أدى التعتيم على المعلومات إلى تفاقم جائحة كوفيد- 19 في مصر، نسبة لمؤسسة حرية الفكر والتعبير (AFTE). لذلك تدعو السلطات إلى الإفصاح عن المعلومات الحيوية في محاولة لمواجهة الأزمة الصحية المتزايدة.
تم نشر هذا المنشور أولاً على موقع مؤسسة حرية الفكر والتعبير بتاريح 29 كانون الأول 2020
يزداد خطر جائحة فيروس كورونا المستجد حول العالم. وفي مصر، يزيد عدم الإفصاح عن المعلومات المتعلقة بانتشار الجائحة من خطورة الأزمة. وبعد مرور أكثر من شهر على الموجة الثانية للجائحة، ازدادت معدلات الإصابة بمرض كوفيدـ19. وتشير تقارير إعلامية ومصادر طبية متنوعة إلى أن معدلات انتشار العدوى أكبر بكثير من تلك المعلنة رسميًّا، إذ تكتفي وزارة الصحة بتلك الإحصائية اليومية المقتضبة حول عدد الإصابات وحالات الوفاة وحالات التعافي.
ويواصل مسؤولون في مواقع مختلفة الإدلاء بتصريحات حول الإصابات وتحذير المواطنين، بشكل يصعب معه التفرقة بين المعلومة الرسمية وتقديرات هذا المسؤول أو ذاك. بينما لم تُخِصص السلطات المصرية موقعًا إلكترونيًّا بعينه لنشر المعلومات حول الجائحة وتحديثها باستمرار.
تؤمن مؤسسة حرية الفكر والتعبير بأن الإفصاح عن المعلومات أداة أساسية لمجابهة جائحة كورونا، حيث يسهم ذلك في زيادة وعي المواطنين وحشد قدرات القطاع الصحي والمجتمع المدني، إضافة إلى تنظيم عمل مؤسسات الدولة والقطاع الخاص في ظل تدابير مناسبة.
خلفية
منذ مارس 2020، أعلنت السلطات المصرية عن انتشار فيروس كورونا المستجد في البلاد، وشرع مجلس الوزراء في اتخاذ الإجراءات والتدابير الملائمة. وفي صيف العام الجاري، تراجعت معدلات الإصابة، وفق الإحصاءات الرسمية. وبدا أن الموجة الأولى للإصابة بمرض كوفيد-19 في طريقها إلى النهاية دون خسائر كبيرة. ساهمت هذه المعلومات في طمأنة المواطنين، وعادت المؤسسات الحكومية إلى العمل بشكل طبيعي، بعد فترة من الإغلاق الجزئي، لم تستمر سوى عدة أسابيع.
وفي نوفمبر 2020، بدأت الموجة الثانية لكورونا في مصر. وكشفت تقارير إعلامية عن عدم تناسب معدلات الإصابة المعلن عنها مع الوفيات المعلن عنها جراء الإصابة بكوفيد-19. أشارت تقارير أخرى إلى زيادة معدلات الوفاة في شهور مايو ويونيو ويوليو 2020، بمعدل 60 ألف حالة وفاة، مقارنة بتلك الفترة في سنوات سابقة. أرجع أطباء ذلك إلى عدم تسجيل حالات الوفاة الناتجة عن الإصابة بكوفيد-19، والتي لم يُجرَ لها اختبار PCR في معامل وزارة الصحة.
وازدادت الشكوك حول صحة المعلومات المعلنة عن انتشار المرض، حيث تناولت تقارير إعلامية إصابة أسر بأكملها، إضافة إلى معدلات الوفاة المرتفعة بين الأطباء، ما دفع إعلاميين إلى التحذير من خطورة الوضع. كما دعا رئيس نادي القضاة الجهات الرسمية إلى ضرورة المكاشفة. وقد سجلت مصر إجمالي عدد إصابات بلغ 131,315 حالة إصابة، بينهم 7,352 حالة وفاة، وذلك حتى 26 ديسمبر 2020.
وفي بداية الأسبوع الجاري، قالت مديرة المعامل المركزية بوزارة الصحة إنه “تم إجراء ما يقرب من 1.5 مليون تحليل (PCR) الخاص بالكشف عن فيروس كورونا فى مصر منذ بداية الجائحة وحتى الآن”، دون تفاصيل حول النطاق الجغرافي والنطاق الزمني لإجراء هذه المسحات.
