تطالب منظمات حقوقية من السلطات بالكشف عن الحقائق، وتدعو إلى رفع القيود عن التغطية الإعلامية في سيناء، والتي استمرت عشر سنوات.
نشر أولًا على مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
في 30 يوليو/ تموز الماضي شهد مقر الأمن الوطني بالعريش، شمال سيناء، اشتباكات مسلحة أسفرت، بحسب مصادر إعلامية، عن مقتل أربعة من عناصر الأمن على الأقل بينهم عقيد. وفيما تتضارب الروايات حول الأطراف المتورطة في الاشتباكات، وما إذا كان من بين المصابين والقتلى معتقلون مدنيون أو جهاديون؛ ما زالت السلطات المصرية تلتزم الصمت حتى الآن بشأن الواقعة. ويضاعف التعتيم الإعلامي الذي فرضته السلطات المصرية على شمال سيناء، ومنع المراقبين المستقلين والصحفيين والمراسلين من الوصول إليها، من صعوبة توفير أية معلومات موثوقة حول الاشتباكات، أو فحص أداء الحكومة المصرية فيها. أن تعمد السلطات المصرية حجب الحقيقة حول طبيعة هذه الاشتباكات يقوض حق المواطنين في المعرفة والتحقيق وتقييم حجم امتثال السلطات المصرية لدورها في تحقيق الأمن ومكافحة الإرهاب بشكل صحيح. إذ تواجه قوات الأمن المصرية، منذ عام 2013، الجهاديين في سيناء، وتتعامل مع المنطقة باعتبارها منطقة عسكرية مغلقة.
المنظمات الموقعة على هذا البيان تطالب السلطات المصرية بالكشف عن حقيقة ما حدث مؤخرًا في شمال سيناء، امتثالًا لحق المواطنين في الوصول للمعلومات، كما تطالب بسرعة وقف جميع الانتهاكات الحقوقية المرتكبة في سيناء، ورفع القيود المفروضة على وسائل الإعلام بشكل عام وفيما يتعلق بتغطية الأوضاع في سيناء بشكل خاص.
جدير بالذكر أن هذه الاشتباكات وقعت في المجمع الحكومي الرئيسي بشمال سيناء، والذي يضم مديرية الأمن، ومكتب المخابرات العامة، ودار القضاء، ومقر المحافظة. ورغم مرور 10 أيام على الواقعة، لم تعترف السلطات المصرية بعد رسميًا بوقوع الاشتباكات، ولم تتمكن معظم المنافذ الإعلامية المستقلة من الإبلاغ عنها. وفي ظل غياب المعلومات الرسمية والتقارير المستقلة انتشرت الشائعات، وتواترت التساؤلات حول حقيقة ما حدث بالفعل.
يعد غياب الشفافية حول حقيقة الأوضاع في سيناء جزءً من قيود أوسع فرضتها الحكومة المصرية على الوصول للمعلومات ووسائل الإعلام المستقلة في مصر، ليس فقط في القضايا المتعلقة بالأمن، وإنما أيضا طريقة إداراتها للأزمة الاقتصادية. إذ تجرم المادة 35 من القانون رقم 94 لسنة 2015 بشأن مكافحة الإرهاب؛ نشر أو تداول أية أخبار تتعارض مع تصريحات وزارة الدفاع بشأن هجمات المسلحين في مصر، وبالتالي احتكرت السلطات وحدها كافة المعلومات حول سيناء والوضع الأمني فيها. وفي يونيو 2020، هدد المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أعلى هيئة منظمة للإعلام، باتخاذ إجراءات قانونية بحق الصحفيين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي إذا تعارضت تقاريرهم حول سيناء مع رواية الحكومة. وبموجب المادة 94 من القانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام، يحق للمجلس حظر المحتوى الإعلامي أو الأمر بحذفه، وفقًا لمعايير غير محددة بدقة.
ويفاقم من صعوبة الوصول لمعلومات دقيقة حول الوضع في سيناء؛ القيود المفروضة منذ عام 2013 على الوصول المادي لشبه جزيرة سيناء، وخاصة لوسائل الإعلام المستقلة ومنظمات المجتمع المدني. وفي بعض الأحيان تفرض السلطات المصرية حظرًا تامًا على وصول المصريين لسيناء عن طريق البر، مكتفية باستثناءات محدودة لأولئك الذين يمكنهم إثبات محل إقامتهم أو عملهم في سيناء. كما تخضع سيناء فعليًا لحالة الطوارئ منذ ما يقرب من عقد كامل. كما تمنح المادة 53 من قانون مكافحة الإرهاب الرئيس الحق في اتخاذ تدابير للحفاظ على الأمن والنظام العام، بما في ذلك إخلاء أو عزل بعض المناطق وفرض حظر التجوال، ومهدت الطريق للقرار الجمهوري رقم 442/2021 والذي فرضت من خلاله السلطات إجراءات أمنية مشددة على سيناء.
ورغم القيود المفروضة على الوصول للمعلومات، وثقت وسائل إعلام مستقلة ومنظمات حقوقية مجموعة من الانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين في سيناء، سواء ارتكبتها قوات الأمن المصرية أو المليشيات الموالية للجيش أو الجهادين. وتتضمن هذه الجرائم؛ التهجير القسري وهدم المنازل والاعتقالات التعسفية الجماعية والتعذيب والقتل خارج نطاق القانون. كما عانى سكان سيناء من قيود شديدة على التنقل، وتعليق متكرر لخدمات الإنترنت والاتصالات. ومع ذلك، لا يمكن الكشف عن الحجم الحقيقي لانتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في سيناء في ضوء حملة السلطات القمعية على وسائل الإعلام المستقلة والمجتمع المدني، وغياب الشفافية.
أن الحق في الوصول إلى المعلومات مكفول بموجب المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المنضمة له مصر. وبحسب التعليق العام رقم 34 للجنة المعنية بحقوق الإنسان، الهيئة الأممية الرسمية المسئولة عن تفسير العهد الدولي: “يشمل الحق في الحصول على المعلومات حق وسائط الإعلام في الحصول على معلومات حول الشئون العامة، وحق الجمهور في تلقي ما تنتجه وسائط الإعلام.. ولإعمال الحق في الوصول للمعلومات، ينبغي للدول الأطراف أن تتيح للعموم بصورة استباقية معلومات حكومية ذات أهمية عامة. وينبغي للدول الأطراف أن تبذل كل الجهود لضمان الحصول على هذه المعلومات بطريقة سهلة وفورية وفعالة وعملية.” كما أن ممارسة هذا الحق قد تكون محدودة في ظروف معينة، بما في ذلك حماية أمن الدولة، ولكن يجب أن ينص القانون على هذه القيود، وأن تكون ضرورية لحماية المصالح المشروعة، ومتناسبة. وبالقطع، عقد كامل من حظر التغطية الإعلامية في سيناء لا يفي بهذه المعايير.