"تضارُب المعلومات والدعاية الاستقطابية يخلقان حالةً من الارتباك، ويمكن أن يتسبّبا بضررٍ فعليّ في الميدان."
نشر أولًا على سمكس.
انتشرت خلال الشهر الماضي معلوماتٌ مضلّلة عبر منصّات التواصل في السودان بكثافة، إذ تتنافس القوّات المسلّحة السودانية وقوّات الدعم السريع شبه العسكرية للسيطرة على الخطاب المتداول عبر الإنترنت، مهما بلغَ الثمن.
لطالما شهدت المساحات الرقمية في السودان موجات من الأخبار الكاذبة والمعلومات المضلّلة، خاصة أثناء النزاعات المسلّحة والاضطرابات السياسية. من ناحية، تعتمد قوّات الدعم السريع إلى حدّ كبير على التغريدات والسلوك المُزيَّف لنشر أفكارها والتأثير على الرأي العام المحلّي والدولي. وبدرجة أقلّ، يستعين الجيش السوداني بتطبيق “تويتر” للتصدّي لمزاعم قوّات الدعم السريع ورفع معنويات الجيش بادّعاءات كاذبة حول “الانتصار”.
حرب المعلومات على “تويتر”
المعلومات المضلّلة هي معلومات كاذبة تهدف إلى التضليل، وتُدار في معظم الأحيان على يد منظّمات حكومية ومنافسين سياسيين من أجل الترويج لخططهم. ومن أخطر نتائجها أنَّها تضع حياة الفئات الأكثر هشاشةً في دائرة الخطر. خلال فترات النزاع أو النزوح، عندما يصبح الوصول إلى الضروريات مثل الطعام والماء محدودًا، يعتمد الناس غالبًا على المعلومات الصادرة عن جهات رسمية على وسائل التواصل بمثابة شريان حياة.
في مقابلةٍ مع سمكس، قالت الناشطة السودانية-الأميركية في مجال حقوق الإنسان والمستشارة المستقلّة عزاز الشامي: “يلجأ كلّ مَنْ يبحث عن ملاذ آمن بعيدًا عن النزاع إلى وسائل التواصل للاطّلاع على أحدث الإرشادات والموارد؛ فتستغلّ الحسابات المزيّفة قلق المواطنين/ات لتُضلِّل المحتاجين”.
إنَّ حساب “قوّات الدعم السريع” على “تويتر”، الحاصل على العلامة الزرقاء والذي يضمّ أكثر من 100 ألف متابع، مع شبكة الدعم على الإنترنت، يؤدّي دورًا رئيسيًا في نشر المعلومات المضلّلة. تعمل الصفحة بدون ضوابط على تطبيق “تويتر” بالرغم من أنَّ الجماعة شبه العسكرية ارتكبت جرائم لا تُحصى ضدّ الإنسانية في السودان، ممّا يُثير تساؤلات جدّية حول مدى التزام المنصّة بحماية حقوق الإنسان.
ساعد موقع “تويتر” قوّات الدعم السريع من خلال السماح لها بالتواجد رسميًا على شبكة الإنترنت ومنحها منصّة افتراضية للإعلان عن توجّهاتها. على سبيل المثال، ترافقَ الهجوم الأخير على العاصمة السودانية في 12 أيّار/مايو مع تغريدات عدائية من قوّات الدعم السريع تدّعي فيها زورًا السيطرة الكاملة على الخرطوم ومعلومات مضلّلة أخرى. في المقابل، أفادت وكالات إعلامية موثوقة ومصادر مقرّبة من سمكس بأنَّ القتال مستمرّ في العاصمة، بعكس ما تزعمه قوّات الدعم السريع.
لقطة من الحساب الرسمي لجهاز المخابرات العامة السوداني على تطبيق “تويتر” في 10 أيّار/مايو 2023
كذلك، أطلقت قوّات الدعم السريع حملة تشهير ضدّ الجيش السوداني عبر موقع “تويتر”، مُتّهمةً إيّاه باستهداف المدنيين. نُشِرَت هذه التصريحات باللغتَيْن العربية والإنجليزية للتلاعب بالرأي العام على الصعيدَيْن المحلّي والدولي.