التعتيم يفاقم أزمة كوفيد-19
تعاني مصر ضعفًا في قدرات القطاع الصحي وعدم الاهتمام بسياسات الصحة العامة، وقد تركت جائحة كورونا أعباء كبيرة على الأطباء والعاملين بالقطاع الصحي، في ظل ضعف القدرات والموارد المتاحة لهم للتعامل مع انتشار مرض كوفيد-19. ويؤثر التعتيم على المعلومات بشكل سلبي في عدة نواحٍ، منها بناء الوعي، حيث أن نشر معدلات إصابة محدودة يدفع المواطنين إلى عدم الاكتراث بالإجراءات الاحترازية والتباعد الاجتماعي.
وفي 17 مايو 2020، وافق البنك الدولي على تقديم 50 مليون دولار لمصر كاستجابة طارئة في إطار حزمة التمويل السريع، التي أقرها لمواجهة جائحة كورونا. أشار البيان الصادر عن البنك الدولي إلى محددات إنفاق التمويل، مثل المستلزمات الطبية وتدريب الكوادر الطبية وتوفير منصات تقديم المحتوى لتحسين الوعي بالجائحة، ولكن لم توضح السلطات المصرية أوجه الإنفاق وتأثيرها على كفاءة التدابير المتخذة لمجابهة فيروس كورونا المستجد، حتى صدور هذه الورقة.
ليس ذلك فقط، بل إن هناك تصريحات صادرة عن مسؤولين رسميين تحمل معلومات مضللة، مثل تصريحات ترى في ازدياد نسب الإصابة حصانة للمجتمع، وأخرى ترى أن ارتفاع معدلات الوفيات في مصر قد يكون ناتجًا عن وفاة أصحاب الأمراض المزمنة، الذين خشوا الذهاب إلى المستشفيات تجنبًا للإصابة بالعدوى.
شنت السلطات المصرية حملة قمعية للقبض على مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي وأطباء، بسبب كتابات تتناول وضع الجائحة أو انتقادات لسياسات الصحة العامة. تم حبس عشرات من المواطنين وعدد من الأطباء، بعد التحقيق معهم أمام نيابة أمن الدولة العليا، وخضع بعض الأطباء لتحقيقات إدارية، بسبب نشر المعلومات عن أوضاع القطاع الصحي في ظل كورونا.
وامتنعت وزارة الداخلية عن الإفصاح عن عدد الإصابات وحالات الوفاة والمسحات التي تسجلها في السجون وأماكن الاحتجاز، والتدابير المتخذة لوقاية الأشخاص المقيدة حريتهم. بينما تنظر محكمة القضاء الإداري دعوى أقامتها مؤسسة حرية الفكر والتعبير لصالح محمود شحاتة، وهو طالب مسجون بسجن المنيا شديد الحراسة، وطلبت فيها المؤسسة إطلاع ذويه على كافة المعلومات والتدابير الوقائية، التي تتخذها مصلحة السجون ووزارة الداخلية لمنع انتشار عدوى كوفيد-19 داخل السجون.
وفي 8 ديسمبر 2020، قال ريتشارد برينان، مدير الطوارئ الصحية بالمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، إن عدد الحالات اليومية المصابة بفيروس كورونا المستجد والتي تسجلها وزارة الصحة المصرية لا تُعبِّر عن العدد الحقيقي للإصابات بالبلاد. وتنتهك ممارسات السلطات المصرية الحق في حرية تداول المعلومات، الذي يكفله الدستور المصري من خلال المادة رقم (68)، والتي جاء بها: “المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمدًا”.
الإفصاح عن المعلومات شرط لمجابهة الجائحة
تساعد إتاحة المعلومات الصحيحة ونشرها على خَلْقِ وعي كافٍ بطبيعة الفيروس، ومن ثم يقلل ذلك من فرص انتشاره، ويعزز من فرص اتخاذ التدابير اللازمة للتعاطي مع الوباء. بينما تساهم المعلومات المغلوطة ونظريات المؤامرة في تفشي الوباء، ويعد حجب المعلومات الرسمية من أكثر العوامل التي تساعد على نشر المعلومات المضللة.
