يتأمل محرر آيفكس الإقليمي، نسيم الطراونة، في عام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والتي عانت أكثر من نصيبها من القصص المؤسفة، لكنه يشارك أسباب الأمل المتجذرة في عمل المجتمع المدني - المثابر، والتعاوني، والإستراتيجي - والفعال.
تُرجمت هذه المقال عن هذه النسخة الأصلية
واصل المجتمع المدني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نضاله من أجل حقوق الإنسان، في عام شددت فيه الأنظمة القمعية القيود على حرية التعبير، وقلصت من الحيز المدني؛ من تشكيل أول نقابة للصحفيين المستقلين في السودان، إلى المحاكمات الرائدة للضحايا في سوريا، بالإضافة إلى أصوات المقاومة ضد القوانين الجائرة المنبثقة من زنازين سجون مصر وشوارع إيران – كانت هذه بعض أبرز الجهود التي بذلها المجتمع المدني في المنطقة.
محاكمات تاريخية
شهد شهر يناير/كانون الثاني الماضي تقدمًا نحو تحقيق العدالة لضحايا الفظائع التي ارتكبتها الحكومة السورية. في قضية تاريخية، حكمت محكمة ألمانية في كوبلنز على العقيد السابق في المخابرات السورية، أنور رسلان، بالسجن مدى الحياة لارتكابه جرائم ضد الإنسانية؛ رسلان مرتبط بتعذيب أكثر من 4000 شخص خلال الحرب الأهلية في البلاد في عامي 2011 و2012.
جاء الحكم التاريخي للمحاكمة نتيجة سنوات من العمل الجاد التي بذلها محامو حقوق الإنسان ومجموعات المجتمع المدني، حيث كشفت شهادات 80 من شهود العيان والناجين عن حجم الفظائع في مراكز الاعتقال السورية. في نفس الوقت، شهد العام الماضي تقدما من محكمة فرانكفورت في محاكمة طبيب سوري متهم بتعذيب وقتل معارضين.
تعتبر هذه المحاكمات ذات أهمية كبيرة لأنها تمهد الطريق لمزيد من الجهود لمحاسبة السلطات السورية في المحاكم الدولية، وهي تذكير صارخ بعدد لا يحصى من الضحايا الذين اختفوا في سوريا.
منذ بداية الأزمة في عام 2011، مارست هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية ضغوطاً على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لإنشاء كيان دولي مستقل لتتبع وتحديد الأشخاص المفقودين والمختفين. في أغسطس/ آب 2022، اقترح أنطونيو غوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، في تقرير آلية لتعزيز الجهود الرامية إلى التعامل مع آلاف المحتجزين والمختفين، وتقديم الدعم للضحايا، والناجين، وأسر المفقودين.
دعا اقتراح الأمين العام، الذي أقرته لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في سوريا، الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى التحرك بسرعة في إنشاء الكيان الجديد، حيث كتب:
“تُظهر التجربة العالمية أنه كلما طال إنشاء مثل هذه الآلية، زادت صعوبة تحديد مصير ومكان وجود المفقودين والمختفين قسريًا”.
معركة البطون الخاوية
شن سجناء الرأي الذين يقبعون خلف القضبان في جميع أنحاء المنطقة عدة إضرابات جماعية عن الطعام خلال العام الماضي، في محاولة للفت الانتباه إلى اعتقالاتهم الجائرة.
بدأ 12 ناشطًا في مصر، التي تضم حوالي 60 ألف سجينًا سياسيًا، إضرابًا عن الطعام في فبراير/شباط احتجاجًا على احتجازهم السابق للمحاكمة، بالإضافة الى الإهمال الطبي في سجون البلاد. من بين هؤلاء السجناء، المدون، والناشط المؤيد للديمقراطية، عبد الرحمن طارق “موكا” الذي أفرج عنه في يونيو/حزيران، بعد أن أمضى أكثر من عامين في الحبس الاحتياطي.
أفرج عن الناشط الحقوقي، رامي شعث، في يناير/كانون ثاني 2022، بعد اعتقاله لمدة 900 يوماً؛ أعقب ذلك ترحيله من البلاد بعد إجباره على التنازل عن جنسيته المصرية. كان شعث وزوجته، سيلين ليبرون شعث، قد قدما شكوى ضد الحكومة المصرية، في ديسمبر/كانون أول، إلى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، بدعم من جماعات حقوقية، في محاولة لمحاسبة المسؤولين المصريين على الانتهاكات المرتكبة ضدهما.
