هيأت القوانين والإجراءات التي اتبعتها السلطات المصرية في السنوات الأخيرة نشوء بيئة خصبة لاتخاذ قرارات فرض الرقابة على الإنترنت والمراقبة الجماعية للمستخدمين.
نشر أولًا على سمكس
خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ومع دعوة عدد من النشطاء المصريين للاحتجاجات بالتزامن مع انعقاد الدورة السابعة والعشرين لقمة الأمم المتحدة للمناخ في شرم الشيخ، أقامت قوات الأمن نقاط تفتيش في الشوارع لفحص هواتف المواطنين/ات النقالة، واحتجاز كلّ من يُعثر في جهازه على محتوى ينتقد الحكومة المصريّة.
رُصد خلال فترة انعقاد القمّة انتهاكات عديدة لحقوق الإنسان على يد الحكومة المصريّة، لا سيما تلك المتجلّية بقضية الناشط الاجتماعي والسياسي علاء عبد الفتاح المحتجز احتياطيًا منذ سنوات مع غيره من المعتقلين/ات تعسفيًا وقسريًا، بحسب ما أكّدته تقارير منظّمتا “هيومن رايتس واتش” و”أمنيستي“.
وعلى رغم رفع حالة الطوارئ في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ألحقت الحكومة المصريّة أحكام مرسوم الطوارئ بقوانين أخرى، فيما واصلت محاكم “أمن الدولة طوارئ” مقاضاة ناشطين/ات حقوقيين/ات وسياسيين/ات سلميين/ات.
ليس سرًا أنّ سنة 2022 كانت قاسية على واقع الحقوق الرقمية والعاملين/ات في مجالها في مصر.
كمّ الأفواه رقميًا
تعمد السلطات إلى اعتقال الأفراد على خلفية نشرهم/ن معلومات تخالف الروايات الرسمية أو تنتقد الحكومة المصريّة عبر الإنترنت. بدورها، تستمرّ الأجهزة الأمنية، بتحريضٍ من النيابة العامة، في تعقب واستهداف مستخدمي/ات تطبيقات التواصل واتهامهم/ن بـ”التعدي على القيم والمبادئ المجتمعية للشعب المصري”.
لم تكتفِ النيابة العامة المصريّة بإصدار أوامر بالقبض على عددٍ من روّاد المساحات الرقميّة، بل دعت أيضًا إلى التوسع في التشريعات المتعلقة بالفضاء السيبراني، ومعاونة السلطات المصرية على حراسة ما أسمته “الحدود المستحدثة”، أي الحدود السيبرانية في المواقع الإلكترونية، بحسب بيانٍ صادر عن النيابة.
يُفيد ناشط ومحامٍ فضّل عدم الكشف عن اسمه، في مقابلة مع “سمكس”، بأنّ “السلطات المصرية تستخدم قانون الإرهاب لملاحقة كل الأصوات المعارضة، لا سيما المتفاعلين/ات أو المدونين/ات على مواقع التواصل، والحالات بالمئات”. “ما يجري هو اضطهاد رقمي يتنوّع بين تعدّي السلطات على الخصوصية الرقمية وتفتيش الهواتف، وملاحقة الناشطين/ات وتوظيف التشريعات لحجب المواقع أو التطبيقات وقطع الانترنت”، يضيف الحقوقي.
على سبيل المثال، في التاسع من أيلول/سبتمبر 2021، أُلقي القبض على شخصين من عائلة واحدة، وهما ناجي فوزي علي معوض وابن أخيه طه حمدي فوزي عوض، بعد مداهمة منزلهما في محافظة المنيا بسبب نشر مقطع فيديو كوميدي على موقع “فيسبوك” يعبّران فيه عن الظروف الصعبة التي يعاني منها المواطن المصري.
وفي السياق نفسه، قبضت قوات الشرطة في 31 تموز/يوليو من العام الماضي على المواطن السبعيني فوزي بلال، من داخل مكان عمله في محطة الرمل في الإسكندرية، على إثر نشره لمقطع فيديو من حسابه على فيسبوك ناشد فيه المسؤولين/ات بإعادة نجله إلى العمل في إدارة المرور التابعة لوزارة الداخلية.
كما جدّدت نيابة أمن الدولة العليا، في جلسة يوم 26 كانون الأول/ديسمبر 2022، حبس المتهم أحمد عبد المجيد عرابي على خلفية منشورات عبّر فيها عن مواقفه السياسية، إضافة إلى إصدار حكم بالسجن على المترجمة مروة عرفة بتهمة “الانضمام إلى جماعة إرهابية”.
