وسعت النيابة العامة في مصر سلطاتها في السنوات الأخيرة لمراقبة مستخدمي الإنترنت وانتهاك حقهم في الخصوصية وحرية التعبير.
تم نشر هذا التقرير أولاً على موقع مؤسسة حرية الفكر والتعبير بتاريخ 8 آب 2021
إعداد وتحرير: وحدة الأبحاث بمؤسسة حرية الفكر والتعبير
ملخص تنفيذي
أصدر النائب العام قرارًا بإنشاء إدارة جديدة تابعة للنيابة العامة، تحت اسم “البيان والتوجيه”، في عام 2019، ومنذ ذلك الحين أصبحت وحدة الرصد والتحليل التابعة للإدارة المستحدثة المحرك الرئيسي لعدد من الدعاوى القضائية ضد مستخدمي ومستخدمات مواقع التواصل الاجتماعي. وبذلك باتت النيابة العامة تراقب مستخدمي الإنترنت رسميًّا، بدعوى حماية الأمن القومي، والأمن القومي الاجتماعي، والقيم الأسرية المصرية.
تحتاج النيابة العامة إلى وقف مراقبة مستخدمي الإنترنت، احترامًا لخصوصية المواطنين. ومن جانب آخر، يتعارض قرار إنشاء وحدة الرصد والتحليل مع عدد من التشريعات والمبادئ القانونية، فضلًا عن غياب الشفافية حول أسلوب مباشرتها أعمالها.
مقدمة
اهتم النائب العام، المستشار حمادة الصاوي، منذ توليه منصبه، بتعزيز تواجد النيابة العامة وتفاعلها على الإنترنت بشكل رسمي، حيث أصدر قرارًا بإنشاء إدارة البيان والتوجيه، بعد مرور أقل من شهرين على تعيينه،[1] على أن تباشر الإدارة أعمالها من خلال ثلاث وحدات، الأولى للتواصل مع وسائل الإعلام، والثانية هي وحدة الإعلام الإلكتروني والتواصل الاجتماعي، والثالثة هي وحدة الرصد والتحليل.[2] وأكدت النيابة العامة في سياق تواجدها على مواقع التواصل الاجتماعي على أن هدفها هو الحفاظ على “الأمن القومي الاجتماعي”،[3] وشددت على أن إعلانها عن الوقائع في بياناتها لا يتم إلا بعد أن يتداولها “العامة وغير المتخصصين”، وعليه، تقوم النيابة بنشر بياناتها “لحماية التحقيقات، ودحض الشائعات والأخبار غير الدقيقة”.
يعود اهتمام النيابة العامة بالتواجد على مواقع التواصل الاجتماعي إلى عام 2018، عندما كلف النائب العام السابق المستشار نبيل صادق المحامين العامين ورؤساء النيابة العامة، كلًّا في دائرة اختصاصه، بمتابعة ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي من أكاذيب وأخبار غير حقيقية تستهدف “أمن وسلامة الوطن”، على أن يتم اتخاذ الإجراءات الجنائية اللازمة حيال أصحاب هذه المنشورات.[4] خلقت هذه المتابعة نمطًا من الاتهامات، التي يتم توجيهها إلى أصحاب حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب محتوى منشوراتهم. وعليه فقد صار على مستخدمات ومستخدمي الإنترنت أن يأخذوا في اعتبارهم إمكانية تعرضهم للمساءلة القانونية، إذا ما رصدت النيابة العامة نشاطهم واعتبرته من وجهة نظرها مهددًا لأيٍّ من: الأمن الوطني، أو الأمن القومي الاجتماعي، أو قيم الأسرة المصرية.
في سياق متصل، أكد النائب العام الحالي، أن ملف التحول الرقمي من أهم الملفات على قائمة أعمال النيابة العامة في الفترة الأخيرة. وأشار إلى أن النيابة تعمل على تعزيز البنية الأساسية، والمنشآت واللوجستيات التقنية اللازمة. يظهر ذلك في إعلان النيابة العامة عن تحولها إلى استبدال بالتعاملات الورقية الوسائل الرقمية على سبيل المثال، بهدف الحد من “مظاهر الفساد”، فضلًا عن الحفاظ على الصحة العامة في ظل انتشار كوفيد-19 .[5]
وبعد إنشاء إدارة البيان والتوجيه التي تهدف إلى تعزيز رقمنة أعمال النيابة، وبمتابعة أدائها على أرض الواقع، يتضح أن النيابة العامة لا تهدف فقط إلى القيام بأعمالها، فيما يخص تحريك الدعاوى القضائية والتحقيق فيها،[6] ولكنها اضطلعت بدور جديد يؤسس لنمط من المراقبة الجماعية على الإنترنت.