في غضون ذلك، أثار إضراب الكاتب والناشط، علاء عبد الفتاح عن الطعام لمدة ستة أشهر الاهتمام الدولي بأزمة حقوق الإنسان في مصر، خلال استضافتها لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب27)، في نوفمبر/تشرين ثاني. في ذات الوقت، بدأت ثلاث صحفيات – رشا عزب، وإيمان عوف، ومنى سليم – إضرابًا عن الطعام تضامناً مع السجناء السياسيين، وقرار عبد الفتاح الشروع في إضراب كامل عن الطعام خلال الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر (كوب27)، كما نظمن اعتصامًا سلميًا لمدة أسبوع كامل داخل نقابة الصحفيين المصريين لدعوة النقابة للتدخل والدفاع عن حقوق الصحفيين المسجونين.
شن عشرات السجناء السياسيين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية إضراباً عن الطعام احتجاجاً على “الاعتقالات الإدارية” التعسفية التي تعرضوا لها دون تهمة أو محاكمة. بحسب التقارير، تم اعتقال ما لا يقل عن 800 فلسطيني على الأقل خلال العام الماضي، بموجب السياسة الإسرائيلية التي تسمح باعتقال الفلسطينيين إلى أجل غير مسمى، بناءً على “معلومات سرية” لا يتم الكشف عنها لهم أو لمحاميهم؛ كما قاوم السجناء السياسيون الاعتقالات الجائرة من خلال المقاطعة الجماعية للمحاكم العسكرية الإسرائيلية، ورفضوا المشاركة في جميع إجراءات المحكمة.
أنهى السجين السياسي، خليل عواودة إضرابه عن الطعام بعد 182 يومًا على سرير المستشفى في أغسطس/آب الماضي، بعد أن وافقت السلطات الإسرائيلية على عدم تجديد اعتقاله، الذي كان من المقرر له أن ينتهي في أكتوبر/تشرين الأول؛ ظل العواودة رهن الاعتقال عند نهاية العام.
نقابة صحفيين تاريخية
أنشأت مجموعة من الصحفيين في السودان أول نقابة مستقلة في البلاد منذ أكثر من 30 عامًا فيما أعتبر كإنجاز هائل، حيث انتخب الصحفيون مراسل الخرطوم لوكالة الأنباء الفرنسية، عبد المنعم أبو إدريس، أول رئيسٍ للنقابة. قال أبو إدريس:
“اليوم هو يوم تاريخي للنقابات العمالية؛ أنه اليوم الذي نمارس فيه حقنا الديمقراطي في ظل الحكم العسكري وبالرغم من كل القيود التي تمنعنا من القيام بذلك. أعتقد أن المهن الأخرى ستحذو حذونا “.
تمثل النقابة الجديدة خطوة إيجابية نحو الدفاع عن حرية التعبير والصحافة في بلد لا يزال فيه الإعلام والصحفيون يتعرضون للاعتداءات أثناء تغطيتهم للمظاهرات التي بدأت عقب الانقلاب العسكري في أكتوبر/تشرين أول 2021.
شهد العام الماضي حشد “لجان مقاومة” الأحياء للمتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في احتجاجات شبه أسبوعية في جميع أنحاء البلاد لمقاومة الحكم العسكري. لقي ما لا يقل عن 100 شخص مصرعهم نتيجة العنف المفرط الذي استخدمته قوات الأمن لقمع الحركة، بما في ذلك الغاز المسيل للدموع، والرصاص المطاطي، واقتحام المركبات للمتظاهرين.
كلف المدعي العام السوداني في ديسمبر/كانون الأول لجنة خاصة للتحقيق في استخدام مقذوفات الغاز المسيل للدموع بشكل غير قانوني ضد المتظاهرين، بناء على ضغوط من المحامين والأطباء السودانيين؛ في نفس الوقت، رفض المتظاهرون ومنظمات المجتمع المدني، في الشهر نفسه، اتفاقًا بين الجيش، والجماعات المسلحة، والأحزاب السياسية، وذلك بسبب إغفال إصلاحات رئيسية من شأنها إنهاء الإفلات من العقاب في البلاد.
السعي لتحقيق العدالة والمساءلة
سلط القتل الوحشي للصحفية الأمريكية الفلسطينية، شيرين أبو عاقله على يد القوات الإسرائيلية في مايو/ أيار الماضي الضوء على البيئة العنيفة التي يعمل فيها الصحفيون الفلسطينيون، وثقافة الإفلات من العقاب الإسرائيلية التي تقوم عليها. أطلق الجيش الإسرائيلي النار على صحفية الجزيرة المخضرمة وطاقمها أثناء تغطيتهم الغارات العسكرية على مخيم للاجئين في جنين.
حشد المجتمع المدني للسعي في تحقيق المساءلة في قضية اغتيال أبو عاقلة في الأشهر التي تلت ذلك؛ في كانون الأول/ ديسمبر، طلبت قناة الجزيرة رسميًا من المحكمة الجنائية الدولية (ICC) التحقيق مع المسؤولين عن مقتل الصحفية المخضرمة ومحاكمتهم. جاء الطلب بعد شهور من التحقيقات التي أجرتها الأمم المتحدة وجماعات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية والتي خلصت إلى أن أبو عاقلة أصيبت برصاص جندي إسرائيلي.
