مارس/آذار ٢٠٢٣ في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: تقرير حول حرية التعبير، من إعداد نسيم الطراونة، المحرر الإقليمي في آيفكس، بالاستناد إلى تقارير أعضاء آيفكس وأخبار المنطقة.
تهديد القوانين المقيدة لعمل المجتمع المدني على أرض الواقع وعبر الإنترنت في مصر وليبيا؛ السيطرة على تقنيات المراقبة؛ الخطاب العنيف يستهدف الفلسطينيين على الشبكات الاجتماعية الإسرائيلية.
تآكل المجتمع المدني في مصر
يستمر الفضاء المدني في التقلص في مصر، حيث تسعى السلطات إلى تطبيق قانون المنظمات غير الحكومية في البلاد لعام ٢٠١٩، الذي يجبر منظمات المجتمع المدني على التسجيل لدى الحكومة أو مواجهة الإغلاق وتجميد أصولها.
أعربت جماعات حقوقية عن قلقها البالغ إزاء القيود التي يفرضها القانون على “العمل المدني” في رسالة مشتركة إلى وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، مشيرة إلى مصطلحات غامضة التعريف تسمح للسلطات بتفسيرات شاملة، وحظرِ تعسفيِ للأنشطة التي تعتبرها “سياسية” أو تفويضية ” للأمن القومي”.
حثت الجماعات الحقوقية حكومة الولايات المتحدة على متابعة خطابها القوي بشأن حقوق الإنسان، قائلة إنه بدون ضغوط دولية كبيرة، “سوف تتعرض الحقوق والحريات الأساسية للمجتمع المدني المصري لمزيد من التآكل أو الإنكار”.
تجلت الحالة المتردية للمجتمع المدني في مصر بشكل حاد في الشهر الماضي، عندما أصدرت محكمة أمن الدولة الطارئة أحكاما مطولة بالسجن على ٢٩ عضوا في التنسيقية المصرية للحقوق والحريات (ECRF)، وهي مجموعة حقوقية مستقلة. استُهدِفت المجموعة بسبب عملها في توثيق، ونشر انتهاكات حقوق الإنسان على الإنترنت، وتقديم المساعدة القانونية للمحتجزين. كان العديد من المدانين، بمن فيهم المدير التنفيذي للمجموعة، والمدافع عن حقوق الإنسان، عزت غنيم، رهن الحبس الاحتياطي المطول وغير القانوني منذ عام ٢٠١٨.
الأحكام القاسية ليست سوى مثال واحد على استمرار قمع السلطات المصرية للأصوات المعارضة. في نفس الوقت، لفتت مجموعات حقوقية الانتباه إلى قضية الشاعر المصري، جلال البحيري، الذي بدأ إضرابا عن الطعام في 5 مارس/ آذار، احتجاجا على استمرار اعتقاله التعسفي. واجه البحيري، الذي اتهم في البداية بكتابة أغنية تنتقد الحكومة، سلسلة من القضايا في محاولة لتمديد احتجازه بشكل غير قانوني، منذ اعتقاله في عام ٢٠١٨. أوضحت الجماعات الحقوقية في بيان مشترك يدعو إلى الإفراج عن الشاعر، أن البحيري حُرٍم خلال السنوات الخمسة الماضية من حقه في محاكمة عادلة، وتعرض للاختفاء القسري، والتعذيب، والإهمال الطبي الذي أدى إلى تدهور حالته الصحة.
كما يواصل المعارضون المصريون في الخارج بالتعامل مع الانتهاكات التي ترتكبها الحكومة القمعية ضدهم. كشف تقرير حديث لهيومن رايتس ووتش كيف ترفض السلطات المصرية، منهجيا، إصدار أو تجديد الوثائق الثبوتية الخاصة بعشرات المعارضين، والصحفيين، ونشطاء حقوق الإنسان الذين يعيشون في الخارج بهدف الضغط عليهم للعودة إلى الاضطهاد شبه المؤكد في مصر.