فيديو من قوّات الدعم السريع تزعم فيه السيطرة على كامل العاصمة في 12 أيّار/مايو 2023
قالت عزاز الشامي لـ سمكس إنَّ “النزاع في السودان مُحتدم بشكل متطرّف جدًا، ونبرة الانقسامات تُهيمن على الخطاب السياسي”، موضِحةً كيف تستعين قوّات الدعم السريع بتطبيق “تويتر” لإنشاء خطاب إلكتروني معقّد. أجرى مستشار الأبحاث الرقمية في سمكس بحثًا دقيقًا وتنقيبًا وافيًا في التغريدات العائدة إلى قوّات الدعم السريع بين 15 أيّار/مايو و15 نيسان/أبريل 2023، ممّا كشفَ عن الاستراتيجية التي تنتهجُها هذه المجموعة لنشر أجندتها. إليكم بعض الأمثلة عن أبرز الهاشتاغات الأكثر استخدامًا:
العربية | الإنجليزية | النسبة المئوية |
قوات_الدعم_السريع | Rapid Support Forces | 20% |
حراس_الثورة_المجيدة | Guards of the glorious revolution | 14% |
معركة_الديموقراطية | The Battle for Democracy |
14% |
الهاشتاغات الأكثر استخدامًا بين 15 نيسان/أبريل و15 أيّار/مايو 2023 والعائدة لقوّات الدعم السريع على تطبيق “تويتر”.
إنَّ التركيز بشكل مفرط على الدور البطولي لدقلو، زعيم قوّات الدعم السريع، ودوره في هجومهم العسكري، ووصفها بـأنَّها “ثورة” و”معركة من أجل الديمقراطية” في الهاشتاغات، هو نوعٌ من التضليل لأنَّ قوّات الدعم السريع هي مجموعة شبه عسكرية تُحاول الاستيلاء على السلطة السياسية بالقوّة. نُشِرَ أكثر من 15% من تغريدات قوّات الدعم السريع بين 15 نيسان/أبريل و15 أيّار/مايو باللغة الإنجليزية، مع التشديد على نشر معلومات مغلوطة عن الجيش السوداني وإظهاره بصورة سلبية مضلّلة أمام الرأي العام الدولي.
في أمثلة أخرى، تستخدم قوّات الدعم السريع تصريحات المدنيين كمقاطع فيديو ترويجية، حيث يُصوِّرون التجّار والسائقين وهم يعيشون “بشكل طبيعي” تحت سيطرة قوّات الدعم السريع، ممّا يؤدّي إلى تضليل المواطنين/ات والتلاعب بالرأي العام لصالحهم. في الحقيقة، يُنشئ مقاتلو قوّات الدعم السريع قواعد لهم في الأحياء السكنية وبين المنازل من أجل التقليل من مزايا الأسلحة الثقيلة للقوّات المسلّحة السودانية.
من ناحية أخرى، يلجأ الجيش السوداني إلى أساليب دفاعية مضلّلة لرفع معنويات الجنود والحفاظ على الدعم الشعبي للحكومة. وللأسف، يتسبّب هذا النهج بضررٍ كبير للسكّان، ممّا يُعرِّض الفئات الهشّة بشكل خاصّ للخطر.
بدوره، أشارَ خبير الحقوق الرقمية خطّاب حمد، في مقابلةٍ مع سمكس، إلى حالات التضليل التي شكّلت خطرًا كبيرًا على معيشة الشعب السوداني وسلامته. ومن الأمثلة على ذلك ادّعاء الجيش السوداني زورًا بأنَّه استعاد السيطرة على المبنى الرئيسي لمحطّة الإذاعة والتلفزيون في العاصمة، في حين أنَّ ذلك لم يحصل في الواقع.
القوّات المسلّحة السودانية تدّعي أنّها استعادت السيطرة على المبنى الرئيسي للإذاعة والتلفزيون في الخرطوم، 17 نيسان/أبريل، 2023
تُساهِم هذه التصريحات المزيّفة حول الانتصار بـإعطاء المواطنين/ات والصحفيين/ات إحساسًا وهميًا بالأمان فيما لا يزال هناك خطر على أرض الواقع، بدلًا من تنبيههم/ن لتوخّي المزيد من الحذر. وقالَ مصدرٌ محلّي لـ سمكس إنَّ صحفيًا يعمل في وكالة أنباء محلّية قد زارَ مبنى الإذاعة والتلفزيون مباشرةً بعد التصريح، فوجدَ مقاتلين من قوّات الدعم السريع في مواجهةٍ كانت لتكون مُميتة.
أخيرًا، يزعم الجيش السوداني زورًا أنَّ الأمن مضبوط في العاصمة السودانية ومناطق أخرى، على الرغم من كونها ساحة معركة للقوى المسلّحة من الجانبَيْن. وبحسب حمد، أدّت هذه المزاعم إلى تعريض العديد من العائلات لخطرٍ مباشر، وتحديدًا تلك التي نزحت إلى مناطق أخرى. فالتغريدات والبيانات الرسمية الصادرة عن القوّات المسلّحة السودانية والصفحات التابعة لها والتي تصف المعارك بأنَّها “مجرّد مناوشات محدودة” تُخفي الخطورة الفعلية للقتال وبالتالي تضع حياة ملايين الأشخاص في دائرة الخطر.
يمكن قراءة التحليل بالكامل على موقع سمكس.