في نوفمبر/ تشرين الثاني، أعلنت الولايات المتحدة أنها بدأت تحقيقًا في مكتب التحقيقات الفيدرالي بناء على مطالب عائلة أبو عاقله بإجراء “تحقيق شامل وشفاف” من شأنه أن يكشف عن تسلسل القيادة المؤدي إلى مقتل مواطنة أمريكية.
حقوق المتظاهرين وحقوق المرأة
اجتاحت إيران موجة من الاحتجاجات منذ أن أثار القتل المأساوي لمحسا (جهينة) أميني، امرأة إيرانية كردية تبلغ من العمر 22 عامًا، على يد شرطة الآداب في البلاد، غضبًا شعبيًا. شهدت الأسابيع التي تلت ذلك مظاهرات غير مسبوقة، مناهضة للحكومة في جميع أنحاء البلاد، وقمع عنيف من قبل قوات الأمن. بحسب ما ورد، قُتل المئات، واعتقل الآلاف، وصدرت سلسلة من أحكام الإعدام في محاولة لإسكات الحركة.
في وقت مبكر، مارست جماعات حقوقية ضغوطا على الأمم المتحدة من أجل إنشاء آلية مستقلة للتحقيق، وإعداد التقارير، والمساءلة للتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان في إيران خلال الاحتجاجات.
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، أعلن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن إنشاء بعثة مستقلة لتقصي الحقائق، تم تعيين ثلاث مفوضات مكلفات بالتحقيق في رد إيران على الاحتجاجات.
بعد بضعة أسابيع، صوتت الأمم المتحدة أيضًا لاستبعاد إيران من لجنة حقوق المرأة، وهو ما أشاد به النشطاء، وقال بيان للأمم المتحدة إن النظام الإيراني “كثيرا ما يستخدم القوة المفرطة لتقويض وقمع حقوق النساء والفتيات بشكل متزايد، بما في ذلك الحق في حرية التعبير والرأي”.
كانت الجهود المتضافرة للمجتمع المدني في المنطقة في الدفاع عن حقوق الإنسان ومحاسبة الأنظمة القمعية خلال العام الماضي بمثابة تذكير فعال بتأثير العمل الجماعي سواء في الشارع أو خلف الكاميرا أو في قاعات المحاكم أو من خلف القضبان.
باختصار
إدانة موظف تويتر بتهمة التجسس على معارضين سعوديين: أدانت محكمة أمريكية أحمد أبو عمو، الموظف السابق في تويتر، في أغسطس/آب، بتهمة التجسس نيابة عن المملكة العربية السعودية، في خطوة صغيرة نحو المساءلة عن مراقبة المعارضين السعوديين. اتُهم أبو عمو ومواطنان سعوديان آخران يعملان في شركة التواصل الاجتماعي بمنح السلطات السعودية إمكانية الوصول إلى معلومات المستخدمين الخاصة بآلاف الحسابات، بما في ذلك الصحفي المقتول جمال خاشقجي، وعمر عبد العزيز، المعارض الذي يعيش في المنفى، بالإضافة إلى عبد الرحمن السدحان، العامل الإنساني المسجون الذي يقضي حاليًا 20 عامًا في السجن لإنشائه حساب ساخر مجهول على تويتر. قدمت أريج السدحان، شقيقة عبد الرحمن، شهادة أساسية للادعاء في قضية ربطت بين أبو عمو ومساعد رئيسي لولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، الذي أشرف على اعتقال وسجن النشطاء. على الرغم من عدم تمكنها من تفصيل تعذيب شقيقها، فقد سلطت شهادتها الضوء على تأثير تجسس أبو عمو على تعريض حياة المواطنين السعوديين للخطر نتيجة لذلك.
مجموعات حقوقية اقليمية تحصل على مركز استشاري في الأمم المتحدة: حصل عدد من أعضاء آيفكس على المركز الاستشاري في مجلس الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابع للأمم المتحدة (ECOSOC) في توسيع لمشاركة المجتمع المدني من المنطقة في الأمم المتحدة، بما في ذلك مركز الخليج لحقوق الإنسان، ومركز البحرين لحقوق الإنسان، والمركز العربي لتطوير وسائل التواصل الاجتماعي (حملة). يوفر الوضع الاستشاري لمنظمات المجتمع المدني المستقلة الوصول إلى المجلس، ومنصة أكبر لتضخيم عملها في مجال حقوق الإنسان.
تأبين: أخيرًا، وردت في شهر ديسمبر/ كانون الأول أخبارًا حزينة عن وفاة الصحفي والناشط، موسى الريماوي. كان الريماوي، مدير المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية، عضو آيفكس، مدافعا قويا عن حرية التعبير، وحرية الصحافة، ونضال الشعب الفلسطيني، وسوف نفتقده بشدة.