يحول القانون الجيش إلى قوة شرطة في حالة اندلاع السخط الشعبي.
نشر أولًا على مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
وافق مجلس النواب المصري، يوم الأحد 28 يناير 2024، على مشروع قانون جديد بشأن تأمين وحماية مرافق الدولة العامة والحيوية. ولعل توقيت إصدار هذا التشريع، وما يتضمنه من صلاحيات أمنية واسعة للجيش، يعكس بشكل واضح سعي السلطات المصرية لتحويل قوات الجيش إلى قوات شرطية/ أمنية، تتولى قمع الاحتجاج المحتمل داخل البلاد، لا سيما في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية، وذلك من خلال توسيع نطاق صلاحيات الجيش في اعتقال المدنيين وإحالتهم للمحاكم العسكرية.
يأتي هذا القانون، بالتزامن مع تحول الجيش فعليًا إلى مؤسسة أمنية داخلية، بل ومؤسسة قضائية تتولى محاكمة المدنيين وحبسهم، كلما رأى الرئيس ذلك مناسبًا. فضلًا عن تزامن ذلك مع تصاعد السخط الشعبي وسط سقوط حر للاقتصاد وزيادة نسبة التضخم، والنقص الحاد في العملات الأجنبية، والارتفاع القياسي في الديون الخارجية.
لقد تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي مرارًا وتكرارًا علنًا عن جاهزية الجيش لمواجهة الاحتجاجات الشعبية؛ ففي إحدى خطاباته أشار الرئيس لأن الجيش لديه خطة للانتشار في جميع أنحاء مصر خلال ست ساعات. كما سبق ورفض الرئيس السيسي علنًا، أكثر من مرة، أي احتجاج محتمل أو تعبير علني عن السخط العام، واصفًا ذلك بأنه محاولات سيئة النية لتقويض الدولة وتقويض استقرارها، فضلًا عن خطابه الذي أشار فيه لإمكانية دفع أموال لملايين الأشخاص مقابل إشاعة الفوضى في الشوارع.
ويرى مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أن التوسع الأخير في صلاحيات الجيش يعزز من حالة الطوارئ القائمة بحكم الأمر الواقع في مصر؛ فبموجب المادة 200 من الدستور المعدل في 2019، يحظى الجيش بصلاحيات واسعة «لصون الدستور والديمقراطية، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد». وتمنح هذه المادة للسلطات العسكرية صلاحيات تتجاوز صلاحيات أي مؤسسة أخرى، بما في ذلك المحكمة الدستورية العليا. هذا بالإضافة لما يتمتع به الجيش بالفعل من سلطات موسعة تبيح له اعتقال المدنيين وإحالتهم للمحاكم العسكرية، استنادًا للمرسوم الرئاسي رقم 136 لعام 2014 (المعدل في 2021)، والذي ينص على أنه يجوز للقوات المسلحة مساعدة أجهزة الشرطة في تأمين المرافق العامة والحيوية، بما في ذلك الطرق العامة ومحطات الكهرباء وخطوط الغاز والسكك الحديدية. وتخضع الجرائم المرتكبة داخل هذه المرافق ضمن اختصاص المحاكم العسكرية.
هذا القانون الجديد، الذي يحل محل القانون 136 لسنة 2014 ويلغيه، لا يتضمن فقط النص الذي يسمح للجيش باعتقال المدنيين ومحاكمتهم أمام محاكم عسكرية، لكنه أضاف مادة أخرى تمنح العسكريين صلاحيات لـ«مواجهة الأفعال والتجاوزات التي من شأنها تقويض عمل المرافق العامة للدولة، أو الخدمات التي تقدمها، خاصة الجرائم التي تضر باحتياجات المجتمع الأساسية من سلع ومنتجات تموينية». كما تمنح صياغة القانون الغامضة للرئيس، أو من يفوضه، سلطة تقديرية لتحديد ما يشكل الاحتياجات المجتمعية الأساسية، وبالتالي يمنحه صلاحيات غير مقيدة لتحديد اختصاص الجيش في اعتقال المدنيين وإحالتهم للمحاكم العسكرية. ومن الجدير بالذكر أنه منذ عام 2014، حوكم آلاف المدنيين أمام محاكم عسكرية وحُرموا من الإجراءات القانونية الواجبة، وثمة 363 حالة موثقة على الأقل لانتهاكات الحق في محاكمة عادلة أمام المحاكم العسكرية.
هذا التعزيز لصلاحيات الجيش بسلطات أمنية وقضائية، يضع الجيش على مسار تصادمي في حالة اندلاع السخط الشعبي ضد السياسات الاقتصادية وسياسات العصف بحقوق الإنسان، الأمر الذي لن يؤدي سوى لتفاقم خطر عدم الاستقرار.
إن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الحالية هو الاعتراف بالأخطاء السابقة، وإنهاء احتكار الرئيس السيسي لصنع القرار، واستعادة استقلال مؤسسات الدولة، بما في ذلك مؤسسات المساءلة والرقابة، وفتح المجال العام للسماح بمشاركة المواطنين في قضايا الحوكمة التي تؤثر على حياتهم اليومية.