قالت جماعات حقوق الإنسان إن هناك حاجة لاتخاذ إجراءات دولية فورية لحماية حركة حقوق الإنسان المستقلة في مصر بعد أن هددت السلطات بحل منظمات المجتمع المدني المصرية غير المسجلة بموجب القانون القمعي.
تم نشر هذا البيان أولاً على موقع مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بتاريخ 11 كانون الثاني 2022
في ضوء المعلومات الواردة التي تفيد موافقة الحكومة على تأجيل الموعد النهائي لتوفيق أوضاع منظمات المجتمع المدني بموجب قانون الجمعيات، والمقرر في 11 يناير 2022، تكرر المنظمات الموقعة أدناه التعبير عن قلقها البالغ إزاء استمرار وبقاء منظمات المجتمع المدني المستقلة في مصر؛ في ظل التهديد الوجودي الذي يمثله قانون الجمعيات الحالي لعام 2019 ولائحته التنفيذية. وتطالب المنظمات الموقعة مجلس النواب المصري بإلغاء القانون والعمل مع المنظمات الحقوقية المستقلة لصياغة إطار تشريعي جديد يتوافق مع المعايير الدولية. وتجابه منظمات المجتمع المدني المستقلة خطر الإغلاق؛ إذا لم تمتثل للتسجيل خلال مهلة توفيق الأوضاع، الأمر الذي يحتم اتخاذ إجراءات فورية لحماية حركة حقوق الإنسان المستقلة في مصر.
ومنذ 2019، دأبت المنظمات الحقوقية المصرية والدولية على التنديد، بشكل متكرر وعلى نطاق واسع، بقانون الجمعيات المصري؛ وذلك بحكم انتهاكه للدستور المصري، وللالتزامات المصرية بموجب القانون الدولي فيما يخص احترام الحق في تكوين الجمعيات. إذ يخول هذا القانون للحكومة رفض تسجيل المنظمات المستقلة لحقوق الإنسان اعتمادًا على أسس غامضة وواهية. وفي الوقت نفسه، حظرت الحكومة كافة الأنشطة المدنية، والتي تصنفها باعتبارها أنشطة ذات طابع «سياسي» أو تنتهك «النظام العام» أو «القواعد الأخلاقية» داخل المجتمع، بينما لم تسمح في المقابل سوى بالأعمال المتصلة بــ «التنمية المجتمعية»، والتي تتماشى مع خطط الحكومة نفسها. وفي 12 سبتمبر 2021، أعلنت وزيرة التضامن الاجتماعي أنه يتعين على منظمات المجتمع المدني توفيق أوضاعها بموجب هذا القانون، قبل تاريخ 11 يناير 2022؛ لتتفادى خطر الحل.
ويتيح هذا القانون لوزارة التضامن الاجتماعي التدخل في أعمال منظمات المجتمع المدني المسجلة، وكذا في نوعية الأنشطة التي تمارسها، وحتى تمويلها. كما يسمح القانون للسلطات باقتحام مقار منظمات المجتمع المدني دون إخطار مسبق، والحق في تفتيش الوثائق، والطعن في القرارات التنظيمية، وعزل أعضاء مجالس هذه المنظمات، بالإضافة للعديد من التدابير التقييدية الأخرى. وفي واقع الأمر، يجرِّد القانون منظمات المجتمع المدني من استقلاليتها، ويمنعها من رصد انتهاكات حقوق الإنسان ومحاسبة المسئولين عن أفعالهم. فضلًا عن تقييده قدرتها على التعاون مع الهيئات المحلية أو الإقليمية أو الأجنبية، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية الدولية. كما يعتبر القانون الأصول المالية للمنظمات أموالًا عامة، ويفرض غرامات باهظة على كل منظمة تنتهك هذا القانون.
وكان خبراء الأمم المتحدة قد أعربوا عن قلقهم العميق من انتهاك قانون الجمعيات الأهلية المصري للمعايير الأساسية لحقوق الإنسان، وتقويضه قدرة المجتمع المدني على العمل بصورة مستقلة.
ويمثل شرط تسجيل منظمات المجتمع المدني، بموجب هذا القانون المستبد، حلقة جديدة في الحملة واسعة النطاق التي تشنها السلطات المصرية على حركة حقوق الإنسان؛ إذ تواصل السلطات احتجازها التعسفي للمدافعين عن حقوق الإنسان والعاملين في المجتمع المدني، في ظروف احتجاز مزرية وفظيعة، وتُخضِع آخرين للمحاكمات الجائرة، بما في ذلك محاكم الطوارئ. وبالإضافة لذلك، يتواصل التحقيق الجنائي في أنشطة المنظمات غير الحكومية وتمويلها (أو ما يعرف بالقضية رقم 173)، رغم مرور عقدٍ من الزمن. في الوقت نفسه، ورغم إسقاط السلطات التحقيقات بشأن 10 منظمات، إلا أن مديري هذه المنظمات وموظفيها لا يزالون ممنوعون من السفر، إلى جانب استمرار تجميد أصولهم المالية. وهي القيود ذاتها التي تواجه المدافعين الأخرين الذي لا يزالون قيد التحقيق.
وتضم قائمة المدافعين عن حقوق الإنسان المستهدفين بسبب عملهم في المجال الحقوقي: حسام بهجت، مؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومديرها التنفيذي؛ عايدة سيف الدولة وماجدة عدلي وسوزان فياض، وهن مؤسسات مركز النديم لتأهيل ضحايا التعذيب؛ جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان؛ محمد زارع، مدير مكتب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في مصر. وفي وقت سابق، حُكم غيابيًا على بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بالسجن 18 عامًا؛ انتقامًا لأنشطته في مجال حقوق الإنسان. بينما يمثل عزت غنيم، مدير التنسيقية المصرية للحقوق والحريات؛ وهدى عبد المنعم، وهي محامية متخصصة في مجال حقوق الإنسان، أمام محكمة الطوارئ. ومؤخرًا في 20 ديسمبر 2021، أصدرت محكمة طوارئ حكمًا بالسجن 4 سنوات بحق محمد الباقر، وهو محامي متخصص في مجال حقوق الإنسان ومؤسس مركز عدالة.
ويتطلب الوضع في مصر اتخاذ إجراءات عاجلة؛ لتفادي محاولات الحكومة المصرية استئصال شوكة حركة حقوق الإنسان في البلاد، خاصةً في ضوء هذه التطورات المقلقة ونمط الأعمال الانتقامية الموثقة، بحق المدافعين عن حقوق الإنسان، والتي دأبت مصر على ارتكابها منذ أمد بعيد.
وفي هذا السياق، تدعو المنظمات الموقعة أدناه المجتمع الدولي، ومن بينه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء به، لإصدار بيانات خاصة وعلنية تحث فيها السلطات المصرية على سحب اشتراط التسجيل لمنظمات المجتمع المدني، ومؤامة القانون الخاص بالمنظمات غير الحكومية ولوائحه الداخلية مع التزامات مصر الدولية، والإفراج عن كافة المدافعين عن حقوق الإنسان والعاملين في المنظمات غير الحكومية. إلى جانب العمل على أن تتضمن مجالات التعاون بينهم ومصر معايير مرجعية لحرية تكوين الجمعيات.
ونظرًا لأزمة حقوق الإنسان المتواصلة في مصر، تشدد المنظمات الموقعة على ضرورة تحرك المجتمع الدولي بهدف دعم تشكيل آلية لمراقبة وضع حقوق الإنسان في البلاد والتقرير عنه خلال الجلسة المقبلة لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، والمزمع عقدها في مارس 2022.