حذرت جماعات حقوق الإنسان من أن الحد من فترة الاحتجاز السابق للمحاكمة سيكون بلا جدوى دون إنهاء الممارسات القمعية وضمان استقلال القضاء.
نشر أولًا على مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
تؤكد المنظمات الحقوقية الموقعة أدناه أن مبادرات السلطات المصرية بشأن تعديل مدة الحبس الاحتياطي غير مجدية، في ظل غياب خطوات عملية موازية تضمن إنهاء الممارسات الأمنية التعسفية بحق المواطنين منذ أكثر من عقد، واستقلال السلطة القضائية وبالأخص سلطات التحقيق والنيابة العامة. الأمر الذي يتطلب إرادة سياسية ما زالت غائبة. إذ تواصل السلطات المصرية التنكيل بالمعارضة والمجتمع المدني، واحتجاز الصحفيين والسياسيين والمدونين على خلفية اتهامات مختلقة ومكررة، وتباشر النيابة العامة حبسهم احتياطيًا دون تحقيق موضوعي، أو فرز للأدلة، فتزج بهم في السجون لمدد تصل لعامين أو أكثر، انتقامًا من كتابة منشور أو تعليق أو حتى رسم كاريكاتير. هذا بالإضافة إلى تحايل السلطات الأمنية على المدة القصوى المقررة للحبس الاحتياطي، من خلال إدراج المحتجزين على ذمة قضايا جديدة وبالاتهامات نفسها، فيما يعرف بظاهرة (التدوير).
في 21 أغسطس الجاري، أعلن المتحدث باسم الرئاسة توجيهات رئيس الجمهورية بإحالة توصيات الحوار الوطني بشأن الحبس الاحتياطي للحكومة، وعلى رأسها تخفيض مدد الحبس الاحتياطي، باعتباره «إجراء وقائي تستلزمه ضرورة التحقيق»، وبما يحول دون تحويله لعقوبة. جاء ذلك بعد أيام من مناقشة مجلس النواب في 17 من الشهر نفسه، لمقترح بتعديل قانون الإجراءات الجنائية، بما في ذلك المواد المتعلقة بالحبس الاحتياطي (المادة 143) [1] بناء على توصيات سابقة من الحوار الوطني. المقترح يهدف لتخفيض مدة الحبس الاحتياطي بما لا يتجاوز 4 أشهر في الجنح (بدلًا من 6)، و12 شهرًا في الجنايات (بدلًا من 18)، و18 شهرًا (بدلًا من 24) إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام.
المنظمات الموقعة على هذا البيان تعتبر أن أزمة الحبس الاحتياطي في مصر تتجاوز بشكل كبير مسألة (مدة العقوبة)، إذ أن لها ثلاث أوجه أساسية جديرة بالتغيير. يُستخدم الحبس الاحتياطي كأداة للتنكيل بالمعارضين، خلافًا للغرض الذي شُرع من أجله كإجراء وقائي يقتصر تطبيقه على المجرمين شديدي الخطورة، لتفادي هروبهم أو العبث بالأدلة أو التأثير على الشهود. إذ تتعمد النيابة العامة طيلة السنوات العشر الماضية، إقرار وتجديد الحبس الاحتياطي بشكل تلقائي ولفترات طويلة، في كافة القضايا الخاصة بالمعارضين للسلطة، بعدما توجه لهم اتهامات لا تستند لأي أدلة، وتُخضعهم لجلسات تحقيق صورية وروتينية تستمر لدقائق معدودة، على النحو المتبع مؤخرًا – على سبيل المثال لا الحصر- مع الرسام أشرف عمر،[2] الذي لم تستغرق جلسة تجديد حبسه في 18 أغسطس الجاري أكثر من 15 دقيقة.