” إحدى التفاصيل الوخيمة التي كشفنا عنها في تقريرنا هي كيف تطلب بعض البعثات المصرية في الخارج، ومن ضمنها القنصلية المصرية في إسطنبول، من المواطنين تقديم تفاصيل مُسهبة وغير ضرورية، مثل الأسباب التي دفعتهم إلى مغادرة مصر وروابط لصفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، قبل تزويدهم بالخدمات. تُرسَل الاستمارات مباشرة إلى أجهزة الأمن في مصر التي تُجيز أو تمنع حصول أولئك المواطنين على هذه الخدمات.” – عمرو مجدي، باحث أولي في قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش
تمت محاكمة ثلاث من صحفيات موقع مدى مصر الإخباري المستقل في مارس/ آذار المنصرم. تمت إحالة رنا ممدوح، وسارة سيف الدين، وبيسان كساب إلى المحكمة الاقتصادية بتهمة إهانة أعضاء البرلمان، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، في قضية تستند إلى تقارير المنظمة الإخبارية عن الفساد داخل حزب مستقبل وطن الموالي للحكومة.
انضمت آيفكس إلى ٣٢ منظمة حقوقية تطالب بإسقاط جميع التهم الموجهة ضد الصحفيات، كما تطالب السلطات بإنهاء حملتها القمعية على وسائل الإعلام المستقلة.
في غضون ذلك، وفي انتصار نادر للمجتمع المدني، انتُخِب الصحفي البارز، خالد البلشي لمنصب نقيب الصحفيين في مصر، في انتخابات النقابة المستقلة في ١٧ مارس/آذار. أطلق البلشي، رئيس تحرير موقع درب الإخباري المعارض، المحجوب حاليًا في مصر، حملة انتخابية ركزت على إعادة استقلال النقابة، وتحرير صناعة الصحافة المصرية من “قبضة القوى الاحتكارية”.
مناخ الإفلات من العقاب في ليبيا وقوانين المجتمع المدني القمعية
يستمر الصراع الدائر في ليبيا في إلحاق خسائر فادحة بالفضاء المدني في البلاد وسط قيود متزايدة على الفضاء المدني، والرقابة الإعلامية، والاعتقالات التعسفية للنشطاء والصحفيين.
في تقرير حديث، خلص خبراء أمميون إلى أن قوات الأمن والجماعات المسلحة ربما ارتكبت “مجموعة واسعة من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية” ضد الليبيين والمهاجرين. يوثق التقرير النهائي للبعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا (FFM) سلسلة من الانتهاكات، تتضمن “قمع الجماعات المدنية، والاحتجاز التعسفي، والقتل، والاغتصاب، والاسترقاق، والقتل خارج نطاق القضاء، والاختفاء القسري.” يشير التقرير أيضًا إلى الكيفية التي قدم بها الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء دعمًا مباشرًا أو غير مباشر للسلطات الليبية في اعتراض المهاجرين وإعادتهم إلى مراكز الاحتجاز.
[ترجمة: أنتم الاتحاد الأوروبي. خلص تحقيق للأمم المتحدة إلى أن المهاجرين هم ضحايا جرائم ضد الإنسانية في # ليبيا، وهذه الجرائم يرتكبها خفر السواحل في #ليبيا الذين تدعمونهم. يحثكم التقرير على التوقف عن دعمهم. ماذا تفعلون؟]
تتماشى نتائج البعثة الدولية لتقصي الحقائق مع المخاوف التي أعربت عنها مجموعات حقوقية، بما فيها عضو آيفكس، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، الذي دعا إلى المساءلة لإنهاء بيئة الإفلات من العقاب على وجه السرعة. في بيان مشترك إلى الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، لفتت الجماعات الحقوقية الانتباه إلى الظروف القاسية في مراكز احتجاز المهاجرين التي تديرها ميليشيات عنيفة تعمل دون عقاب.
في ذات الوقت، حثت المنظمات الاتحاد الأوروبي إلى الضغط على السلطات الليبية لإنهاء حملتها القمعية ضد منظمات المجتمع المدني، والسماح للمنظمات الحقوقية بالدخول إلى مراكز احتجاز المهاجرين دون موافقة مسبقة من قوات الأمن. واجهت منظمات المجتمع المدني الدولية والليبية قيودًا متزايدة من قبل السلطات تقوض حقها في حرية تكوين الجمعيات.