خلفية: النيابة العامة تراقب مستخدمي الإنترنت
تمثل النيابة العامة المصرية مصالح الشعب وتنوب عنه في إرساء العدالة وتطبيق القانون. ووفقًا للمادة 189 من الدستور المصري، فالنيابة العامة المصرية جزء من السلطة القضائية، ولا تنتمي إلى السلطة التنفيذية بأي حال.[7] وفي الوقت الراهن تضطلع النيابة العامة بسلطة توجيه الاتهامات بغرض تحريك دعوى قضائية ومباشرتها، كما تتولى سلطة التحقيق في الوقت نفسه، وهو ما يمثل إشكالية قائمة، تخل بمبدأ الحياد الذي يفترض أن تعمل به جهة التحقيق.[8]
كانت النيابة العامة المصرية قد أعلنت في 28 سبتمبر 2019، أنها بصدد فتح تحقيقات موسعة في “وقائع التحريض على التظاهرات بالميادين والطرق العامة”. وأشارت النيابة العامة في بيانها الصادر آنذاك أنها تتصفح حسابات المتهمين على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب انتدابها خبراء من إدارة مكافحة جرائم الحاسب الآلي وشبكات المعلومات بوزارة الداخلية لحصر الصفحات والحسابات محل الاتهام، تمهيدًا لاتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم، حسب ما ينص عليه قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.[9]
أغفلت النيابة العامة أن إعلانها صراحة عن تصفحها حسابات المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي، ينتهك الحق في الخصوصية، الذي يشمل مفهومه الواسع كلًّا من البيانات الوصفية التي عندما يتم جمعها وتحليلها، تتكون نظرة عن سلوك الفرد وعلاقاته الاجتماعية، وتفضيلاته، وصولًا إلى كل ما يشكل هويته،[10] وهو الأمر الذي يتأكد حدوثه بالفعل عند متابعة أداء النيابة العامة الجديد في التعامل مع مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي.
بهذا الإعلان كرست النيابة العامة لممارسة المراقبة الجماعية من خلال الإنترنت بوصفه دورًا وظيفيًّا لها. واستمرت النيابة في توجهها الجديد، بشكل أكثر تنظيمًا بعد إعلان المستشار حمادة الصاوي، عن إنشائه إإدارة البيان والتوجيه والتواصل الاجتماعي في نوفمبر 2019.[11] لتأخذ دورًا قد يشابه دور إدارة مكافحة جرائم الحاسب الآلي وشبكات المعلومات بوزارة الداخلية.
يتألف قرار النائب العام رقم 2376 لسنة 2019 بإنشاء إدارة البيان والتوجيه والتواصل الاجتماعي من 5 مواد،[12] ومن خلالها أوضح القرار أهداف الإدارة المستحدثة ومهامها. تعمل هذه الإدارة من خلال ثلاث وحدات رئيسية، وذلك في سبيل الوصول إلى 7 أهداف رئيسية، من بينها: “العمل على التوجيه الاجتماعي لتوقي أسباب الجرائم وتحقيق الأمن والسلم الاجتماعي بما فيه صالح المجتمع”، بينما حدد لكل وحدة من الوحدات الثلاث مهام حصرية ومحددة. عند مقارنة مواد القرار بالتشريع المصري، ومقاربة أداء النيابة العامة في تنفيذ القرار يظهر عدد من الإشكاليات تجعل من الإدارة المستحدثة محل تساؤل عن مدى قانونية أعمالها.
أصبحت وحدة الرصد والتحليل، بموجب القرار، معنية دون غيرها، بأداء مهمتين، الأولى هي رصد كافة ما ينشر في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ويتعلق بالنيابة العامة، والمهمة الثانية، هي “رصد وتحليل التعليقات والآراء على الأخبار المنشورة المتعلقة بالنيابة العامة وإبداء الرأي فيما يستوجب إصدار بيانات أو إعلانات أو الرد عليه بتعليقات من قبل الإدارة”. ولم يبين القرار كيفية تنفيذ مهام الرصد، ولم يحدد من هم موظفو الإدارة الذين سيقومون بتنفيذ بمثل هذه العمليات، وإن كانوا من أعضاء النيابة العامة، أو أنهم موظفون تقنيون.[13] كما لم يحدد القرار ما هو نطاق المنشورات التي تتعلق بالنيابة العامة، وعليه فيمكن أن تراقب النيابة العامة كل ما تعتبره متعلقًا بها أو بارتكاب جرائم.
وبذلك، أصبحت النيابة العامة جهة رصد للجرائم والمخالفات قبل أن تتلقى بلاغات أو شكاوى من أفراد، بمعنًى أصح توسعت صلاحيات النيابة لتشمل تعقب الجرائم، والقيام بالتحريات المبدئية، التي من المفترض أن تجريها الشرطة التي تتبع السلطة التنفيذية.[14]
لذا، فإن عمل وحدة الرصد والتحليل لا ينتهك خصوصية مستخدمي الإنترنت وحرية الفكر والتعبير فقط، ولكنه كذلك لا يتفق مع الدستور المصري الذي يقر الفصل بين السلطات، حيث أصبحت النيابة العامة تقوم بأعمال من المفترض أن تكون من ضمن اختصاصات الجهاز الشرطي في سياقات واضحة ومحددة، وليس على نطاق جماعي.
بين استمرار وحدة الرصد والتحليل أو إلغائها
يمكن تقسيم الوقائع التي ترصدها النيابة العامة على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى نوعين، النوع الأول هو عبارة عن منشورات حول وقائع حدثت بالفعل بمعزل عن الإنترنت كما هو الحال في جرائم القتل، أو التعذيب، أو الاغتصاب، وهي غالبًا جرائم تعاقب عليها قوانين العقوبات، أو الطفل، على سبيل المثال. أما النوع الثاني من المنشورات التي يتم رصدها، فيكون مرتبطًا بشكل مباشر بطبيعة نشاط مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، ومحتوى ما يقومون بنشره مباشرة، ما يعني أن النشاط الرقمي هو أساس الواقعة التي تتعامل معها النيابة باعتبارها مخالفة للقانون.
لقراءة التقرير كاملاً، الرجاء الضغط هنا