في المقابل، اتّخذت الحكومة المصرية خطوات جديدة في ملف حقوق الإنسان، منها إطلاق “الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان” برعاية رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي في أيلول/سبتمبر 2021. اعتمدت الاستراتيجية الجديدة على أربعة محاور رئيسية، هي الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحقوق المرأة والطفل وذوي الاعاقة والشباب وكبار السن، والتثقيف وبناء القدرات في حقوق الإنسان. ومع ذلك، لم تنعكس تلك الخطوات على ممارسات الأجهزة الرسميّة، إذ واصلت تعدّيها على حق المواطنين/ات في التعبير عن آرائهم/ن، ممّا يفرغ تحركات الحكومة من مضمونها ويجعلها تبدو كمحاولات لامتصاص الغضب الدولي المتصاعد من استمرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في مصر.
حجب المواقع الإلكترونية
شرعنت السلطات المصرية سياساتها القمعية عبر القوانين والتشريعات التي تُجيز حجب بعض المواقع الإلكترونية. وقد شُّرِع الحجب في تشريعات تنظيمية وأخرى جزائية، منها قانون مُكافحة جرائم تقنية المعلومات وقانون تنظيم الإعلام والصحافة.
في العام 2018، وتحت ذريعة الحجب كتدبير إجرائي لحماية الأمن القومي، صدر قانون الجريمة الإلكترونية رقم 175 ليُنظّم الحالات التي يمكن تطبيق الحجب خلالها كتدبير أولي. أعطى القانون صلاحية لجهات التحقيق بإصدار قرارات بحجب مواقع الوِيب متى “رأت أن المحتوى المنشور على هذه المواقع يُشكّل جريمة أو تهديدًا للأمن القومي أو يُعَرِّض أمن البلاد أو اقتصادها القومي للخطر، كما يعطي القانون صلاحية للجهات الشُرطية في حال الاستعجال والضرورة بطلب حجب مواقع الوِب قبل استصدار حكم قضائي”.
وفي العام نفسه، صدر قانون تنظيم الإعلام والصحافة رقم 180 ليعطي صلاحيات واسعة للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، تسمح له بفرض أشكال مختلفة من الرقابة على مواقع الويب والصفحات الشخصية. أعطت المادة 91 من القانون الحق للمجلس باتخاذ الإجراء المناسب حيال المخالفة، مثل “وقف أو حجب الموقع أو المدونة أو الحساب في حال قيام الموقع أو الحساب بنشر أو بث أخبار كاذبة أو ما يدعو أو يحرض على مخالفة القانون أو إلى العنف أو الكراهية، أو ينطوي على تمييز بين المواطنين، أو يدعو للعنصرية أو التعصب أو يتضمن طعنًا في أعراض الأفراد أو سبًّا أو قذفًا لهم أو امتهانًا للأديان السماوية أو للعقائد الدينية”.
كما أقرت اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الإعلام والصحافة ولائحة الجزاءات التي أقرها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والصحافة، الضوابط المُتعلّقة بحجب المواقع والحسابات الخاصة على مواقع التواصل.
حجبت السلطات المصرية، في 20 نيسان/أبريل 2022، 12موقعًا وحسابًا إلكترونيًا وقناة على “يوتيوب” تحت عنوان “مخالفة الأكواد والمعايير الإعلامية ومواثيق الشرف الصحافي أو الإعلامي”، أو “عدم حصولها على ترخيص”، وفقًا لأحكام قانون تنظيم الصحافة والإعلام. وفي انتهاك آخر يُضاف إلى سجلٍّ حافلٍ أصلًا، حجبت السلطات المصرية في السادس من تشرين الأول/نوفمبر 2022 عددًا من المواقع الحقوقيّة والإخباريّة خلال فترة انعقاد قمة المناخ، بحسب ما كشفت صحيفة “الغارديان” البريطانية.
وكانت السلطات قد حجبت تطبيق “تلغرام” في تشرين الأول/أكتوبر 2020 والنسخة الموجهة منه للحواسيب المكتبية على شبكات الإنترنت الأرضيّة وبيانات الهاتف، قبل أن يعاود العمل مطلع العام 2021، من دون أي تصريح رسمي حول الموضوع.
تؤسّس التشريعات والإجراءات التي تقرّها وتتّبعها السلطات المصريّة في السنوات الأخيرة، في ظل مركزيّة البنية التحتية ومركزية الإدارة، إلى نشوء بيئة خصبة لاتخاذ قرارات فرض الرقابة على الإنترنت والمراقبة الجماعيّة على المستخدمين/ات. فهل يشهد عام 2023 انفراجات أم سيكون حلقة جديدة من سلسلة الانتهاكات المستمرّة لحقوق الإنسان؟