شدد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان على الحاجة الملحة لقانون يحمي حرية تكوين الجمعيات ويمكّن هذه المجموعات من العمل، في وجه الجهود الأخيرة لاستعادة قانون قمعي من حقبة القذافي، لتنظيم منظمات المجتمع المدني في ليبيا.
في الشهر الماضي، أصدر مجلس النواب الليبي مرسومًا يسمح للجمعيات المحلية والدولية في البلاد بمواصلة العمل في ظل شرعية “مؤقتة” إلى أن تمتثل مع القانون رقم ١٩ لعام ٢٠٠١، الذي يمنح السلطات “صلاحيات واسعة للتدخل في كل جوانب وجود الجمعية تقريبًا دون إذن أو إشراف قضائي“.
[ترجمة: هذه المقالة القصيرة تجسد بشكل جيد الآثار المترتبة على تطبيق قانون رقم ١٩ لعام ٢٠٠١ من حقبة القذافي، بشأن إعادة تنظيم المنظمات غير الحكومية، كما ترغب حكومة الدبيبة والمستشار مفتاح القوي، رئيس مجلس القضاء الأعلى المعين من قبل عقيلة صالح. # ليبيا]
على خلفية تلاشي الفضاء المدني، أعرب خبراء أمميون عن قلقهم إزاء التأثير المحتمل لقانون ليبيا لمكافحة الجرائم الإلكترونية لسنة 2022 على حرية التعبير والخصوصية، مشيرين إلى أن أحكام القانون تحتوي على لغة غامضة “تشكل تهديدا جسيما” على حقوق الأفراد المقيمين داخل وخارج ليبيا.
كما دعت هيومن رايتس ووتش إلى التحرك، وحثت مجلس النواب سحب القانون القمعي، والإفراج عن أفراد مثل المغنية الشعبية أحلام اليماني والمدونة حنين العبدلي، المحتجزتين منذ فبراير/شباط لانتهاكهما قانون الجرائم الإلكترونية و “الآداب العامة”.
عدسة رقمية: السيطرة على برامج التجسس، واستمرار محنة بدوي، والخطاب العنيف على الإنترنت الذي يستهدف المجتمعات العربية والفلسطينية
دعت مجموعات حقوقية من المنطقة الحكومات التي اجتمعت، خلال الشهر الماضي، في قمة الديمقراطية لعام ٢٠٢٣ لإعطاء الأولوية للعناية الواجبة لمراعاة حقوق الإنسان في استخدامات تقنيات برامج التجسس، مشيرة إلى أن انتشار هذه التقنيات وإساءة استخدامها تشكل تهديدات خطيرة على حرية التعبير وحقوق الإنسان. استُخدمت أدوات المراقبة لرصد آلاف المنتقدين والمعارضين، لا سيما منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
حثت المجموعات الحقوقية على مزيد من الشفافية، والمساءلة، وتنفيذ الضمانات والتدابير الوقائية، كما دعت المستثمرين إلى الاعتراف بمسؤولياتهم الأخلاقية، والمعيارية، والائتمانية. علاوة على ذلك، أكدوا مجددًا على الأهمية الحاسمة لتنظيم الدول لصناعة برامج التجسس، وشددوا على أن انتشار هذه التقنيات، بما يتجاوز المعايير الدولية لحقوق الإنسان، يشكل تهديدًا مستمرًا للأمن العالمي والديمقراطية.
في غضون ذلك، في المملكة العربية السعودية، بعد عام على إطلاق سراح المدون السعودي البارز، رائف بدوي، من السجن بعد أن قضى عقوبة بالسجن لمدة ١٠ سنوات بتهمة “إهانة الإسلام”، لكنه لا يزال ممنوعًا من السفر أو التعبير عن آرائه بحرية. واصلت مؤسسة مراسلون بلا حدود دعوة السلطات السعودية إلى إنهاء محنته برفع جميع القيود التي تمنع لم شمله مع عائلته في كندا.
