تلقى عضو آيفكس ومدير معهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بهي الدين حسن، حكما بالسجن لمدة ثلاث سنوات على تغريدة تنتقد النيابة العامة المصرية في حركة الانتقام الأخيرة من الدولة ضده.
تم نشر هذا البيان اولاً على موقع مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان بتاريخ 14 آذار 2020
أصدرت إحدى المحاكم المصرية حكمًا غيابيًا بحبس مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان بهي الدين حسن 3 سنوات وغرامة 20 ألف جنيه، عقابًا له على رأي أبداه على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، انتقد فيه تخلي النائب العام عن دوره كوكيل عن المجتمع، وانحياز النيابة العامة للأجهزة الأمنية في مواجهة المواطنين، وذلك في سياق تضامن حسن مع الأديب المصري علاء الأسواني بعد التعدي السافر على حقوقه كمواطن مصري بمطار القاهرة الدولي في مارس 2018.
من المفارقة أن النائب العام – السابق- الذي أمر بحفظ بلاغ سبق وتقدم به حسن للتحقيق في تحريض أحد الإعلاميين على قتله في برنامجه التليفزيوني، سمح في الشهر نفسه بتحريك دعوى- بناء على بلاغ من مجهول- ضد حسن، معتبرًا تعبيره عن رأيه جريمة تستوجب العقاب والحبس. وفي هذا السياق يقول حسن “أتمنى أن يبرهن النائب العام الجديد على أن نقدي للنائب العام السابق لا ينطبق عليه، وأنه سيكون بالفعل وكيلاً عن المجتمع والدولة، وليس وكيلاً عن الأجهزة الأمنية يضفي مشروعية قانونية على انتهاكاتها للدستور والقانون وحقوق الانسان“.
كانت النيابة قد اتهمت حسن بـ: إذاعة عمدًا أخبار من شأنها تكدير الأمن العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة، ونشر عبارات من شأنها الانتقاص من السلطة القضائية والحط من قدرها، والادعاء كذبًا بتخلي النائب العام عن دوره في حماية المجتمع والتصدي لخرق القانون! وذلك بسبب تغريدة كان نصها: “ لم تعد مهمة النائب العام في مصر هي وقف انتهاكات الداخلية.. بل صار دوره هو اضفاء الصفة القانونية والقضائية على هذه الجرائم، ولقد تخلى عن دوره كنائب عام يحمي المجتمع ليصير حاميا للاعتداء المنظم اليومي عليه“، مرفق بها تفاصيل توقيف الأسواني في مطار القاهرة وتفتيشه وحاسبه الشخصي، ومصادرة رواية “الغريب” للأديب العالمي البير كامو الحاصل على جائزة نوبل، دون سند قانوني لذلك.
تفاصيل وتطورات القضية -رقم 5530 لسنة 2019 جنح عابدين- تعكس مدي حدة نوازع الانتقام من حقوقيين لا يملكون سوي كلمتهم، والعبث بالقانون وبالقضاء لأغراض سياسية ضيقة. كما توضح الدرك الذي انحدر إليه أداء القضاء المصري منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم، لا سيما بعد إقراره تعديلات تشريعية ثم دستورية أحكمت سيطرته وحده على مرفق العدالة بالكامل. فلم يبالغ خبراء الأمم المتحدة عندما وصفوا في أحد تقاريرهم بعض الأحكام الصادرة عن المحاكم المصرية في السنوات الأخيرة بأنها لا تتوخي العدل، بل تشكل “سخرية بالعدالة“.
يعد الحكم الصادر في هذه القضية في 19 سبتمبر 2019 (الذي لم يعرف به بهي إلا مؤخرا) حلقة جديدة في سلسلة من الإجراءات الانتقامية بحق حسن – وغيره من الحقوقيين المصريين- بداية من التهديد المباشر بالقتل، مرورًا بالتحفظ على أمواله الخاصة وأموال المركز الذي يديره ووضعه على قوائم ترقب الوصول، فضلاً عن حملات التشهير والتخوين الإعلامية المستمرة بحقه، والتي تخطت حد التحريض على الكراهية إلى حد التحريض على العنف والقتل بشكل مباشر عدة مرات على شاشات التلفزيون.
فعلى مدى 13 شهرًا من التحقيق في الواقعة (التغريدة) لم تراع النيابة العامة أبسط قواعد القانون، حتى بدا جليًا أن ثمة أوامر سياسية قد صدرت بالإدانة القصوى لحسن تنكيلاً به، وفي أسرع وقت ممكن، حتى ولو أصاب ذلك إجراءات المحاكمة بالعوار بسبب الهرولة. وقد أصدرت المحكمة حكمها – غير المتسق قانونًا- بالحبس والغرامة، دون أن تكلف نفسها عناء فحص سلامة إجراءات التحقيق- الباطلة قانونًا- فجاء حكمها متعارضًا مع أحكام الدستور وصحيح القانون.
من جانبه أصدر مركز القاهرة تعليقا قانونيًا مفصلاً يفند المشكلات القانونية في إجراءات التحقيق وطبيعة الاتهامات والحكم في هذه القضية، موضحًا أسباب بطلان التحقيقات برمتها، التي بدأتها النيابة العامة دون الحصول على تصريح كتابي من مجلس القضاء الأعلى باعتباره أكبر سلطة في الهيكل القضائي (المجني عليه في هذه الحالة) على النحو الذي يقره القانون. هذا بالإضافة إلى تعارض الحكم مع صحيح الدستور الذي حظر – المادة 71- توقيع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية، ناهيك عن تطبيق الحكم المعيب للمادة 32 من قانون العقوبات بشأن العقوبة المقررة والتي جاءت غير متناسبة مع لائحة الاتهام وما يقره القانون بشأن الاكتفاء بالعقوبة الأشد قسوة دون الجمع بين عقوبة أكثر من جريمة.
لقد تعمدت السلطة القضائية بجناحيها (النيابة والقضاء) استخدام كافة السبل غير المشروعة لإدانة حسن، ضاربة بالقانون عرض الحائط، في مثال واضح يعكس كيف هيمنت السلطة التنفيذية بأوامرها على كافة أذرع السلطة القضائية حتى باتت أحد أهم أدوات النظام الحالي لتصفية الحساب مع الحقوقيين وخصومه السياسيين والانتقام منهم بمعزل عن أحكام الدستور ومقتضيات القانون.