السلطات المصرية لا تزال ملتزمة بسياسة عدم التسامح مطلقًا مع المعارضة.
نشر أولًا على مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
تدين المنظمات الحقوقية الموقعة أدناه الحكم الصادر بحق المعارض البارز هشام قاسم في 16 سبتمبر الجاري بالسجن لمدة ستة أشهر وغرامة 20 ألف جنيه مصري، بتهم ملفقة تتعلق بالقذف والتشهير. واحتُجز قاسم في 20 أغسطس الماضي، بعد أسابيع من مشاركته في تأسيس «التيار الحر»، وهو ائتلاف من الأحزاب والشخصيات السياسية الليبرالية. وبحسب التيار الحر، الذي أعلن تعليق نشاطه السياسي احتجاجًا على الحكم؛ فإن قاسم كان مرشحًا محتملًا في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
الحكم على قاسم يمثل جزءً ضمن موجة أوسع من القمع تتزامن مع الاستعداد للانتخابات الرئاسية المرتقبة نهاية العام الجاري، في ظل أزمة اقتصادية حادة. فعلى مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، اعتقل الأمن الوطني ما لا يقل عن 35 عضوًا في حملة المرشح الرئاسي المحتمل أحمد الطنطاوي، طبقًا للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية. وفي 2 سبتمبر أصدرت محكمة مصرية حكمًا بحق المتحدث السابق باسم حركة 6 أبريل، محمد عادل، بالسجن أربع سنوات بتهمة نشر أخبار كاذبة. وقد أمضى عادل ٥ سنوات في الحبس الاحتياطي على ذمة ثلاثة قضايا، وقد لا يخلى سبيله بعد نفاذ الحكم بسبب القضيتين الأخيرتين. كما تواصل السلطات المصرية استهداف عائلات المعارضين المقيمين في الخارج؛ إذ اعتقلت مؤخرًا والد الصحفي أحمد جمال زيادة ووالد الناشطة فجر العادلي، اللذين يعيشان في بلجيكا وألمانيا.
هذا الاستهداف المستمر للمعارضين السلميين يؤكد هزلية محاولات السلطات المصرية الأخيرة لتبييض سجلها الحقوقي من خلال مبادرات دعائية، مثل الحوار الوطني. والذي تم استبعاد قضايا حقوق الإنسان الملحة من المناقشة خلال جلساته، منها ملف السجناء السياسيين وسجناء الرأي، وحالات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب، وتفشي إفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب. هذا الاستبعاد للقضايا الحيوية من نقاشات الحوار يعكس إنكار الحكومة المصرية وبعض مؤيديها لحدوث هذه الجرائم من الأساس. كما تعمد منظمو الحوار حذف بعض المداخلات الحقوقية من المناقشات، أو تقييدها؛ إذ تم حذف خطاب المدير التنفيذي لمؤسسة حرية الفكر والتعبير من محضر جلسة حرية الرأي والتعبير؛ بسبب انتقاده للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، ومصادر تمويلها وممارساتها الاحتكارية، وهي واحدة من أكبر الشركات المسيطرة على المشهد الإعلامي في مصر، وتُدار من قبل الأجهزة الأمنية والمقربين منها. كما تم اعتقال النقابي محمد زهران، مؤسس حركة استقلال المعلمين وأحد المشاركين في الحوار، في 6 سبتمبر بسبب نشاطه النقابي، وأُطلق سراحه بعد عشرة أيام. فيما تواصل السلطات احتجاز أعضاء بعض الأحزاب السياسية المشاركة في الحوار، ومن بينهم اثنين على الأقل من حزب الدستور.
إن الممارسات القمعية المتواصلة منذ عقد من الزمن، والتي لم تتوقف بالتزامن مع الحوار، تدحض أي مصداقية لهذا الحوار وتؤكد عدم جدية مسعاه للتغيير. الأمر الذي يبرهن بدوره على استنتاجات منظمات حقوق الإنسان حول أن السلطات المصرية لا تزال ملتزمة بسياسة عدم التسامح مطلقًا مع المعارضة، حتى على أعتاب الانتخابات الرئاسية، لضمان عدم تعرض الرئيس عبد الفتاح السيسي لمعارضة أو منافسة جادة.