لا يزال المدافعون عن حقوق الإنسان يواجهون الاضطهاد على الرغم من إسقاط التهم في قضية التمويل الأجنبي للمنظمات غير الحكومية التي طال أمدها.
نشر أولًا على مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
في 20 مارس الجاري، أعلن قاضي التحقيق في القضية رقم 173 لسنة 2011 بأنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بحق خمس منظمات حقوقية، في القضية المعروفة بـ «قضية التمويل الأجنبي للمنظمات غير الحكومية»، ورفع حظر السفر وتجميد الأصول الصادر بحق موظفي هذه المنظمات. ويبقى أن نرى ما إذا كانت السلطات المصرية ستحترم القرار وتباشر تنفيذه.
أن القرار بأنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بالقضية رقم 173 بحق هذه المنظمات وموظفيها يعد رد اعتبار متأخر، لكنه في الحقيقة لا يشير إلى تغيير جذري في نهج السلطات المصرية القمعي، ولا ينم عن بداية لعملية إصلاح جادة.
يقول محمد زارع، مدير مكتب مصر في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان: «إن معالجة أزمة حقوق الإنسان في مصر تتطلب خطوات جادة تبدأ بالإفراج الفوري عن عشرات الآلاف من سجناء الرأي، وتفكيك ترسانة التشريعات والممارسات الوحشية التي تستخدمها السلطات المصرية لقمع المعارضة السياسية السلمية، والإعلام الحر، والمجتمع المدني المستقل».
قرار قاضي التحقيق الأخير، أقر ببراءة كل من مركز القاهرة لحقوق الإنسان، ومركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، والمنظمة العربية للإصلاح الجنائي. لكنه في الوقت نفسه، لم يعالج المظالم التي عانى منها عشرات المدافعين عن حقوق الإنسان في هذه القضية على مدار عقد كامل؛ بما في ذلك المدافعين الصادرة بحقهم أحكام بالحبس المطول (تم إلغائها عام 2018)، أو قرارات بحظر السفر وتجميد الممتلكات. إذ ينبغي على السلطات المصرية إصدار اعتذار رسمي لهؤلاء المدافعين وتعويضهم عن الأضرار المادية والمعنوية التي تكبدوها.
كما ينبغي على السلطات وقف حملتها القمعية بحق المجتمع المدني المصري والمدافعين عن حقوق الإنسان بشكل عام. إذ لا يزال عشرات الحقوقيين رهن الاحتجاز منذ سنوات بتهم الإرهاب الملفقة؛ بمن فيهم إبراهيم متولي وعزت غنيم وهدى عبد المنعم، فضلًا عن آخرين ما زالت أسمائهم مدرجة على قوائم الكيانات الإرهابية حتى بعد إخلاء سبيلهم مثل المحامي الحقوقي محمد الباقر، أو ما زالوا رهن حظر السفر وتجميد الأصول على ذمة قضايا أخرى مثل جاسر عبد الرازق وكريم عنارة ومحمد بشير من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية. هذا بالإضافة إلى منظمات حقوقية ما زالت رهن التحقيقات، سواء في قضايا ذات صلة بالقضية 173/2011 مثل المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، أو في قضايا ملفقة أخرى بعد تبرئتهم من القضية 173.
ولا تزال الأحكام الغيابية بحبس الحقوقي بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان لمدة 18 عامًا سارية المفعول. فضلًا عن عشرات الحقوقيين المضطرين للعيش في المنفى بسبب التحقيقات والأحكام الصادرة بحقهم في مصر، أو خوفًا من الانتقام حال عودتهم لبلادهم. هذا بالإضافة لتعنت السلطات المصرية وتعمدها حرمان بعض الحقوقيين المصريين في الخارج من الخدمات القنصلية بشكل غير قانوني، وعرقلة استصدار/تجديد وثائق السفر وأوراقهم الثبوتية.
ينظم عمل منظمات المجتمع المدني المصرية قانون قمعي (القانون رقم 149 لسنة 2019)؛ يمنح السلطات سيطرة تامة على أنشطة المنظمات ومصادر تمويلها، بل ويمتد للتحكم في تعيين مجالس إدارة المنظمات واختيار أعضائها. وفي الوقت نفسه، يتم توظيف التشريعات المصرية، وخاصة تشريعات مكافحة الإرهاب وقانون العقوبات، بشكل منهجي للتضييق على المجتمع المدني المستقل والنشاط الحقوقي.
فقط من خلال المراجعة الشاملة للتشريعات المصرية القمعية، والإفراج عن عشرات الآلاف من السجناء السياسيين السلميين، وفتح حقيقي للمجال العام؛ يمكن للسلطات المصرية إظهار إرادة سياسية حقيقية للإصلاح.
معلومات خلفية عن القضية 173/2011 عبر هذا الرابط.