الأمر الثاني يتعلق بتحايل النيابة العامة والمحاكم المصرية على قوانين الحبس الاحتياطي بشكلها الحالي من خلال «تدوير» المحتجزين على ذمة قضايا جديدة، تتضمن الاتهامات نفسها، فور صدور قرار بإخلاء سبيلهم أو بعد انتهاء مدة العقوبة المقررة لهم. ومن ثم حبسهم احتياطيًا مجددًا على ذمة القضايا الجديدة، وفناء أعمارهم في السجون. وفي كل هذه القضايا لا تستند النيابة إلا للتحريات الأمنية، وتتقاعس عمدًا عن مباشرة دورها في التحقيق والفحص للاتهامات والأدلة. فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ تم تدوير عضو رابطة التراس زملكاوي؛ علي فهيم، على أكثر من 10 قضايا، لتمديد فترة حبسه. هذا بالإضافة للحالات التي تقرر فيها النيابة إحالة المحتجزين للمحاكمة على ذمة قضايا جديدة، لضمان عدم احتساب فترة الحبس الاحتياطي التي قضاها المتهم على ذمة القضية الأولى في حكم الحبس المقرر في القضية الجديدة. الأمر الذي تم اتباعه مع الناشط السياسي محمد عادل، والسياسي محمد القصاص، والمحامية هدى عبدالمنعم، والناشط والمدون علاء عبدالفتاح. هؤلاء تمت محاكمتهم في قضايا جديدة، قبل انقضاء مدة عقوبتهم لضمان استمرار حبسهم.
أما الوجه الثالث للمشكلة، والذي يعد الانتهاك الأكثر فجاجة، فهو الضرب بعرض الحائط بالحد الأقصى لمدة الحبس الاحتياطي المحددة قانونًا بعامين، وتمديد حبس بعض المتهمين لمدد تزيد عن 4 سنوات دون أي سند قانوني. فعلى سبيل المثال لا الحصر، ما زالت المترجمة مروة عرفة رهن الحبس الاحتياطي على ذمة القضية رقم 570 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، منذ القبض عليها في إبريل 2020. وكذلك الناشط الحقوقي إبراهيم متولي الذي يقبع في السجن منذ 7 سنوات لمحاولته معرفة مصير ابنه المختفي قسرًا منذ أكثر من 11 عامًا . في مثل هذه القضايا، تتغاضى دوائر الجنايات عمدًا عن أبسط مهامها، وهو احتساب مدة الحبس الاحتياطي التي قضاها المتهم، والإقرار بأنه تجاوز المدة القانونية وعلى النيابة العامة إخلاء سبيله.
أن تقصير مدة الحبس الاحتياطي في القانون أمر مطلوب، إلا أنه لن يحل مشكلة متفاقمة لها جوانب عديدة، لا علاقة لها بالقانون، وإنما بتغول عمل الأجهزة الأمنية وتعديها على القانون وعلى استقلالية ونزاهة القضاء في مصر. فمنذ الدعوة للحوار الوطني تم تدوير أكثر من 1700 شخص على ذمة قضايا جديدة، والقبض على 6981 شخص وحبسهم احتياطيًا، وفي المقابل لم يتم إطلاق سراح إلا 1735 شخص فقط، وفق حملة (حتى أخر سجين). ومن ثم، فأي تعديل تشريعي يقتصر على تقصير مدة الحبس، التي تعصف بها حاليًا النيابة وتتحايل عليها، لا يتخطى كونه مجرد حملة دعائية للحكومة، تعلن فيها مؤشرات وهمية تدعي بها تحسن أوضاع حقوق الإنسان في مصر، قبلما تمثل للاستعراض الدوري الشامل لملفها الحقوقي أمام الأمم المتحدة في يناير المقبل.
[1] المادة 143، «…وفي جميع الأحوال لا يجوز أن تجاوز مدة الحبس الاحتياطي في مرحلة التحقيق الابتدائي وسائر مراحل الدعوى الجنائية ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية، بحيث لا يتجاوز ستة أشهر في الجنح وثمانية عشر شهرًا في الجنايات، وسنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام..».
[2] كانت الأجهزة الأمنية قد داهمت منزل أشرف عمر في 22 يوليو الماضي، وألقت القبض عليه وأخفته قسرًا لمدة يومين قبل مثوله أمام نيابة أمن الدولة العليا في 24 يوليو متهمًا، على ذمة القضية رقم 1968 لسنة 2024 حصر نيابة أمن الدولة العليا، بنشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة إرهابية طبقًا للمادة 12 من قانون مكافحة الإرهاب رقم 84 لسنة 2015 والمادة 86 من قانون العقوبات، وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي طبقًا للمواد 102 مكرر والمادة 188 من قانون العقوبات.