكم التي أصدرت الأحكام.
- إلزام الحكومة السورية تسليم المحكمة قوائم بأسماء المعتقلين الذين قامت السلطات السورية باحتجازهم، سواء تم الإفراج عنهم أو من هم قيد الاحتجاز، وقوائم بأسماء المعتقلين الذين لقوا حتفهم أثناء الاعتقال.
- الطلب من الحكومة السورية المسارعة فورًا إلى إصدار قرارات الوقف عن العمل بحق كل من يشتبه بارتكابه جريمة التعذيب أو محاولة ممارستها أو الضلوع فيها أو التواطؤ والمشاركة في ارتكابها وإحالتهم إلى القضاء، وتقديمه إلى محاكمة علنية وعادلة (بناءً على المادة 4 من الاتفاقية)، ورفض أي تذرع بظروف استثنائية –حالة الحرب– (الفقرة 2 من المادة 2)، ورفض محاولات التذرع بأن الأوامر صادرة من موظفين أعلى أو سلطة عامة (الفقرة 3 من المادة 2).
- الطلب من الحكومة السورية وعلى وجه السرعة أن تقوم بتوفيق قوانينها مع الالتزامات المترتبة عليها بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، وإلغاء المراسيم التي تمنح الحصانة من المحاسبة لمسؤولي وعناصر أجهزة الأمن عن الجرائم المرتكبة أثناء الخدمة، وهو ما يفضي من الناحية العملية إلى استمرار عمليات التعذيب ويعزز ظاهرة الإفلات من العقاب على الجرائم التي يرتكبها أفراد أجهزة الأمن ووكالات الاستخبارات والشرطة، وإلغاء كافة المراسيم والأوامر التي تمنع محاكمتهم (المرسوم 14 لعام 1969 على سبيل المثال).
يضاف التحرك الهولندي الكندي اليوم إلى الجهود الدولية للتصدي لحالة الإفلات من العقاب في سوريا، ويشكل استجابةً ولو جزئية لمطالب ذوي الضحايا والروابط والمنظمات السورية التي تعمل على التعريف بواقع الانتهاكات في سوريا منذ عام 2011 وعلى حشد الدعم الدولي لمطالبها، كما أن التوجه المباشر إلى محكمة العدل الدولية يبعد قضية انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا عن دائر ة المصالح الوطنية والجيوسياسية الضيقة على حساب قضايا حقوق الإنسان والعدالة، ويحررها من سلطة حق النقض لروسيا والصين في مجلس الأمن والتي منعت من إحالة الملف السوري للمحكمة الجنائية الدولية.
وعلى الرغم من ذلك تجدر الإشارة إلى أن مسار التقاضي الدولي أمام محكمة العدل الدولية مسار طويل تحيط به جملة من التعقيدات، منها عدم إعلان سوريا قبولها بالاختصاص الإلزامي للمحكمة (حيث لا يكفي أن تكون الدولة طرفًا في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية للاعتراف بالاختصاص الإجباري للمحكمة ولكن يلزم إصدار إعلان خاص في هذا الخصوص)، وإشكالية التنفيذ على اعتبار أنه في حال رفضت الحكومة السورية تنفيذ الحكم طواعيةً يبقى الفيتو الروسي الصيني عائقًا أمام تنفيذه عن طريق مجلس الأمن الدولي حتى وإن كان الحكم يتمتع بقوة القضية المقضية وغير قابل لأي طريقة من طرق الطعن، وإلى هذا أشارت المادة (60) من أحكام النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، والمادة (94) من ميثاق الأمم المتحدة.
أخيرًا، يبقى عرض المسألة أمام المحكمة والاستماع إليها علنًا خطوة أساسية على طريق العدالة للسوريين، ولوقف الانتهاكات المرتكبة بحقهم، وضمان المحاسبة، وجبر الضرر، والتعويض، ومنع التكرار. إنه مسار معقد وطويل يكتمل بإنهاء معاناة السوريين وضمان حقهم بالانتصاف الفعال، ولا يمكن المضي قدمًا فيه إلا بالتأكيد على أهمية وأحقية مطلب عائلات الضحايا والمفقودين بإنشاء آلية أممية خاصة للكشف عن مصير المفقودين في سوريا، والذين في غالبيتهم عانوا من التعذيب على يد الأجهزة الأمنية السورية. وعليه يدعو المركز السوري للإعلام وحرية التعبير كافة الدول للتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح مشروع قرار إنشاء الآلية الأممية الخاصة بالكشف عن مصير المفقودين في سوريا المزمع طرحه للتصويت في شهر حزيران/يونيو 2023 في مقر الجمعية العامة بنيويورك.
ويمكن تصفح الملاحظات الهامشية الخاصة بالبيان.