حسب زوجة بدوي، إنصاف حيدر، بينما استأنف بدوي ما يشبه الحياة الطبيعية داخل المملكة العربية السعودية، لكنه لم يتمكن من رؤية زوجته وأطفاله الثلاثة الذين يعيشون في ظل اللجوء السياسي في كندا منذ ما يقرب من ١٢ عامًا؛ كما أضافت لمراسلون بلا حدود: “لا يزال في السجن، والفرق الوحيد هو أنه يستطيع الآن التنقل في جميع أنحاء البلاد التي تسجنه”. يحظر على بدوي النشر على الإنترنت، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والتواصل مع وسائل الإعلام الإخبارية، مما يحد بشدة من حريته في التعبير.
في سياق آخر، زاد انتشار الخطاب العنيف والعنصري المستهدف للمجتمعات العربية والفلسطينية على شبكات التواصل الاجتماعي الإسرائيلية بنسبة ١٠٪ في عام ٢٠٢٢، حيث وصل العدد إلى ٦٨٥ ألف محادثة، بحسب تقرير صادر عن المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي (حملة) في مارس/ آذار. أظهر المؤشر السنوي للعنصرية والتحريض على مواقع التواصل الاجتماعي الإسرائيلية زيادة واضحة في نسبة الخطاب العنصري ضد العرب والفلسطينيين، والتي مثلت ما نسبته ٣٩٪ من الخطاب العنيف؛ كانت تويتر هي المنصة الأكثر شيوعًا للخطاب العنيف، حيث استحوذت على ٥١٪ من كل هذه المحادثات العنصرية.
دعت حملة شركات التواصل الاجتماعي إلى اتخاذ إجراءات لمنع انتشار مثل هذا المحتوى، مجددةً توصيتها بوضع قاموس لخطاب الكراهية باللغة العبرية لمراقبة وإدارة مثل هذا المحتوى بشكل فعال.
جديد وجدير بالملاحظة
وفي أخبار جيدة، تراجعت الفيفا – الهيئة الحاكمة لكرة القدم العالمية – عن قرارها بالشراكة مع “زوروا السعودية” في كأس العالم للسيدات ٢٠٢٣، ردًا على المخاوف المتزايدة التي أثارتها مجموعات حقوق الإنسان وكبار الرياضيين حول معاملة المملكة العربية السعودية للنساء وأفراد مجتمع الميم. في “انتصار خارج الملعب لحقوق الإنسان،” وصفت هيومن رايتس ووتش قرار الفيفا بأنه “خطوة أولى” في جهودها لدمج حقوق الإنسان.
فازت الصحفيتان الإيرانيات، نيلوفر حميدي وإيلهي محمدي بجائزة ليونز للضمير والنزاهة في الصحافة من جامعة هارفارد الشهر الماضي، “لالتزامهما الثابت بإنتاج صحافة شجاعة حول القضايا التي تؤثر على المرأة في إيران “. كانت حميدي ومحمدي من أوائل الصحفيين الذين أبلغوا عن وفاة محسا أميني، البالغة من العمر ٢٢ عامًا، على يد شرطة الآداب الإيرانية. كلاهما محتجزتان منذ أكثر من ستة أشهر بسبب عملهما الصحفي، إلى جانب عشرات الصحفيات الأخريات اللواتي غطين الاحتجاجات المناهضة للحكومة. في فبراير/ شباط، حصلت حميدي ومحمدي على جائزة الصحفيين الكنديين من أجل حرية التعبير (CJFE) الدولية لحرية الصحافة.
أخيرًا وليس آخرًا، ستنعقد النسخة السابعة من منتدى فلسطين للنشاط الرقمي الشهر المقبل في الفترة من ٢٣ إلى ٢٥ مايو/أيار. يجمع حدث هذا العام نشطاء، ومدافعين عن حقوق الإنسان، وعاملين في المجتمع المدني، وشركات التواصل الاجتماعي، وحكومات، لمناقشة تأثير السياسات التمييزية على الفلسطينيين والمجتمعات المهمشة الأخرى في جميع أنحاء العالم، واستكشاف مقترحات عملية لإنهاء التمييز الرقمي المنهجي.