مع إستمرار اتهام عدد أكبر من النساء بـ "التحريض على عدم الأخلاق" عبر الإنترنت، تندد جماعات حقوق الإنسان بالحملة الأمنية المستمرة المصممة لقمع حرية التعبير في البلاد.
تم نشر هذا البيان أولاً على موقع مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بتاريخ 24 حزيران 2020
تستنكر المنظمات الحقوقية الموقعة أدناه الحملة الأمنية المتواصلة التي تقودها النيابة العامة بحق المدونين على منصة التواصل الاجتماعي (تيك توك)، بزعم حماية قيم الأسرة المصرية، بينما تتجاهل في الوقت نفسه آلاف البلاغات بشأن التعذيب والاختفاء القسري والإهمال الطبي في السجون، والتحريض الإعلامي المباشر بالقتل والعنف. وتطالب المنظمات النيابة بالتوقف عن رقابة الحسابات الإلكترونية الشخصية والزج بأصحابها في السجون باتهامات فضفاضة ليس لها تعريف قانوني، كالاعتداء على قيم الأسرة المصرية وتقاليد المجتمع، طالما لم يثبت تورطهم في جرائم الحض على العنف أو الكراهية، كاستثناء وحيد يقره الدستور على حق الأفراد في ممارسة حرية التعبير والإبداع.
كما تستهجن المنظمات الحقوقية على وجه الخصوص تصرف النيابة العامة في قضية الضحية “أية” المعروفة باسم “منة عبد العزيز”، والتي حولتها النيابة من ضحية اغتصاب إلى متهمة بـ “التحريض على الفسق والفجور”، وأمرت بحبسها 4 أيام ثم 15 يومًا. كانت “أية” قد ظهرت في فيديو ادعت فيه تعرضها لجريمة اغتصاب مصورة، وابتزازها بنشر الفيديو، ورغم ثبوت الواقعة أمرت النيابة العامة بحبس الضحية. وفي 30 مايو الماضي أصدرت النيابة العامة بياناً استعرضت فيه وقائع القضية، ملقيًة اللوم على الضحية بسبب نشرها فيديوهات رأت النيابة أنها تتضمن تحريضًا على الفجور. ورغم أن النيابة قررت في 9 يونية استبدال الحبس الاحتياطي للضحية بالإيداع في إحدى دور الرعاية، إلا أن النيابة لم تسقط عنها الاتهامات، ولا زالت رهن التحقيق رغم وحشية ما تعرضت له، بل أن قرار إيداعها دور الرعاية- بحسب بيان النيابة- لم يكن لأنها ضحية لجريمة اغتصاب، وإنما لأن سلوكها بحاجة لتقويم!
وفي واقعة أخرى، أمرت النيابة العامة في أبريل الماضي بضبط وإحضار الطالبة “حنين حسام عبد القادر” وحبسها 4 أيام على ذمة التحقيق، مشيرة في بيانها إلى “اعتداء المتهمة على مبادئ وقيم أسرية في المجتمع المصري”، وهي التهمة نفسها الموجهة للطالبة “مودة الأدهم” وثلاثة أخريات في مارس الماضي على ذمة القضية 1047 لسنة 2020 جنح مالية، المعروفة إعلامياً بقضية (فتيات التيك توك)، كما تكرر استخدم التهمة نفسها مؤخرًا مع “شريفة رفعت” وابنتها “نورا” في 10 يونية الجاري.
هذه الملاحقات الأمنية تعد أحد تطبيقات القانون المعيب رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات (حول الجريمة السيبرانية)، والتي تعاقب المادة 25 منه بالحبس ستة أشهر وغرامة لا تقل عن خمسين الف جنيهاً أو بإحدى العقوبتين كل من اعتدى على ما أسماه القانون المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري. ونظرا لأن المشرع يدرك استحالة وضع تعريف جامع مانع لقيم تتغير بتغير الزمان والمكان، في مجتمع شديد التنوع متعدد الأعراق والأديان والطوائف والثقافات، أبقى على هذه المصطلحات الفضفاضة التي تفتح الباب أمام التأويلات. ومن ثم علي النيابة العامة ألا تغتصب لنفسها بالمخالفة للقانون والدستور سلطة فرض لائحة قيم أسرية تتوهم أنها قابلة للتعميم علي مجتمعات متنوعة ريفية وحضرية وبدوية ونوبية، تستلهم قيم أديان وعقائد مختلفة وثقافات متعددة.
جدير بالذكر أن قانون الجريمة الكترونية قد سبق وحذرت منه عدد من المنظمات الحقوقية واعترضت عليه، باعتباره يؤسس في مواده – بزعم مكافحة جرائم تكنولوجيا المعلومات- إلى تقييد الحق المشروع في حرية التعبير، مستخدمًا مصطلحات فضفاضة مثل الإضرار بالاقتصاد الوطني أو الأمن القومي أو استقلال واستقرار وأمن الوطن. وقد أساءت النيابة العامة استخدام هذا النص الفضفاض في ترسيخ الرقابة والسلطوية علي الأفراد، مستعينة بـ وحدة الرصد بمكتب النائب العام، التي ترفع شعارا فاشيا: “تطهير السوشيال ميديا” بالتعاون مع “الإدارة العامة لحماية الآداب” بوزارة الداخلية. وقد عكست بيانات النيابة العامة مؤخرًا، هذه النظرة الأبوية والتسلطية، التي تمنح نفسها بالمخالفة للدستور والقانون سلطة الوصاية الأخلاقية علي المجتمع وتربية الشباب.
المنظمات الموقعة:
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- مركز النديم
- مؤسسة حرية الفكر والتعبير
- الجبهة المصرية لحقوق الإنسان
- بلادي للحقوق والحريات
- كوميتي فور جستس
- مبادرة الحرية