وفي حال أفصحت السلطات المصرية عن المعلومات، يمكن لمؤسسات الدولة أن تتخذ التدابير الصحيحة، على سبيل المثال: إغلاق مقار رسمية معينة أو منع التواصل المباشر مع الجمهور في القطاعات الأكثر تضررًا. كما يمكن للمجتمع المدني أن يوجه جهوده إلى المناطق أو الفئات الأكثر احتياجًا، والتي قد لا تصل إلى الرعاية الطبية التي تقدمها الدولة. وتساعد إتاحة المعلومات على تمكين القطاع الخاص من إجراء تقييم سليم حول شكل تواصله مع الجمهور، بما يجنبه الإخفاق في تقديم الخدمات ويقلل تفشي العدوى بين عامليه.
ويعد حرمان المواطنين من المعلومات الضرورية للحفاظ على أرواحهم انتهاكًا متعمدًا لحقوق الإنسان، يجب محاسبة المسؤولين عنه، وفي مقدمتهم رئيس مجلس الوزراء ووزيرة الصحة. وقد جاء في بيان أصدرته منظمة الصحة العالمية ومنظمات دولية أخرى: “إننا ندعو الدول الأعضاء إلى إعداد وتنفيذ خطط عمل للتصدي للوباء المعلوماتي عن طريق تعزيز إتاحة المعلومات الدقيقة القائمة على العلم والبيِّنة، في الوقت المناسب، لجميع فئات المجتمع، ولا سيما أكثرها عرضة للخطر؛ ومنع انتشار المعلومات الخاطئة والمضللة ومكافحتها مع الحرص على احترام حرية التعبير”. وتشير هذه الدعوات التي تتبناها المنظمات الدولية والتابعة للأمم المتحدة إلى أهمية الإفصاح عن المعلومات في سبيل مجابهة جائحة فيروس كورونا المستجد.
ومن ناحية أخرى، ترفض السلطات المصرية إصدار قانون تداول المعلومات، وذلك رغم انتهاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام من إعداد مسودة قانون منذ عام 2017. بقيت هذه المسودة حبيسة أدراج رئيس مجلس الوزراء، ولم تقدم إلى مجلس النواب المنتهية ولايته. ولم يناقش مجلس النواب مشروع قانون لتداول المعلومات تقدم به نائب سابق.
توصيات
تتابع مؤسسة حرية الفكر والتعبير ازدياد المخاطر المرتبطة بالموجة الثانية من كورونا، وترى أن ذلك يجب أن يشكل حافزًا للسلطات المصرية، لكي تغير من نهجها في حجب المعلومات عن المواطنين، وأن تتوسع في الإفصاح عن تفاصيل معدلات الإصابة والوفاة، والظروف المرتبطة بانتشار العدوى، وسبل تلقي العلاج. وتوجه المؤسسة إلى الجهات المعنية التوصيات الآتية:
- على وزارة الصحة أن تعلن عدد الإصابات وحالات الوفاة، المرتبطة بالإصابة بكوفيد-19، بما يشمل النطاق الجغرافي، السن، النوع الاجتماعي، التاريخ المرضي.
- يجب أن تتيح وزارة الصحة عدد المسحات (PCR)، التي يتم إجراؤها في معامل وزارة الصحة، والمعامل التابعة للهيئات الأخرى والقطاع الخاص. ويجب أن تلتزم وزارة الصحة بالإعلان عن حالات الاشتباه بالإصابة بكوفيد-19 في المستشفيات التابعة لها، في ظل تقييد إجراء المسحات على نطاق واسع.
- يجب أن تعلن وزارة الصحة المعلومات المتعلقة بمستشفيات العزل وطاقتها الاستيعابية، والإرشادات الخاصة بالعزل المنزلي.
- يجب أن توفر وزارة الداخلية المعلومات المتعلقة بعدد الإصابات وحالات الوفاة والمسحات التي تحدث في السجون وأماكن الاحتجاز، وكذلك الإعلان عن الإجراءات والتدابير المتخذة لتوفير الرعاية الصحية الملائمة للأفراد المقيدة حريتهم.
- على رئاسة مجلس الوزراء الإفصاح عن أوجه إنفاق التمويل المخصص من البنك الدولي بمبلغ 50 مليون دولار كاستجابة طارئة لمجابهة كورونا، وخصوصًا تأثيره على توافر المستلزمات الطبية، وتطوير منصات وأدوات تقديم المحتوى لتحسين الوعي العام بالوقاية من الفيروس.
- على مجلس النواب إصدار قانون تداول المعلومات في دور الانعقاد الأول له، والذي يبدأ في يناير 2021، التزامًا بنص الدستور على ضمان حرية تداول المعلومات.